المركز الخبري الوطني:
2024-12-20@14:36:41 GMT

العراق بين حكم السياسة وحكم الإدارة

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

العراق بين حكم السياسة وحكم الإدارة

الجمعة, 6 أكتوبر 2023 2:54 م

رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي

صباح التاسع من أبريل (نيسان) من العام 2020، وفي طريقي إلى قصر السلام، لتسلّم كتاب تكليفي برئاسة الحكومة الاتحادية العراقية، من قِبل فخامة الرئيس برهم صالح، ومشاركة الإخوة المسؤولين، حضر في ذهني حجم التحديات التي يعيشها العراق، وصعوبة الظروف التي يمرّ بها الوطن على مختلف الصُّعد، وتعقيدات المرحلة وحساسيتها على المستوى السياسي بشكلٍ خاص.

التنافر الشديد بين القوى السياسيّة، وتعاظم حالات الفساد وتجذّره في مؤسسات الدولة، وتردّي الخدمات، وغياب الرؤية الصحيحة لبناء الدولة وإصلاحها، لم تكن بغائبةٍ عنّي؛ التقارير اليوميّة والمتابعة الدقيقة رسمت صورة متكاملة للمشهد بتفاصيله، على المستويين الداخلي والخارجي.

كذلك، كانت «تظاهرات تشرين» مستمرة في قلب العاصمة بغداد وبعض المدن الأخرى. لم يكن هناك أي مؤشرٍ – أو مؤشراتٍ – على قُرب انتهائها، ولم تلُح في الأفق أي بادرة حلٍّ لهذه الأزمة الخطرة بين المتظاهرين والحكومة الاتحادية برئاسة السيد عادل عبد المهدي.

وما زاد من حدّة الأزمات المتراكمة، والتي تفجّرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ورفع من نسبة خطورتها، بروز تحديات عدّة؛ أبرزها جائحة «كورونا»، وفراغ خزينة الدولة من أي سيولةٍ نقديّة، وتمدّد سلاح الميليشيات وتهديده أمن الدولة وسُمعتها. للأسف، فإن العراق كان يفتقد البنية التحتيّة الصحيّة لمواجهة الحالات الطارئة، فكيف في مواجهة وباء أربك العالم بأَسره؟ أما الاقتصاد فقد وصل إلى مستوياتٍ متدنية مع تدهور أسعار النفط عالميّاً، بحيث تعذّر دفع رواتب الموظفين، في تحدٍّ لم يسبق أن واجهه العراق من قبل. أما السلاح غير المنضبط، المرعيّ من قِبل الميليشيات المسلّحة، فقد أصبح أداة ابتزازٍ للدولة، ومظلّةً حاميةً لمشاريع مالية واقتصادية تضرّ الاقتصاد الوطني، كما استُخدم في سياق تصفية حساباتٍ لا يتحمل العراق كلفتها، ما أضرّ سمعة البلاد، وفرض أولويّة تحسين صورتها إقليميّاً ودوليّاً.

بركان التحديات بدأ النشاط، وأصبح قابلاً للانفجار في أية لحظة. العمل والوصول إلى نتائج ملموسة بات ضروريّاً؛ لأن الفشل في المعالجة نتائجه كارثية على العراق؛ الوطن والدولة ومؤسساتها، والمواطن ومستقبله. هذا التشخيص، ومع البحث عن الحلول يفرض مراجعةً تاريخية، والعودة إلى أبريل (نيسان) 2003، مع تولّي السياسيين الحكم بعد سقوط نظام البعث. هذا التوجّه أعاق حركة بناء الدولة ومؤسساتها؛ فالدول التي يُراد لها إعادة بناءٍ على أسسٍ صحيحة، تعتمد في منهجها على الإداريين الناجحين، وليس على السياسيين.

وقد سمعتُ مراراً من بعض القيادات السياسية قولهم إن «الكاظمي ليس بالسياسي، وليس من قماشة المسؤولين السياسيين». كنت أردّ على ذلك بالقول – مفتخراً – إنني «لست سياسياً»، بالمعنى الحرفي لصفة السياسي. كرّرتها – غير مرة – أنا إداريّ وأنتمي في تفكيري إلى المنهج الوطني العربي الليبرالي، مستقلّاً عن الانتماءات وبعيداً عن الأحزاب ومتحاشياً أيّة تكتلات.

في العراق، باستطاعة اللعبة السياسية وعمليتها تشكيل حكومة ودعمها، وباستطاعتها – أيضاً – أن تصنع نظاماً يحكم لسنواتٍ طويلة، لكنها لن تكون قادرة على بناء دولة مؤسسات وشرائح منتِجة تشكّل مجتمعاً مغايراً عن المجتمع السائد. فالتطورات الاقتصاديّة والمدنيّة التي شهدتها الدول الناجحة، قادها زعماء يحملون الرؤى الإدارية أكثر من الرؤى السياسية، مثل سنغافورة أو ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. فهي نموذج رائع في مجال بناء الدولة، وتشبه إلى حدٍّ كبيرٍ ما عاناه العراق بعد حروب صدام التدميرية. لم تستفِد الطبقة السياسية التي جاءت بعد عام 2003، من تلك التجربة أو غيرها، إذ سلكت طريق السياسة وتركت منهج الإدارة.

حاولت كثيراً أن أبيّن للأطراف والقوى السياسية الصفة الإدارية لرئيس الوزراء، لكنهم صبغوا التعامل بالمنطق السياسي. فرئاسة الوزراء يجب أن تكون منصباً إداريّاً بالدرجة الأولى، لكن المناخ السائد كان – وما زال – يرفض التخلّي عن نظرته السياسية لهذا المنصب. رغم ذلك قبلتُ التحدي، وعملتُ على تقديم نموذجٍ إداريٍّ جديدٍ في البلاد.

على خطٍّ موازٍ، فإن العالم اليوم، بتشكّلاته وتكتلاته، قائمٌ على فنون الإدارة، والأقوى مَن يدير بلاده، وليس مَن يحكمها. نعم، لقد تغيّر العالم كثيراً، مع النقلات النوعية ذات المسافات الفلكية في التطور التقني والمعلوماتي والمفاهيمي. عالم الأمس كان غارقاً في السياسة، وعالم اليوم قد تحرر من تلك العُقد، وبدأ الاعتماد على جوانب أخرى تضمن التقدم والتطور، وهذا ما نشاهده في عددٍ من الدول الآسيوية الشرقيّة ومنطقة الخليج العربي. وإذا تحدثنا عن الدول الأوروبية، فقد كانت لقرونٍ طويلة أسيرة الفكرة السياسية في الحكم، وبعد تخلصها من هذا الطوق الضيق، انتقلت للاعتماد على مبدأ «الإدارة قبل السياسة».

وبالعودة إلى العراق، فبمقدوره أن يكون نموذجاً متقدماً في مشاريع بناء الدولة، لو تخلصت الطبقة السياسية من عُقدة «الحُكم السياسي»، واعتمادها منهج «الحُكم الإداري». وباعتقادي، فإن العملية ليست مستحيلة أو بالغة الصعوبة، فنحن نحتاج إلى ثقافة مجتمعية تقودها نُخبٌ بهذا الاتجاه. عندها، يصل الناخب العراقي إلى قناعة التحوّل من السياسة أولاً إلى الإدارة أولاً؛ وبذلك نتجاوز أكبر العقبات، ونكون على المسار الصحيح في إحداث تغييرات جوهرية في المقاربة والتعامل والرؤى المستقبلية.

ورغم التشاؤم المفرط بمستقبل العراق، كُلّي أملٌ وثقة بأن العراقيين قادرون على إعادة صياغة مفاهيمهم، وإنتاج واقعٍ جديد يحمل الهمّ الإداري قبل السياسي، ويعمل على حُكم الإدارة كنظام تعتمده الدولة.

المصدر: المركز الخبري الوطني

كلمات دلالية: بناء الدولة

إقرأ أيضاً:

عراق ( 4+1) .. حل للتعايش والوحدة والرقي !

بقلم : حسين الذكر ..

العراق يقع ضمن منطقة جغرافية يقال انها اول الحضارات واقدمها وتشكل ارض خصبة عامرة بنهري دجلة والفرات ما جعلها موطن لأول انسان على وجه الخليقة حسب الروايات وربما سيكون لما يسمى بالقيامة ..
يقع على خط زراعي تاريخي يسمى الهلال الخصيب منذ الاف السنين وذلك من سوء حظ شعوب المنطقة اذ جعلهم القدر ضحايا لجميع الغزوات من كل الجهات اسكندرانية اغريقية او هولاكية مغولية او راسمالية او اشتراكية وحتى الإقليمية .
هذه المقدمة استحالت ان يكون وضع البلدان الخصيبة نتاج حراكه المحلي اذ هناك تدافع وتقاتل دولي لفرض اراداتهم وديمومة مصالحهم الاستراتيجية .. ممايجعل هذه الدول وشعوبها تحت الضغط وصناعة الملفات بشكل دائم .
هذه البلدان تتاثر بعضها البعض فما يحدث في لبنان يصبح في سوريا والعراق والعكس صحيح كانهم جسد واحد وربما يواجهون قدرا واحدا .. الشواهد القريبة والبعيدة تدل على ذلك عبر مدونات التاريخ بمختلف مصداقية وتوجهات مدونيها .
بعد تغيرات 2003 في العراق الذي كان يطمح شعبه بالكثير من الخير في ظل دولة المؤسسات وسيادة القانون ووحدة الشعب وحفظ مصالح جميع اطيافه .. تعرض النموذج العراقي للأسف لكثير من التشويه جراء ذلك التشابك والتضاد بين المصالح الإقليمية والدولية مما جعلنا نعيش تجربة مرة خلال عقدين من الزمن لم يستطع صاحب القرار او المفكر الاستراتيجي العراقي من وضع لبنات بناء دولة وحكومة تمثل الجميع بعيدا عن المحاصصة والتوافق المكوناتي الذي اصبح بديلا عن الاطمئنان والاحساس الوطني لمختلف طوائف وشرائح الشعب .
هنا لا نلوم جهة على حساب جهة .. لكن نريد القول ان الحكومات المتعاقبة جراء الفساد المستشري والمحسوبية والتوافقية والمكوناتية وتراكم الملفات المعقدة … جعلت الحكومات تولد ضعيفة مما منع المواطن من تحسس خدماتها .. بل انها كانت وما زالت عرضة للاسقاط باي مظاهرة كبرى او مجرد استخدام ملف الكهرباء او رفع الدولار او اصطفاف القوى الناعم او أي ملف آخر ديني او ثقافي او اجتماعي قادر ان يهز الدولة هزا .. مما يحرمنا من العلاجات الحقيقية الناجعة ويضطرنا تحت وقع الخشية من المجهول القبول بالحلول التلزيقية والترقيعية .
الاعتقاد السائد في ظل تأكيد المرجعيات على ضرورة محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة ووضع حلول للمشكلات .. نعتقد ان العراقيين يتعرضون للسحق والضغط الممنهج منذ اكثر من خمسون عام باقل تقدير .. مما يتطلب الاخذ بنظر الاعتبار محاولة بناء أجيال جديدة قادرة على العيش بسلام وأمان مع بعض بحس وطني عالي لا يعلو عليه شيء وبدولة ونظام مستقر يحكمها جهاز مدني باقل عدد من الموظفين ويقدم اكثر وافضل الخدمات ..
ذلك ممكن عبر نقطتين أساسية : –
1- توقيع اتفاق استراتيجي جديد بعنوان ( 4+1 ) يضم العراق وامريكا وروسيا وايران وتركيا .. التي تمتلك قوى ومصالح وتاثير تاريخي معين في العراق . يكون الاتفاق بعيد المدى لخمسين عام باقل تقدير يساعدنا لبناء دولة مدنية مسالمة مهمتها بناء الانسان والمؤسسات وصولا لبناء الوطن .
2- إعادة كتابة الدستور بتان بمشاركة جميع القوى البرلمانية وقوى المجتمع المدني وممثلين عن الأقليات لتجاوز الأخطاء والعقد التي وضعت في دستورنا جراء الظروف التي اجبر ان يولد فيها مع الحفاظ على مكتسباته فيما يتعلق بحرية التعبير والفدرالية والديمقراطية كممارسة ثقافية اجتماعية سلوكية قبل ان تكون تبادل وتوزيع لقوى السلطة ومكتسباتها .

حسين الذكر

مقالات مشابهة

  • الغويل: البرلمان ومجلس الدولة سيعملان على تنظيم الحياة السياسية
  • أردوغان: تركيا ستساعد إدارة سوريا الجديدة في بناء هيكل الدولة
  • رئيس تحرير السياسة الدولية: مصر لا تفصل بين الأزمات السياسية وتحقيق الاستقرار
  • خطير.. بنكيران يتهم الدولة باستعمال المراجعة الضريبية لـ”الإنتقام السياسي”
  • الحكيم ورشيد يبحثان تطورات المشهد السياسي في العراق والمنطقة
  • عراق ( 4+1) .. حل للتعايش والوحدة والرقي !
  • ضمن مبادرة بداية.. أمانة المرأة بالحرية المصري تناقش المواطنة وتعزيز المشاركة السياسية
  • ضمن مبادرة "بداية".. "الحرية المصري" ينظم ندوة حول المواطنة وتعزيز المشاركة السياسية
  • بعد سقوط الأسد.. هل يُصلح الإطار الشيعي النظام السياسي بالعراق؟
  • الإدارة فن وأخلاق قبل أن تكون منصبًا