خطبتا الجمعة بالحرمين: الحب في الله من أوثق عرى الإيمان.. وذكر الله حصن المؤمن
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
ألقى الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله، والتمسك بسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وإصلاح ذات البين، والمحافظة على اجتماع الكلمة، للفوز برضا الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّه حَقَّ تُقَاتِه وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
وقال: الحديث عن الحب والمحبة حديث يستهوي القلوب، وله شعور فطري محبوب، فالحبُّ يُضفِي على الحياة بهجة وفرحاً، وجمالاً ورضا، ويكسُو الروحَ بهاءً وسروراً. والمحبة صفة ثابتة لله جل وعلا، فهو سبحانه يحب عباده المحسنين، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، ويحب المتقين ويحب الصابرين.. وجعل سبحانه الإيمان والعمل الصالح سبباً لحصول محبته فقال {إِنَّ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}. والوُدُّ: هو خالصُ الحب. وما يزال العبد يتقرب إلى ربه بنوافل العبادات حتى يحبه، فإذا أحبه دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
وأضاف: الحب فطرة في بني آدم منذ أن خُلِقَ آدم عليه السلام، وستبقى المحبة على وجه الأرض ما بقي الإنسان، وهي تتفاوت بحسب الداعي إليها، من حب المرء لربه، ودينه ونبيه، وحبه لنفسه ووالديه، وزوجته وأبنائه، وإخوانه وأصحابه، وحبه لوطنه وممتلكاته، وما حوله من مخلوقات ربه. وذكر ابن القيم -رحمه الله- أن من منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المحبة، فقال عنها: “هي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه”. ولما كانت المحبة بتلك المنزلة جاء الإسلام بتهذيبها، ووصلها بخالقها، فأعظم منازل المحبة وأعلاها محبة الله وما والاها، فالمحبة في الله من أسمى أنواع الحب وأجلها، وأعظمها صلة وأوثقها، وأصدقها محبة وأدومها، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل، فيحب المرء أخاه لما يتَّصِف به المحبوب من تقوى الله وحُسْن الخلق، وإن تفرَّقت أبدانهم، وتباعدت دُورهم، فالمحبة في الله هي الصداقة الصافية، والأخوّة الحقة، التي لا تتأثر بالمصالح الدنيوية، كفى بأصحابها سروراً وحبوراً، وفخراً وعزاً، أن الله جل وعلا يقربهم يوم القيامة، ويجلسهم على منابر من نور، يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء، ففي سنن أبي داود قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّه لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّه تَعَالَى”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: “هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّه – أي بكتاب الله -، عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّه إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إذا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إذا حَزِنَ النَّاسُ”، وَقَرَأَ هَذِه الْآيَةَ {أَلَا إِنَّ أوليَاءَ اللَّه لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وأكد الشيخ المعيقلي أن المحبة في الله من أوثق عُرَى الإيمان، ودليل الصدق وأمارة الإحسان، وبها يجد المرء طعم الإيمان، وهي من أحب الأعمال إلى الله، ومن أسباب محبَّته ورضاه. وكما أن المحبة في الله تنفع صاحبها في الدنيا، بالتعاون على الطاعة والبر، والتواصي على الحق والصبر، فإنها في الآخرة ترفع المحب لمن هو أعلى منه منزلة وإيماناً، وأكثر اجتهاداً وعملاً، فالمرء يحشر يوم القيامة مع مَنْ أحبَّه في الدنيا، فمن أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وأحب من اتبع سنته، واقتفى بآثارهم، حشره الله يوم القيامة في زمرتهم، ففي الصحيحين: عَنْ أَنَسٍ -رَضِي اللَّه عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِي –صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: “وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا”، قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّه وَرَسُولَه -صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: “أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ”، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ: “أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ”. قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أعمالهِمْ.
وفي عرصات القيامة، حين يشتد الزحام، ويطول بالناس القيام، والشمس بمقدار ميل من رؤوسهم، ويبلغ العرق منهم بقدر أعمالهم، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، هناك ينادي الله المتحابين بجلاله، وعظمته وخشيته، فيقول: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي. وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم: “وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ”، رواه البخاري ومسلم. فكل منهما محب ومحبوب، اجتمعت قلوبهما على حب علام الغيوب،
وقد تكون هذه المحبة الخالصة بين الرجل وإحدى محارمه، أو بين الرجل وزوجته، أو بين المرأة وأختها.
وبيّن أن الدعاء والإحسان للمحبوب في ظهر الغيب دليل على سلامة القلب، وهو من ثمرات المحبة والحب، فالداعي يُحسن لأخيه في حياته وبعد مماته، ومن دعا لأخيه فقد دعا لنفسه، ونفع أخاه ونفع نفسه، وأكثر الأصحاب ثواباً عند الله أكثرهم دعاءً وإحساناً لصاحبه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم-، يكثر من ذكر حبه خديجة -رضي الله عنها-، ويدعو ويستغفر لها بعد موتها، وكان يذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة. وأكرم -صلى الله عليه وسلم- عجوزاً دخلت عليه في المدينة، فقيل له في ذلك، فذكر أنها كانت تأتيهم أيام خديجة، وقال: “إِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ”، أخرجه الحاكم في المستدرك، وفي صحيح مسلم عَنْ صَفْوَانَ ابْنِ عَبْدِالله قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْه وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَادْعُ الله لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِي –صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: “دَعْوَة الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيه بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِه مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيه بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ”.
وأبان أن مما يزيد المحبة بين المؤمنين زيارة مريضهم، وتشييع جنائزهم، وتنفيسُ الكروب عنهم، والتيسيرُ على مُعسِرهم، وستر عيوبهم، وإلقاء السلام عليهم.
وإن التغافل عن هفوات الأحباب، وتجنب كثرة عتابهم، وقبول معاذيرهم، وحُسْنَ الظن بهم، من أسباب دوام المحبة، كما أن التزاور والتواصل حق من حقوق الصحبة، وهو يوجب من الله المحبة، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنِ النَّبِي –صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- “أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَه فِي قَرْيَة أُخْرَى، فَأَرْصَدَ الله لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِه الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْه مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُه فِي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكَ، بِأَنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَه فِيه“.
والمحب الصادق مرآة أخيه، إن استشاره نصح له، وإن أخطأ أخذ بيده وذكّره، ولا يكون عوناً للشيطان عليه، ففي صحيح البخاري أُتِي النَّبِي –صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ- بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ رَجُلٌ من القوم: مَا لَه أَخْزَاه اللَّهُ، وفي رواية قال: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أكثر مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ: “لاَ تَلْعَنُوهُ، لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ”.
وأكد الشيخ ماهر المعيقلي أنه حري بنا أن نسعى لكسب أخ صالح، يعيننا إذا ذكرنا، ويذكرنا إذا نسينا، وينصحنا إذا غفلنا، ويدعو لنا إذا متنا، فهذه هي المحبة الباقية يوم تتهاوى الصداقات، وتنقلب يوم القيامة إلى عداوات {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُو إِلَّا الْمُتَّقِينَ}. فكم من خليل سيتبرأ من خليله يوم القيامة، وسيندم على صحبته وخلته {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْه يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا “27” يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا “28” لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإنسان خَذُولًا}. وأهل النار – أجارنا الله وإياكم – يتمنون الصديق الحميم، عندما يرون المتحابين بجلال ربهم يشفعون لبعضهم، قال عَلي -رَضِي الله عَنهُ-: “عليكم بالإخوان، فإنَّهم عدَّة في الدُّنيا والآخرةِ، أَلا تَسمعونَ إلى قَولِ أهل النَّارِ: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}”.
* وفي المدينة المنورة بيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي فضل الإكثار من ذِكر الله تبارك وتعالى، بتعظيمه جلّ وعلا، وتسبيحه وشكره وحمده، مبيناً ما للذكر من فضائل وثواب ومحامد، وأنه بابٌ جامعٌ للخيرات، وحصنٌ من المهلكات، ومُكمّلٌ لما نقص من الفرائض والواجبات.
واستهل فضيلته خطبة الجمعة بحمد الله تعالى، والثناء عليه سبحانه، مبيناً أن الله تبارك وتعالى نادى المسلمين باسم الإيمان أعظم صفة للإنسان، بأن يتوسلوا إليه بصالح الأعمال، وأن يحفظوها من المبطلات، فقال سبحانه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمنواْ اتَّقُواْ اللَّه وَابْتَغُواْ إِلَيْه الوَسِيلَة وَجَاهِدُواْ في سَبِيلِه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
اقرأ أيضاًالمملكة“الأحوال المدنية المتنقلة” تقدم خدماتها في 11 موقعًا بالمملكة
وأوضح الحذيفي أن الوسيلة هي جميع الطاعات فعلاً للأوامر وتركاً للنواهي، والوسيلة تعمّ وسائل الطاعات كلها، وتشملها جميعاً، والباب الجامع للخيرات والمنجي من العقوبات والأشمل لطرق الصالحات، والحصن من الموبقات، هو ذكر الله تبارك وتعالى، وهو يكمل الفرائض والواجبات، ويجبر النقص في العبادات، ويعظُمُ معه ثواب الحسنات، وتُمحى به السيئات، وكفى بثواب الذِكر وفضله وعظيم منزلته شرفاً ونوراً وخيراً أن فرضه الله –عز وجل- في الصلاة والحج، وفي كثير من الطاعات، وحثّ عليه الشرع في جميع الأحوال.
وبيّن الشيخ الدكتور علي الحذيفي أن ركن الدين الأول هو ذكر الله تعالى بقول (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله)، وأن كل تشريع للإسلام تفسيرٌ لهذا الذكر، وتفريع لهذه الشهادة، فشهادة أن لا إله إلا الله توحيدٌ للمعبود سبحانه، وشهادة أن محمداً رسول الله توحيدٌ للمتبوع صلى الله عليه وسلم.
وأبان فضيلته في بيان فضل الذكر أن الله جلّ وعلا لم يأمر بالإكثار من طاعة من الطاعات مثلما أمر به من الإكثار من الذكر، إلا ما جاء في الإكثار من الصلاة والسلام على سيد البشر محمد -صلى الله عليه وسلم-، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: “أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي”، وكقوله عليه الصلاة والسلام: “من صلّى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحُطْت عنه عشر خطيئات ورُفعت له عشر درجات”. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سُئل: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ فقال: “الذاكرون الله كثيراً”.
وتابع فضيلته: ذِكر الله سبحانه له ثلاثة مقامات، المقام الأول ذكر الله بالقلب، ويُثيب الله عزّ وجلّ عليه بجودِه وكرمِه. والمقام الثاني وهو أن يذكُر المسلم ربه بلسانه ويغفل أحياناً عن استحضار معاني الذكر بقلبه، فهو على خير عظيم، وثوابُ هذا المقام لا يُحصيه إلا الله، وهو أعظم أجراً من المقام الأول؛ لزيادة النطق باللسان. والمقام الثالث من مقامات الذكر أن ينطق اللسان بالذكر، ويوافقه القلب بمعرفة معاني الذكر، واستحضار عظمة الله عزّ وجلّ مع الذكر، فهذا المقام أعلى مقامات الذكر، وصاحبه هو السابق إلى الخيرات الأرفع درجات.
وأفاد بأن معنى ذكر الله سبحانه هو الثناء على الربّ جل وعلا بالتهليل، والتكبير، والتحميد، والتسبيح، وبقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكثرة الاستغفار، وكثرة الدعاء. والصلاة والسلام على النبي –صلى الله عليه وسلم- من الذكر، وتنزيه ربنا تعالى عن كل نقص، وتقديسه عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته وعزّته وكبريائه وكماله وجماله، ونفي مشابهته لأحد من خلقه تعالى وتقدّس، وأعظم الثناء والحمد لربّ العالمين هو الثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا وأفعاله الحكيمة.
وأشار الشيخ علي الحذيفي إلى أن أفضل الذكر تلاوة القرآن؛ فهو المتضمّن لجميع المحامد لربّ العالمين، وذكر النعيم، وتفصيل التشريع، والحثّ على كل خير، والتحذير من الشر. مبيناً أن الذِكر عليه من الثواب ما لا عينٌ رأت ولا خطر على قلب بشر، فمن ثواب الذكر ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “من قال لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة يومه كانت له عدلُ عتق عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتي أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك”.
وبيّن فضيلته أن من ثواب الذكر أنه يحفظ صاحبه من الشيطان. وأعظم ثواب الذكر الفوز بالجنة والنجاة من النار، ورضوان الله أكبر. ومن ثواب الذكر أن الله تعالى يُنجي صاحبه من الكربات والشدائد والمهلكات، ومن النفاق الذي هو أعظم مصيبة في الدين.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخيّر جوامع الكلم في الدعاء والذكر، فعن السيدة عائشة –رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يذكر الله على كل أحيانه. وقال زيد بن أسلم: قال موسى عليه السلام: يا ربّ قد أنعمت علي كثيرًا فدُّلني على أن أشكرك كثيراً. قال: “اذكرني كثيراً، فإذا ذكرتني كثيرًا فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني”.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم ى الله ع ل ی ه و س ل الصلاة والسلام المحبة فی الله رضی الله عنه یوم القیامة الله تعالى رسول الله ذکر الله إلا الله ی الله ع أن الله ول الله ن الله د الله
إقرأ أيضاً:
حكم المشاركة في التحديات والألعاب الرياضية العنيفة
أوضحت دار الإفتاء المصرية، حكم المشاركة في التحديات والألعاب العنيفة، مؤكدة أنها لا تجوز بسبب ما يترتب عليها من إلحاق الضرر بالنفس أو الغير، ولكن إن أُدِّيت تلك الألعاب داخل إطار الجهات المعنية أو الاتحادات الوطنية المنظمة للألعاب الرياضية أو لدى المدربين المعتمدين والمتخصصين أُبِيحَت حينئذٍ، مع ضرورة مراعاة معايير السلامة والوقاية وفقًا للوائح والقوانين المنظمة لذلك.
حفظ النفس الإنسانية من مقاصد الشريعة الإسلاميةوقالت الإفتاء إنه من الضروريات التي أمر الشرع الشريف بالمحافظة عليها والعناية بها حفظُ النفس الإنسانية بما يشمل حفظ الجسد علاجًا ووقاية وترقية.
يقول الإمام الغزالي في "المستصفى" (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية): [مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلُّ ما يتضمَّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة] اهـ.
حث الإسلام على ممارسة الأنشطة الرياضية
وأمدت الإفتاء أن الشرع الشريف حث على ممارسة الأنشطة الرياضية عمومًا؛ لما لها من فوائد تعود على الإنسان، من تقوية البدن والأعضاء ونحو ذلك؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» رواه ابن ماجه في "سننه".
قال العلامة المُناوي في "فيض القدير" (4/ 327، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [«علِّموا أبناءكم السِّباحة» بالكسر: العوم؛ لأنه منجاة من الهلاك، وقيل لأبي هاشم الصوفي: فيم كنت؟ قال: في تعليم ما لا ينسى، وليس لشيء من الحيوان عنه غنى، قيل: ما هو؟ قال: السباحة. وقال عبد الملك للشعبي: عَلِّم ولدي العوم، فإنهم يجدون مَن يكتب عنهم ولا يجدون مَن يسبح عنهم، وقد غرقت سفينة فيها جماعة من قريش، فلم يعطب ممن كان يسبح إلَّا واحدٌ، ولم ينج ممن كان لا يسبح إلَّا واحدٌ، (والرمي) بالسهام ونحوها؛ لما فيه من الدفع عن مهجته وحريمه عند لقاء العدو] اهـ.
حكم ممارسة الألعاب الرياضية
وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنهما: "أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمُ الْعَوْمَ، وَمُقَاتِلَتَكُمُ الرَّمْيَ" أخرجه الإمام أحمد في "المُسند"، وابن حبَّان في "صحيحه".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَدخلُ علينا ولي أخٌ صغير يُكنَّى أبا عُميرٍ، وكان له نُغَرٌ يلعبُ به فمات، فدَخَلَ عليه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ذاتَ يومٍ فرآه حزينًا، فقال: «ما شأنه؟» قالوا: مات نُغَرُه، فقال: «يا أبا عُميرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» متَّفقٌ عليه. والنُّغَرُ: البلبل -طائر يشبه العصفور-.