المركز الخبري الوطني:
2024-07-09@17:37:11 GMT

العراق بين حكم السياسة وحكم الإدارة

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

العراق بين حكم السياسة وحكم الإدارة

الجمعة, 6 أكتوبر 2023 2:54 م

رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي

صباح التاسع من أبريل (نيسان) من العام 2020، وفي طريقي إلى قصر السلام، لتسلّم كتاب تكليفي برئاسة الحكومة الاتحادية العراقية، من قِبل فخامة الرئيس برهم صالح، ومشاركة الإخوة المسؤولين، حضر في ذهني حجم التحديات التي يعيشها العراق، وصعوبة الظروف التي يمرّ بها الوطن على مختلف الصُّعد، وتعقيدات المرحلة وحساسيتها على المستوى السياسي بشكلٍ خاص.

التنافر الشديد بين القوى السياسيّة، وتعاظم حالات الفساد وتجذّره في مؤسسات الدولة، وتردّي الخدمات، وغياب الرؤية الصحيحة لبناء الدولة وإصلاحها، لم تكن بغائبةٍ عنّي؛ التقارير اليوميّة والمتابعة الدقيقة رسمت صورة متكاملة للمشهد بتفاصيله، على المستويين الداخلي والخارجي.

كذلك، كانت «تظاهرات تشرين» مستمرة في قلب العاصمة بغداد وبعض المدن الأخرى. لم يكن هناك أي مؤشرٍ – أو مؤشراتٍ – على قُرب انتهائها، ولم تلُح في الأفق أي بادرة حلٍّ لهذه الأزمة الخطرة بين المتظاهرين والحكومة الاتحادية برئاسة السيد عادل عبد المهدي.

وما زاد من حدّة الأزمات المتراكمة، والتي تفجّرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ورفع من نسبة خطورتها، بروز تحديات عدّة؛ أبرزها جائحة «كورونا»، وفراغ خزينة الدولة من أي سيولةٍ نقديّة، وتمدّد سلاح الميليشيات وتهديده أمن الدولة وسُمعتها. للأسف، فإن العراق كان يفتقد البنية التحتيّة الصحيّة لمواجهة الحالات الطارئة، فكيف في مواجهة وباء أربك العالم بأَسره؟ أما الاقتصاد فقد وصل إلى مستوياتٍ متدنية مع تدهور أسعار النفط عالميّاً، بحيث تعذّر دفع رواتب الموظفين، في تحدٍّ لم يسبق أن واجهه العراق من قبل. أما السلاح غير المنضبط، المرعيّ من قِبل الميليشيات المسلّحة، فقد أصبح أداة ابتزازٍ للدولة، ومظلّةً حاميةً لمشاريع مالية واقتصادية تضرّ الاقتصاد الوطني، كما استُخدم في سياق تصفية حساباتٍ لا يتحمل العراق كلفتها، ما أضرّ سمعة البلاد، وفرض أولويّة تحسين صورتها إقليميّاً ودوليّاً.

بركان التحديات بدأ النشاط، وأصبح قابلاً للانفجار في أية لحظة. العمل والوصول إلى نتائج ملموسة بات ضروريّاً؛ لأن الفشل في المعالجة نتائجه كارثية على العراق؛ الوطن والدولة ومؤسساتها، والمواطن ومستقبله. هذا التشخيص، ومع البحث عن الحلول يفرض مراجعةً تاريخية، والعودة إلى أبريل (نيسان) 2003، مع تولّي السياسيين الحكم بعد سقوط نظام البعث. هذا التوجّه أعاق حركة بناء الدولة ومؤسساتها؛ فالدول التي يُراد لها إعادة بناءٍ على أسسٍ صحيحة، تعتمد في منهجها على الإداريين الناجحين، وليس على السياسيين.

وقد سمعتُ مراراً من بعض القيادات السياسية قولهم إن «الكاظمي ليس بالسياسي، وليس من قماشة المسؤولين السياسيين». كنت أردّ على ذلك بالقول – مفتخراً – إنني «لست سياسياً»، بالمعنى الحرفي لصفة السياسي. كرّرتها – غير مرة – أنا إداريّ وأنتمي في تفكيري إلى المنهج الوطني العربي الليبرالي، مستقلّاً عن الانتماءات وبعيداً عن الأحزاب ومتحاشياً أيّة تكتلات.

في العراق، باستطاعة اللعبة السياسية وعمليتها تشكيل حكومة ودعمها، وباستطاعتها – أيضاً – أن تصنع نظاماً يحكم لسنواتٍ طويلة، لكنها لن تكون قادرة على بناء دولة مؤسسات وشرائح منتِجة تشكّل مجتمعاً مغايراً عن المجتمع السائد. فالتطورات الاقتصاديّة والمدنيّة التي شهدتها الدول الناجحة، قادها زعماء يحملون الرؤى الإدارية أكثر من الرؤى السياسية، مثل سنغافورة أو ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. فهي نموذج رائع في مجال بناء الدولة، وتشبه إلى حدٍّ كبيرٍ ما عاناه العراق بعد حروب صدام التدميرية. لم تستفِد الطبقة السياسية التي جاءت بعد عام 2003، من تلك التجربة أو غيرها، إذ سلكت طريق السياسة وتركت منهج الإدارة.

حاولت كثيراً أن أبيّن للأطراف والقوى السياسية الصفة الإدارية لرئيس الوزراء، لكنهم صبغوا التعامل بالمنطق السياسي. فرئاسة الوزراء يجب أن تكون منصباً إداريّاً بالدرجة الأولى، لكن المناخ السائد كان – وما زال – يرفض التخلّي عن نظرته السياسية لهذا المنصب. رغم ذلك قبلتُ التحدي، وعملتُ على تقديم نموذجٍ إداريٍّ جديدٍ في البلاد.

على خطٍّ موازٍ، فإن العالم اليوم، بتشكّلاته وتكتلاته، قائمٌ على فنون الإدارة، والأقوى مَن يدير بلاده، وليس مَن يحكمها. نعم، لقد تغيّر العالم كثيراً، مع النقلات النوعية ذات المسافات الفلكية في التطور التقني والمعلوماتي والمفاهيمي. عالم الأمس كان غارقاً في السياسة، وعالم اليوم قد تحرر من تلك العُقد، وبدأ الاعتماد على جوانب أخرى تضمن التقدم والتطور، وهذا ما نشاهده في عددٍ من الدول الآسيوية الشرقيّة ومنطقة الخليج العربي. وإذا تحدثنا عن الدول الأوروبية، فقد كانت لقرونٍ طويلة أسيرة الفكرة السياسية في الحكم، وبعد تخلصها من هذا الطوق الضيق، انتقلت للاعتماد على مبدأ «الإدارة قبل السياسة».

وبالعودة إلى العراق، فبمقدوره أن يكون نموذجاً متقدماً في مشاريع بناء الدولة، لو تخلصت الطبقة السياسية من عُقدة «الحُكم السياسي»، واعتمادها منهج «الحُكم الإداري». وباعتقادي، فإن العملية ليست مستحيلة أو بالغة الصعوبة، فنحن نحتاج إلى ثقافة مجتمعية تقودها نُخبٌ بهذا الاتجاه. عندها، يصل الناخب العراقي إلى قناعة التحوّل من السياسة أولاً إلى الإدارة أولاً؛ وبذلك نتجاوز أكبر العقبات، ونكون على المسار الصحيح في إحداث تغييرات جوهرية في المقاربة والتعامل والرؤى المستقبلية.

ورغم التشاؤم المفرط بمستقبل العراق، كُلّي أملٌ وثقة بأن العراقيين قادرون على إعادة صياغة مفاهيمهم، وإنتاج واقعٍ جديد يحمل الهمّ الإداري قبل السياسي، ويعمل على حُكم الإدارة كنظام تعتمده الدولة.

المصدر: المركز الخبري الوطني

كلمات دلالية: بناء الدولة

إقرأ أيضاً:

الرئيس التونسي يحذِّر من محاولات ضرب استقرار البلاد

أحمد عاطف (تونس، القاهرة)

أخبار ذات صلة قرقاش: تعزيز العلاقات الخليجية الإيرانية لتحقيق ازدهار واستقرار المنطقة طحنون بن زايد يهنئ مسعود بزشكيان بفوزه بانتخابات الرئاسة الإيرانية

حذّر الرئيس التونسي قيس سعيّد، أمس، من المحاولات الرامية لضرب الاستقرار داخل البلاد قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر المقبل. وقالت الرئاسة التونسية، في بيان، إن «رئيس الجمهورية قيس سعيد استعرض لدى استقباله، بقصر قرطاج، خالد النوري وزير الداخلية، وسفيان بالصادق كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن الوطني، الوضع الأمني العام في البلاد». وأضافت أن رئيس الجمهورية دعا، خلال اللقاء، إلى «التحسّب والاستشراف لكلّ المحاولات الإجرامية بشتى أنواعها التي يُرتّب لها مَن يريد ضرب الاستقرار داخل البلاد، خاصة في أفق تنظيم الانتخابات الرئاسية». وحسب البيان، فقد شدّد سعيّد على «ضرورة مضاعفة الجهود من أجل التصدي لكل مظاهر الجريمة وتأمين التونسيين في كل مكان».
كما أكد الرئيس التونسي على «ضرورة تفكيك الشبكات الإجرامية التي تتاجر بالمخدرات، والتي هي مرتبطة بشبكات في الخارج وتسعى إلى ضرب أمن المجتمع، كما يسعى آخرون إلى ضرب أمن الدولة».
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، قد دعا الناخبين التونسيين، الثلاثاء الماضي، إلى انتخابات رئاسية في 6 أكتوبر المقبل. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يخوض سعيّد الانتخابات للفوز بولاية رئاسية ثانية من 5 سنوات، بعد أن فاز في انتخابات عام 2019 الرئاسية.
 وإلى ذلك، عبّر خبراء ومحللون سياسيون في تونس عن الرفض القاطع للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد، داعين إلى احترام مؤسسات الدولة التونسية، مشيرين إلى أن الشعب بأغلبيته يتفق على ذلك.
وشدد المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان على رفض أي تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية التونسية، وهذا الموقف الوطني ينطلق من الحفاظ على السيادة واحترام مؤسسات الدولة، ومتناغم مع موقف الرئاسة والرئيس والشعب التونسي. ولفت ترجمان في تصريحات لـ«الاتحاد» إلى أن التعامل بين الدول يجب أن يقوم على مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وأنه ليست هناك أزمة، لكن هناك رسالة قوية لأي طرف يحاول التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
 وفي السياق ذاته، أوضح الباحث السياسي التونسي نزار الجليدي أن الرئيس قيس سعيد نجح في نفض الغبار عن عشرية سوداء، بعد 25 يوليو، وقطع الطريق على ما تبقى من منظومة 14 يناير، وأن المرحلة الجديدة تتميز بتركيز الرئيس على معالجة الوضع الاقتصادي ومحاربة الفساد. وتوقع الجليدي في تصريحات لـ«الاتحاد» أن يفتح الرئيس ملفات «مهمة جداً»، مع وجود مساعٍ لـ«استرداد الدولة».
من جانبه، حذر المحلل السياسي التونسي منذر ثابت من مخاطر التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي التونسي، مشيراً إلى أنها ظاهرة تاريخية تعود إلى عهد الاستقلال، حيث كان اللوبي المدعوم من الخارج يلعب دوراً كبيراً في المشهد السياسي، وأن هذه التدخلات اتخذت أشكالا جديدة خلال فترة «الترويكا» بعد اضطرابات «الربيع العربي»، حيث ظهرت أحزاب وشخصيات تدين بالولاء لجهات خارجية. وأضاف ثابت في تصريحات لـ«الاتحاد» أن بعض التشكيلات السياسية التي خاضت المسار الديمقراطي بعد الثورة كانت لها صلات بأجندات خارجية، في إطار استراتيجياتها للمنطقة، وأنها باتت مكشوفة في الوقت الحالي.

مقالات مشابهة

  • ما هو الطلاق البدعي؟.. دار الإفتاء توضح صحته وحكم صاحبه
  • المستشار محمود فوزي: التواصل السياسي يسمح بتحقيق انفتاح أكبر على المجتمع
  • وزير الشئون النيابية: برنامج الحكومة الجديدة متكامل وتناول كافة القطاعات
  • اليهودية السياسية.. من النشأة حتى طوفان الأقصى
  • عضو «اقتصادية النواب»: الحكومة مسؤولة عن بناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات
  • الحرب وغياب دور الأحزاب
  • وزارة الجمهورية الجديدة ….. وآفاق المستقبل
  • عضو «خارجية النواب»: عودة الحوار الوطني بعد التغيير الوزاري تعكس جدية الدولة
  • الرئيس التونسي يحذِّر من محاولات ضرب استقرار البلاد
  • حزب "المصريين": الرئيس السيسي يبذل جهودا كبيرة لإنهاء الصراع فى السودان