نجيب فاضل.. شاعر الحركة الإسلامية التركية ومفكرها
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
"لو كنا نتحدث اليوم عن تركيا جديدة وكبيرة، فإن لجهود نجيب فاضل دورا في ذلك".. بهذه الكلمات تحدث الرئيس التركي عام 2016 عن رجل لم يكن سياسيا بالمعنى المفهوم، ولا كان قائد حركة منظمة، بل كان شاعرا ومفكرا إسلاميا.
جاء نجيب فاضل إلى المشهد التركي في لحظة تاريخية فارقة، فعاند مسار الأحداث، ورسم حلما كان التفكير فيه ممنوعا في ذلك الوقت، وعوقب فتحمل وثابر، فنجح.
ولد نجيب فاضل في 1904، في أسرة ثرية محافظة تمتهن القضاء، وما بلغ شبابه حتى انهارت الخلافة العثمانية، وبدأ فصل جديد غريب على تاريخ الأناضول الممتد، فالدولة الجديدة علمانية، لها موقف من الدين، وهو في تلك اللحظة دون العشرين من العمر ولكنه مر بتجربة تعليمية ثرية، تعلم خلالها القرآن، ودرس في مدرسة فرنسية، فأميركية، فتركية.
ثم التحق بمدرسة الفنون البحرية التي تفجرت خلالها قريحته الشعرية، ثم بقسم الفلسفة بجامعة إسطنبول، ولذلك لم يلبث أن أرسلته الحكومة الجديدة إلى فرنسا ليدرس في "السوربون" بعد عام واحد من قيام الجمهورية، وهناك عاش حياة ترف وجموح انتهت إلى تصوف وتدين.
في حديثه خلال إحياء ذكراه عام 2016، تحدث أردوغان عن تجربة اقترابه الشخصي من الشاعر في السبعينيات من القرن الماضي، وقال عنه إنه لم يكن مفكرا فحسب، بل كان رجل عمل، وأضاف: "إنّه مدرسة أنشأت الآلاف من الشباب، لقد كان وحده منبعا يغترف منه الجيل، بشكل لم يسبقه إليه أحد".
وتابع أردوغان "قد يظن البعض أن نجيب فاضل هو امتداد لتجربة محمد عاكف (وهو شاعر تركي آخر) لكنني أقول إنه لم يكن له سلف قبله، إذ، للأسف، لم تكن لعاكف قاعدة لنشر أفكاره في عهد الجمهورية. أما نجيب فاضل فقد حقق نجاحا عالميا ومحليا في وقت كان كل شيء فيه غريبا، وتمكن من مواصلة هذا النجاح والسعي رغم الهجمات التي وجهت نحوه. وهذا ليس بقليل. نجيب فاضل كنز كبير لتركيا وأبنائها. لقد كان هُنا في وقت لم يكن فيه أحد".
وقال الرئيس التركي إن مجلة الشرق الكبير التي دأب نجيب فاضل على إصدارها طوال حياته الأدبية التي تجاوزت 35 عاما -ومنعت من النشر 15 مرة خلال هذه الفترة- تعد بمثابة مغزلا لنسج الأفكار لجيل تلك الحقبة وأردف: "لم تكن حياته أبدا حديقة ورد بلا شوك، فقد عمل طوال عمره في سبيل تنشئة جنود من المفكرين، وناضل وتعب من أجل هذا الهدف. لقد اختار المشقة والمعاناة بدل الراحة والاطمئنان. لقد دخل هذا الأستاذ والشاعر والكاتب والمفكر السجن 8 مرات وانتقل إلى رحمة الله وهو محكوم عليه أيضا".
سنحمي الإيمان والتاريخوإن تكن من قصيدة تصلح مدخلا لفهم شخصية نجيب فاضل وتلخص سيرة حياته، ودوره في تشكيل المشروع الحضاري التركي الحديث فهي تلك التي ألقاها الرئيس التركي في حفل إطلاق جائزة نجيب فاضل عام 2016، وفيها يقول:
نحمي اللغة والتاريخ والإيمان والأخلاق
وإن ضاقت علينا الدنيا ومنع عنا الماء
سنمضي في دروبنا نتتبع النور
حتى وإن وضعوا العثرات في طريقنا
سنمضي بعزة وفخر
من السماء تمتد يد إلهية تمسح دموعنا
ويزهو وطننا في رفعة وبهاء
نمضي قدما.. تتذلل أمامنا كل العقبات
وتتفتح أعيننا على إشراقة نهار؛ لا ظلمة بعده
نواجه بالمقلاع الصواريخ والدبابات
ونُسمع الكون كيف هي البطولة
وإن ضاقت علينا الأرض بما رحبت
ومنع عنا الماء
فإن جدول أمتنا الخصيب يروي كل الدنيا
يوما ما ستغرب شمسنا نحن
ونرحل عن هذه الحياة
لكن أغنية مجدنا ستبقى ترددها الشفاه
جاء نجيب فاضل إلى المشهد التركي في لحظة تاريخية فارقة، فعاند مسار الأحداث، ورسم حلما كان التفكير فيه ممنوعا في ذلك الوقت، وعوقب فتحمل وثابر فنجح
الشجاعة في التعبير عن آمال الأمةكان فاضل فارسا عنيدا لا يقبل الانحناء أو الهزيمة؛ فوقف بجرأة يدافع عن آمال الأمة التي تواجه موقفا لم تعشه منذ قرون، ويقول عن ذلك الشاعر التركي آردم بايزيد: كانت حاجة الإسلام في تركيا ماسة إلى أن تدافع عنه شخصية أدبية وفكرية كبيرة مثل نجيب فاضل، وكان لسان الحال في ذلك الوقت يشبه حال مسلمي مكة في بداية الدعوة حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين".
من شجاعته، أنه بشّر شباب تركيا عام 1956 بأن "أيا صوفيا" ستعود مسجدا؛ فقال: "أيها الشباب لا أعرف هل سيكون اليوم أم غدا.. لكن ما أعرفه أن (أيا صوفيا) سيفتح مسجدا من جديد بكل تأكيد.. سيفتح اليوم أو غدا وستكسر أغلاله.. سيفتحه سيلنا الجارف؛ فبعد كل مطر سيل جارف، ومحققا سيفتح هذا السيل (أيا صوفيا)".
وكتب مقالا في مجلة "الشرق الكبير" يقول: "أيا صوفيا، لا تقلق سيحطم أحفاد الفاتح كل الأصنام، ويحولونك إلى مسجد، ويتوضؤون بدموعهم، ويخرون سجدا بين جدرانك، وسيصدح التهليل والتكبير ثانية بين قبابك، وسيكون هذا هو الفتح الثاني، وسيصدح الأذان من جديد، وأصوات التكبير من تلك المآذن الصامتة اليتيمة، وستتوهج شرفات مآذنك بالأنوار تقديسا لله، وشرف نبيه، حتى إن الناس سيظنون أن الفاتح بعث من جديد.. كل هذا سيحدث يا أيا صوفيا، والفتح الثاني سيكون بعثا بعد موت، وهذه الأيام باتت قريبة ربما غدا أو بعد غد".
في ذلك الوقت كان رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس في الحكم، وكان فاضل من أبرز الداعمين له وللحزب الديمقراطي الذي يترأسه، وكان مندريس بدوره يقدر الشاعر ويميل إلى آرائه، وكأن أحدهما كان مسؤولا عن رسم الحلم، والآخر عليه أن يجد طرقا لتنفيذه.. تعرض فاضل بسبب القصيدة لتهديد الجهات العلمانية، ولكن رئيس الوزراء دعمه، وفي عام 1959 زاره وأهداه ساعة من الذهب، وكتب معها رسالة تقول: إلى شاعر أيا صوفيا.
ورد فاضل الجميل لمندريس، فبعد الانقلاب على الأخير عام 1960، تضامن معه ودشن حملة لإطلاق سراحه ورفاقه، ولما أعدموه في 1961 كتب عددا من القصائد يرثيه فيها، ويستنكر ظلم سلطات الانقلاب.
ولأجل هذا الموقف سجن فاضل بعضا من الوقت، ولكنها لم تكن المرة الأولى ولا الأخيرة التي يزور فيها السجن بسبب آرائه، فقد دخله عدة مرات في حياته، وكانت المدة والسبب مختلفة في كل مرة، ومن ذلك:
1944: سجن 6 أشهر بسبب كتابه “المسألة الكبرى” الذي اعتبره النظام العلماني هجوما على الدولة والأمة. 1951: سجن 4 أشهر بسبب قصيدته "السكين" التي انتقد فيها الحكومة الديمقراطية والحزب الجمهوري. 1959: سجن 10 أشهر بسبب مقالته "الحقيقة المطلقة" التي دافع فيها عن الإسلام والشريعة وانتقد العلمانية والديمقراطية. 1960: سجن 3 أشهر بسبب تضامنه مع رئيس الوزراء عدنان مندريس والحزب الديمقراطي بعد الانقلاب العسكري. 1962: سجن 6 أشهر بسبب قصيدته "أغنية الموت" التي تحدث فيها عن شوقه للشهادة والجنة. 1964: سجن 3 أشهر بسبب قصيدته "أغنية الحزن" التي تحدث فيها عن ظلم الحكام والحاكمات. 1970: سجن 9 أشهر بسبب قصيدته "أغنية الغضب" التي تحدث فيها عن رفضه للانقلاب العسكري والحكومة المؤقتة. 1974: سجن 3 أشهر بسبب قصيدته "أغنية الفخر" التي تحدث فيها عن حبه للإسلام والأمة. الأب الروحي للحركة الإسلاميةويعتبر الدكتور محمد حرب -وهو أحد أهم المتخصصين في التاريخ العثماني- أن نجيب فاضل هو الأب الروحي للحركة الإسلامية التركية، وهو مفكرها، فجميع رموزها كانوا تلامذته، وتأثروا بأفكاره، وأنه في وقت كانت "إسلامية الأتراك" موضع نقاش؛ حيث الجيش يحكم، والنشاط الإسلامي يتراجع، قام فاضل ليلهب المشاعر الإسلامية بشعره ويحيي تلك الحركة.
وفي مشوار جهاده لإحياء المشاعر الإسلامية كان ديوانه "ديوان السلام" من أبرز أعماله، موضوع الديوان هو الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وجاء في 63 قصيدة -هي عمر الرسول- يؤرخ فيها لسيرته وحتى وفاته.
واعتمد فاضل في مادة ديوانه على ما جاء في كتب السيرة الصحيحة، واستغرقت كتابته 13 عاما بدأها في السجن 1960-1961، بينما كان يواجه الظلم والتعذيب، وانتهى منه عام 1973، وقال عن نيته وراء هذا الكتاب، إنه يريد أن يشعل الصحوة الإسلامية في نفوس الناس ضاربا لهم المثل الأعلى في الجهاد والصبر من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
النضال الصحفيوعلى مدار عمره المديد (توفي عام 1983 عن 79 عاما) كتب نجيب فاضل نحو 100 كتاب في الشعر والأدب والسياسة، كما كان لنضاله الصحفي عبر مجلة "الشرق الكبير" التي أصدرها وحررها، دور كبير في رسم ملامح تركيا المستقبل، ومقاومة الاتجاهات القمعية العلمانية التي كانت سائدة.
وقد اشتهرت هذه المجلة -التي أوقفت بأمر عسكري عام 1971- بنشر قصائد فاضل التي كانت تهز المشاعر، كما أن مقالاتها كانت تسعى لتعزيز الروابط بين تركيا والعالم العربي، والاهتمام بقضايا العالم الإسلامي، وتدافع عن المضطهدين في تركيا وخارجها، وكان من أشهر الكُتاب الذين شاركوه الكتابة فيها: بديع الزمان سعيد النورسي.
أصدر نجيب فاضل مجلة الشرق الكبير عام 1943، وظل ينفق من ماله الخاص عليها، ويعيد إصدارها بعد قرارات التعطيل القضائي المتتالية، متحديا السلطة، ومدافعا عن الإسلام.
وبحلول عام 1981 اعتزل الشاعر الحياة العامة، بعد أن أنهكه المرض، ولكنهم حين سألوه حينذاك عن الموت، قال: "الموت شيء جميل.. فإن لم يكن جميلا، أكان يموت نبي الأنام؟!".
وقد أدرك الموت الشاعر والمفكر الكبير نجيب فاضل في عام 1983، ولكن آثار جهاده ماثلة ومشروعه الإصلاحي يمضي ويحكم تركيا اليوم وغدا…
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشرق الکبیر فی ذلک الوقت لم یکن
إقرأ أيضاً:
ماذا قالت الاستخبارات التركية في تقريريها المهم عن ترامب؟
في تقرير مكوَّن من 50 صفحة، ناقشت الأكاديمية الوطنية للاستخبارات MIA التابعة للمخابرات التركية MIT، تأثيرات الفوز العريض الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وآثاره المحتملة على العالم، وتركيا بصفة خاصة.
إن السرعة التي أُنجز بها التقرير، تعكس الاهتمام البالغ الذي كانت توليه تركيا للانتخابات، والسيناريوهات التي كانت تعمل عليها المراكز البحثية ذات الصلة والمرتبطة بدوائر صنع القرار، ومن غير المستبعد – بطبيعة الحال – أن يكون جزءٌ كبيرٌ من الورقة البحثية تم إنجازه قبل الاقتراع، ضمن تقدير موقف موسع في حال فوز أي من المرشحين، مع تضمينها النتائج في نهايتها عقب فوز ترامب.
كما أن خروج التقرير من مركز بحثي تابع لجهاز الاستخبارات، يؤشر إلى أهمية المخرجات والتوصيات، لإمكانية الاستعانة بها في تخطيط ورسم السياسات التركية المستقبلية، بشأن التعامل مع إدارة ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة.
يتكون التقرير من مقدمة وخمسة فصول، يتناول الفصل الأول النظام الانتخابي الأميركي، فيما يتناول الثاني، أهمية هذه الانتخابات والعوامل الحاسمة فيها، أما الثالث فيتحدث عن الخطوط العريضة لحملة ترامب الانتخابية.
لكننا في هذا المقال سنركز على الفصلين: الرابع والخامس، اللذين يتناولان بالترتيب، رؤية ترامب وفريقه للسياسة الخارجية، ثم الآثار المحتملة لفوزه على تركيا.
مدخل إلى سياسة ترامب الخارجيةإن المدخل العام لفهم "الترامبية" الجديدة سواء في الداخل أو الخارج، هو استخدام مفهوم "أميركا أولًا" مدخلًا لتفسير السلوك السياسي المرتقب.
فهذا المفهوم في حقيقته مزيج ما بين الأفكار الجمهورية التقليدية المحافظة، ورؤى حركة (MAGA) التي أسسها ترامب عام 2016، واشتق اسمها من شعار حملته الرئاسية آنذاك "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، والتي تعبر عن أفكار ترامب المؤمنة بضرورة استعادة قوة الولايات المتحدة، داخليًا وخارجيًا.
إذ يرى التقرير أن ترامب سيعمل على تنفيذ تلك الأفكار بقوة، من خلال اتباع سياسات حمائية في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والطاقة؛ لتحقيق أكبر استفادة ممكنة تصب في صالح التفوق الأميركي.
ورغم أن ترامب وعد في حملاته الانتخابية بالحد من تورط بلاده في الصراعات الخارجية، إلا أن التقرير ينبه إلى أن ذلك لا يعني تبني "سياسة انعزالية كلاسيكية"، بل سيستمر في اتباع نهج "القوة الرادعة العقابية" التي اعتمدها خلال ولايته الرئاسية الأولى ضد الصين، وإيران، وسوريا.
كما يشير التقرير إلى استمرار سياسة "إستراتيجية الغموض" التي اعتمدها ترامب خلال رئاسته الأولى، من خلال عدة أدوات، مثل: استخدام القوة غير المباشرة، وتنوع أساليب القوة ما بين وسائل الإكراه العسكرية والاقتصادية، ومهادنة الحلفاء في بعض القضايا، في مقابل الضغط عليهم للمساهمة في الردع في قضايا أخرى.
وبالانتقال إلى ملف حل النزاعات العالمية التي وعد بها ترامب في حملته الانتخابية، تأتي الحرب الأوكرانية في مقدمة هذه الأزمات، حيث يترقب العالم كيفية تعامل الإدارة الجديدة معها.
ففي خطاب سابق لجي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي، وعد بحل الأزمة على ثلاث مراحل:
الأولى: جمع الرئيسين الروسي والأوكراني والقادة الأوروبيين للاتفاق على ضرورة إنهاء الحرب وإحلال السلام.
الثانية: احتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية التي استولت عليها، مع نزع السلاح على الحدود بين الجانبين.
الثالثة: تعهد أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو مقابل ضمانات أمنية لمنع الغزو الروسي مجددًا.
لكن التقرير يشكك في هذه الخطة، ويؤكد أنها خلفت وراءها أسئلة حائرة دون إجابات قاطعة، بشأن فاعلية الضمانات المقدمة لضمان عدم الغزو الروسي مجددًا، وكيفية ضمان نزع السلاح، أو منع روسيا من تغيير نظام الحكم الأوكراني بالقوة… إلخ.
في ملفات أخرى يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة ستعتمد سياسة "الضغط الأقصى" ضد كل من الصين، وإيران، وذلك لمنع الأولى من تحقيق التفوق الاقتصادي، والحد من البرنامج النووي للثانية، بما في ذلك الحد من قدراتها الصاروخية، كما تهدف السياسة الأميركية إلى ضرب التنظيمات المسلحة المرتبطة بإيران، والتي تمثل مراكز دفاعية متقدمة لها.
تركيا بين الفرص والمخاطر
يعول التقرير على ما أطلق عليه "القيادة الموجهة نحو الحل"، والتي تعني قدرة ترامب على تجاوز المؤسسات الأميركية الصلبة في طرح الحلول للأزمات، وبناء نموذج مقنع في العلاقات مع الحلفاء.
حيث يستشهد بالعلاقات المتميزة التي جمعت بين ترامب والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال فترة رئاسته الأولى، ويصفها بـ "تطابق الكيمياء"، لكن التقرير يحذر من هذه "الفردانية" لترامب، والتي قد تدفعه أحيانًا إلى اتخاذ مواقف حدية، تنطوي على مخاطر، لم تنجُ منها تركيا خلال رئاسته الأولى.
وفي محاولة لاستشراف الفرص المتاحة أمام تركيا، ففي مجال العلاقات الثنائية، يأمل التقرير أن يتم التغلب على القيود الأميركية الموضوعة ضد تركيا في مجال صناعة الدفاع، وإعادتها مرة أخرى إلى برنامج طائرات " إف- 35″.
كما تأمل أنقرة في توفير أساس مهم مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب، لكن التقرير يقول إن ذلك سيتوقف على استمرار الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة، لوحدات الحماية الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في سوريا من عدمه، مع اعتراف التقرير بالدور الذي قد يلعبه الفريق المعاون لترامب في هذا الشأن، إضافة إلى أولويات السياسة الأميركية في الإقليم.
كما يؤكد التقرير أن نجاح ترامب في إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، سيخلق فرصًا أمام الشركات التركية للمساهمة في إعادة إعمار أوكرانيا، ويمنح شركات الصناعات الدفاعية الفرصة في إعادة بناء وترميم الجيش الأوكراني.
أما على المستوى الإستراتيجي، فإن وقف الحرب يعني إعادة الهدوء إلى البحر الأسود، وإزالة المخاطر التي كانت تتهدده بسبب الحرب.
فيما قلل التقرير من تداعيات توسع السيطرة الإقليمية لروسيا – حال توقف الحرب – بالسيطرة على شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، مرجعًا ذلك إلى الموقع الإستراتيجي لتركيا، وقدرتها البحرية كعضو فاعل في حلف الناتو.
أيضًا من خلال سياسات ترامب المتوقعة تجاه الصين، واستخدامه أدوات، مثل: التعريفات الجمركية، والعقوبات، وقيود نقل التكنولوجيا، تأمل تركيا أن تتيح لها هذه الإجراءات فرصًا جديدة في سلاسل التوريد العالمية، ومجال الطاقة.
لكن ثمة ملفات تنطوي سياسة ترامب المتوقعة تجاهها على فرص ومخاطر بالنسبة لتركيا، وفي مقدمتها الملف الإيراني.
إذ قد تتيح سياسة التشدد المتوقعة تجاه طهران، بعض الفرص الإقليمية المهمة لتركيا، مثل: دعم الحوار مع نظام بشار الأسد في سوريا، وتوسيع نطاق العمليات العسكرية ضد تنظيم حزب العمال "PKK" في جبال قنديل ومدينة السليمانية بالعراق، إضافة إلى تذليل العقبات إزاء إعادة فتح ممر زنغيزور الإستراتيجي الواصل بين أراضي أذربيجان، وذلك بالتفاهم مع روسيا.
لكن هذه السياسة "الترامبية" المرتقبة ضد إيران، قد تحمل لتركيا مخاطر في خمس قضايا رئيسية، وفق التقرير:
الأولى: صعود التطرف في المنطقة ما يؤثر على جهود تركيا في مقاومة الإرهاب.
الثانية: أن تقود هذه السياسات المتشددة إلى حرب إقليمية يتحول معها حزب العمال إلى وكيل عسكري لبعض الجهات الفاعلة.
الثالثة: امتلاك إيران السلاح النووي، ما يدفع إلى تسريع عملية التسليح النووي من خلال إنهاء سياسة الغموض النووي الإسرائيلية.
الرابعة: تعزيز السياسات الإسرائيلية التوسعية، وتشجيع الجهات المناهضة لتركيا، مثل إدارة قبرص الجنوبية في شرق البحر المتوسط.
الخامسة: إبقاء القضية الفلسطينية دون حل، ما يسهم في زعزعة الاستقرار بالشرق الأوسط.
ختامًا:
فرغم ضعف الأداء المؤسسي المتوقع، خلال عهدة ترامب الرئاسية، نظرًا لانتهاجه أسلوبًا يميل إلى الفردية، فإنه ينبغي عدم التقليل من الخلفيات الفكرية لمعاونيه.
حيث كشفت اختياراته عن غلبة الأيديولوجية الصهيونية على تفكير أغلب هؤلاء المرشحين للمناصب القيادية. وبالإضافة إلى التصهين، فإن كثيرًا منهم يحمل مشاعر عدائية تجاه تركيا، وأردوغان بصفة خاصة.
فعلى سبيل المثال، نجد تولسي غابارد، المرشحة لرئاسة الإدارة الوطنية للاستخبارات الأميركية تقول في خطاب ألقته عام 2020: "تركيا تدعم إرهابيي تنظيم الدولة والقاعدة من وراء الكواليس منذ سنوات. وأردوغان ليس صديقنا. إنه أحد أخطر الدكتاتوريين في العالم، وليس من حق الحكومة الأميركية ووسائل الإعلام مساعدة هذا الإسلامي المصاب بجنون العظمة".
فسلبية المشاعر المتوقعة من كثير من الفريق المعاون، ستفرض تحديًا إضافيًا على أردوغان لتعظيم علاقته الشخصية مع ترامب وتحويلها إلى أداة لخلق الفرص وتقليل المخاطر، واستغلال ما أطلق عليها تقرير الاستخبارات "تطابق الكيمياء".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية