من عبير الزهور وروائح النباتات النضرة في الصباح إلى عبق العطور التي يستخدمها الأشخاص المحببون إلى القلب، يستنشق كل شخص الروائح من حوله في كل خطوة من حياته اليومية، بل وتنبعث منه أيضا رائحة مميزة تتيح إمكانية التعرف عليه وتمييزه بين سائر المحيطين به.

وتتأثر الرائحة الشخصية لكل فرد بعوامل عدة من بينها الصفات الوراثية، حيث يعتقد العلماء أن مجموعة معينة من الجينات هي المسؤولة عن إفراز الرائحة، وتتعلق هذه الجينات بالاستجابة المناعية للجسم، ويعتقد أنها تؤثر على الرائحة من خلال إنتاج بروتينات ومركبات كيميائية معينة، وعند خروج هذه الإفرازات من مسام الجلد، فإنها تتكسر وتختلط بالبيئة المحيطة، وينتج عنها الرائحة المميزة لكل إنسان.

ويؤكد فريق بحثي متخصص في "علم الروائح البشرية" أن هذه المركبات الغازية التي تنبعث من الإنسان، ويطلق عليها إسم "المركبات العضوية المتطايرة" هي في حقيقة الأمر غنية بالمعلومات التي تهم الباحثين في مجال الطب الشرعي والصحة العامة.

مجال حراري

في تقرير نشره الموقع الإلكتروني الأسترالي The Conversation المتخصص في الدراسات الأكاديمية، يقول الفريق البحثي المتخصص في الكيمياء الحيوية -ويضم كينيث فورتون من جامعة فلوريدا الأميركية، وفيديا جوكول من مختبر لورانس ليفمور الوطني في الولايات المتحدة، وشانترايل فريزر من جامعة فرامينغهام بولاية ماساشوسيتس- إنه عندما تقترب من شخص ما، فإنك تستشعر حرارة جسده دون الحاجة لملامسته، بل وتستطيع استنشاق رائحته دون حتى الاقتراب منه عن كثب، فحرارة الجسم الطبيعية تخلق مجالا حراريا مختلفا حول الشخص، بمعنى أنك تقوم بتسخين الهواء المحيط بك فيما يظل الهواء البعيد باردا، مما يخلق تيارا من السخونة حول الجسم.

ويعتقد العلماء أن هذا المجال الحراري يساعد في توزيع رائحة الشخص عن طريق دفع الملايين من خلايا الجلد بعيدا عن الجسم على مدار اليوم، وهذه الخلايا تقوم بدور العبوات التي تنقل الإفرازات الغددية والمكونات المجهرية من داخل الجسم إلى البيئة المحيطة.

ويرى الباحثون أن المكونات الرئيسية المسببة للرائحة تتعلق بعوامل داخلية ثابتة مثل العرق والنوع وصفات وراثية مختلفة، بالإضافة إلى أسباب أخرى متغيرة مثل التوتر والغذاء والمرض، ثم تمتزج هذه الإفرازات بمؤثرات أخرى خارجية مثل العطور أو صابون الاستحمام وغيرها لتخلق في النهاية رائحة مميزة لكل إنسان.

ويعكف العلماء على دراسة الروائح البشرية منذ عقود، فقد أثبتت تجربة أجريت عام 1988 أن بعض أنواع الكلاب يمكنها تمييز الرائحة المختلفة لتوأمين يعيشان في ظروف بيئية مختلفة عن طريق الرائحة وحدها.

جدير بالذكر أن التمييز بين التوائم المتطابقة لا يمكن تحقيقه باختبارات الحمض النووي، نظرا لأنهم يشتركون في نفس الشفرات الجينية.

واتسع مجال دراسة الروائح البشرية في السنوات التالية، بحيث أصبحت من الأدلة التي يتم الرجوع إليها في مجال الطب الشرعي.

المركبات العضوية المتطايرة

أثبتت دراسة أجراها الفريق البحثي الأميركي عام 2017 بمشاركة 105 متطوعين أن العينات التي تم سحبها من باطن كف اليدين للمشاركين كانت تحتوي على 15 من المركبات العضوية المتطايرة، واستطاع الباحثون من خلال هذه المسحات التمييز بين الجنس والعرق، بدرجة من الدقة تبلغ نسبتها 72% للبيض، و82% للآسيويين، 67% لمن ينتمون إلى أصول لاتينية.

كما أمكن للباحثين التمييز بين الذكور والإثاث اعتمادا على 13 مركبا عضويا بدرجة من الدقة تبلغ نسبتها 80%.

واستطاع باحثون تدريب بعض الكلاب على شم رائحة الإصابة بفيروس كوفيد 19، وأمكن لباحثين آخرين ابتكار منظومات حوسبية يمكنها تمييز جنس الشخص اعتمادا على رائحة اليدين بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي وبدرجة من الدقة بلغت 96%، وشارك في هذه التجربة مجموعة من المتطوعين تضم 30 رجلا و30 امرأة.

تشخيص بعض الأمراض

يؤكد الفريق البحثي أن علم الرائحة البشرية يمكنه أن يسهم في تشخيص بعض الأمراض، ومن الأمثلة على ذلك الاعتماد على الرائحة في التنبؤ بحالات مرضية مثل السكتات الدماغية ونوبات السكري بواسطة كلاب مدربة، والتي تستطيع تحذير المريض عن طريق النباح باحتمال إصابته بوعكة صحية قبل حدوثها بفترة كافية حتى يتسنى له اتخاذ الإجراء الطبي المناسب مثل تصحيح مستوى الغلوكوز في الدم قبل الإصابة بنوبة السكري على سبيل المثال.

وأثبتت بعض الاختبارات العلمية أيضا أن الكلاب يمكنها اكتشاف إصابة بعض المرضى بالسرطان من خلال رائحتهم.  كما استطاع الفريق البحثي من خلال اختبارات معملية لعينات من روائح اليدين التمييز بين الأشخاص المصابين بفيروس كورونا بدرجة من الدقة تبلغ نسبتها 75%.

ويرى الباحثون أن الروائح الشخصية تمثل وسيلة لجمع العينات، وفي حين أن الاتصال المباشر بسطح ما مثل الإمساك بمقبض باب أو ارتداء سترة معينة يمثل مسلكا واضحا للحصول على عينة من رائحة شخص ما، فإن مجرد تواجده في مكان معين هو كفيل بانتشار رائحته في البيئة المحيطة به.

ورغم أن الروائح الشخصية قد تصبح فرعا مهما من فروع الطب الشرعي في المستقبل، فهي ما زالت في مرحلة التطوير، وقد نصل يوما ما إلى جمع عينات من الروائح في مسرح الجريمة لتحديد هوية المشتبه بهم.

ولاشك أن إجراء مزيد من الدراسات بشأن تحليل الروائح البشرية سوف يتيح سد الثغرات في فهم تفرد الرائحة البشرية، والاستفادة من هذا العلم في تطبيقات عديدة في مجالات الطب الشرعي ومختبرات الطب الحيوي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الطب الشرعی التمییز بین من الدقة من خلال

إقرأ أيضاً:

“جيهان العسال” رئيسًا لقسم الأمراض الصدرية و“يوسف” قائمًا بأعمال وكيل طب عين شمس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أصدر الدكتور محمد ضياء زين العابدين، رئيس جامعة عين شمس، قرارًا بتعيين الدكتورة جيهان محمد إبراهيم العسال رئيسًا لمجلس قسم الأمراض الصدرية بكلية الطب، اعتبارًا من 12 مارس 2025 ولمدة ثلاث سنوات.

في سياق متصل، أصدر رئيس الجامعة قرارًا آخر بتكليف الدكتور طارق محمد يوسف سيد أحمد، أستاذ الكبد والجهاز الهضمي والمناظير ومدير مستشفى الدمرداش الباطني، بتسيير أعمال وكيل كلية الطب لشؤون الدراسات العليا والبحوث، بدءًا من 12 مارس 2025.

تأتي هذه التعيينات في إطار تعزيز الهيكل الأكاديمي والإداري للكلية، بما يخدم تطوير العملية التعليمية والبحثية في جامعة عين شمس.

مقالات مشابهة

  • هؤلاء أكثر عرضة للمرض .. كل ما تريد معرفته حول السعال الديكي
  • “شيطان الصندوق” يثير الذعر في بنسيلفانيا الأمريكية والشرطة تحدد هويته (فيديو)
  • كيف يتم تصنيع رائحة الكحك في المصانع؟.. إليك أسرار الصناعة
  • “جيهان العسال” رئيسًا لقسم الأمراض الصدرية و“يوسف” قائمًا بأعمال وكيل طب عين شمس
  • خبراء يحذرون: تيك توك سبب زيادة تشخيص اضطراب فرط الحركة
  • موجات الحر الشديد تسرّع الشيخوخة
  • لماذا تتعلق الفتيات بأشخاص لا تناسب مستواها الاجتماعي.. أحمد هارون يكشف مفاجأة
  • ابنة صدام حسين تتوعد شخصا بالحساب القانوني والعشائري.. ما السبب؟
  • تحصين 185 ألف حيوان وطائر ضد الأمراض الوبائية في الفيوم
  • اعتقال صائد كنوز إيراني شهير في العراق