شمال لبنان- لشرح التحديات الأمنية واللوجستية في مكافحة شبكات تهريب اللاجئين السوريين عبر المعابر غير النظامية نظم الجيش اللبناني جولة ميدانية على الحدود الشمالية مع سوريا لمراسلين صحفيين من الإعلام المحلي والأجنبي.

وبينما تتصدر تداعيات اللجوء السوري المشهد العام حملت جولة الجيش الحدودية رسائل مختلفة داخليا وخارجيا يرى مراقبون أن خلاصتها هي أن الجيش "غير قادر وحده على ضبط الحدود دون دعمه لوجستيا وعسكريا ومضاعفة أعداد عناصره".

على امتداد القرى والبلدات الحدودية من الجهة الشمالية والشمالية الشرقية تبدو طبيعتها مغرية لشتى أشكال التهريب، ويشعر أبناء القرى هنا بعدم وجود حدود بين لبنان وسوريا وأنهما شعبان بأرض مشتركة، مما عزز حالات المصاهرة والتجارة المتبادلة.

يخبرنا أبو محمد -وهو أحد سكان منطقة وادي خالد- أنهم تعودوا على الوجود السوري في قراهم و"كثير من أبنائنا وبناتنا تزوجوا من القرى السورية".

الجيش اللبناني: المهربون احترفوا الكر والفر وتجاوز الألغام المزروعة (الجزيرة) منفذ وحيد

ويضيف أبو محمد للجزيرة نت "حتى نصل لبيروت نحتاج نحو أربع ساعات، فيما يستغرق وصولنا للقرى السورية أقل من ساعة، لا نشعر بحدود تفصلنا، بل هي منفذنا الوحيد والمتبادل".

يختزل الرجل رأي كثيرين في القرى الحدودية، فيما يقف لبنان على عتبة أزمة متفجرة عنوانها "تداعيات تنامي اللجوء السوري".

وخلال جولتنا الميدانية تبدو مهمة ضبط الحدود "فعلا مستحيلا"، فتضاريس القرى الحدودية من وادي خالد ومحيطها عبارة عن وديان وسهول وجبال وتلال تربطها مساحات واسعة من الأراضي اللبنانية والسورية، يحدها مجرى مياه النهر الكبير الجنوبي الذي يجف صيفا ويغدو مواتيا لعبور اللاجئين، ومئات النقاط التي تحولت إلى معابر برية متحركة.

وعلى الضفة اللبنانية يخبرنا أحد العساكر أن ضبط عمليات تسلل السوريين "ضرب من الخيال، فإذا صددناهم من نقطة سيعبرون من أخرى بمساندة المهربين الذين احترفوا الكر والفر وتجاوز الألغام المزروعة بالجانبين".

الجيش اللبناني: عدد الموقوفين السوريين الداخلين خلسة بلغ منذ بداية 2023 أكثر من 22 ألف نازح (الجزيرة) صعوبة المراقبة

وعند الوقوف على برج المراقبة في تلة شدرا والمشرف على تل كلخ السورية نطل على حدود سهلة ووعرة في آن معا، حيث تصعب مراقبتها وضبطها، ويمكن للاجئين التنقل سيرا على الأقدام ولو كلفهم عبور أراض زراعية ومنافذ وأودية شديدة الانحدار.

ولا يملك الجيش عددا كافيا لنشر جنوده على طول الحدود رغم امتلاكه في فوج القطاع شمالا قرابة خمسة أبراج مراقبة مجهزة بمناظير ليلية أجنبية وكاميرات رصد عالية الدقة، ويرصد كل برج أكثر من 100 حالة لجوء يوميا، وهي أبراج تلة القسطة، وتلة القبيلة، وكرم زبدان في أكروم، وحنيدر، وتلة شدرا.

واستعرض الجيش داخل مركز قيادة عمليات فوج الحدود البري الأول تفاصيل بشأن رؤيته الميدانية والعسكرية لأسباب تصاعد موجة النزوح السورية الجديدة.

وأقر بأنه يتعامل مع شبكات تهريب "شديدة الاحتراف باختلاق الثغرات الأمنية واستحداث أساليب جديدة وخطيرة لنقل السوريين، كوضعهم داخل أنابيب للغاز أو حشرهم خلف حمولات البضائع أو بصناديق مخفية للشاحنات أو بين شادرها وسطحها"، وفق فيديوهات وثقها وعرضها للصحفيين.

الجيش اللبناني يمتلك قرابة خمسة أبراج مراقبة مجهزة بمناظير ليلية أجنبية وكاميرات رصد عالية الدقة (الجزيرة) "النهر الكبير"

ونقلنا الجيش إلى أحد المعابر بخراج بلدة "خط البترول" المطلة على النهر الكبير، ويفصله عنه حاجز إسمنتي يسهل القفز فوقه حتى ينتقل اللاجئون للأراضي اللبنانية، وهذا المعبر الملقب بـ"أبو جحاش" هو واحد من عشرات المعابر غير النظامية شمالا.

ورغم طبيعته الجغرافية المكشوفة فإن سعة هذا المعبر الهائلة تتيح استحداث الممرات صيفا بسبب جفاف النهر الكبير، فصار من أكثر المعابر نشاطا ليلا، بحسب معطيات الجزيرة نت.

وتوجد قبالة معبر "أبو جحاش" منازل أرضية مهجورة، وتشير معطياتنا إلى أن كبار مهربي المنطقة يستخدمونها لإخفاء النازحين قبل تأمين نقلهم إلى حيث يريدون مقابل مبلغ يدفعونه للمبيت في الليلة.

كما استعرض الجيش ملخصا عن تاريخ اللجوء السوري منذ 2011، وأكد "عدم وجود سياسة موحدة وواضحة لتعامل الدولة اللبنانية مع الملف".

الجيش اللبناني: لا تملك الدولة اللبنانية سياسة موحدة وواضحة للتعامل مع ملف النزوح السوري (الجزيرة) ذروة العبور

وذكر الجيش أنه منذ عام 2015 أبلغ الأمن العام اللبناني مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوقف عمليات تسجيل السوريين "لأن اللاجئين الجدد منهم لم يغادروا بلدهم بسبب الأوضاع الأمنية، بل جراء الأوضاع الاقتصادية والفرار من خدمة الاحتياط، ولعلمهم بالمساعدات الإنسانية والاجتماعية والصحية والتربوية التي تقدمها المنظمات والجمعيات".

وعلى امتداد قطاع فوج الحدود البرية التابع للجيش في القسم الشمالي وعلى الحدود الشرقية -والذي يبلغ طوله نحو 110 كيلومترات- يوجد لدى الجيش قرابة 1200 عنصر، فيما يحتاج لعشرة أضعاف هذا العدد، كما يوضح.

ووفق بيانات اطلعنا عليها، يشير الجيش إلى أن عدد الموقوفين السوريين الداخلين خلسة سنة 2022 بلغ 20 ألفا و325 نازحا، فيما بلغ بداية 2023 حتى سبتمبر/أيلول الماضي قرابة 22 ألفا و820 نازحا.

وتبين بيانات العامين أن ذروة العبور كانت في أغسطس/آب الماضي، حيث بلغ عدد الموقوفين السوريين في أغسطس/آب 2022 أكثر من ألفي نازح، فيما قُدّر في أغسطس/آب 2023 بأكثر من ثمانية آلاف نازح، فيما لا تعكس الأرقام العدد الفعلي للاجئين الذين دخلوا لبنان.

تحديات

وذكر الجيش سلسلة صعوبات تواجهه ميدانيا، ومنها:

طبيعة الأرض والتضاريس تسمح باستحداث ممرات تصعب مراقبتها. تداخل الأراضي والعائلات على جانبي الحدود وصلات القرابة والتزاوج يدفعان لعبور الحدود طلبا للطبابة والتعليم والتموين وزيارة الأقرباء واستثمار الأراضي. إطلاق النار المباشر على عسكريين خلال تنفيذهم مهمات مكافحة التهريب. عدم وجود إجراءات قانونية رادعة لمحاسبة المهربين.

ووضع الجيش أزمة انفلات الحدود البرية وتدفق اللاجئين عبرها بمنزلة الخطر الوجودي، حيث يقارب عدد السوريين 85 ألفا بالقطاع الحدودي شمالا الذي يضم نحو 56 بلدة تضم 90 ألف لبناني.

وعبّر عن خشيته من تسلل مسلحين لأغراض أمنية، لأن نسبة كبيرة من اللاجئين الجدد "هي من فئة الشباب"، وفق ما رصده.

الحل

ويتحقق الحل من وجهة نظر الجيش بدعمه ومده بالمساعدات اللوجستية والأمنية والتجهيزية ومضاعفة عدد العسكريين، واقترح لمكافحة موجة النزوح:

ترشيد إنفاق المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الداعمة للاجئين. منع البناء على الأملاك النهرية، ومعالجة الأبنية المخالفة للحد من استغلالها كنقاط لتخزين البضائع المهربة واختباء الأشخاص الداخلين خلسة. تنفيذ مشروع شق طريق على طول مجرى النهر الكبير الجنوبي منعا لأعمال التهريب.

وقال قائد الجيش جوزيف عون أمس الخميس إن أزمة النزوح السوري من "أشد التحديات، والجيش وحده يتصدى لهذا التحدي ويتعرض لحملات مشبوهة ضده".

ويحذر كثيرون من تداعيات أزمة اللجوء السوري مع بلوغ الاستقطاب السياسي اللبناني ذروته، حيث تتقاطع مختلف الأطراف على مهاجمة ما تعتبره عدم مساعدة المجتمع الدولي للبنان على إعادة السوريين إلى بلدهم.

وطلب وزير الداخلية بسام مولوي أمس من البلديات والمخاتير عدم قبول أي هبات للاجئين السوريين، كما بدأ عناصر أمن الدولة في بعض المناطق حملة لنزع خيم اللاجئين التي يقطنون فيها بلا ترخيص.

ويحذر حقوقيون من تداعيات "التحريض ضد السوريين" ومخاطر تنامي النزاعات بين المجتمعين اللبناني والسوري.

ويشهد لبنان إشكالات بين لبنانيين وسوريين، وآخرها أمس الخميس بمنطقة الدورة في بيروت، حيث وقع إشكال كبير بين الطرفين وأطلق البعض دعوات بمكبرات الصوت في المنطقة لإخراج السوريين منها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجیش اللبنانی اللجوء السوری أکثر من

إقرأ أيضاً:

ما سبب الاشتباكات بين السوريين والقوات التركية؟

سرايا - خرجت مظاهرات في مناطق عدّة شمال غربي سوريا، الإثنين، ردّاً على أحداث، ليلة الأحد، التي شهدت تخريب ممتلكات سوريين في ولاية قيصري جنوبي تركيا.

وبحسب مصادر محلية فإنّ العشرات في مدن الباب واعزاز والراعي بريف حلب، اعترضوا شاحنات تركيّة وطالبوا سائقيها بالرجوع إلى تركيا، فيما أقدم آخرون على تكسير زجاج بعضها.

وأشارت المصادر إلى أنّ المتظاهرين في الشمال السوري طالبوا أيضاً بإزالة الأعلام التركيّة من كلّ الشوارع والمرافق الخدمية والمدنيّة في المنطقة، ورفع أعلام الثورة السوريّة فقط.

وقالت المصادر إنّ ذلك جاء كخطوة احتجاجية على المعاملة السيئة التي يتعرّض لها السوريون في تركيا، خاصّة أحداث العنف والاعتداء على السوريين في ولاية قيصري، ليلة أمس، عقب مزاعم تفيد بتعرّض طفلة تركية لاعتداء جنسي من قبل شاب سوري.



** احداث ولاية قيصري :

وشهدت ولاية قيصري، ليل الأحد-الإثنين، أعمال عنف استهدفت ممتلكات السوريين، حيث أقدم مواطنين أتراك على حرق محال السوريين وتكسير سياراتهم، كما رموا منازلهم بالحجارة، في أحداث تُعتبر الأعنف ضد السوريين في تركيا، منذ بدء موجة اللجوء إليها.

واستهدفت مجموعة من الرجال أعمالا تجارية وممتلكات تابعة لسوريين في المدينة حيث أظهرت تسجيلات مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي إضرام النيران في متجر للبقالة.

وأشار وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا إلى أن مواطنين أتراك ألقوا القبض على السوري الذي اشتبه بأنه تحرش بطفلة وسلموه إلى الشرطة.

وذكر على منصة إكس بأنه يشتبه بأن السوري تحرش بقريبته السورية.

وأشار المسؤول التركي إلى أن الأتراك الذين تجمعوا في المنطقة تصرفوا بشكل "مخالف للقانون" و"لا يتناسب مع قيمنا الإنسانية" إذ قاموا بتخريب منازل ومتاجر وسيارات تعود إلى مواطنين سوريين.

وأفاد بأن "تركيا دولة قانون ونظام. تواصل قوى الأمن التابعة لنا معركتها ضد جميع الجرائم والمجرمين اليوم، كما فعلت بالأمس".

وفي إحدى التسجيلات، سُمع صوت رجل تركي وهو يصرخ "لا نريد المزيد من السوريين. لا نريد المزيد من الأجانب".

ودعت السلطات المحلية إلى التهدئة وكشفت بأن الضحية مواطنة سورية تبلغ من العمر خمس سنوات.



** اردوغان يعلق

وعلّق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أحداث قيصري، قائلاً إنّ السبب هو "الخطاب السام للمعارضة"، مردفاً: "لا يمكن قبول التخريب، اللجوء إلى خطاب الكراهية من أجل مكاسب سياسية هو ضعف، وأنّ التمييز والتهميش وإثارة العداوة لن يكون لها مكان في سياسة حزب العدالة والتنمية".



** اعتقال 67 شخصاً في تركيا

وبحسب وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، فإنّ السلطات التركية أوقفت 67 شخصاً على خلفية الأحداث التي جرت في ولاية قيصري، مشيراً إلى أنّ "المواطنين الأتراك تصرفوا بطريقة غير لائقة بالقيم الإنسانية، وأقدموا على أعمال غير قانونية وألحقوا أضراراً بمنازل ومحال وسيارات تعود للسوريين".

وجاءت أحداث قيصري، بالتزامن مع حملة أمنيّة مكثّفة تستهدف اللاجئين السوريين في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، حيث تُجري السلطات التركية عمليات تفتيش واسعة النطاق على منازل اللاجئين وأماكن عملهم، وفي الأسواق والمولات ومحطات المواصلات.


مقالات مشابهة

  • أحداث قيصري ثمرة التساهل مع العنصريين
  • الشعب الجمهوري يتهم أردوغان بالفشل في إدارة الملف السوري
  • أساليب جديدة لتهريب السوريين إلى لبنان
  • دعوات سورية لمحاسبة مرتكبي اعتداءات قيصري.. والخارجية التركية تعلق
  • الجيش الوطني السوري: المؤسسات ملك للسوريين تجنبوا أصحاب الفتن والتخريب
  • "الجيش الوطني السوري" يدعو السوريين في الشمال إلى تجنب الإنجرار وراء الفتن
  • غليان في الشمال السوري بسبب أحداث قيصري.. ودعوات للتهدئة (شاهد)
  • عاجل| رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية: نتابع عن كثب التحريض ضد اللاجئين السوريين
  • ما سبب الاشتباكات بين السوريين والقوات التركية؟
  • التقارب التركي مع الأسد يثير مخاوف في شمال سوريا..وعنتاب تضيق على اللاجئين