لاهاي- تغيرت ملامح الديمقراطية في تونس، التي كانت تعتبر مهد الثورة وحرية التعبير، منذ بداية هذا العام بعد أن ألقت السلطات التونسية ـبناء على أوامر من الرئيس قيس سعيدـ القبض على الأصوات المعارضة في البلاد، بما في ذلك أعضاء البرلمان والصحفيون وأعضاء السلطة القضائية.

وفي مؤتمر صحفي الخميس في مدينة لاهاي بهولندا، طالب أبناء 4 شخصيات معارضة بارزة في تونس من المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في الاضطهاد السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان التي يقولون إن حكومة الرئيس التونسي قيس سعيد ارتكبتها.

 

إلى المحكمة الجنائية الدولية

حضر المؤتمر يسرا الغنوشي، ابنة راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل، وزاجا شريف ابن شيماء عيسى، وكوثر فرجاني ابنة المعارض سعيد فرجاني، والناشط السياسي إلياس الشواشي.

وقال المحامي رودني ديكسون إنه قدم شكوى نيابة عن المعتقلين التونسيين في لاهاي حيث يوجد مقر المحكمة الجنائية الدولية للمطالبة بالتحقيق العاجل في الجرائم المزعومة؛ نظرا لعدم وجود أدلة كافية.

وأشار المحامي ـ في حديثه للجزيرة نت ـ أنه تم تقديم طلب لفرض عقوبات على الرئيس قيس سعيد وأعضاء آخرين بحكومته في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وأوضح المحامي الموكل عن المعتقلين أن العقوبات تتمثل في حظر السفر على سعيد وتعقب أصوله وتجميدها، لافتا إلى أن هذه الأصول لا تشمل الشخصية فحسب، بل أصول شركائه أيضا "حتى لا يتمكن هؤلاء الأشخاص من الاستمرار في ممارسة الأعمال التجارية".

من جهة أخرى، وصف ديكسون ظروف المعتقلين بـ"الانتهاكات الجماعية لحقوق المحاكمة وللإجراءات القانونية اللازمة"، خاصة أن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان تشير إلى ضرورة إبلاغ المعتقلين بالقضية المرفوعة ضدهم؛ على اعتبار أنه حق أساسي.

ويهدف الالتماس الذي تم تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية إلى لفت المزيد من الانتباه إلى المشهد السياسي "القمعي المتزايد" في البلد الواقع شمال أفريقيا منذ تعديل الدستور في عام 2021، وهو ما سمح لرئيس البلاد بحل البرلمان وتوسيع سلطاته.

وذكر المحامي أن العائلات قامت بتقديم وثائق للنائب العام في المحكمة، تحمل اسم مذكرة المادة 15، حيث تحدد ادعاء واحدا على الأقل من الجرائم الأربع التي تتم متابعتها وهي الإبادة الجماعية، أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، أو الجرائم العدوانية.

أبناء المعارضين المعتقلين في تونس يلجؤون إلى المحكمة الجنائية الدولية سعيا لتحقيق العدالة (الجزيرة) نضال الجيل الجديد

وقد قام مؤخرا 17 معارضا بارزا بإضرابات عن الطعام من السجن، لا يزال العديد منها مستمرا، كما يواصل جوهر بن مبارك، رئيس التحالف الرئيسي المناهض لسعيد، إضرابه المفتوح عن الطعام، بينما وصل عدد المعتقلين إلى ما لا يقل عن 42 من أبرز منتقدي الحكومة.

وترى يسرا الغنوشي أن الاتهامات الموجهة لوالدها "ملفقة"، موضحة أن اعتقاله كان جزءا من حملة مطاردة واسعة النطاق ضد المعارضة السياسية. وقالت يسرا إنها لم تتحدث مع والدها الذي يبلغ من العمر 82 عاما منذ اعتقاله في أبريل/نيسان الماضي.

وتضيف يسرا، في حديثها للجزيرة نت، "كنا نعتقد أننا تركنا هذه الأشياء وراءنا بعد الثورة لكن بعد كل التقدم الذي تم إحرازه في تونس، تم تدمير كل شيء، وعلينا اليوم أن نعود إلى زيارة السجون والإضراب عن الطعام؛ لأن هذه الأساليب هي الملاذ الأخير للحصول على العدالة".

وخلال هذه المعركة القضائية الجديدة، يأمل إلياس الشواشي معرفة الأسباب التي أدت إلى إيداع والده منذ 8 أشهر في السجن والقرائن التي تثبت إدانته، فضلا عن مصير 17 قضية جنائية متهما بها، واصفا الإجراءات ضده بـ"الإخلال الصارخ والفاضح".

وسلط إلياس الضوء على ظروف المعتقلين داخل السجون، قائلا بوجود حراس على مدار الساعة أمام الغرف للتأكد من أنهم لا يتناولون سوى الماء والسكر بسبب إضرابهم عن الطعام، فضلا عن عدم السماح لهم بالقراءة ووضع كاميرات مراقبة داخل الغرفة في انتهاك واضح لحرمة الإنسان في شخصه وجسده، حسب توصيفه.

من جانبها، قالت كوثر فرجاني "إننا نمارس حقوقنا في الدفاع، ونأمل أن يتمكن المدعي العام من القدوم إلى تونس للتحقيق بعد أن احتجِزت السلطة القضائية في تونس كرهينة".

وأضافت، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، "يتم استهداف المحامين الذين يدافعون عن أشخاص مثل والدي ويجري التحقيق معهم وسجنهم لعدة أشهر دون دليل"، معتبرة أن المحكمة الجنائية الدولية الطريقة الوحيدة للحصول على العدالة.

ولفت زاجا شريف إلى أن والدته شيماء عيسى، التي تعتبر أول امرأة تُسجن بعد الثورة، وأطلق سراحها في يوليو/تموز الماضي، لا تزال تحت الإقامة الجبرية ولا تستطيع العودة إلى حياتها الطبيعية أو مزاولة عملها.

مؤتمر صحفي في مدينة لاهاي بهولندا لأبناء 4 شخصيات معارضة بارزة في تونس (الجزيرة) ملف الهجرة الشائك

وفي تفاصيل الشكوى المقدمة للمحكمة الجنائية الدولية، أدرج المحامي رودني ديكسون ملف المهاجرين والانتهاكات التي تمت بحقهم في أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا من تونس وليبيا.

وأوضح المحامي هذا التحرك بالقول إن "الرئيس وحكومته يستخدمون القمع لاستهداف التونسيين والمهاجرين الأفارقة السود، وهذه جريمة ضد الإنسانية بموجب النظام الأساسي للمحكمة"، وانفتح المحامي في معرض كلامه عن الوضع العام في تونس وكيف تستخدم الحكومة هذه الإجراءات القمعية للحفاظ على سيطرتها ومنع الأصوات المعارضة.

وخلال الندوة الصحفية أمس الخميس، تم عرض مقطع فيديو لمهاجر أفريقي ومقطع صوتي آخر لأم أفريقية يحكيان عن معاناتهما والعنصرية التي واجهاها قبل أن يتم إعادتهما قسرا إلى المناطق الصحراوية الحارقة على الحدود التونسية الليبية دون ماء أو طعام.

وقال زاجا شريف، نجل الباحثة والناشطة شيماء عيسى للجزيرة نت، إن سعيّد يستخدم خطابا شعبويا لتشويه السمعة وتغذية الانقسام والكراهية، سواء ضد الأجانب، أو في معاملة المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، أو حتى بين التونسيين أنفسهم.

من جانبها، أكدت يسرا الغنوشي أن سعيّد دمر الديمقراطية، وفاقم المشاكل الاقتصادية التي استخدمها لتبرير انقلابه من خلال التخلص من السياسيين والمعارضة والبرلمان، وتستطرد الغنوشي قائلة "لكنه فشل، واستمر الاقتصاد في التدهور ونحن على وشك الإفلاس في تونس".

وأضافت المتحدثة ذاتها "كل هذا يغذي ارتفاع معدلات الهجرة، ويتسبب في الاعتداءات الدنيئة على التونسيين والأفارقة السود، ومن المخيب للآمال أن نرى أوروبا تتعامل معه كجزء محتمل من الحل".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إلى المحکمة الجنائیة الدولیة للجزیرة نت عن الطعام فی تونس

إقرأ أيضاً:

وفاة معتقل سياسي مصري بسجنه.. ومطالبات حقوقية للإفراج عن المعتقلين

أعلنت منظمات حقوقية، بينها مركز الشهاب لحقوق الإنسان، عن وفاة المعتقل السياسي خالد أحمد مصطفى داخل محبسه في سجن العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، وذلك "في ظل استمرار تدهور أوضاع السجون المصرية وغياب الرعاية الصحية عن المعتقلين".

وطالب مركز الشهاب لحقوق الإنسان النائب العام، في بيان موجز، بفتح تحقيق في ملابسات وفاة مصطفى ومحاسبة المتسببين فيها. كما دعت مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق عاجل في الواقعة، محمّلة السلطات المصرية المسؤولية عن "استمرار هذه الانتهاكات، في وقت تتصاعد فيه المخاوف على حياة آلاف المعتقلين الذين يواجهون المصير ذاته".



وأشارت المؤسسة إلى أن مصطفى توفي في ظروف غامضة داخل سجن العاشر، وسط تدهور مستمر في أوضاع السجون المصرية وغياب الرعاية الصحية، بعد أن قضى سنوات في ظروف احتجاز قاسية. وأكدت أن المعتقلين يعانون من إهمال طبي متعمد وحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية، مما أدى إلى وفاة العديد منهم في ظروف مماثلة.


ويُعد مصطفى الحالة الثانية لوفاة سجين سياسي في السجون ومراكز الاحتجاز خلال شهر شباط/ فبراير الجاري، بعد وفاة هشام الحداد، شقيق عصام الحداد، مساعد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي للشؤون الخارجية والقيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، داخل سجن العاشر من رمضان مطلع الشهر ذاته، نتيجة إهمال طبي متعمد. كما تم رصد أربع حالات وفاة أخرى في السجون ومراكز الاحتجاز منذ بداية العام الجاري، بسبب الإهمال الطبي.

وكانت منظمات حقوقية قد رصدت، على مدار عام 2024، أكثر من خمسين حالة وفاة بين السجناء السياسيين في السجون ومراكز الاحتجاز، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد وظروف الاحتجاز المزرية.

كما أشارت حملة "لا تسقط بالتقادم"، التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، إلى تسجيل 137 حالة وفاة ما بين أقسام الشرطة ومراكز الإصلاح والتأهيل وأماكن احتجاز غير رسمية، مثل مقار الأمن الوطني ومعسكرات الأمن المركزي، خلال الفترة من 2022 إلى 2024.

ويعاني المعتقلين السياسيين الذين يتم احتجازهم بموجب قوانين مثل قوانين الإرهاب والتظاهر والطوارئ، أو الذين يواجهون محاكمات أمام القضاء العسكري أو أمن الدولة العليا للطوارئ٬ أحكاما جائرة.


وغالبًا ما تُوجّه إليهم تهم مثل "بث أخبار كاذبة" أو "التحريض على العنف" أو "تهديد الأمن القومي"، ضمن قضايا ذات طابع سياسي.

اختفاء قيادي عمالي معتقل
وفي سياق اخر٬ تلقى النائب العام محمد شوقي عياد بلاغاً من سلوى رشيد، زوجة النقابي العمالي شادي محمد، أفادت فيه بأن زوجها قد أُخفي قسراً ولم يحضر جلسة نظر أمر تجديد حبسه في غرفة المشورة يوم الثلاثاء الماضي.

ويُذكر أن النقابي معتقل على خلفية دعمه للقضية الفلسطينية والمقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ورفعه لافتة تدعو إلى دعم فلسطين.

وأوضح البلاغ المقدم من زوجة النقابي أنه كان من المقرر النظر في تجديد حبس زوجها أمام الدائرة الأولى لمحكمة الجنايات المختصة بقضايا الإرهاب التابعة لمركز بدر للإصلاح والتأهيل، إلا أنه لم يحضر الجلسة، دون معرفة مكان احتجازه الحالي.

 وكانت إدارة سجن "العاشر 6" قد قامت بنقل شادي محمد إلى سجن تأهيل "برج العرب" في 26 كانون الثاني/ يناير الماضي، إلا أن إدارة سجن برج العرب أنكرت وجوده، مما أدى إلى تعذر عرضه أمام المحكمة، وفشل دفاعه وزوجته في تحديد مكان احتجازه.


يُذكر أن هذا البلاغ ليس الأول من نوعه الذي تقدمه زوجة شادي محمد، حيث كانت قد أبلغت النائب العام في السادس من شباط/ فبراير الجاري٬ عن دخول زوجها في إضراب كامل عن الطعام احتجاجاً على "تغريبه" ونقله من سجن "العاشر 6" إلى سجن "برج العرب"، وتعرضه لانتهاكات متعددة.

وأعربت في البلاغ عن مخاوفها على حياته بسبب التدهور الخطير في حالته الصحية، سواء الجسدية أو النفسية.

العفو الدولية تطالب بالإفراج عن المعتقلين
دعت منظمة العفو الدولية، أمس الأربعاء، النظام المصري إلى الإفراج الفوري عن عشرات الأشخاص الذين تم اعتقالهم تعسفياً ومحاكمتهم بتهم تتعلق بالإرهاب، وذلك لمجرد نشرهم محتوى على الإنترنت يدعو إلى إنهاء حكم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

وأشارت المنظمة إلى أنه منذ أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قامت قوات الأمن باعتقال ما لا يقل عن 59 شخصاً، بينهم أربع نساء على الأقل، بسبب تفاعلهم مع محتوى منشور على صفحة فيسبوك تحمل اسم "ثورة المفاصل" أو قناة تلغرام بنفس الاسم.

وتنتقد هذه المنصات حكم السيسي وتدعو إلى تغيير سياسي. ولم يتم تقديم المعتقلين إلى وكلاء النيابة إلا في الفترة بين 8 و12 شباط/ فبراير الجاري، بعد أسابيع من الإخفاء القسري أو الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، تعرض خلالها بعضهم للتعذيب والضرب.

مقالات مشابهة

  • حماس تفرج عن 6 أسرى صهاينة والاحتلال يؤخر الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين
  • د. عبدالله درف المحامي يكتب: التعديلات الدستورية المفترى عليها
  • حماس: تأخير اسرائيل الإفراج عن المعتقلين "خرق فاضح"
  • إسرائيل تؤخر الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين
  • الجيزاوي يستقبل المحامي العام لنيابات شمال بنها
  • ضغوط دولية أم حسابات السلطة؟.. دلالات الإفراج عن معتقلين سياسيين بتونس
  • إسرائيل ستفرج عن 602 من المعتقلين الفلسطينيين غداً
  • مجلس النواب يشارك بورشة عمل لـ«منظمة الهجرة الدولية» في تونس
  • الجنائية الدولية تعين مستشارتين أفريقيتين في مكتب المدعي العام
  • وفاة معتقل سياسي مصري بسجنه.. ومطالبات حقوقية للإفراج عن المعتقلين