الزيلعي ومحاصرة الفكر الاستاليني
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
مرة ثانية كل الشكر للأستاذ صديق الزيلعي ” اليساري الحر” في خوض الممنوع داخل الحزب الشيوعي السوداني، الذي كان يجب أن يكون قد تجاوز محطات عديدة في مسيرته نحو الديمقراطية، و تكون التجربة قد أهلت كادره و دفعته للإنتاج المعرفي و ملء المكتبة السياسية و الثقافية بعشرات من الإصدارات الفكرية و الفلسفية و في كل ضروب الإبداع المرتبطة بحركة التطور العالمي في ضروب المعرفة.
في هذا المقال سوف اتعرض بالنقد لبعض الفقرات التي كانت قد وردت في مقال الزيلعي بعنوان (اطروحات أنصار المركزية الديمقراطية وأراء رافضيها 3 – 4) و في هذا المقال تكمن خلاف الرؤية. يقول المقال (تتركز اطروحات دعاة المركزية الديمقراطية في انها انسب الاشكال لتنظيم الأحزاب الثورية، والسبب الأساسي؛ ان تلك الأحزاب معادية، في معظم الحالات، للأنظمة القائمة مما يعرضها للحظر والمطاردة وكافة اشكال القمع. كما ان أجهزة السلطات تستخدم كل الأساليب المتنوعة والحيل الماكرة لاختراق تلك الأحزاب وتدميرها من الداخل بخرق الصراعات) أن لينين الذي جاء ب ” المركزية الديمقراطية” في فترة تاريخية كان محتاج فيها أن يحافظ على الحزب. السؤال: لماذا لم تتغير هذه المركزية بعد تغير الوضع السياسي الاجتماعي و أصبح الحزب الشيوعي السوفيتي هو القابض على زمام الأمر، و هو الذي تتخوف منه القوى السياسية الأخرى. هذا يؤكد أن الماركسية ليس لها علاقة بالديمقراطية وسيلتها الصراع الطبقي الذي يفضي إلي ديكتاتورية البوليتاريا.
يقول مقال الزيلعي (أهم سمات المركزية الديمقراطية هي وجود مركز واحد قوى تلتزم كل العضوية بتنفيذ قراراته ويكون مسئولا عن كل ما يتعلق بالتنظيم. من ناحية اخري يملك الأعضاء حق انتخاب القيادات ومحاسبتها في الاجتماعات الدورية. كما لهم كامل الحق في مناقشة كافة المسائل الحزبية، كبيرها وصغيرها، عندما تعرض للنقاش وان يتم ذلك بحرية تامة) هذا حديث لا يصدقه الواقع، و قد كشفته الحرب الدائرة الآن بصورة كبيرة، حيث غاب الحزب و لا يسمع له أي رأي يمكن الجدل فيه، بل الذي يزور “القروبات العديدة” تجد الشيوعيين يكتفون فقط برفع المقالات و البوسترات التي يجدونها في بعض القروبات الأخرى، و حتى في النقاش لا يقدمون رؤية خوفا من القيادة. و ينتقد الزيلعي السبب الذي أدى لذلك ” المركزية الديمقراطية” حيث يقول في ذات المقال (هذا الشكل التنظيمي وليد زمن وظروف تخطاها الزمن والوعي العام والخاص وصارت تشكل قيدا ثقيلا مكبلا لكل خطوات تطوير وتجديد الحزب ويصبح للجهاز الحزبي (أعضاء القيادة المركزية والكادر المتفرغ) السلطة المطلقة على كل ممارسات الحزب” هنا يصل لعين الحقيقة. أن القيادات الاستالينية هي السبب. و لماذا استالينية لآن استالين كان أكثر القيادات التي استفادت من ” المركزية الديمقراطية” و استطاع ان يوظفها التوظيف الذي يردع به كل المخالفين له في الرأي، كان عدو الديمقراطية بحق و حقيقة من خلال تصفيته لخصومه.
في محطة أخرى في مقال الزيلعي يقول (كتب التجاني الطيب، أحد أشد المدافعين عن المركزية الديمقراطية حماسا، مؤكدا ان المركزية هي المبدأ الأساسي لوحدة وتماسك المجموعات: “عبر مسار التطور كان المبدأ الأساسي لوحدة الجماعات وتماسكها هو المركزية التي تطورت من شكلها البسيط ممثلا في زعيم العائلة والعشيرة الى اشكالها المعقدة ممثلة في الملكيات والامبراطوريات التي تحكم مجموعات بشرية كبيرة ومتنوعة) أن مقولة الطيب جاءت بعد ما أصبح الرجل واحد من القيادات التاريخية المحافظة، التي لا ترغب في التغيير و تفتح منافذ الحوار. و لكن لنرى ذات التجاني الطيب ماذا قال عن الحرية داخل الحزب و نقده لغياب الديمقراطية في بداية طريقه السياسي (كتب تاج السر عثمان بابو مقالا بعنوان “تجربة الصراع الفكري في الحزب الشيوعي السوداني، الفترة من1951- 2007” يقول بابو ( أن التيجاني الطيب قد أشار في مقال صدر في مجلة الشيوعي، العدد 150، الي ضيق العمل القيادي وغياب الديمقراطية في الحزب ككل ، وكانت العلاقة بين اللجنة المركزية والمستويات التنظيمية الأولي تنحصر في اصدار القرارات وتنفيذها ولم يكن في الحسبان مناقشة قرارات ل.م ناهيك عن انتقادها وتم اخفاء دور الحزب المستقل، وضعف صلات الحزب بالطبقة العاملة والجماهير الثورية ، سيادة الجمود في دراسة النظرية الماركسية) هنا يتبين الموقف بين شخصية التجاني في تطورها التاريخي عندما كانت في مرحلة الشباب تطالب بالحرية و الديمقراطية، و عندما تقدم بها العمر و اصبحت محافظة تخاف من الأثنين الحرية و الديمقراطية، الأمر الذي جعلها تتمسك بالمركزية الديمقراطية.
أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلي عصف ذهني من قبل الزملاء (فكيف يتم القبول بثبات مبدأ واحد، بلا تغير، لأكثر من قرن من الزمان في ظل تحولات عاصفة وسريعة اعادت تشكيل العالم في أكثر من وجهة. والشيء الثاني ان قانون الصراع يشمل الأحزاب والأفكار، ولكن المسالة الهامة والأساسية، بعد الاعتراف بذلك الصراع، كيف يتم ادارته والمناهج المستخدمة في ذلك؟) أن المركزية قد أصابت الحزب بحالة من الجمود لا يستطيع الخروج منها إلا إذا شارك كل الزملاء في الحوار الفكري الذي فتحه الزيلعي، و هو الذي سوف يتحمل ردة فعله. و أن حجة التخوف من النظم الديكتاتورية و تقويضها للحزب، أو تحدث فيه أختراقا هي تخوفات تؤسس لطبيعة المنطقة و ثقافتها و أيضا مصطلحات الصراع الطبقي و الثورية التي لا تتلاءم مع الديمقراطية و ليس المجتمعات الديمقراطية تستخدمها، لآن الديمقراطية لها أليات مخالفة تماما.
أن المركزية الديمقراطية لا تمنع الحوار المفتوح بين عضوية الحزب فقط، بل سوف تخلق الجمود الفكري في العضوية، لأنهم لا يستطيعون أن ينهلوا من مصادر أخرى للفكر، و لا يستطيعون أن يفتحوا به بما قراءه حوارا داخل المؤسسة الحزبية حتى لا يتعرضوا للإتهام بالشللية و التحريفية و خلق التكتل. فالكل ينتظر أن القيادة وحدها تفكر له، لذلك يقول الزيلعي في هذه المحطة في المقال (فالقضية المركزية واضحة وضوح الشمس ولا يمكن لعضو حزب او فرع حزب ان يبادر بفتح حوار فكري لأنه عليه فقط ان يرفع مقترحات للمركز بذلك، ولا يحق له الاتصال بأعضاء اخرين، او فروع اخري، والا يسمي ذلك تكتلا ويقع تحت طائلة سيف اللائحة البتار. وانظر لتجربة المناقشة العامة حول قضايا العصر وما انتهت اليه الا يصح وصفها بالفيل الذي تمخض فولد فأرا!) تجرأ الزيلعي بالقول على القيادات الاستالينية، و ينتظر ردة فعلها، فالخوف لا يصنع حضارة و مجتمع ديمقراطي، فالزملاء مقيدين بالائحة و المركزية الديمقراطية. “يطلعوا من نقرة يقعوا في دحريرة” فالقوى الحزبية التي تتعثر داخل مؤسستها الحرية و تنقص مواعينها الديمقراطية لا يمكن الرهان عليها أنها سوف تصنع ديمقراطية. مرة أخرى أشكر الأستاذ صديق الزيلعي على هذه الجرأة التي يتخوف منها أغلبية الزملاء، حتى أنهم لا يستطيعون قراءة ما كتب الزيلعي، لذلك لا يجدون لهم طريقا للحوار معه، حتى لا يتم إتهامهم بالخروج على اللائحة. نسأل الله حسن البصيرة.
الوسومزين العابدين صالح عبد الرحمنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: المرکزیة الدیمقراطیة
إقرأ أيضاً:
بعد اكتشاف أول خرطوش ملكى له فى الأردن .. ماذا يقول التاريخ عن الملك «رمسيس الثالث»؟
شغل الفرعون رمسيس الثالث العالم، بعد اكتشاف أول خرطوش ملكي له فى جنوب الأردن، وذلك بعد سنوات من اكتشاف نقش له فى منطقة تيماء بالمملكة العربية السعودية، فمن هو ذلك الملك المصري العظيم؟.
بدوره يقول الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار فى تصريح لـ”بوابة الأهرام”، إن رمسيس الثالث هو آخر فراعنة مصر العظام، وفى فترة حكمه، عاصر نهايات واضطرابات فى دول وممالك عدة فى عالم البحر المتوسط، وتأثرت مصر دون شك بتلك الهجرات التى جاءت إلى الشواطئ المصرية بحثًا عن وطن جديد، وقد حمى رمسيس الثالث العالم من هذا الدمار.
ويضيف الدكتور مجدي شاكر أن السنوات الأربع الأولى من حكم رمسيس الثالث كانت هادئة، وأخذ فى تدعيم دولته، واستمر فى سياسة والده الملك ست نخت لجلب الاستقرار لمصر، وفى العام الثامن من حكم الفرعون رمسيس الثالث، جاءت إلى مصر قبائل كبيرة العدد فى طريقها إلى الاستقرار، وكانت قد دمرت الحيثيين قبل المجئ إلى مصر، وكانت هذه القبائل أو الشعوب ذات أسماء عدة غير أن الاسم الأشهر الذى تم إطلاقه عليها هو “شعوب البحر”، وقام الملك رمسيس الثالث بتسجيل وتصوير حروبه وانتصاراته على شعوب البحر على جدران معبده الجنائزى العظيم بمدينة هابو بالبر الغربى لمدينة الأقصر.
كما سجل الملك نص حروبه ضدهم على الجدار الخارجى للصرح الثانى من الناحية الشمالية، ويعد هذا النص أطول نص هيروغليفى على المعابد معروف لدينا إلى الآن، وتم تصوير المعركة ضدهم على الجدار الشمالى الخارجى للمعبد
ويوضح شاكر، أنه فى طريق شعوب البحر إلى مصر، توقفت فى سوريا، وتقدموا نحو مصر عبر البر، ولم تكن حربًا عادية ، فقد كانت شعوبًا تتحرك بكل أفرادها من النساء والأطفال وكل ممتلكاتهم الأسرية المحمولة على عربات تجرها ثيران إلى مصر، وفى البحر، كان أسطول شعوب البحر معسكرًا فى البحر كى يتوجه لاحتلال مصر والاستقرار فيها.
وتميز الملك رمسيس الثالث بسرعة التحرك ووضع حد لإيقاف هذه الموجات البشرية الهائلة العدد، فتم إرسال قوات عسكرية على نقاط الحدود الشرقية حتى يتم إحضار الجيش المصرى بشكل كامل، وحدثت الحرب على الحدود، وتم قتل الغزاة كما تصور مناظر المعركة على معبد مدينة هابو، وتم تصوير الفرعون رمسيس الثالث محاربًا على عربته الحربية فى كل مكان فى المعركة، وتم تصويره بحجم أكبر من كل المشاركين فى المعركة وفقًا لقواعد الفن المصرى القديم.
على الرغم من أنه تم القضاء على حملة شعوب البحر البرية، فقد كان ما يزال هناك تهديد قادم من البحر هذه المرة، فدخل أسطول شعوب البحر إلى شرق الدلتا المصرية من خلال أحد أفرعها، غير أن الأسطول المصرى كان واقفًا له بالمرصاد.
دام حكم رمسيس الثالث ،ثلاثين عاما وقد نعمت فيهم البلاد بالسلام انتهي عهد رمسيس الثالث والذي انتهي بعده مجد الإمبراطورية المصرية الذي استمر أكثر من قرنين من الزمان وقد خلفه علي حكم البلاد ثمانية ملوك ضعاف وبعدهم انتهي حكم الأسرة العشرين .
بوابة الأهرام
إنضم لقناة النيلين على واتساب