العملية العسكرية التركية.. تطور الإستراتيجيات والأهداف
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
بعبارات لا تنقصها الصراحة وخلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره في جمهورية شمال قبرص التركية في أنقرة يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان "من الآن فصاعدا كافة البنى التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة التابعة لتنظيم بي كا كا الإرهابي في سوريا والعراق أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية والعسكرية والاستخبارية".
وأكد فيدان أن رد القوات المسلحة التركية على الهجوم الذي استهدف مبنى المديرية العامة للأمن بأنقرة سيكون "ردا ملموسا للغاية يجعل الإرهابيين يندمون مرة أخرى على فعلتهم".
لم تمر 24 ساعة على تصريحات الوزير حتى كانت الطائرات التركية المسيرة والمقاتلة تشن عملية عسكرية بقصف قواعد تنظيم حزب العمال الكردستاني وفروعه في شمال سوريا، وأبرزها وحدات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي، في ضربات غطت منطقة تمتد على طول 500 كلم وبعمق 40 كلم داخل الأراضي السورية، حيث استهدفت حقول نفط وبنى تحتية تشمل محطات توليد كهرباء ومخازن أسلحة تابعة للتنظيم، إضافة إلى تحييد أفراد وقادة.
ورغم أن سير العمليات العسكرية وتطورها يتجدد على مدار الساعة فإن اليوم الأول منها أفصح عن تطور واضح في الإستراتيجيات المتبعة من قبل أنقرة أو الأهداف التي يمكن أن تتطور إليها العمليات، كما أوضحت عزم أنقرة على سد ثغرات العمليات العسكرية السابقة.
نجاحات سابقة لكنها غير مرضيةمنذ عام 2016 نفذت القوات التركية عمليات عدة في الشمال السوري، وهي عملية درع الفرات في أغسطس/آب 2016، والتي انتهت بالسيطرة على مدينتي إعزاز وجرابلس بريف حلب وطرد تنظيم الدولة "داعش" من تلك المناطق، ثم عملية "غصن الزيتون" في يناير/كانون الثاني 2018، والتي نجحت فيها القوات التركية بالتعاون مع الجيش السوري الوطني "المعارض" في السيطرة على مركز مدينة عفرين وطرد تنظيم حزب العمال منها، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019 أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" لإبعاد وحدات الحماية الكردية عن الحدود التركية السورية وإنشاء منطقة آمنة بعمق نحو 30 كلم.
ورغم النجاحات التي حققتها تلك العمليات فإن نتائجها لم ترضِ تركيا بشكل كامل، نظرا لعدم تنفيذ كل من روسيا والولايات المتحدة التعهدات التي قطعتها كل دولة على نفسها من أجل إيقاف تلك العمليات حينها، فالتنظيم الإرهابي ظل قريبا من منطقة الحدود، ولم ينسحب من مدينة منبج بريف حلب إلى مناطق شرق الفرات.
والأشد خطرا أنه ظل مصدر تهديد لأمن واستقرار تركيا، فالتفجير الذي ضرب منطقة تقسيم وسط إسطنبول العام الماضي تم الإعداد والتخطيط له في تلك المناطق، حيث تولت التنفيذ امرأة من أكراد سوريا دخلت تركيا بشكل غير قانوني.
كما أن الهجوم الأحدث على وزارة الداخلية في أنقرة جرى التخطيط له في تلك المناطق أيضا، ناهيك عن عشرات العمليات الإرهابية التي نجحت أجهزة الأمن التركية في إحباطها، وكان مصدرها مناطق نفوذ التنظيم في الشمال السوري.
لذا أيقنت تركيا أن تفكيك تلك الإشكالية لن يكون إلا بعمل عسكري حاسم وواضح بعيدا عن المماطلات الأميركية والروسية.
الصدام التركي الأميركيفي العمليات العسكرية السابقة كانت تركيا تلجأ إلى إخبار كل من واشنطن وموسكو بها ولو قبلها بوقت قصير، لكن الملاحظ في تلك العملية أن التحرك التركي جاء دون إخطار مسبق، وبعد تحذير وزير الخارجية هاكان فيدان من وصفهم بـ"الأطراف الثالثة"، مطالبا إياهم بالابتعاد عن أماكن الخطر، وكان يقصد هنا في المقام الأول القوات الأميركية.
ورغم ذلك فقد شهد اليوم الأول صداما أميركيا تركيا عقب إسقاط القوات الأميركية مسيّرة تركية، معللة ذلك بأنها هاجمت قواعد وحدات الحماية الكردية من نقطة قريبة من القوات الأميركية بنحو 500 متر.
لكن الملاحظ أن الحادث لم يؤثر في سير المخطط التركي، وواصلت عملياتها كأن شيئا لم يكن، وقد لوحظت تحركات أميركية لاحتواء الحادث، إذ اتصل كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان الأميركيين بنظيريهما في تركيا.
كما أصدرت وزارة الدفاع الأميركية بيانا عبرت فيه عن حزنها تجاه الحادث، مؤكدة أن تركيا واحدة من أهم وأقوى حلفاء واشنطن في حلف الناتو.
هل يتطور القصف الجوي إلى اجتياح بري؟قبل الإجابة عن السؤال دعونا نشير إلى ملاحظة مهمة تتعلق بالاستعداد الاستخباراتي المتميز من خلال بناء بنك أهداف يعتمد على معلومات موثقة تم جمعها وفرزها والتأكد منه، بحيث بدت الضربات الجوية متناسقة ومتتابعة ومؤثرة، مما جعل قادة التنظيم يناشدون العالم خلال الساعات الأولى التدخل لوقف العملية، لكن دون جدوى.
هذا التفوق الجوي الواضح لن يكون بديلا إستراتيجيا عن العملية البرية لوقف خطر تلك التنظيمات، والقضاء على التهديدات الأمنية والانفصالية المترتبة على وجودها بالقرب من منطقة الحدود.
لكن هذا التطوير العملياتي سيتوقف على تقديرات الموقف لدى صانع القرار في أنقرة بناء رد الفعل من جانب موسكو وواشنطن، فموسكو التي بدت متناغمة مع الموقف التركي في ملف قره باغ الأذربيجاني لأسباب تتعلق بخلافات روسية أرمينية قد يختلف موقفها هنا بسبب علاقتها مع كل من نظام بشار الأسد من ناحية، والنظام الإيراني من ناحية أخرى والذي يزعجه جدا التمدد التركي المتواصل على حساب ما يراه توازنا بين الدولتين.
أما واشنطن فانزعاجها أكبر، لأنها الراعية لتلك التنظيمات تسليحا وتدريبا وحماية بزعم تعاونها في محاربة تنظيم داعش، لكن الحقيقة أنها تمثل قاعدة المخطط الإستراتيجي الأميركي بتأسيس كيان انفصالي "كردي" في شمال سوريا.
ورغم ذلك يبدو أن رهان أنقرة سيبقى مرتكزا على حاجة الدولتين إليها في ظل استمرار أزمة الحرب في أوكرانيا، وما تركته من تداعيات على السلم والأمن الدوليين، الأمر الذي قد يتيح لتركيا تطوير العمليات والدفع بقوات برية لتأسيس منطقة أمنية.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الحضور التركي بإفريقيا.. كيف نجح أردوغان في حل الخلاف بين إثيوبيا والصومال؟
نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، تقريرا، سلّطت فيه الضوء على النجاح الذي حققته تركيا من خلال دور الوساطة في المفاوضات بين إثيوبيا والصومال، والتي انطلقت في تموز/ يوليو الماضي.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أنقرة قادت لأول مرة منذ حضورها الفعلي في القارة الإفريقية سنة 2005، مفاوضات بين بلدين بمفردها، في ظل ظرف إقليمي صعب.
وأضافت أن هذا النجاح له طابع خاص من المنظور التركي، لأنه تحقّق في منطقة القرن الإفريقي التي كانت نقطة انطلاق نحو غزو الأسواق الخارجية، ومن خلاله توجه أنقرة رسالة تحدٍ إلى القوى "التقليدية"، وتعزز مكانتها كلاعب محوري في القارة، وتوسع مجال نفوذها هناك.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، ورئيس الصومال حسن شيخ محمود، قد وقّعا في الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري اتفاق مصالحة في أنقرة بفضل الجهود التي بذلها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في سبيل ضمان تسوية الخلاف بين البلدين والالتزام "بالمضيّ نحو المستقبل بشكل سلمي".
ثماني ساعات من المفاوضات
نقلت المجلة عن الخبير في مركز أوسرام لدراسات الشرق الأوسط في أنقرة، كان دفجي أوغلو، قوله: "تعززت علاقات تركيا القديمة مع الصومال بفضل الاستثمارات والدعم العسكري الذي تقدمه أنقرة.
وفي الوقت نفسه، تُعد إثيوبيا أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لتركيا في إفريقيا، ومركزاً دبلوماسياً محورياً في القارة. تصاعد التوترات بين الصومال وإثيوبيا كان من الممكن أن يهدد مشاريع التعاون والأنشطة التجارية والمصالح الاستراتيجية لتركيا مع هذين البلدين".
وذكرت المجلة أن الأمور كانت على حالها منذ الجولة الثانية من المفاوضات في آب/ أغسطس من العام الحالي، وقد أُلغيت الجولة الثالثة المقررة في أيلول/ سبتمبر الماضي، لكن المشاورات السرية استمرت تحت إشراف وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان.
وبحلول أوائل كانون الأول/ ديسمبر، أحرزت المحادثات تقدماً خوّل للرئيس التركي، دعوة أبي أحمد وحسن شيخ محمود إلى أنقرة. وبعد ثماني ساعات من المفاوضات، أنهى الزعيمان الخلاف، وعقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا.
سبب الأزمة
كانت إثيوبيا التي حُرمت من واجهة بحرية منذ استقلال إريتريا سنة 1993، قد وقعت في كانون الثاني/ يناير 2024، بروتوكول تعاون مع أرض الصومال.
بموجب الاتفاق، تعترف أديس أبابا بأرض الصومال كدولة مستقلة مقابل حصولها على عقد استغلال شريط ساحلي بطول 20 كيلومتراً.
بذلك، تضمن إثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر، مع إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية وتطوير تجارتها، دون الاعتماد حصريا على ممر جيبوتي.
ردا على ذلك، استدعت السلطات الصومالية سفيرها في أديس أبابا، وبدأت خطوات للتقارب العسكري مع مصر، العدو اللدود لإثيوبيا، حسب تعبير المجلة.
وفي شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2024، وقعت الصومال مع تركيا اتفاقاً اقتصادياً وعسكرياً، واتفاقاً للتعاون في مجال الطاقة. ينص الاتفاق الأول على أن تشرف أنقرة على تجهيز وتدريب البحرية الصومالية لمساعدتها في حماية ثرواتها وحدودها البحرية وتعزيز قدراتها ضد عمليات القرصنة وحركة الشباب المجاهدين.
ويمنح الاتفاق الثاني تركيا الحق في استكشاف النفط والغاز في المياه الصومالية واستغلال الحقول الهيدروكربونية عند اكتشافها. ومنذ ذلك الحين، سعت أنقرة لإيجاد حل يرضي الطرفين.
اتفاق المصالحة
يقوم اتفاق الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر على نقطتين أساسيتين، إذ تنص النقطة الأولى على اعتراف إثيوبيا بوحدة أراضي الصومال وسيادتها، أما الثانية فإنها تنص على حق أديس أبابا في الوصول التجاري إلى البحر "في إطار القانون الدولي مع احترام سيادة الحكومة الفيدرالية الصومالية".
إلى ذلك، تعهّدت مقديشو وأديس أبابا بتوقيع اتفاقيات تجارية ثنائية من شأنها تأمين وصول إثيوبيا بشكل آمن وموثوق إلى البحر تحت إشراف السلطات الصومالية.
ومن الناحية العملية، يتعين على الفرق الفنية من كلا البلدين بدء مفاوضات تحت إشراف تركيا بحلول شباط/ فبراير 2025، على أن تُختتم في غضون أربعة أشهر. وأي نزاع يتعلق بتفسير أو تنفيذ هذه الالتزامات ينبغي حله عبر الحوار، مع إمكانية اللجوء إلى تركيا إذا لزم الأمر.
سياسة براغماتية
أضافت المجلة أن الرئيس التركي قد راهن من خلال تدخله بشكل شخصي في المفاوضات على العلاقات القوية التي تجمعه مع أديس أبابا ومقديشو. في 2005، عندما كان رئيسا للوزراء، اختار أردوغان إثيوبيا لتكون وجهته الأولى في إفريقيا.
يوجد في الوقت الراهن أكثر من 200 شركة تركية في إثيوبيا، كما لعبت الطائرات المسيّرة من طراز "بيرقدار تي بي 2" التركية، دورا كبيرا في النزاع بين حكومة أبي أحمد والمتمردين في تيغراي.
من جهتها، تعد الصومال منطقة حيوية مهمة لتركيا في القارة، حيث تدير شركتا البيرق وفافوري ميناء ومطار مقديشو، وقد أنشأت أنقرة قاعدة عسكرية في البلاد تعمل على تدريب الجيش الصومالي على: "مكافحة الإرهاب".
وأكدت المجلة أن تركيا لن تتخلى عن نهجها البراغماتي في هذه المنطقة التي تقع عند مدخل مضيق باب المندب، أحد أكثر الطرق التجارية ازدحاماً في العالم.
ويقول دفجي أوغلو في هذا السياق: "لا تعترف تركيا بأرض الصومال كدولة مستقلة، لأن ذلك قد يضر بوحدة أراضي الصومال وبعلاقاتها مع أنقرة. مع ذلك، تدرك تركيا أن أرض الصومال بحاجة إلى تحقيق الاستقرار والتنمية. لذلك، تقدم لها المساعدة بشكل غير مباشر من خلال بعض المشاريع الإنسانية والاقتصادية".
مصالح متضاربة
ترى المجلة أن التوترات في المنطقة تفتح الباب للتساؤل عن إمكانية صمود اتفاق 11 كانون الأول/ ديسمبر، في ظل وجود أطراف مؤثرة أخرى، على غرار عدد من الدول الغربية التي تملك قواعد عسكرية في جيبوتي ومصر، التي تخوض نزاعًا مع إثيوبيا بشأن تقاسم مياه النيل.
ووفقا للمجلة، تلعب الإمارات العربية المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي دورا محوريا في المنطقة، حيث أقامتا علاقات مع أرض الصومال، القريبة جغرافيا من الحوثيين في اليمن. رغم نجاحها الدبلوماسي الأخير، لم تتمكن تركيا من حل الخلاف الإقليمي الذي تغذيه التوجهات الانفصالية.
ويقول الباحث في السياسة الخارجية بمركز سيتا في أنقرة، تونتش دميرتاش: "تم تعزيز صورة ومصداقية تركيا على الساحة الدولية بفضل مسار أنقرة. من خلال العمل وفقًا لمبدأ حلول إفريقية للمشاكل إفريقيا، قد تتمكن تركيا، إذا طُلب منها ذلك، لعب دور الوسيط لاستئناف المحادثات بين الصومال وأرض الصومال أو بذل جهود للوساطة بين السودان والإمارات العربية المتحدة".