أماني الطويل

مجمل التفاعلات الراهنة يشير إلى إمكانية تقسيمه إلى 3 دول في أحسن الأحوال

4 أكتوبر، 2023

تفتح التفاعلات المتبادلة حالياً بين رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي” الباب واسعاً أمام تقسيم للسودان لن يقل عن ثلاث دول في أحسن الظروف.

وقد برزت هذه التوجهات مع أن اتجاهات البرهان نحو تكوين حكومة في بورتسودان استجابة لرموز النظام القديم، وخصوصاً قيادات حزب المؤتمر الوطني التي تدفع نحو استمرار الحرب.

في المقابل فإن إعلان حكومة تحت أي اسم طوارئ أو غيره سيكون دافعاً لحميدتي، طبقاً لتصريحاته، لإعلان حكومة موازية في الخرطوم عاصمة البلاد التاريخية، وهو الأمر الذي يعني تقسيماً أولياً للسودان على النهج الليبي، لكن ربما لن تقف متوالية التقسيم السوداني عند هذا الحد، بل من المتوقع أن تتكاثر طبقاً لأبعاد محلية وأخرى دولية مركبة ومعقدة.

في ما يتعلق بالمكون المحلي في الأزمة فهو مرتبط بأبعاد تاريخية، منها أنه بلد حديث التكوين لم يعرف حدوداً مستقرة، حيث تكونت ممالك على أراضيه المعروفة لنا حالياً، واتسمت العلاقات بين هذه الممالك بالصراع تأسيساً على عوامل الانقسام العرقي الناتج من الفتح العربي في القرن الـ7، وكذلك الصراع على الموارد، وهي ممالك المقرة وعاصمتها دنقلا، ومملكة علوة وعاصمتها سوبا، ومملكة البجا في شرق السودان، ومملكة الداجو، ثم في مراحل تاريخية لاحقة مملكة الفونج.

هذه الفسيفساء من الشعوب

في القرن الـ19 فتح محمد علي السودان عام 1820 لأسباب تتعلق بصراعه مع أوروبا وتأمين حكمه في مصر، وطبقاً لهذا التطور تشكلت حدود السودان الحديث التي اكتملت عام 1916 بضم إقليم دارفور إليه، وفي أربعينيات القرن الماضي بضم جنوب السودان إليه بقرار من بريطانيا التي حكمته ثنائياً مع مصر حتى عام 1956.

وفي ما يخص التكوين الاجتماعي والثقافي، فإن السودان يعد إحدى أكثر الدول تنوعاً اجتماعياً وتعدداً ثقافياً، بل يتعدى هذا التنوع والتعدد إلى خارجه، بدليل أن كثيراً من القبائل متداخلة بين السودان ودول الجوار المستقلة على اتساع حدود السودان الجغرافية، مما مكنها من التنقل بين السودان ودول الجوار.

وتتميز المجتمعات الريفية بهياكلها الاجتماعية وثقافاتها الفرعية العرقية والقبلية التقليدية، ووفقاً لأرقام صندوق الأمم المتحدة للسكان ((UNFPA يشكل السودانيون العرب نحو ثلثي السكان في السودان، من بينهم الكبابيش في شمال كردفان، وهم مشهورون بتربية الإبل، وقبائل الجعليون، وهم من حكام السودان بعد الاستقلال، والشايقية الذين استقروا على طول الأنهار، ومجتمعات البقارة من البدو الرحل في كردفان ودارفور، والشكرية والبطاحين في شرق السودان.

أما بقية السكان فتتألف من جماعات عرقية أخرى هي البجا في الشرق، والنوبيون في أقصى الشمال، والفور والزغاوة بدارفور، والإنقسنا في منطقة جنوب النيل الأزرق، والنوبة في الجبال جنوب كردفان، وغيرها.

وتقسم هذه الفسيفساء من الشعوب إلى نحو 600 قبيلة بأحجام مختلفة، فضلاً عن وجود 300 لغة، حيث أدى هذا التعدد إلى نشوب بعض الحروب الأهلية التي أحدثت قدراً من التهديد للأمن القومي السوداني الشامل، وهذا يشير إلى ضعف القدرة على إدارة هذا التنوع الذي كان من الممكن أن يكون مصدراً لثراء إنساني واقتصادي للسودان.

وقد انعكس ضعف عملية الاندماج الوطني في السودان على التفاعلات السياسية فيه تاريخياً، حيث لم يشهد استقراراً سياسياً حتى قبل استقلاله عام 1956، إذ اندلعت به حرب أهلية في أغسطس (آب) 1955، وظهرت مطالبات جهوية في دارفور عام 1961، كما اندلعت في السودان ثلاث ثورات شعبية في الستينيات والثمانينيات.

بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي أطاحت نظام حكم الرئيس عمر البشير امتدت عملية الانتقال السياسي في السودان لمدة تقارب أربع سنوات، حيث أسفر الصراع السياسي المحلي، فضلاً عن تفاعلات العاملين الإقليمي والدولي عن صراعات مسلحة في العاصمة الخرطوم امتدت إلى إقليم دارفور بشكل رئيس وبعض المناطق الأخرى طبقاً لمتطلبات العملية العسكرية بين الجيش الوطني و”الدعم السريع”.

ويبدو لنا أن وقف الحرب في السودان مرتبط على نحو عضوي بمستقبل المعادلات السياسية في السودان وفواعلها، وما إذا كانت هذه المعادلات تستطيع القيام بمهام تسليم المدنيين كامل السلطة في السودان، وتحقيق تطور ديمقراطي بمفهوم حداثي يستطيع الاستجابة بفاعلية لعملية التطوير البنيوي للدولة السودانية بحيث تنتقل من حال ما قبل الدولة، التي تلعب فيها الانتماءات الأولية، أي العرق والدين والقبيلة، العنصر الحاسم في التفاعلات، إلى حال الدولة بمعنى بلورة عقد اجتماعي متفق عليه أساسه المواطنة المتساوية.

ويبدو لنا أيضاً أن التحديات التي تواجه طموح وقف الحرب متنوعة، ولكن بأوزان مختلفة، فمثلاً طبيعة دور المكون العسكري السوداني في الفترة المستقبلية يحتل وزناً رئيساً، وذلك على خلفية أمرين، الأول طموح كل من البرهان وحميدتي في الاستمرار بالمشهد المستقبلي للسودان طبقاً لتقدير كل منهما أنه قادر على حسم الصراع العسكري لصالحه على رغم مرور خمسة أشهر كاملة من دون تحقيق هذا الهدف.

الأمر الثاني هو مؤشرات تحركات رئيس المجلس السيادي التي تشير إلى رغبته في الاستمرار بالمشهد السياسي كرئيس للبلاد في المعادلات المستقبلية، وهو ما يفسر لنا طبيعة تفاعلاته مع القوى السياسية المتصارعة داخلياً، وأيضاً طبيعة تحركاته الخارجية أخيراً.

وثمة تحد رئيسي مواز هو مسألة تكوين الجيش القومي المهني، ذلك لأن المكون العسكري السوداني حالياً يتمظهر في تسع تجليات مسلحة بأوزان مختلفة ومن دون عقيدة عسكرية واحدة، ويتم تصنيفها على أساس عرقي أو قبلي، ومن هنا فهي محكومة في أدائها بهذه الاعتبارات دون الوطنية، وتمارس تحالفاتها السياسية طبقاً لذلك، وتتسبب على نحو ما في إرباك التفاعلات السياسية التي تتم استجابة لحساسيات جهوية وعرقية من دون الانتباه بالضرورة للاعتبارات القومية والوطنية.

الانتباه للضرورات القومية

على المستوى المدني فإن الثورة السودانية أنتجت نوعين من النخب السياسية، الأول مُنتمٍ لأحزاب سياسية متنوعة الاتجاهات ومتعددة الأوزان السياسية، والثاني يمكن اعتبارهم مجرد نشطاء سياسيين جلهم من الشباب المنتمي لمشروع التغيير والتحول الديمقراطي بأطره الثورية والمبدئية.

وبطبيعة الحال أسهم النظام السلطوي الممتد في السودان لـ30 عاماً في افتقاد هذه النخب للكفاءة المطلوبة لإدارة عملية الانتقال، حيث لم يتح للنخب الجديدة التدريب الكافي لممارسة مهام الانتقال الذي عادة ما يكون مكفولاً في النظم الديمقراطية، كما مارس النظام السلطوي دوراً في تقسيم الأحزاب السياسية وتشظيها لضمان استمرار قبضته على السلطة، كما لم يتحل المعارضين له بالقدرة ولا بالأفق الوطني اللازم لتجاوز تحدي الانقسام السياسي، خصوصاً بعد الثورة، وهي حال ما زالت ممتدة ولم تستطع تجاوز الاستقطابات على رغم الحرب ومآسيها.

في هذا السياق لا يمكن نكران أن هناك حالاً من الشراهة للسلطة من جانب أطراف حرموا منها طويلاً، وأطراف أخرى تجد في السلطة صمام أمان ضد تجاوزات تمت ممارستها ضدهم في فترات مختلفة، من ثم مارست نخب ما بعد الثورة من المكونين المدني والعسكري أخطاء رئيسة سمحت بلملمة قوي النظام القديم شتاتها وبلورة قواها في تنظيمات جديدة مناوئة لمشروع دولة المواطنة المتساوية، وهي تمتلك قدرات تسليحية يتم تفعيلها حالياً في ميادين القتال بين الجيش القومي و”الدعم السريع”.

مجمل التفاعلات الراهنة في المشهد السوداني سالفة الذكر تشير إلى إمكانية استقلال كل مجموعة سياسية أو عسكرية على جزء من التراب الوطني السوداني، ولم يكن تهديد حميدتي بإعلان حكومة موازية إلا أول خطوة على طريق تقسيم السودان، حيث ستكون نقطة إرتكاز “الدعم السريع” ومناطقه في النهاية هي دارفور، بينما يتجه إقليم شرق السودان نحو مغالبة باقي القطر بمينائه البحري وهو ما يتيح له فرصة تفاعل إقليمي نهم للموانئ والشواطئ، بينما يمارس عبدالعزيز الحلو، حاكم مناطق جبال النوبة، تغولاً على نقاط الجيش القومي في مناطق ارتكازه بولاية كردفان، بما يرشح هذه الولاية وجبالها لتكون إقليماً مستقلاً.

وأخيراً وليس آخراً، فقد طرح الإسلاميون منذ عقود فكرة الاستقلال بـ”مثلث حمدي” عن باقي دولة السودان، أي تلك المنطقة التي يدين سكانها بالإسلام وينتمون للعرق العربي في مناطق شرق ووسط البلاد، وهو مقترح لوزير المالية السوداني الأسبق عبدالرحيم حمدي، وذلك حتى يتمكن طالبو الشريعة من نفي الأغيار، أي السودانيين من غير العرب.

هذا الفكر الإقصائي في السودان أنتج حرباً لا يريد أحد إنهاءها، وينتج تقسيماً يلبي طموحات هؤلاء الشرهين للسلطة والنفوذ على حساب وحدة التراب الوطني السوداني، وعلى حساب أشلاء الضحايا وملايين السودانيين المكلومين بفقد الأهل والأحباب والبيوت والستر والوطن كله.

اندبندنت عربية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

الانتحار السوداني ... متى يتوقف وكيف؟!

عندما اندلعت المواجهات المسلحة بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان قائد مجلس السيادة السوداني، وبين قوات الدعم السريع بقيادة نائبه اللواء، محمد حمدان دقلو حميدتي، في منتصف أبريل من العام الماضي على خلفية شروط دمج قوات الجيش وقوات الدعم السريع معا تحت قيادة واحدة وبعض خلافات أخرى نالت من الثقة بينهما، خاصة وأن الظروف السودانية المحلية والإقليمية لا تتحمل خسائر وتبعات مواجهات مسلحة تتجأوز قدرات وإمكانيات السودان وظروفه، فإن الواقع هو أن الحرب في السودان وجدت من يغذيها - يغذي طرفيها، بالمال والسلاح لخدمة مصالح ذاتية لتلك الأطراف في المقام الأول بغض النظر عن أية ادعاءات لا يمكن أن تخدم مصالح الشعب والمجتمع والمصلحة الوطنية السودانية وعلى نحو حافظ على استمرار المواجهات بل وتوسيع نطاقها لتمتد إلى معظم أقاليم السودان الشقيق ولتتحول المواجهات المسلحة إلى اقرب ما يكون إلى الانتحار الذاتي بسبب ازدياد أعداد الضحايا بين المدنيين بشكل تجأوز بالفعل كل التوقعات حتى الآن. وبينما ادى القتال إلى خسائر مادية تتجأوز 12 مليار دولار ونهب نحو مائة بنك فقد انهارت العملة السودانية وانخفضت الإيرادات الحكومية بنحو 80 % حسبما أشار وزير المالية السوداني جبريل إبراهيمن ومن جانب آخر فقد قتل أكثر من 15 ألف سوداني ونزح أكثر من 4.6 مليون شخص وفقا لوكالة الأمم المتحدة للهجرة منهم 3.6 مليون نازح في الدول المجأورة وحوالي مليون نازح في داخل السودان. وقد حذر مارتن جريفيث منسق المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة مؤخرا من أن نحو خمسة ملايين سوداني يعانون من جوع كارثي، وأن نحو 250 ألف طفل يهددهم الجوع بشكل يفوق أية حالة أخرى في العالم، وانه بسبب معاناة الأطفال السودانيين تم إدراج كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ضمن قائمة العار الدولية في الأمم المتحدة بسبب الممارسات التي يتعرض لها الأطفال وهو ما يزيد من الإساءة التي تتعرض لها الأطراف السودانية المتورطة في عمليات القتال والتدمير المتعمد التي يتعرض لها السودان الشقيق منذ اكثر من أربعة عشر شهرا مضت.

وإذا كانت قد ضاعت أكثر من فرصة لوقف القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وآخرها ما تم الحديث والتحرك بشأنه في شهر رمضان الماضي وهو ما يتجدد الآن سودانيا وإفريقيا ودوليا، ولعله ينجح، فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها: أولا، أنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن بيئة الحرب في السودان هي بيئة معقدة إلى حد كبير ليس فقط بسبب تقاطع مصالح الأطراف السودانية الداخلية والأطراف المنتفعة من الحرب واستمرارها سواء كانت إفريقية آو دولية بدا لها إمكانية توسيع مصالحها المباشرة وغير المباشرة في منطقة جنوب البحر الأحمر الاستراتيجية والوصول منها إلى عدة دوائر متقاطعة ومؤثرة في السودان ومصر والمحيط الهندي ووسط وشرق إفريقيا وانتعاش اطماع وتطلعات بعض الأطراف الإقليمية والدولية في فترة تتسم بالتقلب وعدم الاستقرار السياسي وفورة الأطماع الإقليمية على مستويات متعددة. ومما يزيد من عبء ذلك ومخاطره أن أطرافا إقليمية عدة دخلت أو تحأول دخول ساحة النفوذ والتأثير الإقليمي حديثا، بل وحديثا جدا اعتمادا على الأرجح على عكاز واحد فقط لا يكفي بالتأكيد وهو التمويل المالي والإمداد بالسلاح بشكل أو بآخر وافتقاد تلك الأطراف في الواقع إلى الرؤية الاستراتيجية أو عدم القدرة على امتلاكها يجعل تحركاتها أقرب إلى العاب الطاولة منها إلى خطط التحرك الاستراتيجي المدروسة وهو ما يجعلها تتسم بالتقلب والتغير السريع ورد الفعل والانتقال من جانب إلى آخر بين الأطراف المتصارعة وللأسف هناك أمثلة محددة في هذا المجال. من جانب آخر فإن هذه السمات للصراعات الداخلية ومنها الصراع في السودان وليبيا وعدد من دول المنطقة المنكوبة للأسف ببعض قياداتها يجعل من الممكن استمرار الصراعات وتضخم الخسائر المادية والبشرية وتبريرها للأسف بأنها تضحيات ضرورية لمصلحة الشعب ومستقبله وهي لا تخدم إلا قيادات تعمل أولا على خدمة مصالحها الخاصة بغض النظر عن أية ادعاءات كاذبة حولت دولة السودان من سلة غذاء للمنطقة إلى دولة تعاني من أسوأ صور المجاعة في العالم في هذه الفترة وخلال الأشهر القادمة. من جانب آخر فإن من أهم أسباب التدهور الداخلي هو أن حالة الصراع المسلح جعلت اليد العليا لتلك التي تحتكم بالفعل إلى السلاح أو تستطيع تأمين الحصول عليه بأية طريقة ولو بالتحالف مع الشْيطان بشكل ما وبالتخلي عن المصالح الوطنية للدولة والشعب بمبررات مزعومة وهو ما يضر بالدولة وحاضرها ومستقبلها مهما كانت المبررات براقة وهو ما لن يعفي القيادات المتورطة من مسؤوليتها الوطنية ومحاسبتها في النهاية حتى لو طال الزمن، ومن هذا فإن ادعاء أي طرف الانتصار على الطرف الآخر لن يغطي ولن يقلل من حجم الخسائر في المجالات المختلفة والتي يدفع الشعب ثمنها اليوم وغدا وبعد غد كذلك.

ثانيا، أنه إذا كانت السودان من أكثر الدول العربية المعروفة بثقافتها وديناميكيتها السياسية، ومن ثم حيوية القوى المدنية السودانية التي حاولت التأثير بشكل يقلل قدر الإمكان من دور القوات المسلحة وقوات الدعم السريع اللتي تمتلك السلاح بحكم دورها الوطني المفترض في حماية الدولة ومؤسساتها ومواردها الوطنية وهو ما أدى إلى تشكيل حكومة عبدالله حمدوك المدنية والتي لم تستطع أن تكمل مهامها في بناء سلطة مدنية كمخرج من حالة الصراع أو بالأحرى بين البرهان وحميدتي، كشخصيتين متنافستين على قيادة السودان، خاصة وأن البرهان اتهم حميدتي علنا قبل عدة أيام بالرغبة والعمل من أجل السيطرة على السودان، ورد حميدتي على ذلك باتهام البرهان بنشر الكراهية والانسحاب من المفاوضات. وإن قوات الدعم السريع مستعدة للتفاوض كما أعلنت من قبل ودون شروط مسبقة. ومع أن الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق يؤيد قيام القوى المدنية السودانية بدور رئيس إلى جانب مختلف القوى السودانية، وأنه عمل على تشكيل «تنسيقية تقدم» المدنية للقوى التي تتعاون مع مختلف القوى السودانية القادرة والراغبة في العمل في هذا الاتجاه، إلا أن استمرار القتال بين قوات الجيش والدعم السريع من ناحية، وتعدد الخلافات بين القوى السودانية حول أنسب سبل الحل وامتداد ذلك إلى قيادات عليا داخل الجيش وكذلك تعدد وزيادة أعداد التشكيلات المسلحة من ناحية ثانية، هذا فضلا عن اتساع وتنوع التدخلات الخارجية الإفريقية وغير الإفريقية قد أضعف في الواقع بشكل أو آخر دور القوى المدنية بوجه عام وتنسيقية تقدم بوجه خاص برغم أنها تحظى بتأييد ملموس بين السودانيين والمؤسسات السودانية التي بات لها مآخذ عديدة حول ممارسات القوى المتصارعة والخسائر التي تسببها للسودان مع كل يوم، بما في ذلك ما تردد حول لجوء قوات الدعم السريع إلى استخدام جمهورية إفريقيا الوسطى لتجنيد مرتزقة يعملون في صفوفها حيث يستغل حميدتي علاقاته مع قادة إفريقيا الوسطى لتجنيد قوات يستعين بها في القتال في دارفور وفي مناطق وولايات سودانية أخرى مما يفاقم الصراع ويطيل أمد الحرب. وفي الأيام الأخيرة احتدمت المعارك بيت الدعم السريع وقوات الجيش حول سلاح المدرعات وفي الخرطوم وأم درمان وفي الفاشر في دارفور. وبينما اتهمت قوات الدعم السريع قوات الجيش بقصف محطة كهرباء «بحري» الحرارية مما أدى إلى احتراقها، فإن قوات حميدتي أعلنت قبل أيام قليلة سيطرتها على مدينة « سنجة» في ولاية «سنار» جنوب شرق السودان، غير أن ذلك يدخل على الأرجح في إطار الحرب الإعلامية بينهما ومحاولة قوات الدعم السريع إظهار قدر من القدرة على التماسك أمام قوات الجيش التي تعزز قواتها بالاستعانة بمسيرات إيرانية في الأسابيع الأخيرة.

ثالثا، إنه برغم تعدد محاولات التدخل الإقليمي والدولي والعربي لمحاولة التوصل إلى أسس تحافظ على وحدة وسلامة السودان التي أصبحت مهددة أكثر من ذي قبل، والتوصل بالفعل إلى اكثر من مقترح يتم العمل في إطاره منها مقترحات جدة في 11 مايو 2023 وخارطة الطريق الإفريقية في العام الماضي أيضا، وأكثر من قرار لمجلس الأمن الدولي، ومحاولات منظمة «الإيجاد»، ومجلس السلم والأمن الإفريقي فضلا غن جهود ثنائية مع أطراف الصراع، إلا أنه من المؤسف أنها تعثرت في الوصول إلى نتائج عملية لضعف اهتمام الأطراف المعنية أو لانشغالها بصراعات أخرى في المنطقة أو في محاولة منها لإلقاء مسؤولية الفشل على عاتق أطراف الصراع التي انشغلت بدورها في البحث عن مصادر تمويل وإمدادات سلاح وافتقدت لأرادة الحل بسبب تركيزها على المصالح الضيقة لها. وبينما بحث مجلس الأمن الدولي الوضع في السودان في 25 يونيو الماضي حيث قدم أكثر من مسؤول دولي إحاطات للمجلس فإن هناك شعورا متزايدا بخطورة ترك الأوضاع في السودان لحالة أقرب إلى الانتحار الذاتي بكل تبعاته، والمأمول أن تنجح محاولات الاتحاد الإفريقي في الجمع بين البرهان وحميدتي من خلال اللجنة التي تم تشكيلها برئاسة الرئيس الأوغندي موسيفيتي قبل أيام ولعل تلويح المبعوث الأمريكي في السودان بإمكانية التدخل يساعد على الاستجابة ولكن المؤكد أن النجاح يتطلب إرادة سياسية ورغبة حقيقية في الحل بعيدا عن المحاصصة والتقسيم ... فهل تنجح القوى المدنية والمخلصون السودانيون في انتشال السودان من حالة الانتحار الذاتي ووضعه على طريق الحل؟.

د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري

مقالات مشابهة

  • مؤتمر القاهرة.. الفرصة الأخيرة للقوى السياسية السودانية
  • الجيش السوداني يحدد 4 شروط للتفاوض مع الدعم السريع
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • البرهان يحدد شروطا للتفاوض مع الدعم السريع.. وتوسع في خطة مساعدة السودان
  • تعامل الفريق البرهان والقيادات العسكرية المحيطة به مع أزمات السودان الحالية لن تفلح قطعاً
  • إلا بعزة.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • التوافق السياسي السوداني: تأملات واقتراحات
  • الانتحار السوداني ... متى يتوقف وكيف؟!
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان تردّ على دعوة مصرية
  • مافي مليشيا بتهزم دولة ومجغومين كان سقطت مدن السودان عن بكرة ابيها خلي سنجة