الوطن:
2025-03-10@03:04:05 GMT

محمد حسنين هيكل يكتب: محاولة تصور للموقف

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

محمد حسنين هيكل يكتب: محاولة تصور للموقف

كانت حالة اللاسلم واللاحرب قد طالت بأكثر مما هو لازم لأى شعب يريد أن يحتفظ بحيويته النضالية، ولكن القرار لم يكن سهلاً، خصوصاً أن الملابسات المحيطة بالعمل الوطنى فى مصر -وربما فى غيرها من بلاد العالم النامى كله- تضع مسئولية القرار على كتفى رجل واحد.

أى أنه بالنسبة لأنور السادات، فإن القرار كان مصيرياً، وفى الوقت نفسه فقد كان عليه أن يتخذه وحده.

وربما كان من حقه وواجبه أن يسمع وأن يناقش، لكنه فى النهاية كان مطالباً بأن يكون وحده، عقلاً وقلباً وضميراً، ثم يصل إلى القرار ويتحمل تاريخياً مسئوليته.

وأتذكر حواراً مع أنور السادات جرى فى مساء يوم الجمعة 21 سبتمبر الماضى فى شرفة استراحة برج العرب المطلة على البحر...

كان جالساً أمامى فى صمت لبعض الوقت، وكان فيما بدا يتأمل منظر غروب الشمس فى هذه البقعة الجميلة من شاطئ مصر الغربى، لكنه فجأة شد نظره عن مشهد الطبيعة المهيب ليقول لى:

- «إن القرار بالنسبة لغيرى تعامل مع الأفكار والتقديرات والاحتمالات، وأما بالنسبة لى فإن القرار تعامل مع الحياة والموت، والمسألة لا تتعلق بشخصى فقد عرفت الحياة وواجهت الموت، ولكنها تتعلق بألوف... مئات الألوف من الرجال سوف يأخذون الكلمة منّى... وفوق ذلك هناك كرامة ومستقبل وحياة أمة فى الميزان».

ولم أشعر أننى أحس بأزمة «الاختيار الإنسانى» كما أحسست بها فى تلك اللحظة. لكن ذلك كان دوره وكان قدره كما قال هو أكثر من مرة...

كان «اختياره» هو «القرار» وكان «القرار» هو التعبير عن «الإرادة» الوطنية والقومية..

وربما كان من الإشارات ذات المعانى أن أنور السادات بعد أن استقر قراره على أنه سوف يقبل أول تحدٍّ يقوم به العدو اختار لما سوف يقوم به اسماً رمزياً لا يخطر بسهولة على البال...

كان الاسم الرمزى الذى اختاره بنفسه لما ينوى أن يفعله هو: «الشرارة».

... كيف خطر له هذا الاسم؟.. ما الإيماءات والإيحاءات الكامنة فيه؟

- إنه وحده الذى يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة ولكن.

الاسم معبأ بالكثير: الأمل... اللهب... البعث... وغير ذلك وغيره!

حققنا بعد ذلك «اجتياز حائط الخوف» وذلك شىء بالغ الأهمية فى حياة أى أمة مهما كانت النتائج.

وكان «حائط الخوف» متمثلاً فى عبور قناة السويس وفى اقتحام خط بارليف.

القناة نفسها حاجز مائى من أصعب الحواجز.

وخط بارليف على حافتها سلاسل متصلة من المواقع الحصينة استفاد بدروس الحصون الشهيرة فى الحرب العالمية الأخيرة: خط ماجينو الفرنسى وخط سيجفريد الألمانى.

وكان كل الخبراء العسكريين فى العالم وبغير استثناء يرون عملية العبور صعبة... كان تقديرهم أنها ليست مستحيلة، ولكن مخاطرها تفرض التفكير طويلاً، ثم إنها تتطلب تضحيات ليس من السهل قبولها.

ولست أظن أن الوقت ملائم لشرح الطريقة التى تمكنت بها القوات المسلحة المصرية من اجتياز حاجز الخوف: عبور القناة تحت النار واقتحام خط بارليف، وإن كنت أقول على الفور إن واحداً من أفلام التليفزيون التى عرضت على الناس قد ظلم هذه العملية المجيدة ظلماً فادحاً؛ فقد ذهبت العدسات إلى مواقع بدء العبور فى اليوم التالى وكان المسرح كله قد انتقل إلى الضفة الشرقية وبدت الصورة كما ظهرت على شاشة التليفزيون أمام الناس وديعة مسالمة كأنها رحلة على بحيرة وهى لم تكن كذلك حقيقة فى اليوم السابق!!

كانت عاصفة برق ورعد، وكانت ملحمة شجاعة وتضحية..

كانت صفحة القناة ناراً ودماً، لكن الرجال لم يترددوا، ويوم تكتب القصة الكاملة لطلائع العبور التى اجتازت القناة -وسط الصواعق- فى قوافل من قوارب المطاط لتمهد لإقامة الجسور على الضفة الشرقية، فإن أمة بأسرها سوف تشعر بأنها عاشت لحظة من أعظم لحظات حياتها.

.. لقد انطلقت الكتائب والألوية والفرق تشق طريقها وسط الخطر إلى الضفة الأخرى وعبرت أجزاء ضخمة من هذه التشكيلات فعلاً إلى الضفة الشرقية ولم تكن جسور العبور قد تم تركيبها.

كان بالرجال شوق إلى الانطلاق.

كانوا يشعرون أنهم تحملوا بما لا طاقة لهم به وبما لا ذنب لهم فيه، وقد أحسوا بالجرح فى أجسادهم وفى جسد مصر، وكأنهم أرادوا أن يؤكدوا، بما لا يدع مجالاً للظن، قدرتهم على القتال واستعدادهم له.

وفى ثلاث ساعات من بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، ما بين الثالثة إلى السادسة مساء كانت مصر، وكانت الأمة العربية كلها، قد اجتازت «حائط الخوف»!

«الأهرام» - 12 أكتوبر 1973

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: حرب أكتوبر حرب الاستنزاف ملحمة العبور خط بارليف الجيش الذي لا يقهر

إقرأ أيضاً:

محامية أسرة طفلة الشرقية: حالة من الخوف لمعظم الأسر المصرية بعد الواقعة

أكدت بسينة غنيم، محامية الطفلة المعتدية عليها في الشرقية أن تلك الواقعة التي حدثت للطفلة داخل أحد المساجد أثرت على معظم الأسر، وخلقت حالة من الخوف على أبنائهم، خوفا من تعرضهم لأي أذى.

جريمة بشعة في نهار رمضان.. المؤبد يواجه المتهم بهـ.ـتك عرض طفلة بالشرقيةالوحدة العامة لحماية الطفل بالشرقية تعقد اجتماعاً للجنة المحلية لبحث سبل تفعيل الدور المجتمعي

وقالت بسينة غانم، خلال مداخلة هاتفية لبرنامج “حضرة المواطن”، عبر فضائية “الحدث اليوم”، أنه تم القبض على المتهم، وتم فتح تحقيق فوري مع المتهم، وأعترف بالواقعة كاملة، وتم حبسهة 15 يوم على ذمة التحقيق.

الحادثة تمت في الحي العاشر في الشرقية

متوقع أن يتم الحكم بأقصى عقوبة على المتهم، ترضي أسرة الطفل، وترضي المجتمع، مؤكدا أن الحادثة تمت في الحي العاشر في الشرقية.

مقالات مشابهة

  • محامية أسرة طفلة الشرقية: حالة من الخوف لمعظم الأسر المصرية بعد الواقعة
  • نجم واعد يصدم الاتحاد الجزائري لكرة القدم بهذا القرار
  • أحمد هيكل: مصر وجهة استثمارية واعدة.. وعلينا تسريع وتيرته لدفع عجلة الاقتصاد
  • محمد صلاح يكتب التاريخ في الدوري الإنجليزي ويقترب من أساطير مانشستر يونايتد
  • استعراض مستجدات مشروع تطوير قرية وكان
  • د. محمد بشاري يكتب: الاجتهاد المتجدد: ضرورة فقهية لتجسيد المؤتلف الإسلامي الفاعل
  • 5 دقائق كانت كافية.. دونجا يمنح الزمالك التقدم على مودرن سبورت «فيديو»
  • «كانت على ليدي جاجا».. رامز جلال يسخر من ملابس وحذاء بسمة بوسيل في «رامز أيلون مصر»
  • نجم الأهلي: مباراة بيراميدز مع الزمالك ستحدد بطل الدوري وكان لابد من تأجيل القمة
  • تأجيل التعيينات الامنية لاسبوع والعميد الركن رودولف هيكل الأبرز لقيادة الجيش