وجدت الكثير من الأسر اليمنية في مهنة جمع نفايات المواد البلاستيكية مصدرا لتوفير تكاليف قوت يومها، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها البلد، نتيجة الحرب الدائرة منذ أكثر من تسعة أعوام، والمتسببة بأسواء أزمة إنسانية في العالم، إلا أن ازدهار النشاط الصناعي لإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية والنفايات بشكل عام، فتح الباب أمام أسئلة تنموية مُلِحّة عن جدوى تطوير صناعة إعادة التدوير واستثمار النفايات في توليد الطاقة في اليمن.

 

يخرج أسامة -في العشرينات من العمر- من منزله الكائن في أحد الاحياء الشعبية بالعاصمة صنعاء صباح كل يوم، للعمل بجمع مخلفات البلاستيك بين أشعة الشمس الحارة وتقلبات الطقس والظروف غير المناسبة للعمل في مهنة خطرة دون وجود أي إجراءات وقاية، ليعود في الليل بالقليل من المال، بسبب زهادة المبلغ الذي يتقاضاه عن الكميات التي يجمعها.

 

يقول أسامة في حديث لـ "الموقع بوست" من الصباح حتى المساء أحيانا، لا أجمع سوى من ثلاثة إلى أربعة كيلو جرام، أتقاضى عليها أقل من 500 ريال وأحيانا يصل المبلغ إلى ألف ريال، ويشير إلى أن ذلك المبلغ الزهيد بالإضافة إلى ما يجمعه شقيقاه، هو المصدر الذي يؤمِّن لأسرتهم وجبة الغداء يوميا.

 

مهنة غير مُنظَّمة

 

العمل بأجر زهيد لا يكاد يذكر في جمع مخلفات البلاستيك، مهنة غير مجدية، لكنها بالنسبة لأسامة وكثير من الذين فقدوا مصدر دخلهم، وبالذات من طبقة المهمشين في اليمن، هي الفرصة التي تركتها الحرب أمامهم للعمل.

 

 

يبيع جامعو البلاستيك ما يجمعونه كل يوم، على العشرات من مالكي مُجمَّعات خاصة بالنفايات، مثل عمَّار الذي يرجع السبب في السعر الزهيد الذي يأخذه العمال، إلى مُلّاك مصانع التدوير والتجار المصدِّرين الذين يحددون سعر لا يتجاوز 150 ريال للكيلو جرام الواحد.

 

وبحسب عمّار، مالك مجمع النفايات، فإنه "يتقاضى مبلغ زهيد عن كل كيلو جرام يبيعه للمستوردين ومصانع التدوير" ويشرح أنه "يتم فرم نفايات البلاستيك في المصانع داخل اليمن، ثم تُصدَّر إلى الخارج".

 

في الجانب الاجتماعي، تحتاج مهنة وتجارة جمع مخلفات المواد البلاستيكية في اليمن إلى تنظيم وتدخل ماس من قبل الجهات المعنية، لضمان حقوق المئات من العمال والأسر التي أصبحت هذه المهنة- على كل ما فيها من التعب- مصدر دخلها الوحيد، وكذلك تنظيم هذه التجارة وتدريب عمالها وتقديم لهم المعدات والطرق التي تقيهم الأمراض الناجمة عن العمل.

 

واقع التدوير

 

أما من نواحي أخرى، فالاستثمار بجمع المخلفات البلاستيكية والنفايات بشكل عام يمكن أن يسهم في حل الكثير من المشاكل البيئية ويعود على البلد بمصدر دخل جديد وطاقة بديلة، مثل ما انتهجته الكثير من البلدان في تحويل النفايات إلى مصدر للطاقة، بحسب خبراء بيئة.

 

من جانبه يوضح مروان الوجيه، مالك معمل التدوير، في حديثه لـ "الموقع بوست"، أنهم يقومون بالتدوير لبعض مواد النفايات وليس كلها بسبب "عدم امتلاكنا آلات تدوير وبعض المواد الخاصة بذلك وارتفاع تكلفة المواد الخام التي نضيفها لبلاستيك علب الماء"، ويشير إلى أنهم يقومون بإعادة تدوير بعض المواد إلى أكياس بلاستيكية ومواد الصرف الصحي، فيما أنواع أخرى يفرمونها إلى حبيبات صغيرة للتصدير إلى الخارج.

 

خطر بيئي

 

تحويل معامل التدوير لبعض المخلفات البلاستيكية إلى أكياس ينتج عنه مخاطر بيئة على التربة وعليه كانت الدولة قد منعت ذلك في السابق لكن بعد الحرب عادت العملية، بحسب مدير إدارة المصانع بوزارة الصناعة في صنعاء خالد الأشرم، في حديثه لـ "الموقع بوست".

 

 

ويشير الأشرم إلى أن بعض أوجه المشكلة في الرقابة على صناعات إعادة التدوير تكمن في عدم وجود قوانين وتشريعات مناسبة، بالإضافة إلى غياب الخطط للاستفادة من تلك الجوانب بالشكل المطلوب.

 

وبرر مصدر في إدارة الرقابة الصناعية بوزارة الصناعة (رفض عن الإفصاح عن اسمه)، عدم متابعة الإدارة لعمليات إعادة تدوير مخلفات البلاستيك وتحويلها إلى أكياس بلاستيكية خفيفة بأن المواد الأولى مضرة على البيئة، فيما أكد أنها سمحت بتصدير مخلفات المواد البلاستيكية إلى الخارج للسبب نفسه.

 

وأشار المصدر إلى أنه لا يوجد عدد محدد لمعامل إعادة التدوير الموجودة في البلد، مقدرا عددها التقريبي ب14 معملًا، تقوم بالتصدير إلى الخارج.

 

بحسب تقديرات الهيئة العامة لحماية البيئة في تقريرها الوطني السنوي لعام 2012، فإن عدد النفايات من الأكياس البلاستيكية الخفيفة بلغ نحو 42 مليار كيس، وهو رقم مخيف جدا، حسب خبراء ومهتمون بالبيئة والزراعة.

 

الحرب والنفايات

 

وبحسب دراسة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان "اليمن.. تقييم طارئ لحالة النفايات" عام 2015، أي قبيل اندلاع الحرب، فإن هناك "أكثر من 50 مصنع مسجل لإعادة التدوير في جميع أنحاء اليمن، يتلقون المواد القابلة للتدوير من خلال شبكة غير رسمية من سماسرة النفايات، ومتاجر شراء الخردة"، لكن التقارير تشير إلى أن المصانع التي تعمل حاليا في إعادة تدوير البلاستيك تقتصر على أربعة فقط، واحد في صنعاء، واثنين في عدن وآخر محطة طاقة افتتاحها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في لحج في ديسمبر من عام 2021، بالإضافة إلى معامل صغيرة يقتصر دورها على إعادة التدوير.

 

 

وأكد البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، في موقعه على الإنترنت، أن "المحطة هي الأولى من نوعها في اليمن لتحويل المخلفات إلى طاقة، ومن خلالها سيتم معالجة مخلفات الطعام لإنتاج السماد العضوي، في حين سيتم تحويل الورق والمخلفات الزراعية ونشارة الخشب وأنواع أخرى من النفايات المنزلية القابلة للتحلل إلى غاز لإنتاج الكهرباء.

 

أما بالنسبة لمخلفات المواد البلاستيكية، "ستقوم آلة صنع الحبيبات البلاستيكية بإعادة تدوير المواد البلاستيكية عالية ومنخفضة الكثافة وتحويلها إلى حبيبات عالية القيمة والتي يمكن استخدامها لإنتاج منتجات مثل الأدوات المستخدمة على المائدة".

 

دعوة وفرصة

 

ويرى الدكتور والخبير البيئي يوسف الخرافي، في حديثه للموقع بوست، ضرورة وجود آلية لمراقبة وتنظيم تجارة وتصدير النفايات المواد البلاستكية لتجنب وقوع أي أضرار كارثية بيئية في المستقبل.

 

ولفت الدكتور الخرافي إلى أن اليمن قادرة على استثمار إعادة تدوير النفايات بشكل عام وليس فقط النفايات البلاستيكية، داعيا إلى وضع استراتيجية لإدارة النفايات في البلد مستقبلا، تراعي التنامي المتزايد في عدد السكان وتضمن استثمار البلد للنفايات لإنتاج الطاقة والتصنيع كما سارت عليه الكثير من الدول.

 

على الرغم من كون إعادة تدوير المواد البلاستيكية صناعة حديثة في اليمن، فيما إعادة تدوير النفايات العضوية تقتصر على مبادرة واحدة، إلا أن أمام البلد بعد توقف الحرب فرصة للخطو في اتجاه استثمار النفايات وتحويلها من مصدر للتلوث والأمراض إلى مصدر من مصادر الطاقة ورافدا من روافد الصناعة الوطنية.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن نفايات استثمار مصدر دخل فقر المواد البلاستیکیة مخلفات البلاستیک إعادة التدویر إعادة تدویر إلى الخارج الکثیر من فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري أردني:التصعيد قادم في اليمن وأمريكا قررت اتباع استراتيجية الاغتيالات التي تمس قيادات الحوثيين

 

تحوُّل جديد تشهده المواجهة بين الحوثيين والقوات البحرية الأمريكية، بعد محاولة الجماعة الارهابية المدعومة من إيران، مؤخراً إستهداف مدمرات أمريكية أثناء عبورها مضيق باب المندب، وحديثها عن استهداف حاملة طائرات في البحر العربي وهي تعكس، وفق تقارير أمريكية، فشلاً للاستراتيجية التي يتبعها البيت الأبيض في التعامل مع المخاطر التي يفرضها الحوثيون في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

الخبير العسكري الأردني محمد المقابلة، اعتبر بأن هذا الهجوم الذي نفذه الحوثيون يعتبر نوعياً من الناحية العسكرية، لافتاً إلى أنه عادة ما تكون حاملة الطائرات الأمريكية مزودة بنظام دفاعي جوي وبحري معقد جداً.


ونقل موقع"الخليج أونلاين"،عن المقابلة قولة بأن تلك الحاملات قادرة على رصد الأهداف الجوية على بعد مئات الكيلومترات، إضافة إلى امتلاكها نظام مراقبة بحرياً يصل لعشرات الكيلومترات؛ ما يمنحها مجالاً لإعطاء إنذار مبكر، وتفعيل الدفاعات للتصدي لتلك التهديدات وتحييدها.


رمزية كبيرة
يعتقد المقابلة أن الهجوم على حاملة الطائرات أبراهام لينكولن يمثل رمزية كبيرة، "إذ يعني أن القطع الحربية الأمريكية في بحر العرب والبحر الأحمر أصبحت مستباحة من قبل الحوثيين، وسيتم استهدافها بدون أي تردد أو حسابات لعواقب هذا الهجوم".

وتابع الخبير العسكري:

هذا الهجوم يدل على أن الحوثيين ذاهبون بالتصعيد إلى أبعد حد ممكن، وهي رسالة للقيادة السياسية والعسكرية الأمريكية، أن الجماعة على أهبة الاستعداد للمواجهة.


استراتيجية مختلفة
ويرى المقابلة أن القيادة العسكرية الأمريكية ربما قررت أن تتبع استراتيجية الاغتيالات وانتقاء الأهداف التي تمس قيادات الحوثيين العليا، كما فعل الإسرائيليون باستهداف قيادات "حزب الله".

وقال الخبير العسكري الأردني:

التصعيد قادم؛ لأن أمن البحر الأحمر ليس مقتصراً على بقعة جغرافية معينة، بل هو أمن العالم أجمع، وهكذا تنظر الإدارة الأمريكية لموضوع الحوثيين.

حتى لو كان هناك تهدئة على جبهة "حزب الله" أو غزة، فإن أمريكا وبريطانيا وألمانيا و"إسرائيل"، وبعض الدول العربية، لا يمكن أن تقبل أن يكون بحر العرب وباب المندب منطقة تحت التهديد مستقبلاً.

إدارة بايدن أرادت تسليم ملف بحر العرب والبحر الأحمر وباب المندب للإدارة القادمة، وهو ملف ملتهب، لتقوم إدارة ترامب بإنهاء هذا الملف ومعالجته.

أعتقد أن السيناريو المحتمل في البحر الأحمر، ألا تبقى قواعد الاشتباك التي تعودنا عليها خلال عام، أو أن يتم التوصل إلى هدنة مع الحوثيين بالذات، بمعنى أن أمريكا لا تريد أن تبقي ملف بحر العرب والبحر الأحمر رهينة بيد الحوثيين أو بيد إيران.

الإدارة الأمريكية القادمة ستنظر إلى جبهة الحوثيين كتهديد قائم ومستمر لا بد من إنهائه؛ بسبب تأثيره على الاقتصاد الأمريكي، وخطة ترامب لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين الأمريكيين.

تشكيل تحالف
وحول موقف ترامب من ملف الحوثيين، يرى المقابلة أنه سيكون أكثر تشدداً في معالجة الأمر، إلى جانب أن "هناك دولاً عربية مثل مصر، متأثرة بشكل مباشر من عمليات الجماعة، ومن ثم فهي حريصة على إنهاء التهديد، وكذلك السعودية والإمارات".

وأضاف:

التصعيد في البحر الأحمر قادم، والنظرة إليه ليست كالنظرة إلى جنوب لبنان أو غزة مع الكيان الصهيوني في هذه المرحلة؛ لأن هذا الأمن يعتبر أمناً عالمياً.

ترامب لا يريد توريط قوات أمريكية في ملف اليمن، لكون الجماعة دوامة استنزاف لمن يدخل في مواجهة معها، ومن ثم فترامب سيدفع باتجاه إنشاء حلف جديد، تدخل فيه دول عربية خليجية، وعلى رأسها السعودية وكذلك مصر، ليقوموا بتأمين حرية الملاحة والحركة في البحر الأحمر.

هذا يعني أن الحوثيين سيدخلون في مواجهة مع دول عربية أخرى في حال تعرضوا لهجوم منها.

مقالات مشابهة

  • منظمة الهجرة الدولية تكشف عن نزوح داخلي لعشرات الأسر في اليمن مع انخفاض ملحوظ في الأعداد
  • الشارقة الخيرية: «غيث 5» يلبي احتياجات مئات الأسر المستفيدة
  • صفرة: 9500 مدني ضحايا مخلفات القنابل العنقودية والألغام منذ بدء العدوان على اليمن
  • مصدر حكومي لبناني: بند حق إسرائيل بالدفاع عن النفس مبهم ويحتاج إلى إعادة صياغة
  • وكيل "الأوقاف" اليمني لـ ”اليوم“: المملكة تلعب دورًا مهمًا في إعادة إعمار اليمن
  • تقرير دولي يؤكد وفاة وإصابة 875 شخصاً جراء الأمطار والفيضانات في اليمن
  • خبير عسكري أردني:التصعيد قادم في اليمن وأمريكا قررت اتباع استراتيجية الاغتيالات التي تمس قيادات الحوثيين
  • التبليغ عن المواد الصيدلانية التي تشهد ندرة في السوق
  • تقرير إسرائيلي: حزب الله لايرغب في إعادة تسليح الجنوب
  • عضو بـ«النواب»: إعادة تشغيل شركة النصر للسيارات تعزز الصناعة الوطنية