أحمد بهجت يكتب: الله.. الوطن.. الشرف
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
أحياناً يحس الإنسان أنه يواجه موقفاً لا يستطيع التعبير عنه بأى كلمات..
تبدو الكلمات هنا ظلماً للمشاعر، فهى لن تعبر عنها مهما حاولت، ولن ترتفع لمستوى الموقف مهما جاهدت..
أعيش كمصرى هذه اللحظات الآن..
ماذا يمكن أن يقال عن بدء حرب تحرير سيناء؟
إن حركة الجيش المصرى نحو سيناء لم تكن مجرد عبور لمانع مائى من أجل تحرير أرض محتلة.
أعترف أننى لا أفهم كثيراً فى السياسة، كما أعترف أن معلوماتى العسكرية لا تزيد عن قراءة مذكرات القادة العسكريين، غير أن ما أعرفه جيداً أن حركة الجيش المصرى نحو سيناء قد أذابت فى روحى، كما أذابت فى أرواح الملايين، هماً غامضاً كئيباً كان يسجننا جميعاً.. بعدها بدأت مراسم التطهير المقدس.
ولقد أوشكت أن أعتقد أن سيناء لم تعد بعد أسرها جزءاً من التراب المصرى، إنما صارت عضواً يدق فى صدر مصر، جوار القلب.. عضواً يدق دقات متتالية فاجعة ويغذى الجسد كله بدفعات من الألم الهادئ، الذى يجعل الحياة تفقد مذاقها، ويتساوى فيها النجاح والفشل كما يتساوى فيها الحب والكراهية.. ولهذا السبب أحسست أن الجيش لم يكن يحرر سيناء، إنما كان يحررنا نحن من الأحزان والكآبة وهذا الشعور الخانق بالعار، وهذا الخوف من حكم الأجيال المقبلة.. لم تكد أنباء القتال تبدأ حتى تغير طعم الأشياء حولنا فجأة.. تحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُهزم ولا يُطال.
تحطمت أسطورة الشعب المصرى المغلوب على أمره.. المستسلم لأحزانه..
تحطمت أساطير كثيرة جاهد العدو ليغرسها فى نفوسنا.. محاولاً أن يصل بنا إلى الشاطئ الآخر من اليأس.. ومن المدهش أن المعجزة قد وقعت بعد انتهاء زمن المعجزات، وأخذت شكل المعجزات التقليدى، بمعنى أنها وُلدت فى اللحظات التى كان اليأس فيها يكاد يعتلى عرشه.
ومن قلب اللامبالاة والجمود الصامت.. انبعث الأمل فجأة.. وارتدّت الموجة تزخر بالصحة والحماس والإيمان.. واكتسحت الموجة أمامها كل المستحيلات.
ومن المعروف أن المعجزات لا تقع للنائمين، ولا تصل آثارها للكسالى، إنما تقع المعجزة حين تقع، بعد أن يقدّم الناس فكرهم ودماءهم وأموالهم كثمن مبدئى.. بعدها تقع المعجزة.
ولقد كانت أول كلمة ترتفع فوق سيناء والعلم المصرى يعود إليها كلمة تقول «الله أكبر»، وهكذا قاتل الإيمان مع جنود مصر، كما قاتل معهم العلم والشجاعة، بعدما انهزم المستحيل وتبدّدت الأسطورة، وعادت رايات النصر واليقظة، ولا تحسب أننا نبالغ لو قلنا إن بعث الإنسان والوطن قد بدأ بحركة تحرير سيناء ورد الاعتداء..
إن الإيمان بالله قد أعاد إلينا الوطن والشرف.
حمداً لله كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه..
وشكراً للأمة العظيمة التى استطاعت، رغم قسوة الظروف، أن تصنع قائداً له حكمة أنور السادات وله جوهره.. أما ضباط الجيش وجنوده فليس لدينا شكر نسوقه لهم.. إنهم فى نهاية الأمر أرواحنا التى تحارب من أجلنا.. وهم أعز علينا الآن من الروح وأغلى.
«الأهرام» - 12 أكتوبر 1973
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حرب أكتوبر حرب الاستنزاف ملحمة العبور خط بارليف الجيش الذي لا يقهر
إقرأ أيضاً:
لا قطيعة بين الجيش وحزب الله والبترون تكشف المستور
كتب رضوان عقيل في" النهار": لم يتقبّل "حزب الله" وجهات سياسية تدور في فلكه عدم إصدار الجيش بياناً يوضح فيه كيفية اختطاف القبطان البحري عماد أمهز في البترون.ولم يأت كلام الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم من فراغ في دعوته قيادة الجيش إلى توضيح حقيقة الإنزال البحري لمجموعة كومندوس إسرائيلية اعتقلت أمهز. والذين لا يلتقون مع الحزب من سياسيين وأمنيين يسألون في المقابل عن الخروق الإسرائيلية التي استهدفت قيادات كبيرة في الحزب وفي مقدمها السيد حسن نصرالله أي بمعنى أن هذه الاعتداءات تستهدف كل البلد.
ولا يمكن إخفاء أن ثمة إحراجاً يسود الجهات الأمنية الرسمية في عدم التوصّل بعد إلى خلاصة تحقيق نهائي حيال ما حصل على شاطئ البترون. ونوقش الموضوع بإسهاب في اجتماعي قائد الجيش العماد جوزف عون مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي اللذين طلبا منه إجراء تحقيق جدّي يبيّن كل وقائع هذا الخرق الذي درجت إسرائيل على ممارسته منذ أكثر من نصف قرن في بيروت والجنوب. ويتولى الجيش التحقيق في البحر ومراجعة داتا الرادارت على أن تقوم شعبة المعلومات بالتحقيقات على الأرض.
وعند مراجعة وزارة الخارجية لعدم تقديمها شكوى أمام مجلس الأمن وتبيان خطورة الخرق الإسرائيلي تلقى المعنيون رداً بأنه لا يمكن تقديمها قبل صدور بيان رسمي من المؤسسة العسكرية للاستناد إلى معطياته.
ودرجت مديرية التوجيه على إصدار بيانات من هذا النوع، وهذا هو الحد الأدنى الذي كان على الجهات اللبنانية المختصة اتباعه لتسليط الضوء على هذا الاعتداء ضد مواطن لبناني خُطف في منطقة بعيدة من ميدان المواجهات في الجنوب. وهذا الأمر سيحرج واشنطن والدول التي تقول إنها تقف في وجه الإرهاب.
ولم تحسم الجهات العسكرية كيفية حصول هذه العملية إلى الآن وكيفية تخطي القوة الإسرائيلية البحرية الألمانية أو الحديث عن حصول تشويش على رادارت الجيش. وثمة من يضع أكثر من فرضية لعملية الخطف، منها أن تكون مجموعة لبنانية نفذتها وسلمت المخطوف إلى إسرائيل مع ملاحظة أمنيين أن العناصر الذين ظهروا في الفيديو اليتيم يحملون بنادق ليست حديثة ولم يعد الإسرائيليون يستعملونها فضلاً عن التوقف عند الألبسة التي كانوا يرتدونها.
وبالعودة إلى علاقة الحزب بالمؤسسة العسكرية، من غير الخافي أن ثمة تنسيقاً أمنياً قائماً بين الطرفين ولم ينقطع ولاسيما في الجنوب على ضوء التهديدات الإسرائيلية التي تطاول الجهتين ولو أنهما لا يلتقيان في جملة من التفاصيل.
وفي السياسة ثمة من يرى أن المؤسسة العسكرية لم تتلق بارتياح كلام قاسم وتعليقه على خرق البترون وقد يكون لكتلة الحزب رد فعل هنا من التمديد المتوقع لقائد الجيش قبل الأسبوع الأول من العام المقبل وإن كانت تعرف أن لا مفر من التمديد للرجل لجملة من الأسباب المحلية والخارجية. ولم يعد خافياً أن السفيرة الأميركية ليزا جونسون طلبت بطريقة مباشرة من الرئيس بري العمل على تسهيل جلسة التمديد وكان ردّه أن من المبكر الآن الدخول في هذا الموضوع زائد أن الأخير، فضلاً عن الحزب، لا يظهر تأييده لحلول عون في الرئاسة الأولى، ولو أنهما لا يبديان اعتراضهما عليه في شكل ظاهر. وعندما يسألهما عنه موفدون وديبلوماسيون من "الخماسية" وغيرها يردان بطريقة ديبلوماسية أن انتخابه يحتاج إلى تعديل دستوري أولاً.