لجريدة عمان:
2024-07-06@21:39:59 GMT

نوافذ :المكر السيئ

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

[email protected]

توجد «سوسة» تستنزف أرصدتنا من الحسنات، ومع ذلك نحرص على تربيتها، ونغذيها كل يوم؛ فتتفرع، وتكبر وتتوحش، حتى تغلف علينا رؤيتنا البصرية، وتحجب البصيرة، فلا نرى من خلالها إلا أنفسنا، وبها نواجه الآخرين في أفعالهم الصحيحة والخاطئة على حد سواء، فالصحيح من أفعالهم يتماهى وفقا لتقييماتنا، مع أنه صحيح؛ والكل يجمع على ذلك، والخطأ من أفعالهم لا يجد متسعا للمغفرة، بل نراكمه على الأرصدة السابقة من الأخطاء، وعندها نجد المسوغ الأقوى للإساءة إلى هذا الآخر، فقناعاتنا أن هذا الآخر هو على طول خط سيره الأفقي مخطئ، وأخطاؤه لا يمكن أن تغتفر، والمحصلة أنه سيئ، وهكذا نجد لمواقفنا، وآرائنا المسوغات، وفي المقابل نُحَيّدُ أنفسنا على أن تكون ضمن هذا التقييم، فنحن أتقياء إلى حد التميز، ولذلك لا نتحمل نقد الآخرين، وقد نعدّه نقيصة لا تغتفر.

نقوم بكثير من الأعمال الصالحة في ظاهرها (صلاة؛ صوم؛ زكاة؛ صلة رحم؛ أعمال تطوعية؛ صدقات) ولا نكاد نغادر موقعا من هذه المواقع بعد تأدية عمل ما من هذه الأعمال إلا ونكيل للطرف الآخر شيئا من التهم، حيث تتسلسل الملحوظات والتهم، لكل الأطراف التي تعاملنا معهم، وتعاملوا معنا في هذه المواقع، وبالتالي فمجموعة الحسنات التي -إن كتب لنا شيئا من القول، والعلم عند الله- لا نلبث بأقوالنا وأفعالنا إلا أن نمحوها ولا نبقي لها أثرا، والأشد ألما في هذه المواقف أننا نمارس غوايتنا السيئة دون أن يشعر الطرف الآخر بمأزق ما هو فيه، حيث يرى فينا الصلاح، فنحن نجاوره في الصفوف في صلاته، ونقدم له المساعدة المادية، ونؤدي حقه من الزكاة، ونعينه في المواقف الصعبة، ونتعاون معه في الخدمة العامة، فيصفق فرحا وانتشاء بأن الإنسانية عند فطرتها الأولى، ولا يدري «الأخ» أنه بعد مغادرته، أو مغادرتنا من حوله، نُفَعّلْ الـ «سوسة» المتربصة في دواخلنا، حيث يبدأ المشرط في تجريح ما هو مستقيم، وتقطيع ما هو متواصل (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا؛ ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ...) ولأنه مكر سيئ، لا ندري نحن - في المقابل - أن السهام سوف ترتد إلينا، وأن هذه السوسة التي نغذيها بالإساءة إلى الآخر، تَنْقَضُّ علينا حينا، فتلتهم تحويشة العمر من الدرجات، والحسنات، ونحن لا نزال في مواقعنا؛ لم نغادرها بعد.

هذه خصوصية بشرية بامتياز، وأجزم أن الكائنات الأخرى التي نتقاسم معها هذه الحياة لا تعيش مأزق (الكره؛ النفاق؛ الكذب؛ الخداع؛ استغلال المواقف؛ الكيل بمكيالين، وما تخفي الصدور ...) والقائمة تطول، فهي إن تتحرك تتحرك بشبع غريزتها، ومتى ارتوت توقفت عند هذا الحد حتى تستعر هذه الغريزة مرة أخرى فتبحث عما يطفئها، ولو شربت ماء من نهر جارٍ لكفاها؛ حيث تمتلئ الصحاري بالأنهر والبحيرات للارتواء، وللتطهر.

(المكر السيئ) وبنص الآية الكريمة: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) - الآية (43)؛ سورة فاطر -. وشرح هذه الآية وآيات أخرى مماثلة، كلها تضع اللوم والتقريع على كل من يمارس المكر السيئ، ويسيء للآخرين، وإن هذا المكر سيعود على صاحبه بالويل، والعذاب الأليم، والعبرة هنا: كم هي الحسنات التي يمكن أن نفرط بها، بممارسات غبية، ولا تعبر عن الحكمة والشخصية المتزنة؛ التي كُلِّفَتْ بعمارة الكون، وإصلاحه، وكل الممارسات السيئة التي تعكس جوانب من هذا المكر، معروفة عند كل فرد، وبالتالي فمن استغبى نفسه، فليتحمل مآلات الأفعال ونتائجها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حرب التجويع

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي قطاع غزة، وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم البيوت الآمنة على رؤوس سكانيها، فضلا عن الحرمان من النوم والدواء والطعام والماء.
وكان العالم كله قد ضجّ عند رأى أجساد الشيوخ والنساء والأطفال ممزقة تحت الردم وركام الأبنية، وصولا إلى المستشفيات، ومن فيها من جرحى ومرضى وأطباء وممرضين وعاملين.
فلم يكتف أعضاء مجلس الحرب الصهيوني بالإبادة المهولة التي أفزعت العالم كله، ليرتفعوا بخطر الموت الجماعي، من خلال التجويع، إلى المساس بكل الشعب.
وباللجوء إلى هذا المستوى من حرب الإبادة، تكون قد وصلت هذه الحرب إلى مستوى تسميم المياه، وبث الغازات السامة في الهواء، والتجويع الشامل، أي تجاوز أعلى مستوى من المحرمات الدولية في الحرب، وأعلى مستوى في القتل الجماعي، الأمر الذي يفرض أن تعلو أخطار الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة إلى أعلى مستوى، لتصمّ آذان الرؤساء العرب أولا، والرؤساء المسلمين ثانيا، وضمائر سكان المعمورة جميعا، كما الهيئات الدولية، ابتداء من هيئة الأمم المتحدة، ونزولا إلى المنظمات الإنسانية، إلى الجامعة العربية، فقد وصلت هذه الجريمة حدا لا يجوز لأحد السكوت عليه أو تجاهله، بل ضرورة الردّ على هذه الجريمة بمختلف أشكال الردود.
صحيح أن المقاومة والشعب في قطاع غزة ما زالا في المواجهة، ولن يَفتّ من عضُدهما استمرار التصعيد بالقصف والقتل الجماعي، ولن يضعفهما تحدّي المجاعة، بالصبر والإيمان، وبتصعيد المقاومة، تصعيدا راح يذهل العدو، فالعمليات العسكرية التي عرفتها بضعة الأسابيع الماضية، توحي وكأن المقاومة بدأت من جديد، كما بعد انتهاء أكتوبر 2023م.
صحيح أن الاتجاه العام للحرب البريّة ككل، والتعاطف العالمي مع شعب غزة البطل في صموده أمام الإبادة البشرية، والتدمير شبه الشامل، ما زالا على أشدّهما.. وصحيح أن عمليات نصرة محور المقاومة تصعدت بدورها، إلى حدّ أصبح فيه الوضع مهددّا باندلاع حرب إقليمية، كما عبّرت عن ذلك تصريحات في مسؤولين حكومة نتنياهو بشنّ حرب شاملة على لبنان.
ولكن مع كل هذا الصحيح، فإن مجموعة العوامل الفاعلة محليا غزاويا، وفلسطينيا، وإقليميا، وعالميا، كما ملاحظة تفاقم التناقضات التي أخذت تلف حبلا حول عنق نتنياهو، إلا أن الارتفاع بالإبادة إلى مستوى التجويع الجماعي للشعب كله، يتطلب مضاعفة تلك العوامل لإحباط حرب الإبادة، وحرب العدوان، وذلك للإسراع بانتصار غزة المحتوم بإذن الله.

مقالات مشابهة

  • سر مشروب تتناوله أسماء جلال ينسف الدهون في الجسم.. «بيجيب من الآخر»
  • عشان متتصدمش في الآخر.. حل امتحان الجغرافيا للثانوية العامة 2024
  • صحف إسبانيا وألمانيا بين «القلب النقي» و«الخاسر السيئ»!
  • حرب التجويع
  • حلم الانتخابات
  • الداخلية تكشف تفاصيل فيديو لأطفال يخرجون من نوافذ سيارة ملاكي حال سيرها بالمنصورة
  • «الدخلية» تكشف تفاصيل فيديو أطفال يخرجون من نوافذ سيارة بالمنصورة
  • الوجه الآخر لمنال عوض وزيرة التنمية المحلية.. «حضرت حفل زفاف فتاة يتيمة»
  • موظفون حزبيون خارج إعلامهم
  • المرتضى: الاتفاق على ضمّ محمد قحطان ضمن صفقة تبادل الأسرى