الكتاب: هكذا فهمت الإسلام.
الكاتب: د إبراهيم صقر الزعيم
الناشر: دار كلمة للنشر عام 2023م، غزة، فلسطين.


بدأ الكاتب مقدمته بتساؤل عبر عن مضمون دراسته هل الإسلام دين عنف أم رحمة؟ وهل يسمو بالحرية أم يقيدها؟ وكيف ينظم العلاقة بين ثلاثية الحياة الروح والجسم والعقل؟ هذا التساؤل المركب من الكاتب، حاول من خلال دراسته استعراض إجابته بالأدلة المسندة من بالقرآن الكريم والسنة النبوية، والتحليل، ليعبر عن دينامية الإسلام بكل مكوناته بعيداً عن الجمود.



أدرك الكاتب وجود فهم مغلوط لدى بعض المسلمين حول تلك القضايا التي طرحها، حتى أنهم ظنوا بأن الإسلام ينتابه القصور، ويحتاج لمنهج حياة يتواكب مع التطور الحاصل في الحياة الإنسانية؛ ليختار أولئك مناهج حياة مختلفة لهم، إذ أن البعض منهم وقع في مكائد المتربصين الذين أثاروا الشكوك حول الإسلام على مر السنيين، ومن خلال فهم الزعيم للإسلام قدم ثلاثة فصول في دراسته تمحورت حول "لا عنف ولا ذلة"، "قيود أم حرية"، "ثلاثية الحياة".

لا عنف ولا ذلة

إن اتهام الإسلام بالعنف كان ومازال شبهة، فالإسلام لا يدعو إلى العنف أو الذلة، فالحاقدين ممن أردوا تشويه الإسلام استندوا إلى قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"  يقول الزعيم هنا: " كأنهم وجدوا كنزاً، فكتاب المسلمين هو الذي يدعو إلى العنف، وعليه فإن كل مسلم منضبط بالكتاب والسنة هو ارهابي ينبغي اقصاؤه"!!.

من ثم يؤكد الزعيم "أن هذه آية من كتابنا، نتعبد الله بتلاوتها، فسفكهم لن يجعلنا نخجل من ذكر ما يدعو إليه ديننا، غير أن الفهم الذي أردتم الذهاب إليه، غير الفهم الحقيقي، لكنكم تبدلون الكلم عن مواضعه"، ويضيف إن هذه الآية تدعونا إلى إرهاب من يناصبنا العداء، ويسعى بكل طاقة لصدنا عن ديننا، وهي الآية الأولى التي ورد فيها كلمة من مادة "رهب" والكلمة المعنية هي" ترهبون"، ويقصد بها تخويف العدو، مع العلم بأن التخويف في أحيان كثيرة يكون مطلوبا لتحقيق توزان الرعب؛ لئلا يدخل الطرفان في حرب (ص10)

 قيم الإسلام النظرية وتطبيقها:

هناك ثلاث درجات من الإحسان، طرحها الكاتب، فالأولى: أن تكف يدك ولسانك عن غيرك، والثانية: ألا تجبر خصومك على اعتناق دينك، والثالثة هي البر والقسط، وبين النظرية والتطبيق تسمو قيم الإسلام ودرجاته.

الدرجة الأولى النهي عن الاعتداء:

القتال في الإسلام إما لرد الاعتداء، دفاعاً عن الدين والأرض والأعراض والأموال، فأول آية نزلت في القتال بالمدينة المنورة إذ قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، ومضمونها يقول في النصف الأول مقاتلة الذين يقاتلوننا، والثاني فليس من المسموح الاعتداء والاعتداء المنهي عنه، هو قتال النساء والصبيان والرهبان، وما يؤيد هذا المعنى من السنة النبوية قول ابن عمر: "وجدت امرأة مقتولة في بعض تلك المغازي، فنهى رسول الله صل الله وعليه عن قتل النساء والصبيان" (ص17).

يعلم المسلم وغير المسلم أن أول آيات أنزلت على الرسول صل الله وعليه هي الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، قال تعالى" ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾، هذا يعني أن بناء الحضارة المبنية على احترام العلم والإفادة منه، هي حضارة للبشرية كلها ليست مقصورة على ملة دون أخرى، فخلق الله تعالى الإنسان، وهو الذي يفيض من بركات علمه على الناس، فيأخذون منه بقدر فهمهم له، وسعيهم لبذل العلم النافع للناس، وعليه لم يشهد عصر الفتوحات الاسلامية أي اجبار على تغيير الدين، بل أنهم لم يحيدوا عن المنهج النبوي في نشر الدعوة، وليس أدل على ذلك من شروط عمرو بن العاص رضي الله عنه التي أرسلها للمقوقس:" ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال، إما أن دخلتم في الاسلام، فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بينا وهو خير الحاكمين"(ص19)

الدرجة الثانية البر والقسط:

حث الإسلام على الإحسان لمن هو مخالف في الدين بقوله تعالى:" لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، فلم تخصص الآية دينا أو ملة، كما أنها ليست منسوخة؛ لأن بر المؤمن بغير المسلمين سواء كان بينه وبينهم قرابة أم لا، ليس محرماً إذ لم يكن في ذلك كشف لعورة المسلمين، أو تقوية لأهل الحرب بأي صورة كانت (ص23).

الحضارة المبنية على احترام العلم والإفادة منه، هي حضارة للبشرية كلها وليست مقصورة على ملة دون أخرى..صحيح أن الإسلام نهى عن الاعتداء إلا أنه لم يقبل الذلة للمعتدين، فمن صفات المؤمن ألا يكون أحدهم ذليلاً على أخيه المؤمن، عزيزاً على عدوه الكافر قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.

إن قذف الإسلام بالعنف؛ يهدف إلى إشغال المسلمين بنفي هذه التهمة الباطلة، ليصبح المسلم ذليلاً يقبل المهانة دون أن يدافع عن نفسه، بيده ولا بلسانه، وهذا جهل بالمؤمنين".. هذه المعادلة وهي الجمع بين البر لغير المسلم، والقسط له، وعدم الخنوع، والذلة للمعتدي، يجيدها كل مؤمن، استقى العلم من مصادره، أي من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح.. إنها حالة وسط، كما أننا أمة الوسط، فلا عدوان ولا ذلة.

يقول ابن القيم رحمة الله: "إن الخلق المحمود يكون دائماً بين خلقين مذومين، وطرفاه خلقان ذميمان، كالجود، فهو بين البخل والتبذير، والتواضع وهو بين الذل والكبر، وإذا زاغت النفس عن التوسط، انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين"، ومن هنا يؤكد الكاتب بأن مفهوم العزة  يقع بين خلقين أحدهما الكبر، والأخر الذل والهوان، والنفس إذا انحرفت عن خلق العزة التي وهبها الله للمسلمين انحرفت إما إلى الكبر أو الذل (ص27).

من أين يستمد المسلم مصدر العزة؟

يجيب الزعيم من الله تعالى، فكلما زاد تذلل المؤمن لمولاه، زاده الله عزاً فرأى الطاغية ذبابة، بل ربما احتاط لها، فهش بيده ليصرفها عنه، أما ذاك فلا يأبه به، ولا يلق له بالاً، فالعزة لله جميعاً، يمنح منها لعبده المؤمن بقدر تذلله له، واقبله عليه، وانشغاله بمرضاته، وهذا المعنى المؤكد في الكتاب الكريم ، ومنها قوله تعالى: "ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أولياء مِن دُونِ المؤمنين ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فَإِنَّ العزة لِلَّهِ جَمِيعًا"

قيود أم حرية؟

يتيح الدين الإسلامي للإنسان حرية الاختيار، فلا يجبر أحداً على اعتناقه، ولكن الناس من مبدأ الحرية فهمه ثلاثة أصناف:

الأول ـ تحرر فكري وسياسي وديني، تحرر كامل من القيم والمبادئ والمقصود هنا تحرر من النظام الاسلامي، واختيار أنظمة فكرية وسياسية ودينية، غربية عن مجتمعاتا الشرقية.

كفل الإسلام حريات متعددة ما بين حرية العبادة والاعتقاد، إلى حرية الفكر التي هي واحدة من الأسس التي رسخها الإسلام؛ لضمان وصول الإنسان إلى الحقائق دون إجبار من أحد " أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ".الثاني ـ تحرر فكري وسياسي، ولكنه تحرر جزئي، فيمكن أن يكون مصلياً أو محجبة لكنه يفضل نظماً سياسياً أو اقتصادياً على النظام الإسلامي، فربما وجدت المرأة القيود التي تفرضها الشرعية تخلفاً ورجعية، ورأت أن المدينة الحديثة أنصفت المرأة وساوتها بالرجل.

الثالث ـ تحرر من كل سلطان غير سلطان الإسلام، فأهل هذه الفهم يرونه موافقاً للفطرة الإنسانية لا يكبتها ولا يصادمها، يحرر النفس من الضالات، والشهوات، والشبهات ثم يرتقي بها نحو المعالي (ص40).

كفل الإسلام حريات متعددة ما بين حرية العبادة والاعتقاد، إلى حرية الفكر التي هي واحدة من الأسس التي رسخها الإسلام؛ لضمان وصول الإنسان إلى الحقائق دون إجبار من أحد " أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ".

إن الاسلام لا يمنح الإنسان حرية الفكر، ثم يأمره بتعظيم منهج أو بشر كتعظيم الخالق أو يزيد، أو تقديم أصناف الطعام والشراب لحجر لا يضر ولا ينفع، ولذلك أنكر على المشركين التقليد الأعمى لآبائهم، ولا يقبل الإساءة إلى خلق الله، أيا كانت مرجعياتهم الدينية، وخلفياتهم العرقية والثقافية.

ثلاثية الحياة:

بدأها الكاتب بسبيل النجاة التي تتمثل في الروح، والجسم، والعقل، وهي السبيل لنجاح المرء ونهضة البلد والأمة ولكن شرط صحة تفاعلها مع بعضها البعض وخلوها من كل علة يقول الزعيم:" فطن أعداء الإسلام عرباً وعجماً لتلك الحقيقة، فأعملوا فكرهم وأدواتهم يحاربون هذه الثلاث ابتغاء قتلها أو اتلافها، فرأيت احتلال الأقطار الإسلامية وما نتج عنه من ازهاق الأرواح، واعطاب الأجساد، واعلال العقول" (ص64).

اعتلت بعض العقول بما زينوا لها الأهواء، فزاغت عن الحق إلى الضلال، وتصور الكاتب طرق النجاة في:

1 ـ نجاة الروح تكمن ألا تتعلق بغير الله تعالى، وتتصل بالكتاب والسنة، كونها نجاة لها من ضلالات الشرك.

2 ـ نجاة الجسم أن يذل لسيده الذي خلقه في أحسن صورة، ذلة يعرف معها حق الخالق.

3 ـ نجاة العقل بألا يؤمن بأي منهج أرضي بدعوى الحرية.

يقول الزعيم هنا "الروح أخروية، والجسم دنيوي والعقل يوازن العلاقة بين الأخروي والدنيوي فيطلب الأخرة بالدنيا "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ "، ولا ينسى نصيب الدينا " وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ"، فانتصار الروح على الجسم، يكمن بقدر ما حملت من إيمان، وانتكاستها أمام إلحاحه، دليل ضعف إيمانها، ولن تتم درجة قوة الجسم حتى يتم اجادة الخوف" وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ".

إن تكريم الإسلام للعقل، لا يخفي على صاحب بصيرة، على أن عليه أن يعي جيداً أنه مهما بلغ من العلم فإن لن يطيق إدراك حكمة الله في الخلق وعليه فلا يجدر به الخوض في أحكام الله، إنما واجبه التسليم بحكم الله سبحانه وتعالى.

أما طريق التقوى فهي فلسفة الإسلام في تقويم حياة العباد، تتأتي عبر تزكية الروح وخضوع الجسم وفقه العقل، فلا سبيل إلى الاستقامة بغير احدها، وبها يبلغ المرء مرتبة التقوى وهي المنزلة السامية التي يريدها الإسلام للناس جميعاً " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

وضح الكاتب دور العقل في مسيرة رحلة النجاح عبر محددات:

 أولاً ـ اختيار مسار التميز بعناية وذلك من خلال التوفيق بين العلم والمهارات واحتياج البلد والأمة.
 ثانياً ـ تحفيز الروح المستمر؛ لئلا تهزمها العوائق، فيؤكد لها جاهزيته لخوض الطريق معها
ثالثاً ـ التفكير في حلول لكل مشكلة، واختيار أنسبها.
رابعاً ـ تمحيص الأقوال والأفعال فيهمل المحبطة منها ويتزود مما يرفع الهمة.

ختم الكاتب هذه الدراسة السلسة المبسطة في مفاهيمها بأن: الإسلام يقوم على أصلين عظيمين للإسلام هما حق الانسان؛ إذ يضبط علاقة الانسان بنفسه، وعلاقته ببني البشر وحق الله فيدعو إلى اخلاص العبادة له وحده، وأن يستمد التشريع من كتاب الله وسنة رسوله صل الله وعليه وسلم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب نشر فلسطين غزة كتاب نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار تغطيات سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

جدل حركة الحياة والتاريخ

 

 

مع كل لحظة ألم تنشأ لحظة مقاومة، ومع كل حالة قهرية تنشأ حالة وجودية تظل في حالة تكوّن وتشكّل إلى أن تبلغ ذروتها الوجودية، فقانون الفيزياء الذي يحكم مسار الطبيعة هو ذاته، فالأفعال لها أفعال مضادة وهي بالضرورة تصب في بوتقة التدافع بين الأنا والآخر خوف الفساد في الأرض والتضخم.
لذلك فكل مسارات التاريخ وسياقاته كانت دالة على أن وجود الآخر أو التالي كان يرتبط سببياً بالأول أو السابق.
فالأمويون مثلاً كانوا سبباً في وجود العباسيين من خلال الحالات القهرية التي خلقوها فصنعت روح المقاومة للفناء القهري وهكذا دواليك في كل الحركات الاجتماعية السياسية في التاريخ، وصولاً إلى العصر الحديث الذي شهدنا فيه بزوغ القومية من تحت نيران الاستعمار وبزوغ الاشتراكية من تحت قبعات الاستغلال والغبن، بيد أن الذي يمتاز به العصر الحديث عن العصور التي سبقته هو تطور البعد الثقافي من الشخصنة والفردانية إلى الشعار.
فالقوميون التفوا حول شعار «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة» والإخوان المسلمون حول شعارهم «الله غايتنا .. والرسول قدوتنا.. والقرآن منهجنا.. والجهاد سبيلنا.. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.. »والاشتراكيون التفوا حول شعارهم «حرية، اشتراكية، عدالة اجتماعية»، وما يؤخذ على تلك الشعارات أنها تظل ثابتة وثباتها يجعلها في قائمة المقدس عند أتباع الحركة الاجتماعية أو السياسية ولذلك تعجز كل حركة اجتماعية أو سياسية عن التطور وتعجز عن التفاعل مع الشروط الموضوعية للتحول والانتقال والتغيير وهو الأمر الذي يمكننا قراءته تحت سماء ومناخات الربيع العربي ،وفي اليمن على وجه الخصوص، فالحركة القومية تمترست حول رموزها التاريخيين وعجزت عن مقاومة الحالات القهرية التي واجهتها وعجزت عن التحديث والتجدد في بنيتها العامة فكيف لها أن تحدث انتقالاً هي عاجزة عن تحقيقه لذاتها، وكذلك الحركة الاشتراكية التي تقف على أطلال الأمجاد القديمة دون أن تبدع واقعاً جديداً يتوافق مع لحظتها التاريخية المعاصرة ويتفاعل مع قيم العصر البديلة، أما حركة الاخوان فقد كانت تخلق أسئلة العصر الحضارية دون أن تتمكن من الإجابة عليها وحين تشعر بالعجز تعود إلى نقاط مضيئة في التاريخ لتبرير عجزها أو تتمترس وراء التأويلات، ولذلك فهي لا تملك مشروعاً نهضوياً أو حضارياً ومن لا يملك مشروعاً لا يمكن للجماهير أن تعول عليه في إحداث التغيير والانتقال.
ف”الاخوان “كحركة اجتماعية وسياسية منظمة مالت إلى تحريض الفقراء وإثارة عاطفتهم الدينية على الحرب ضد الفقر والجوع.. وعملت على تنظيم المظاهرات التي تنادي بالتغيير وبتحويل الأوضاع القائمة عن مجراها الذي هي عليه في واقعها خلال عام 2011م في ظل مناخات الربيع العربي وفي الأوطان التي حدثت فيها موجة الربيع العربي «تونس، مصر، ليبيا، اليمن» لم تكن على إدراك تام بطبيعة الفروق والاختلافات في حركات المقاومة الإيجابية ضد المجتمع في وضعه القائم، ولذلك خاب ظن المجتمع بها لأنها لم تحقق الدور الذي توقعه المجتمع منها وقد وقع خطابها في التناقض وبالتالي فقد فقدت تأثيرها من خلال اختلال المنظور الوظيفي، فرجل الدين في تصورات المجتمع، رجل فاضل عادل خيّر يقوم بواجبه في الدور الذي وجد ذاته فيه، ويجسد في العادة الدور الذي يتوقعه المجتمع منه، ولم يكن في مقدور التصورات الذهنية الوظيفية أن تتخيله خارج مستلزمات دوره الاجتماعي مبرراً ومتناقضاً في مواقفه وفتاواه، ومثل ذلك الاختلال الوظيفي كان سبباً مباشراً في ظهور “حركة انصار الله “ وهو ظهور قاومته حركة الإخوان والحركة السلفية بالنار والدم ولم تزل في أكثر من مكان من اليمن، فمقاومة الإخوان والسلفية لأنصار الله ليست عقائدية كما يبدو في ظاهرها ولكنها مقاومة وجودية، فشعور الفناء خوف ظهور الآخر هو من يقاوم وهو من يقاتل وليس البعد العقائدي الذي ينص على الاعتناء بتكامل إيمان الذات ولا يرى في الآخر ضرراً عليها إذا اكتمل إيمانها كما ينص القرآن على ذلك في الآية (105) من سورة المائدة، فالصراع في اليمن كان صراعاً وجوديا له طابعه السياسي الصرف، إذ أن التعايش بين المذاهب في اليمن ظل بعداً ثقافياً متأصلاً ولم يشهد صراعاً دامياً طوال مراحل التاريخ المختلفة، وتكاد أن تكون كل المذاهب في اليمن متناغمة – وبعض تلك المذاهب وصل إلى الحكم – والمآسي الدامية في التاريخ كانت بدوافع سياسية ولم تكن بمبررات مذهبية قط، حتى “مطرفية “ الإمام عبدالله بن حمزة فقد كان الدافع السياسي حاضراً فيها لكونه جاء السلطة من باب الاحتساب ولم يدع لنفسه لعدم اكتمال الشروط الهادوية فيه، فالمبرر كان سياسياً وجودياً أكثر منه مذهبياً أو عقائدياً، وقد أنكر فعله جل علماء عصره ومذهبه.
ولذلك كانت الزيدية – وفق الكثير من المعطيات التاريخية – تتعايش مع الآخر المختلف ولا تحاول طمس وجوده، وهو أمر كان ممتداً في مواقف انصار الله وفي خطابهم ، لذلك فالقوى الاستخبارية العالمية حاولت أن تستغل الفراغات وتتحرك فيها، فكان العدوان تعبيرا عن صراع وجودي بين اليمن والسعودية وفي معناه العميق تعبير عن حركة استعمارية جديدة تجتاح الوطن العربي تحت عباءة الأعراب، فالغرب ينفق الكثير على الدراسات وهو يحاول توظيف المعرفة لخدمة أجنداته، وغاياته من كل ذلك التحكم بمصادر الطاقة والغداء لتحقيق ثنائية الهيمنة والخضوع على الشعوب والحكومات .

مقالات مشابهة

  • هل يصح صيام تارك الصلاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • رمضان.. شهر البركة
  • كم يومًا تبقى روح الميت في بيته؟ أسرار البرزخ والعلماء يحسمون الجدل
  • الرؤية الروسية للفكر الاجتماعي والاشتراكية في أدب دوستويفسكي.. قراءة في كتاب
  • هل يشترط ختم القرآن في رمضان؟.. تعليق الفقهاء
  • جدل حركة الحياة والتاريخ
  • الوقف.. «الصدقة الجارية»
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل مثيرة .. ونجوت من الموت!!
  • المفتي يؤكد: مصادر المعرفة في الإسلام تقوم على الوحي والعقل والتجربة
  • بين دفتين كتاب المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة..