«زينب» واعظة أزهرية تحكي قصص الأنبياء بلغة الإشارة: أصحاب الهمم في قلوبنا
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
بحركات مختلفة لا يفهمها سوى ذوي الهمم من الصم والبكم، تقف زينب السعيد الواعظة بالأزهر، وسط مجموعة من الأطفال داخل مسجد الفولي بمدينة المنيا، تروي لهم قصص الأنبياء، وتقدم لهم دروسا دينية، تحاكيهم بلغة الإشارة التي يفهمونها، لتأصل ثقافة أن ذوي الهمم في قلوبنا وعقولنا، لتشهد حلقاتها إقبالا كبيرا من السيدات وأبنائهن وذلك بعد إطلاق مشيخة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، دوراتهما التدريبية لتعليم الواعظات لغة الإشارة.
«بعلمهم القرآن وبديهم دروس دينية في الثقافة الإسلامية، فضلا عن حكايات الأنبياء، لأن الصم والبكم وضعاف السمع في قلوبنا وعقولنا، ولازم كلنا نندمج معاهم»، هكذا روت زينب السعيد لـ«الوطن»، قصتها مع تعليم الأطفال والسيدات الدروس وتحفيظ القرآن بلغة الإشارة منذ عامين ضمن أنشطة المسجد وذلك ترسيخا لاهتمام الدولة بذوي الاحتياجات الخاصة.
«زينب» تقدم دروسا دينية بلغة الإشارةمنذ 13 عاما تعمل زينب السعيد، التي تخرجت في قسم الإعلام بجامعة المنيا، في الأزهر الشريف، إلا أنه في عام 2017، قررت الأوقاف والأزهر، تدريب مجموعة من الواعظات لتلسيط الضوء على أنشطة المساجد والرد على استشارات السيدات والأطفال وتنظيم ندوات وفعاليات من شانها رفع الوعي الديني والثقافي لدى المواطنين، فضلا عن إعداد برامج ثقافية ودينية متميزة للأطفال والنشء: «كنت بشارك في تنظيم ندوات وقوافل دينية بالمحافظة».
قبل عامين قررت «السعيد»، تعلم لغة الإشارة بعدما لاحظت وجود مجموعة من ضعاف السمع يترددون على مسجد الفولي بالمنيا، لتكون حلقة الوصل بينهم وبين أقرنائهم من الأصحاء: «قلت اتعلم لغة الإشارة علشان أقدر أفهم الأطفال ضعاف السمع، وكمان أدمجهم مع الأصحاء، فبقيت أحضر يومين في الأسبوع مع زملائي حتى تمكنت من تعلم لغة الإشارة وتمكنت من شرح الصور والآيات وإيصال المعلومة للأطفال الصم والبكم».
تحفيظ ذوي الهمم القرآن بلغة الإشارةرغبة الأطفال ذوي الهمم في تعلم الدين وحفظ القرآن الكريم، كانت دافعا لتعلم «زينب» لغة الإشارة: «لقيت الولاد عندهم رغبة في تعلم الدين ومعرفة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاعتمدناها ضمن أنشطة وفعاليات المسجد بعد موافقة قيادات الدعوة بمديرية أوقاف المنيا، ولقيت إقبال كمان من السيدات والأمهات ومختلف الأعمار، خاصة مع الاستعانة بشخص من ذوي الهمم لمساعدة زملائه».
أنشطة دينية وترفيهية تنظمها «السعيد» للصم والبكم، ما زاد إقبال الأهالي على دروسها وهو ما جعلها تشعر بالسعادة لنجاح رسالتها: «بنعمل أنشطة ترفيهية كتيرة ودا اللي خلى في إقبال، وخاصة الترفيهية اللي جذبت هذه الفئة، ودا حسسني بالسعادة والفخر إني بوصل رسالتي وبخدم الإسلام والدين وبجذب فئة الأطفال من ضعاف السمع، وبتمنى يبقى هما أجيال تعلم اللي بعديهم».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: لغة الإشارة الصم والبكم مساجد المنيا أوقاف المنيا بلغة الإشارة لغة الإشارة ذوی الهمم
إقرأ أيضاً:
فكّ لغز الكلام: كيف يحوّل دماغنا الصوت إلى معنى؟
عندما نقرأ الجملة التالية: «ذهب فلانٌ إلى العمل»، فإننا نميّز بوضوح بين الكلمات المختلفة التي تتكوّن منها هذه الجملة، لأن هناك مسافة تفصل بين الكلمات. لكننا إذا استمعنا إلى الجملة نفسها ينطق بها شخص ما، فإن الأجزاء المختلفة التي نسمّيها بـ«الوحدات اللغوية المنفصلة»، مثل الكلمات أو المقاطع، لا يمكن التمييز بينها بشكل مباشر وسهل.
إن ما يصل إلى أذن المستمع، «الإشارة الكلامية»، لا ينتظم في وحدات منفصلة ومتمايزة على نحوٍ كامل، وإنما يكون كتدفّقٍ مستمر وغير منقطع. فكيف نحوّل إذن هذه الإشارة المستمرة إلى وحدات لغوية متميزة؟ هذا السؤال هو الذي دفع بالباحثين منذ عقودٍ عدّة إلى إجراء الكثير من الأبحاث حول إدراك الكلام، والذي نتناوله في نموذج رياضي أصيل، تم عرضه مؤخرا في مجلة «Frontiers in Systems Neuroscience».
نماذج مختلفة لإدراك الكلام
في الأدبيات العلمية، ثمة فئتان كبيرتان من نماذج إدراك الكلام. ترى الفئة الأولى من هذه النماذج، مثل TRACE، النموذج الكلاسيكي في هذا المجال، أن تجزئة الكلام تحدث بشكل طبيعي مع فكّ رموز المحتوى الصوتي للكلام: يمكن للمستمع فكّ شفرة التدفّق المستمر للكلام بشكلٍ مباشر انطلاقا من المعلومات الصوتية الواردة في الإشارة، وذلك باستخدام معرفته المسبقة بالكلمات والأصوات. وستصبح التجزئة بذلك مجرد نتاجٍ لفكّ الشفرة.
أما بالنسبة إلى الفئة الثانية من النماذج، فهي ترى على العكس أن هناك عملية تجزئة (تكشف عن الحدود الفاصلة بين الوحدات اللغوية) منفصلة عن عملية أخرى تعمل على ربط الأجزاء التي نحصل عليها من عملية التجزئة مع الوحدات المعجمية. وسوف تستند هذه التجزئة إلى اكتشاف الأحداث التي تؤشّر للحدود الواقعة بين الأجزاء. وستعمل هاتان العمليتان المتمايزتان بطريقة متكاملة من أجل تسهيل فهم ومعالجة التدفق المستمر للكلام.
يمكن ملاحظة مثل هذه الآليات عند الأطفال الذين، وعلى الرغم من أنهم لم يطوّروا بعدُ معجمهم اللغوي، إلا أنهم يكونون قادرين، إلى حدٍّ ما، على تقسيم الكلام إلى وحدات متمايزة.
وتماشيًا مع هذا المفهوم الثاني للتجزئة، أدّت التطورات الحاصلة في العلوم العصبية خلال الـ15 عاما الماضية إلى مقترحات جديدة بخصوص عمليات تجزئة تدفّق الكلام، فيما يتعلق بعمليات التزامن والتّذبذبات العصبية. تشير هذه العمليات إلى الأنشطة الدماغية المنسَّقة، والتي تحدث بتردّدات مختلفة في دماغنا.
حينما نستمع إلى الكلام، يتعيّن على دماغنا أن يقوم بمزامنة وتنظيم المعلومات الصوتية المختلفة التي تصل إلى آذاننا من أجل تشكيل إدراك متّسق للغة، تتذبذب الخلايا العصبية في المناطق السمعية من الدماغ بترددات محددة، ويسهّل هذا التذبذب الإيقاعي تجزئة مجرى الكلام إلى وحدات منفصلة.
إن النموذج الرائد في هذا المجال هو النموذج العصبي البيولوجي المعروف TEMPO. يركّز هذا النموذج على الكشف الزمني عن السّعات القصوى في الإشارة الكلامية من أجل تحديد الحدود الفاصلة بين المقاطع.
وتعتمد هذه المقاربة على بيانات عصبية وفيزيولوجية تُظهر أن الخلايا العصبية في الباحة السمعية من القشرة الدماغية تكون حسّاسة للبنية الزمنية للكلام، وعلى وجود عمليات تقوم بمزامنة التّذبذبات العصبية والإيقاع المقطعي.
وعلى الرغم من أن هذه النماذج تتيح منظورا أفضل وأكثر دقة حول الكيفية التي يحلّل بها دماغنا الإشارات الصوتية المعقدة للكلام ويعالجها، إلا أنها لا تشرح بعدُ جميع الآليات المرتبطة بإدراك الكلام. ثمة سؤال معلّق يخصّ الدور الذي تلعبه المعارف العليا، مثل المعرفة المعجمية التي تتعلق بالكلمات التي نعرفها، في عملية تجزئة الكلام. وما يزال الباحثون يدرسون الطريقة التي يتم بها انتقال هذه المعرفة ودمجها مع المؤشرات المستخرجة من الإشارة الكلامية من أجل الوصول إلى أمتن تجزئة ممكنة للكلام.
لنفترض على سبيل المثال أن متحدّثًا يُدعى «بوب» ينطق الجملة «ذهب فلانٌ إلى العمل» متوجّها إلى «أليس». إذا لم يكن هناك الكثير من الضوضاء، وإذا كان «بوب» يتحدث بشكل جيد ولا يتحدث بسرعة كبيرة، فلن تواجه «أليس» أيّ صعوبة في فهم الرسالة القادمة من مُحاورها. وسوف تدرك بدون جهد واضح أن «بوب» ينطق الكلمات المختلفة «ذهب، فلان، إلى، ال، عمل» (التمثيل الصوتي للكلمات المنطوقة). وفي مثل هذا الوضع «المثالي»، فإن النموذج الذي يعتمد فقط على تقلبات سعة الإشارة دون الحاجة إلى معرفة إضافية سيكون كافيا من أجل تجزئة الكلام.
غير أنه في الحياة اليومية، تكون الإشارة الصوتية «ملوّثة»، بسبب الضجيج الصادر عن محركات السيارات على سبيل المثال، أو تغريدات الطيور، أو موسيقى الجار المحاذي لنا. وفي ظل هذه الظروف، ستواجه «أليس» صعوبة أكبر في فهم «بوب» عندما ينطق نفس الجملة. ومن المحتمل في هذه الحالة، أن تستخدم «أليس» معرفتها باللغة من أجل تكوين فكرة عمّا أراد «بوب» قوله. ستسمح لها هذه المعرفة باستكمال المعلومات التي توفرها المؤشرات الصوتية من أجل تجزئة الكلام على نحوٍ أكثر فعالية.
في الواقع، تعرف «أليس» أشياء كثيرة عن اللغة. إنها تعرف أن الكلمات مرتبطة ببعضها البعض في تسلسلٍ مقبول من الناحية النحوية والدلالية، وأن الكلمات تتكون من مقاطع، وهذه الأخيرة نفسها مكوّنة من وحدات لغوية أصغر. وبما أنها تتحدث اللغة عينها التي يتحدث بها «بوب»، فإنها تعرف بدقةّ شديدة المدد الزمنية «الكلاسيكية» التي سوف يستغرقها إنتاج الإشارة الكلامية إن قامت هي نفسها بذلك. إنها تعرف إذن المدد الزمنية المتوقّعة للمقاطع، ويمكنها بالتالي الاعتماد على هذه المعلومة من أجل دعم عملية التجزئة عندها، خاصّةً حينما تواجه موقفا صعبا مثل الضوضاء. فإذا كانت الضوضاء المحيطة «تقترح» حدودا مقطعية لا تتوافق مع توقعاتها، فسوف تتجاهلها. وعلى العكس من ذلك، إذا كانت الضوضاء تخفي حدًّا صدر بالفعل عن «بوب»، فستكون قادرة على استعادته إن كانت تنبؤاتها تشير إلى حدٍّ ما في تلك اللحظة بالذات.
لقد عملنا في مقالتنا المنشورة في المجلة العلمية «Frontiers in Systems Neuroscience»، على استكشاف هذه النظريات المختلفة المتعلقة بإدراك الكلام. يتضمّن النموذج المطوّر وحدتين: وحدة فكّ شفرة المحتوى الطيفي للإشارة الكلامية، ووحدة تحكم زمنية تعمل على توجيه تجزئة التدفق المستمر للإشارة الكلامية. تجمع وحدة التحكم الزمنية هذه، بطريقة أصيلة، بين مصادر المعلومات القادمة من الإشارة نفسها (وفقًا لمبادئ التذبذبات العصبية) وتلك القادمة من المعرفة المعجمية التي يمتلكها المستمع عن المدد الزمنية التي تستغرقها الوحدات المقطعية، وهذا سواء كنا في حالة من اضطراب الإشارة الكلامية أو لا (حدث زائد أو حدث مفقود).
ونجحنا بذلك في تطوير نماذج اندماجية مختلفة تجعل من الممكن إما إزالة الأحداث غير ذات الصلة التي ترجع إلى الضوضاء الصوتية إذا كانت لا تتوافق مع المعرفة المسبقة المتماسكة، أو العثور على الأحداث المفقودة وذلك بفضل التنبؤات اللغوية. وتؤكد عمليات المحاكاة التي أجريناها بواسطة هذا النموذج أن استخدام التنبؤات المعجمية بخصوص المدد الزمنية للمقاطع ينتج نظام إدراك أكثر متانة. ويتيح أحد أشكال النموذج أيضا تفسير الملاحظات السلوكية التي حصلنا عليها في تجربة حديثة، حيث تم التلاعب بالمدد الزمنية للمقاطع في الجمل، على وجه التحديد لتتوافق أو تختلف، مع المدد الزمنية المتوقعة بشكل طبيعي.
وفي الختام، نقول إنه عندما نجد أنفسنا في بيئة لا تعاني فيها الإشارة المنطوقة من أي اضطراب، فإن الاعتماد على الإشارة لوحدها قد يكون كافيا من أجل الوصول إلى المقاطع، وكذلك الكلمات التي تتكون منها. لكن عندما تتدهور هذه الإشارة، فإن أبحاثنا تشرح كيف يمكن للدماغ اللجوء إلى معارف إضافية، مثل ما نعرفه عن المدد الزمنية التي تستغرقها المقاطع التي ننتجها في العادة، من أجل المساعدة في إدراك الكلام.
جون لوك شفارتز مدير أبحاث بالمركز القومي للبحث العلمي (فرنسا)
جوليان ديار باحث بالمركز القومي للبحث العلمي (فرنسا)
مامادي نابي دكتور في المعلوميات، جامعة غرونوبل ألب (فرنسا)
المصدر: موقع The Conversation