بعد 18 شهرًا من الحرب، لا تزال أوروبا غير قادرة على التنبؤ بالخطوة التالية لموسكو، وقد تجنبت المشكلة من خلال اختيار التغاضي عن تصريحات وتحذيرات بوتين والسلطات الروسية... ومع ذلك فإن تصريحات بوتين السابقة تشير إلى أنه يكشف في كثير من الأحيان عن أدلة حول التدابير الوشيكة التي ستتخذها الحكومة الروسية، وهي الظاهرة التي فهمتها أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة، بشكل أفضل من الزعماء الغربيين الآخرين.

وبالتالي، لا ينبغي اعتبار ردود الفعل العنيفة لبوتين والسلطات الروسية على قمة الناتو الأخيرة بمثابة تهديدات فارغة أو خدع سياسية، بل يجب التعامل معها بجدية وإقناع السلطات الروسية بأن الناتو لا ينوي الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا..


إن حلم أوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في القمة الأخيرة لم يتحقق، ولكن أعضاء هذه المنظمة، وخاصة الأوروبيين، التزموا بزيادة مساعداتهم العسكرية لأوكرانيا بشكل كبير، بما في ذلك إعلان فرنسا عن تقديم صواريخ كروز بعيدة المدى لأوكرانيا.

التصريحات الصريحة وغير المسبوقة لريتشارد مور، رئيس جهاز المخابرات البريطانية (MI6)، واستفزازاته لقوات المخابرات الروسية... إن هذه الرسائل، بغض النظر عن نوايا الجانب الأوروبي، تثير تصورًا خطيرًا لدى الجانب الروسي، وهو تصور ستكون له تداعيات خطيرة على أوروبا إذا تم تجاهله.

في مقال نشره عام 2021، رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فكرة "وجود دولة اسمها أوكرانيا"، وهو مقال كان من الممكن أن يحذر من غزو روسيا لأوكرانيا لو تم التدقيق فيه عن كثب... أبدت السلطات ووسائل الإعلام الروسية ردود فعل عنيفة على قمة الناتو الأخيرة في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا... وكان أحد ردود الفعل الأكثر جذرية في برنامج مدته 60 دقيقة على التلفزيون الروسي، حيث فسر المذيعون زيادة قوات الناتو وتعزيز مساعدات المنظمة لأوكرانيا كمؤشر على أن الناتو يستعد لبدء الحرب مع روسيا.

كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية صراحة، أن القمة كانت تعبيرا عن نية الناتو لبدء حرب أوروبية كبرى مع روسيا، علاوة على ذلك، كثفت السلطات الروسية تهديداتها النووية، وألمح ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إلى احتمال نشوب سيناريو حرب نووية كارثية، تجدر الإشارة إلى أن هذه التعليقات ليست متسرعة وعاطفية فحسب، بل تنبع من تخوف روسيا من أن أوروبا وحلف شمال الأطلسي على وشك الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا.


ولذلك فإن تجاهل الأوروبيين للتهديدات الروسية كان خطأً فادحًا لا ينبغي أن يتكرر مرة أخرى... والواقع أن روسيا سوف تستخدم كل قوتها العسكرية وتتصرف بشكل أكثر عدوانية إذا بدأ حلف شمال الأطلسي حربًا مباشرة... كما سيكون من الصعب التنبؤ بسلوك موسكو في مثل هذا الموقف، وسيكون من المستحيل تقريبًا إدارة التوتر مع روسيا.

علاوة على ذلك، فإن حربًا أخرى واسعة النطاق من شأنها أن تضعف علاقات أوروبا مع دول ما يسمى "الجنوب العالمي"، وتدفع هذه الدول النامية بعيدًا أكثر فأكثر عن القارة.

فروسيا تنقل رسائل جدية إلى الغرب لتحذيرهم، ومن المرجح جدًا ألا تمتنع موسكو عن استخدام الأسلحة النووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل، ومع ذلك، فإن لروسيا عدة أهداف في نقل مثل هذه الرسائل إلى الغرب.

أولًا، تعتزم موسكو تقييم مدى استعداد الغرب، وخاصة حلف شمال الأطلسي، لاستخدام الأسلحة النووية وبدء حرب نووية.

ثانيًا، تعتزم روسيا التأكد مما إذا كان الغرب مستعدًا لمواصلة الحوار والدبلوماسية أم أنه تخلى عن التواصل الدبلوماسي مع موسكو.... وبالطبع فإن التصريحات الأخيرة للقادة الأوروبيين، وخاصة تصريح ريتشارد مور، رئيس جهاز "MI6" في التشيك، بأن أوروبا لا تطمح إلى إذلال روسيا أو حتى بوتين شخصيًا، وتطمح فقط إلى منح أوكرانيا نفوذًا في المنطقة،  وتشير مفاوضات السلام وإنهاء الحرب إلى أن الغرب لا يطمح إلى قطع العلاقة مع روسيا.

ثالثًا، تريد روسيا أن تكون لها صلاحية تكثيف التوتر أو تخفيفه، ولا تريد أن يتحمل الغرب مسؤولية هذا الأمر، وفي نهاية المطاف، تعتزم روسيا دراسة مدى استعداد الغرب للمشاركة في جولة جديدة من المناقشات المتعلقة بالحد من الأسلحة، وهي فرصة لا ينبغي لأوروبا أن تضيعها، وبطبيعة الحال، لا شك أن روسيا ستطالب بتنازلات مقابل المشاركة في مثل هذه المناقشات.

وفي السياسة الدولية، فإن ما يحفز العمل هو فهم البلدان لمصالحها وتحدياتها... لذلك، فإن المساهمة في هذا الفهم بين عامة الناس والنخب بأن الناتو سيبدأ حربًا مباشرة مع روسيا سيكون أمرًا خطيرًا للغاية بالنسبة للعالم والغرب، على وجه الخصوص.

وهذا التوجه يضع روسيا في منافسة وجودية مع الغرب، وهي المنافسة حيث يكون الإنجاز النسبي ضئيلًا والعواقب إما الكل أو لا شيء، وفي مثل هذه الحالة فإن تصريحات السلطات الروسية ليست خطابا فارغا، بل رموز تحذيرية، إذا أهملت، لن تؤدي إلى حرب إقليمية هذه المرة، بل في تفسير ميدفيديف، إلى كارثة نووية.

ولذلك على أوروبا والغرب أن يكفوا عن إهمال إشارات روسيا، وأن يراعوا عتبة التوتر مع روسيا، لأن تجاوز هذه العتبة يعني تجاوز الخط الأحمر لروسيا، وفي هذه الحالة فإن روسيا لن تمتنع عن استخدام أي سلاح في حرب وجودية مع حلف شمال الأطلسي.

لا شك أن عدم الموافقة على طلب عضوية أوكرانيا في قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة يشير إلى أن المثقفين الأوروبيين والأميركيين أدركوا الخطر وأدركوا حدود تصعيد التوترات مع روسيا،  إن التركيز على محادثات السلام ووقف إطلاق النار باعتبارهما الحل الوحيد لإنهاء الحرب في أوكرانيا ومنح الضوء الأخضر للحكومات، التي تطمح إلى التوسط في هذه الحرب، كل ذلك يهدف إلى تجنب سيناريو نهاية العالم الذي حذر منه ميدفيديف، والتي وصفها بالكارثة ستستمر لقرون وستؤدي إلى فناء العالم، فناء قد لا يمكن إصلاحه.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر بوتين روسيا أوكرانيا الناتو حلف شمال الأطلسي الحرب الروسية الأوكرانية

إقرأ أيضاً:

أرسنال يكتب التاريخ في «قمة شمال لندن» بعد 36 عاماً!

 
لندن (رويترز) 

أخبار ذات صلة تشيلسي يقطع إعارة مدافعه تركي آل الشيخ: محمد صلاح بقميص الهلال السعودي!


غيّر لياندرو تروسار الأجواء في ملعب أرسنال، بعدما سجل هدفاً ليحوّل تأخر فريقه المبكر لفوز 2-1 على ضيفه توتنهام منافسه في شمال لندن في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.
وسجل المهاجم البلجيكي هدف الفوز قبل نهاية الشوط الأول مباشرة، ليضمن فوز أرسنال الذي أنعش آماله في المنافسة على اللقب، بعدما استعاد المركز الثاني بفارق أربع نقاط عن ليفربول، بعد فترة صعبة في بداية العام.
ووضعت خسارة أرسنال 2-صفر على أرضه أمام نيوكاسل يونايتد الأسبوع الماضي، في ذهاب نصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية المحترفة، ثم الخروج بركلات الترجيح على أرضه أمام مانشستر يونايتد في الدوري الثالث من كأس الاتحاد الإنجليزي، موسم الفريق في خطر.
وزادت إصابة جابرييل جيسوس التي أنهت موسمه من مخاوف أرسنال، وعندما وضعت تسديدة سون هيونج-مين توتنهام في المقدمة، بعد 25 دقيقة من البداية عكس سير اللعب، بدا أن معاناة أرسنال على وشك التفاقم.
لكن صاحب الأرض قاتل بشكل مثير للإعجاب، ليفوز بقمة شمال لندن للمرة الثالثة توالياً في الدوري للمرة الأولى منذ عام 1989.
واستعاد أرسنال المركز الثاني متفوقاً على نوتنجهام فورست، بعدما رفع رصيده إلى 43 نقطة من 21 مباراة، بينما جمع ليفربول، الذي تعادل مع فورست 47 نقطة من 20 مباراة.
وقال ميكل أرتيتا مدرب أرسنال: «قدمنا أداءً رائعاً، ومنذ الدقيقة الأولى كنا في غاية التركيز، كانت أجواء لا تصدق، كان الأسلوب الذي لعبنا به رائعاً».
ولم يبد أنجي بوستيكوجلو مدرب توتنهام أي شكوى بشأن الهزيمة 11 لفريقه في الدوري هذا الموسم، والتي جعلت رصيده يتجمد عند 24 نقطة في المركز 13، ولم يفز فريقه سوى مرة واحدة في تسع مباريات بالدوري، ويدرك المدرب الأسترالي أن ما يقدمه الفريق أقل كثيراً من التوقعات.
وقال للصحفيين: «لم نكن قريبين من المستوى الذي كنا بحاجة إليه في الشوط الأول في مقل هذه المباراة الكبيرة، كنا سلبيين للغاية».
تصدى ديفيد رايا حارس أرسنال لتسديدة رائعة من سولانكي، لكنه لم يحظ بفرصة عندما سدد سون كرة اصطدمت في وليام ساليبا، وغيّرت اتجاهها إلى الشباك.
وأدرك صاحب الأرض التعادل في الدقيقة 40 من ركلة ركنية نفذها ديكلان رايس، وأخطأ حارس توتنهام أنطونين كينسكي في التعامل معها، ليسدد جابرييل الكرة بضربة رأس عند القائم البعيد اصطدمت في سولانكي وسكنت المرمى.
لكن توتنهام شعر بالإحباط، حيث تبين أن الركلة الركنية التي تعادل منها أرسنال كانت خاطئة، على الرغم من أن بوستيكوجلو لم يبد أي اهتمام بالأمر.
وبعدها بأربع دقائق، تقدم أرسنال عندما أخطأ توتنهام مرة أخرى بفقدان الكرة في منطقة خطيرة، ليمررها مارتن أوديجارد إلى تروسيا الذي أطلق تسديدة بقدمه اليسرى تجاوز كينسكي.
ولم يخسر فريق المدرب أرتيتا في 11 مباراة بالدوري الممتاز، ورغم أن الفارق مع ليفربول لا يزال كبيراً، فإن الفوز على توتنهام قد يكون الشرارة التي يحتاجها الفريق لملاحقة فريق المدرب أرنه سلوت.
وقال رايس: «النقاط الثلاث هي أهم شيء، نأمل الآن أن نتمكن من مواصلة التقدم، لأن هذا هو الجزء الأكثر أهمية في الموسم».

مقالات مشابهة

  • حلف الناتو يعتزم إجراء 107 مناورة عسكرية خلال العام الجاري
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: لماذا نظامُ البكالوريا المِصْريّة؟
  • أرسنال يكتب التاريخ في «قمة شمال لندن» بعد 36 عاماً!
  • السفير أحمد أبو زيد يقدم أوراق اعتماده لسكرتير عام حلف شمال الأطلنطي
  • صحيفة روسية: البحر بدأ يغلي.. لماذا يعزز الناتو حضوره في دول البلطيق؟
  • البحر بدأ يغلي.. لماذا يعزز الناتو حضوره في دول البلطيق؟
  • أحمد ياسر يكتب: مصر والصومال.. الأمل والتضامن والتأثير
  • مسئول بالكرملين: ينبغي إجراء محادثات بشأن أوكرانيا بين روسيا وأمريكا
  • الهند تواصل استقبال شحنات النفط الروسية حتى مارس المقبل
  • الناتو: إذا لم نعزز دفاعاتنا علينا تعلم الروسية أو الهجرة إلى نيوزيلندا!