السفير جمال بيومي: حرب أكتوبر 1973 عدلت ميزان القوى بالمنطقة
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير جمال بيومي، أن حرب السادس من أكتوبر 1973 لم تُمكن مصر فقط من استرداد أرضها، بل عدلت ميزان القوى بالمنطقة العربية والشرق الاوسط.
وأوضح الخبير الدبلوماسي، في تصريح خاص لوكالة انباء الشرق الاوسط، اليوم الجمعة، بمناسبة مرور نصف قرن على نصر أكتوبر، أن تفوق الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي الذي كان الأعلى في الإمكانيات والتسليح والتحصينات، قد خلص المنطقة بأكملها من شبح وجود جيش معتدي لا يقهر.
وذكر السفير بيومي، الذي كان يعمل دبلوماسيًا ببعثة مصر بالبرازيل عام 1973، بأن مقدمات الحرب جاءت في سلسلة من إجراءات تضليل العدو، وإعطاء صورة بأن مصر غير جاهزة للحرب، إذ أرسل الرئيس الراحل محمد أنور السادات رسائل قبل الحرب إلى قادة دول العالم لتوضيح جهود مصر لإنها احتلال سيناء بالطرق السلمية.
وروى السفير بيومي، الشاهد على تلك الفترة، بأن سفارتنا في "ريو دي جانيرو" تلقت في سبتمبر 1973 رسالة سرية عاجلة، قائلًا:"كنت سكرتير الرمز بالسفارة، وفور حل هذه البرقية الرئاسية، طلب سفيرنا موعد لمقابلة رئيس جمهورية البرازيل لإبلاغه برسالة الرئيس السادات له، وكانت الرسالة تسجل جهود مصر لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لسيناء بالطرق السلمية.. وأنها بذلت كل ما في وسعها للتوصل إلي حل في ضوء قرار مجلس الأمن 242 الشهير، الذي صاغة اللورد كارادون بأسلوب يجعل كل طرف يفسره وفق رؤيته: إنسحاب من [كافة] الأراضي كما تراه مصر، أو انسحاب من [بعض] أراض كما تراه إسرائيل".
وأضاف السفير بيومي أن الرسالة الطويلة من الرئيس السادات لنظيره البرازيلي انتهت بإبلاغ أصدقاء مصر أننا قررنا عرض القضية مجددًا علي الأمم المتحدة، وكان ذلك كله – حسبما اتضح لاحقًا - ضمن سيناريو الإعداد الدولي لمسرح المعركة، أي إعدادًا للمفاجأة الكاسحة يوم 6 أكتوبر.
وتابع أنه عندما بدأ العبور المصري في الساعة 1400 بتوقيت القاهرة كانت الساعة ما زالت الثامنة صباحًا في "ريو دي جانيرو"، ثم بدأت الأخبار تتوالي، موضحًا:" وفي الساعة الثالثة عصرًا حضر ممثلو قناة "أو جلوبو O Globo" التليفزيونية، وطلبوا أن أظهر بعد نشرة أخبار السادسة مساءّ لأعلق على أنباء الحرب، ولم تكن لدينا أنباء موثقة من مصادر رسمية مصرية، ولم يكن لدينا لاسلكي أو تلكس أو حتي راديو يعتمد عليه.. وكانت الاتصالات التليفونية بالقاهرة من رابع المستحيلات..ولم يكن الفاكس والإنترنت قد اخترعا بعد، وأجهزة الراديو لم تكن – رغم كفاءتها – تلتقط إذاعات مصرية سوي صوت العرب بصعوبة في المساءَ، فاتصلت بالسفارة في "برازيليا" مستفسرًا ولم تكن السفارة أسعد حظًا في معرفة الأخبار".
وتابع أنه في اليوم التالي من المعركة كان من الواضح للعالم أن القوات المسلحة المصرية تحقق معجزة عسكرية، وهو ما وصفته مجلة "تــــايم" – وقتها - بانه واحد من أعظم الانجازات العسكرية بكل المقاييس، وأن آلاف المقاتلين المصريين نجحوا في عبور القناة والاستيلاء علي خط بارليف في وقت قياسي، وأن خسائر إسرائيل تعادل خسارة جيش أمريكا لنحو 200 ألف مقاتل بين قتيل وجريح، وذلك مقارنة بعدد السكان ونسبة القوات المسلحة في البلدين.
و لفت السفير بيومي إلى أنه عندما تأكد النصر، عمت فرحة عارمة في أوساط الجالية العربية وأغلبها من أصول لبنانية وسورية وفلسطينية، ونحو ألف مصري، "وعشنا فترة طويلة في احتفاليات متصلة في النوادي العربية البرازيلية الكبري.. شعرنا بلذة الانتصار علي بعد 7000 ميل".
وقال السفير جمال بيومي إن ما زادنا من إحساسنا بالنصر رغم بعد المسافة عن الوطن هو أن وسائل الإعلام البرازيلية أقبلت علينا بثقة ومودة فضلًا عن التعاطف مع مصر التي تحتل مكانة طيبة لدي الإعلام والرأي العام في البرازيل.
وذكر بانه فور انتهاء المعارك صدر الكتاب الإسرائيلي بعنوان (المحدال) أي التقصير بالعربية، والذي كتبه ستة من الصحفيين، حيث قامت صحيفة لبنانية بالبرازيل بترجمته وبإمكانيات محدودة للغاية وتم توزيع نسخ تخاطفها أعضاء الجاليات العربية بالبرازيل.
وأكمل أن الكتاب تحدث بدقة عن تطورات الساعات الأولي من المعركة وكيف أن الجانب الإسرائيلى فوجئ بالحرب، مما أدى لفقدانه لتوازنه، وأن خطة الخداع الاستراتيجي نجحت بالكامل، حتي أنه عندما تم استدعاء الجيش الإسرائيلى كانت القوات المصرية قد نصبت كباري العبور الكبير وبدأت في تحطيم خط بارليف، وهو ما وصفه أحد قادتهم بالهجوم الصيني؛ وذلك من كثرة أعداد القوات التي كانت قد عبرت وحققت خطوات النصر الأولي، وكل ذلك كان محل تحقيق "لجنة أجرانات" التي كلفت بالتوصل للكشف عن سبب التقصير والغفلة، مختتمًا "وهي التي لم تكشف بوضوح عن نتائج تحقيقاتها حتي الآن وبعد نصف قرن من الحدث".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: نصر اكتوبر الجيش الإسرائيلي
إقرأ أيضاً:
هل تعيد بريكس تشكيل موازين القوى الاقتصادية العالمية؟
في ظل التحولات المتسارعة والتغيرات الجيوسياسية العميقة، تبرز مجموعة بريكس (BRICS) كأحد أهم التكتلات الاقتصادية الناشئة التي تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي وترسيخ نظام أكثر تعددية وتأثيرًا. تضم المجموعة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وتمثل معًا نحو 42% من سكان العالم وقرابة 24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مما يمنحها ثقلًا اقتصاديًا وسياسيًا متزايدًا.
ومع تصاعد نفوذها، تعمل بريكس على تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي عبر تعزيز استخدام العملات المحلية، وإنشاء آليات مالية بديلة مثل بنك التنمية الجديد، إلى جانب تعزيز التعاون الاستراتيجي في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية كل ذلك يسهم في رسم ملامح نظام اقتصادي جديد أكثر تنوعًا واستقلالية، بعيدًا عن الهيمنة الأحادية، مما قد يعيد توزيع موازين القوى العالمية في المستقبل القريب.
في هذا المقال سوف نعود قليلا إلى بداية تشكل المجموعة، لنفهم أكثر مدى قوتها في إعادة موازين الاقتصاد العالمي، ظهر مصطلح «بريك» عام 2001 للإشارة إلى الاقتصادات الناشئة الكبرى: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، والتي كان يُتوقع أن تلعب دورًا محوريًا في تحفيز النمو الاقتصادي العالمي. وبعد سنوات من التفاعل غير الرسمي، عُقدت أول قمة رسمية للمجموعة عام 2009، لتشكل نقطة انطلاق نحو تعاون مؤسسي أعمق، وفي العام التالي، انضمت جنوب إفريقيا، ليُعاد تشكيل التسمية إلى «بريكس».
ومنذ تأسيسها، تسعى مجموعة بريكس إلى تعزيز التعاون بين أعضائها في مختلف المجالات، ليس فقط اقتصاديًا، بل أيضًا سياسيًا وتنمويًا. وتركز المجموعة على الحد من الهيمنة الغربية على النظام المالي العالمي، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية والتمويل. وفي إطار توسعها، قدمت عضويات لدول جديدة، كما تلقت العديد من طلبات الانضمام، مما يعزز قوتها الاقتصادية.
ولتحقيق هذه الأهداف، أنشأت المجموعة بنك التنمية الجديد ليكون بديلًا محتملًا لمؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إضافة إلى إنشاء صندوق احتياطي الطوارئ لمواجهة الأزمات المالية وتقليل الاعتماد على التمويل الغربي التقليدي.
وأرى بأن المجموعة حققت العديد من النجاحات، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة، أبرزها التباينات الاقتصادية والسياسية بين أعضائها، إضافة إلى الضغوط الجيوسياسية التي تسعى إلى الحد من نفوذها.
ومع ذلك، تواصل بريكس توسيع نطاق تأثيرها، سواء عبر استقطاب شركاء جدد أو تعزيز آليات التعاون الداخلي، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في إعادة تشكيل التوازنات الاقتصادية العالمية.
كما بدأت بريكس في تحدي هيمنة الدولار الأمريكي تدريجيًا عبر عدة آليات، منها تعزيز التجارة بالعملات المحلية، وذلك عبر تقليل الاعتماد على الدولار من خلال استخدام عملاتها المحلية في التجارة البينية. واذكر هنا مثال على الصين وروسيا التي تتفق على زيادة المعاملات التجارية باليوان والروبل، كما أعلنت الهند عن خطط لاستخدام الروبية في تعاملاتها التجارية مع بعض الدول.
كما أنشأت المجموعة عام 2014 بنك التنمية الجديد، بهدف تمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء والدول النامية الأخرى. ويُعد البنك منافسًا محتملًا لمؤسسات بريتون وودز، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين تهيمن عليهما القوى الغربية. وتواصل بريكس اتخاذ خطوات عملية لتقليل الاعتماد على الدولار، مما قد يسهم على المدى الطويل في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي والمالي العالمي.
الاحتياطيات
بدأت هذه الدول الكبرى في تقليل الاعتماد على الدولار في الاحتياطيات، لتبدأ مثل الصين وروسيا، في تنويع احتياطاتها من النقد الأجنبي بعيدًا عن الدولار، وذلك من خلال زيادة حيازاتها من الذهب والعملات الأخرى مثل اليورو واليوان.
وتبدأ هنا التساؤلات هل تتجه مجموعة بريكس، لأصدر عملة موحده، حيث تمت مناقشة فكرة إنشاء عملة مشتركة للمجموعة، على الرغم من أن هذه الفكرة لا تزال في مراحلها الأولية. تهدف هذه الجهود إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وتعزيز السيادة المالية للدول الأعضاء، مما قد يسهم في خلق نظام اقتصادي أكثر عدالةً واستقرارًا.
تساهم بريكس في تعزيز التنوع الاقتصادي والاستثماري العالمي من خلال عدة محاور رئيسية. فمن جهة، تمثل دول المجموعة بعضًا من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، حيث تلعب الصين والهند دورًا محوريًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي العالمي. بفضل تعدادها السكاني الكبير وإمكاناتها الاقتصادية، لتساهم هذه الدول في خلق فرص استثمارية جديدة وتعزيز التجارة الدولية.
ومن جهة أخرى، تعمل بريكس على الاستثمار في البنية الأساسية عبر بنك التنمية الجديد، الذي يموّل مشاريع حيوية في الدول النامية. يشمل ذلك تطوير شبكات النقل والطاقة والاتصالات، ما يساعد على تعزيز النمو الاقتصادي وإيجاد وظائف أكثر.
إلى جانب ذلك، يشهد التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار تطورًا ملحوظًا بين دول بريكس، حيث تتعاون الصين والهند في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بينما تعمل روسيا على تطوير تقنيات الطاقة النووية المتقدمة، مما يسهم في تعزيز القدرات التكنولوجية للمجموعة. وتسعى لتنشيط التجارة البينية بين أعضائها، ما يساعد على تقليل الاعتماد على الأسواق الغربية.
في هذا السياق، تم إنشاء منطقة تجارة حرة بين الصين وروسيا، بينما تعمل الهند على توطيد علاقاتها التجارية مع البرازيل وجنوب إفريقيا. هذه المبادرات تعزز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون المستقبلي.
تحديات
وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها بريكس، إلا أنها تواجه عدة تحديات تعيق تقدمها وتؤثر على فاعلية تعاونها.
أحد أبرز هذه التحديات يكمن في التباينات الاقتصادية والسياسية بين الدول الأعضاء. فبينما تمتلك الصين اقتصادًا مركزيًا قويًا، تتبع الهند نموذجًا اقتصاديًا أكثر انفتاحًا على السوق، مما يؤدي أحيانًا إلى صعوبات في التنسيق واتخاذ قرارات مشتركة تحقق مصلحة الجميع. هذا التباين يعكس تنوع السياسات الاقتصادية لكنه قد يشكل أيضًا عقبة أمام تحقيق تكامل اقتصادي أكثر فاعلية.
إلى جانب ذلك، يشكل التنافس الجيوسياسي بين بعض الدول الأعضاء عاملًا آخر يؤثر على مسار المجموعة، خاصة بين الصين والهند، حيث تؤدي بعض الخلافات الإقليمية والسياسية إلى تعقيد جهود التعاون الكامل داخل بريكس. هذه التوترات قد تخلق حالة من عدم التجانس في المصالح الاستراتيجية، ما يؤثر على انسجام المجموعة.
وأرى أيضا بأن المجموعة تعتمد بشكل كبير على القوة الاقتصادية للصين، مما يشكل تحديًا آخر داخل بريكس، إذ تعتبر القوة الاقتصادية الأكبر في المجموعة، مما يمنحها نفوذًا واسعًا في القرارات الاقتصادية، وقد يثير مخاوف لدى بعض الأعضاء بشأن تحقيق توازن في المصالح، حيث تسعى الدول الأخرى إلى تجنب الاعتماد المفرط على الاقتصاد الصيني مع الحفاظ على تكامل المجموعة.
أيضا لا يمكن إغفال التحديات الداخلية التي تعاني منها بعض الدول الأعضاء، مثل: الفساد، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف البنية التحتية. هذه المشكلات الداخلية تؤثر بشكل مباشر على قدرة الدول الأعضاء على تنفيذ مشاريع تنموية فعالة وتعزيز استثماراتها المشتركة، مما يجعل من الضروري العمل على تجاوزها لتحقيق أهداف بريكس الطموحة.
الآفاق المستقبلية
ومع استمرار نمو اقتصادات دول بريكس، تزداد أهمية المجموعة على الساحة العالمية، مما يفتح المجال أمام توسع محتمل في عضويتها. وقد أبدت عدة دول، مثل: إندونيسيا وتركيا والمكسيك، اهتمامًا بالانضمام، ما يعكس جاذبية التكتل كقوة اقتصادية مؤثرة. إلى جانب ذلك، يشكل تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والتمويل عاملًا رئيسيًا في ترسيخ مكانة المجموعة وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.
في إطار السعي إلى تقليل الاعتماد على النظام المالي التقليدي، قد تستمر بريكس في تحدي هيمنة الدولار الأمريكي من خلال توسيع استخدام العملات المحلية وإنشاء مؤسسات مالية بديلة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود مرهون بقدرة الدول الأعضاء على تعزيز التنسيق والتعاون فيما بينها، إلى جانب مواجهة التحديات الداخلية التي قد تؤثر على استقرارها الاقتصادي والسياسي.
يوسف بن محمد البدواوي كاتب في الشؤون الاقتصادية