أوكرانيا تخسر معركتها الحاسمة لكسب قلوب وعقول الأمريكيين
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
في خضم جهودها لمقاومة القوات الروسية، خسرت أوكرانيا أراضيها في المعركة الحاسمة، بهدف كسب تعاطف الولايات المتحدة، وسط احتدام الجدل السياسي حول مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف.
الإجماع الداعم لتسليح أوكرانيا بدأ ينقسم بشكل متزايد إلى تأثير دراماتيكي في واشنطن
وذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية أمس الخميس، في تقرير أن كييف تواجه سيفاً مزدوج الحدين يتمثل في تقليص المساعدات، ومأزق مرهق في ساحة المعركة.
وأوضحت أنه "في ظل المكاسب المحدودة التي تحققت حتى الآن في الهجوم المضاد الأوكراني الذي دام أشهراً، فإن تفاقم الإرهاق الغربي قد يؤدي إلى تقويض الزخم في أوكرانيا، وتقديم فرص جديدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
@Newsweek https://t.co/UOPMburqtD
— Newsweek (@Newsweek) October 5, 2023 مخاطرة سياسيةوقال ستيفن سيستانوفيتش، الذي شغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى دول الاتحاد السوفييتي، إن "المخاطر العسكرية التي يواجهها الأوكرانيون واضحة، ما ينتظرهم سيكون صعباً ومكلفاً ولكن يمكن جعله أسهل باستخدام أسلحة أكثر وأكثر قدرة".
وأضاف "ما لا يعرف الأوكرانيون كيف يحسبونه هو المخاطرة السياسية - احتمال أن تقرر الحكومات الغربية بطريقة أو بأخرى، بعد الكثير من المساعدة والكثير من الخطاب الداعم، أنه من الأفضل في الواقع السماح لبوتين بالحصول على الكثير مما يريده"، وتابع أنه "قبل عام، كانت هذه الفكرة تبدو غير مفهومة بالنسبة لمعظم القادة الغربيين، ولكن الآن؟"
وفي حين أن الأصوات المتشككة كانت موجودة في الولايات المتحدة منذ بداية الصراع في فبراير(شباط) 2022، إلا أن الإجماع الأساسي الداعم لتسليح أوكرانيا بدأ ينقسم بشكل متزايد إلى تأثير دراماتيكي في واشنطن.
ولم يتم تجنب إغلاق الحكومة إلا بصعوبة خلال عطلة نهاية الأسبوع، من خلال مشروع قانون الإنفاق في اللحظة الأخيرة الذي أغفل عن المساعدات لأوكرانيا، وسط ضغوط من الجمهوريين.
وبعد أيام، تمت الإطاحة برئيس مجلس النواب كيفن مكارثي في تصويت تاريخي، وسط اتهامات من زميله النائب الجمهوري مات غايتس، بأن مكارثي أبرم صفقة سرية مع الرئيس جو بايدن لمواصلة المساعدة العسكرية لأوكرانيا.
وحتى في الوقت الذي تعهد فيه البيت الأبيض بمواصلة دعمه لكييف، انتقد مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك، على وسائل التواصل الاجتماعي أول أمس الأربعاء، "النخب المحافظة الغربية" لتشكيكهم في المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وحسب "نيوزويك"، من المرجح أن تتصاعد التوترات مع دخول الولايات المتحدة في ما يُتوقع أن يكون موسماً انتخابياً مثيراً للجدل بشكل خاص.
وقال هيلموت دبليو غانسر، العميد الألماني المتقاعد الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس إدارة السياسة العسكرية بوزارة الدفاع الألمانية، وكان مستشاراً لسفراء ألمانيا لدى حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة: "أظن أن الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة قد يكون لها بالفعل تأثير على سياسة إدارة بايدن في أوكرانيا، خاصة إذا كان الرأي العام في يميل ضد الدعم القوي المستمر لكييف".
وأضاف للمجلة "سيتعين على بايدن بعد ذلك أن يزن ويتنقل بين الأهداف المتضاربة، من أجل الفوز في الانتخابات واستمرار المستوى العالي من الدعم لأوكرانيا". وأوضح العميد "من ناحية أخرى، ربما يراهن بوتين على أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا سيتضاءل بمرور الوقت، وأنه يحتاج فقط إلى مواصلة الحرب على الأقل طوال عام 2024، وهي احتمالات ليست جيدة لنهاية هذه الحرب".
بلومبرغ: هذا ما سيحصل إذا توقفت أمريكا عن دعم أوكرانيا https://t.co/cQFQW3b3Ig pic.twitter.com/XuHUXt8Cdf
— 24.ae (@20fourMedia) October 6, 2023 دعم شعبي متضاءلولفتت المجلة إلى أن الدعم الشعبي في الولايات المتحدة بدأ يتراجع، حيث أظهر استطلاع للرأي نشرته شبكة "ABC News" و "واشنطن بوست" الأسبوع الماضي، أن نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن إدارة بايدن تفعل الكثير لدعم أوكرانيا ارتفعت إلى 41%، مقارنة بما سجلته في فبراير (شباط) الماضي 33%، و16% في أبريل (نيسان) 2022.
كما وجد استطلاع آخر نشره مجلس شيكاغو للشؤون العالمية الشهر الماضي، أن 45% من المشاركين في الولايات المتحدة يعتقدون أن المساعدات العسكرية التي تقدمها بلادهم لأوكرانيا "لا تستحق التكلفة".
وربط التقرير المصاحب انخفاض الدعم الأمريكي بنتائج أخرى، بما في ذلك التصور السائد بأن الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا لم يحقق نجاحاً كافياً، وتراجع الاهتمام بالأخبار المتعلقة بالحرب، وانخفاض الشعور بأن روسيا تمثل تهديداً خطيراً، وتراجع معدلات التأييد لزيلينسكي.
ويشهد الرأي العام في أوروبا تحولاً أيضاً، إذ أظهر استطلاع "يوروباروميتر" التابع للاتحاد الأوروبي والذي أجري في أغسطس (آب) الماضي، أن 34% لا يوافقون على تمويل الاتحاد الأوروبي لشراء وتوريد المعدات العسكرية والتدريب لأوكرانيا، ارتفاعاً من 26% في أبريل (نيسان) 2022.
وكذلك، يمكن أن تؤثر الانتخابات في القارة أيضاً على المساعدات المقدمة لأوكرانيا، حيث تقدم الشعبوي السلوفاكي روبرت فيكو في تصويت الأسبوع الماضي، مما دفعه إلى الوفاء بوعده بإلغاء المساعدات العسكرية للدولة المجاورة.
وفي الوقت نفسه، هدد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بعرقلة إجماع الاتحاد الأوروبي اللازم لتخصيص ما يقرب من 55 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا حتى عام 2027، على الرغم من حصول الميزانية على موافقة البرلمان الأوروبي.
وكما لوحظ في استطلاع مجلس شيكاغو، يبدو أن هناك علاقة بين تراجع الحماس لإرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، وتباطؤ وتيرة الصراع، حيث لم يكسب أي من الطرفين مساحة كبيرة من الأرض منذ بداية هذا العام.
وتساءل غانسر "كيف "تمكنت أوكرانيا بالفعل من اقتحام خطوط الدفاع الروسية المعززة بشدة عند نقطة ما على الجبهة الجنوبية في الأسابيع الأخيرة"، لكنه ذكر أنه "في الوقت الحالي، تظل هذه مكاسب تكتيكية".
وأضاف "على المستوى العملياتي والاستراتيجي، أرى جموداً منذ عام تقريباً، مع سقوط عدد كبير جداً من الضحايا في كلا الجانبين"، لافتاً إلى أن المهمة التي تواجه أوكرانيا أصعب بكثير مما هو معترف به بشكل عام، حتى من قبل شركائها.
وكان لنائب وزير الدفاع الأوكراني السابق ليونيد بولياكوف، الذي يواصل التشاور لدعم الحكومة الأوكرانية، قراءة مختلفة للاتجاهات السياسية القادمة من الغرب، قائلاً: "إن المناقشات المتعلقة بالانتخابات أمر مفهوم بالنسبة للديمقراطيات، وفي الوقت نفسه، فإن الالتزامات التي تعهد بها الناتو ودول مجموعة السبع في يوليو (تموز) الماضي لها قيمة أعلى بكثير من الشعبوية التي سبقت الانتخابات".
وأضاف "انظروا إلى ضرباتنا الصاروخية في سيفاستوبول والإجراءات المماثلة، إن انتشارنا ينمو وسيؤثر على ساحة المعركة قريباً جداً".
#أوكرانيا تقصف قرى روسية حدودية بذخائر عنقودية https://t.co/krhxXkmmb0
— 24.ae (@20fourMedia) October 5, 2023 تحول في الاستراتيجيةومن جهته، قال أولكسندر موسيينكو، رئيس مركز الدراسات العسكرية والقانونية ومقره كييف، إنه "نستطيع أن نرى إشارات معينة من الغرب بأن مستوى المساعدة لأوكرانيا قد ينخفض، نحن نقدر ونشعر بالامتنان لمستوى الدعم الذي تم تقديمه بالفعل. وهذا أمر مهم للغاية. فالأموال التي تم تخصيصها ساهمت بالتأكيد في نمو الديمقراطية والحرية في العالم."
كما تناول عدم إحراز تقدم في الهجوم المضاد الأوكراني، مشيراً إلى "عدم كفاية الموارد" للقوات الأوكرانية للقيام بأعمال هجومية واسعة النطاق، في المقام الأول فيما يتعلق بأنظمة الأسلحة: الطيران والمدفعية والأسلحة بعيدة المدى.
وحذر من أن "القتال مع تعريض أنفسنا لخسائر كبيرة في صفوف الجنود ليس خياراً قابلاً للتطبيق بالنسبة لأوكرانيا؛ ويجب علينا الحفاظ على مواردنا البشرية لأننا لا نستطيع التنافس مع روسيا من حيث موارد التعبئة، حيث أن لديها عدداً أكبر من السكان".
وأوضح موسيينكو أن "التغيير في التكتيكات قد يكون ضرورياً، بسبب التطورات على الأرض وكذلك في المجال السياسي". وقال: "بالنظر إلى الاتجاهات السائدة في ساحة المعركة وغياب حزم المساعدات الكبيرة من الشركاء في الوقت الحالي، فإن الطريق إلى الأمام بالنسبة لأوكرانيا ربما يكون في تحويل قواتنا إلى الدفاع النشط".
وأضاف "ربما يحدث مثل هذا التراكم للموارد في الربيع، وستكون أوكرانيا قادرة على استئناف العمليات الهجومية النشطة، وحتى ذلك الحين، نحتاج إلى إرهاق العدو في الدفاع وتدمير القدرات العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم".
وكشفت المجلة أن بوتين يستعد لحرب طويلة، حيث قامت القوات الروسية بتحصين نفسها في سلسلة متعرجة من الخنادق التي تحرسها حقول الألغام القاتلة، مما جذب القوات الأوكرانية للتقدم إلى مواقع مكشوفة.
وقال جيان جنتيلي، العقيد المتقاعد بالجيش الأمريكي، والذي يشغل منصب المدير المساعد لمركز أرويو التابع للجيش الأمريكي التابع لمؤسسة راند: "بوتين اكتشف كيفية إنجاح الصراع لسنوات وسنوات." وبين أن روسيا لم تظهر أي علامة على التردد في جهودها الحربية، حتى في مواجهة الخسائر المتزايدة في الأفراد والمعدات، والهجمات الصارخة على أراضيها، وحملة العقوبات الدولية التي يقودها الغرب.
وأضاف أن "استمرار الدعم الأمريكي سيكون حاسماً لأي تقدم أوكراني للأمام"، وتابع "الولايات المتحدة كانت عنصراً رئيسياً حاسماً في دعم أوكرانيا منذ بدء الحرب، لقد ساهم حلف شمال الأطلسي والدول الشريكة الأخرى كثيراً، لكن يتعين على واشنطن أن تقود هذه الجهود لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا".
ونظراً للإشارات المتضاربة الصادرة من واشنطن، أوضح العقيد "على الأوكرانيين بالتأكيد أن يشعروا بالقلق من الاتجاه الذي يسلكه الصراع الآن، لأنه إذا لم تكن الولايات المتحدة قادرة على القيادة، فإن مسار الحرب لا يبدو جيداً بالنسبة لأوكرانيا".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحرب الأوكرانية أمريكا روسيا الهجوم المضاد فی الولایات المتحدة المساعدات العسکریة فی الوقت
إقرأ أيضاً:
الرضوخ لترامب.. كيف انحنت أوكرانيا أمام عاصفة البيت الأبيض في أسبوع؟
"500 مليون أوروبي يستنجدون بـ300 مليون أميركي لحمايتهم من 140 مليون روسي"، بهذه الكلمات لخص رئيس وزراء بولندا دونالد توسك واقع القارة الأوروبية خلال القمة الأخيرة في بروكسل، مشيرا إلى العجز الأوروبي بعد سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المثيرة للجدل.
جاء ذلك قبل إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز -عقب المحادثات الأميركية الأوكرانية التي انعقدت في جدة بالمملكة العربية السعودية- أن ترامب قرر رفع تعليق المساعدات الأمنية لأوكرانيا، وهو القرار الذي كان قد عمّق أزمة كييف والدول الأوروبية وتركها مكشوفة أمام موسكو طوال أسبوع كامل.
وخلال تلك الفترة القصيرة، استغلت القوات الروسية الفرصة، محققة تقدما ميدانيا على الأرض، بينما وجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه تحت ضغط غير مسبوق، مجبرا على الرضوخ لمطالب وقف إطلاق النار من دون شروط مسبقة.
وصحيح أن تجدُد الدعم الأميركي يعيد بعض التوازن، لكنه يثير تساؤلات حول كيف كان أسبوع واحد من وقف المساعدات الأميركية كفيلا ببث الرعب في أوساط أوروبا، وما حجم ونوع المساعدات الأميركية التي تم تعليقها؟ وما المدة التي يمكن أن تصمد فيها القوات الأوكرانية من دون الغطاء الأميركي؟ وما قيمة خطة التسلح التي أعلن عنها الأوروبيون لملء الفراغ الأميركي؟
View this post on Instagram
A post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher)
الرضوخ لترامبحاول الرئيس الأميركي أن يثبت لنظيره الأوكراني أنه "ليس شيئا من دونه" و"لا يملك أي أوراق من دونه"، كما قالها في وجهه خلال ما صار معروفا بـ"وقعة المكتب البيضاوي" يوم 28 فبراير/شباط الماضي وما حدث خلالها من مشادة بين الرئيسين.
إعلانووفقا لتقرير في صحيفة لوفيغارو الفرنسية بعنوان: "زيلينسكي يحاول النهوض من جديد بعد اتفاق جدة مع الأميركيين"، فإن تعليق المساعدات العسكرية والاستخباراتية الأميركية أجبر الرئيس الأوكراني لقبول وقف إطلاق النار بعد أن صارت قواته غارقة في أرض المعركة تعاني بفعل وقف المساعدات الأميركية.
وتوضح الصحيفة أن زيلينسكي اتخذ قراره مكرها، إذ لم يحصل بعد على الضمانات الأمنية التي كان يطالب بها، كما قبِل وقف القتال في وقت يوجد فيه أكثر من خُمس الأراضي الأوكرانية تحت السيطرة الروسية.
وبالفعل يبدو أن وقف المساعدات الأميركية ساعد روسيا على تحقيق تقدم ميداني كبير، فقد نقلت وكالة تاس الروسية عن رئيس الأركان الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف أن روسيا استعادت نحو 86% من أراضي إقليم كورسك، وجاء هذا الإعلان على هامش زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء للإقليم أصدر خلالها تعليماته بضرورة استعادة الإقليم كافة فورا، لتخسر بذلك أوكرانيا إحدى أوراق التفاوض المهمة لديها من خلال استبدال أراض أوكرانية بأخرى روسية.
ويعد إقليم كورسك المنطقة الروسية الوحيدة التي احتلتها القوات الأوكرانية خلال الحرب، وهو ما يمثل أول احتلال أجنبي لأراضٍ روسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث صمدت القوات الأوكرانية لأشهر رغم الضغط الشديد من عشرات الآلاف من القوات الروسية والكورية الشمالية، حسب وكالة أسوشيتد برس.
غير أن صحيفة لوفيغارو تعتبر أن الإيجابي في وقف المساعدات الأميركية أنه أيقظ روح الدفاع لدى الأوروبيين؛ وهو ما تجلى في القمة الاستثنائية في بروكسل واجتماع رؤساء الأركان الـ30 في باريس الثلاثاء الماضي، فضلا عن اعتماد خطة كبرى للتسلح.
وحسب تقرير لوكالة أسوشيتد بريس من كييف، فقد أعلن وزيرا خارجية أوكرانيا وبولندا، الأربعاء الماضي، أن عمليات تسليم الأسلحة الأميركية إلى أوكرانيا قد استؤنفت بالفعل عبر مركز لوجستي في مدينة رزيسزو شرق بولندا.
إعلانكما أعادت الحكومة الأميركية إلى أوكرانيا إمكانية الوصول إلى صور الأقمار الصناعية التي تساعدها على التخطيط للهجمات وتقييم نجاحها ومراقبة التحركات الروسية.
وفي السياق نفسه، نقلت الوكالة عن مسؤولين أن كييف لم تعد تمتلك أيا من الصواريخ الأميركية التكتيكية بعيدة المدى (أتاكمز).
حجم الدعم الأميركيفي مقابلة مع هيئة إذاعة وتلفزيون بلجيكا، اعتبرت إستيل هوريكس -الباحثة المشاركة في مركز دراسات الأمن والدفاع الأوروبي والقائدة السابقة للقوات الجوية البلجيكية- أن هناك أسلحة ومعدات أميركية من الصعب على الأوكرانيين والأوروبيين إيجاد بديل لها في الوقت الحالي، يتعلق الأمر على سبيل المثال بصواريخ أرض-أرض بعيدة المدى، وخصوصا صواريخ باتريوت الشهيرة، والصواريخ التكتيكية للجيش الأميركي المعروفة بصواريخ "أتاكمز".
كما سيواجه الأوكرانيون صعوبات في الاستعاضة عن نظام صواريخ باتريوت الأميركي أرض-جو في ما يتعلق بالدفاعات المضادة للطائرات.
وتضيف هوريكس أنه قبل تعليق المساعدات كان يأتي ما يقرب من 40% من إمدادات أوكرانيا العسكرية من الأميركيين، بينما ينتج الأوكرانيون أنفسهم 30%، ويقدم الأوروبيون النسبة المتبقية.
وفي تقرير لنيويورك تايمز بعنوان "متى قد تبدأ القوات الأوكرانية في ’الانهيار‘ بدون الأسلحة الأميركية؟"، كتبت الصحفية لارا جاكس أن الولايات المتحدة كانت قد التزمت بتسليم ما يصل إلى 11 مليار دولار من الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا هذا العام.
ووفقا لمعهد كيل للاقتصاد العالمي، وهو منظمة بحثية ألمانية، فإنه من بين 136 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي قدمها الحلفاء لأوكرانيا منذ بداية الحرب الروسية في فبراير/شباط 2022 حتى نهاية العام 2024، جاء ما يقرب من نصفها من الولايات المتحدة.
لكن تشير تقديرات حديثة لمعهد الخدمات المتحدة الملكي، وهو هيئة تحليلية تابعة للجيش البريطاني، إلى تقلص الدعم الأميركي بمرور الوقت مع تسارع إنتاج الصناعات الدفاعية في أوكرانيا وأوروبا، إذ إن نحو 20% فقط من المعدات العسكرية الموردة حاليا لأوكرانيا تأتي من الولايات المتحدة.
إعلانوإن كان نائب المدير العام للمعهد مالكولم تشالمرز يؤكد أن نسبة 20% تلك هي الأكثر فتكا وأهمية، معتبرا أن أوكرانيا ربما لا تنهار فجأة بدون الأسلحة الأميركية، فالتأثير سيكون تراكميا.
ووفقا لخبير الفضاء العسكري في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن دوغلاس باري، فإن الولايات المتحدة تساهم بأكثر من نصف جميع الطائرات المقاتلة لحلف شمال الأطلسي.
ولم يكتف الأميركيون بوقف تزويد أوكرانيا بالأسلحة، فقد صرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف -في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأسبوع الماضي- أن إدارة ترامب أوقفت أيضا تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، كما توقفت الولايات المتحدة عن تزويد أوكرانيا بأنظمة الاتصالات ستارلينك المملوكة لذراع ترامب المالي، الملياردير إيلون ماسك، التي تعتمد عليها كثيرا في الحرب الحالية.
كم تصمد أوكرانيا من دون المساعدات الأميركية؟في تقرير نيويورك تايمز، اعتبرت الصحفية لارا جاكس أنه بدون الأسلحة الأميركية قد يكون الأمر مجرد مسألة وقت -لن تتجاوز ربما 4 أشهرـ قبل أن تتعثر قوات أوكرانيا في مواجهة روسيا، في حال استمر تعليق المساعدات الأميركية.
ونقلت الصحفية جاكس عن نائب رئيس هيئة الأركان العامة العسكرية الأوكرانية السابق الفريق أول إيغور رومانينكو قوله "إنه لا يمكن لأوروبا أن تسد الفجوة التي خلفها تعليق المساعدات الأميركية"، كما نقلت عن مسؤولين أوكرانيين آخرين أن الجيش الأوكراني سيكون في وضع يرثى له إذا لم يتم استئناف الدعم الأميركي.
وبدورها، تعتبر الباحثة في مركز دراسات الأمن والدفاع الأوروبي إستيل هوريكس أنه "من الصعب بعض الشيء أن نتوصل إلى تصور دقيق للمخزونات العسكرية والمعدات التي لا يزال الأوكرانيون يمتلكونها في هذه المرحلة، ولكن وفقا لبعض المعلومات، وخاصة أجهزة الاستخبارات الأوكرانية نفسها، فإنهم يقدرون أنه إذا توقفت المساعدات الأميركية اليوم، فإن الجيش الأوكراني قد يظل قادرا على الصمود لمدة شهرين أو 3 أشهر".
إعلانلكن وكالة أنباء أوكرانية نقلت عن عضو البرلمان فيدير فينيسلافسكي قوله إنه: "من المؤكد أن أوكرانيا لديها هامش أمان يبلغ نحو 6 أشهر حتى بدون مساعدة منتظمة من الولايات المتحدة، لكن الأمر سيكون أكثر صعوبة بالطبع".
غير أن بعض المحللين يعتقدون أن هذا التقدير متفائل بشكل مفرط، فبحسب عضو مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية مارك كانسيان، وهو إستراتيجي أسلحة سابق في البيت الأبيض، فإنه "بحلول فترة 4 أشهر بدون المساعدات الأميركية ستبدأ القوات الأوكرانية في الانهيار، لأنهم ببساطة لن يكون لديهم ما يكفي من الذخائر والمعدات لاستبدال ما فقدوه".
ووفقا لمسؤولين أوكرانيين، فإن أوكرانيا نفسها تنتج طائرات بدون طيار وتبني أنظمة مدفعية محلية الصنع، وتخطط لإنفاق 26% من ميزانيتها على الدفاع هذا العام.
وقد صرح رئيس وزراء أوكرانيا دينيس شميهال، على وسائل التواصل الاجتماعي بعد القرار الأميركي بوقف المساعدات، بأن جيش بلاده لديه القدرات والوسائل للحفاظ على الوضع على خط المواجهة، مضيفا أن أوكرانيا ستكون قادرة على إنتاج ما يكفي من المدفعية لنفسها بحلول وقت لاحق من هذا العام، وأنها تقوم ببناء مركباتها المدرعة وأسلحتها المضادة للدبابات.
وأكد شميهال أنه في العام الماضي أنتجت أوكرانيا أكثر من مليون طائرة بدون طيار، وتعتزم زيادة الإنتاج في عام 2025، كما تحاول إنتاج دفاعات جوية متطورة مثل نظام باتريوت الأميركي الصنع، الذي يمكنه اعتراض الصواريخ الباليستية.
لكن صحيفة نيويورك تعلق على ذلك بالقول إن كل نظام باتريوت -الذي يتألف من صواريخ اعتراضية وقاذفات ورادار ومركز قيادة- يكلف نحو مليار دولار ويستغرق إعداده نحو عامين.
بعد القرار الأميركي بتعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا مباشرة، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن خطة بقيمة 841 مليار دولار لزيادة ميزانيات الدفاع في جميع أنحاء أوروبا وتشجيع المشتريات المشتركة بين الدول لتسريع تصنيع الأسلحة.
إعلانلكن دير لاين بدت قلقة من إمكانية تجسيد تلك الخطة على أرض الواقع، إذ علقت بالقول: "السؤال الحقيقي أمامنا هو إذا ما كانت أوروبا مستعدة للتصرف بحسم وبالسرعة والطموح المطلوب".
وحسب تقرير نيويورك تايمز، فإن الشركات الأوروبية المصنعة للأسلحة الأكثر تقدما خصوصا الدفاعات الجوية التي تقول أوكرانيا إنها ضرورية لبقائها تجد صعوبات لإنتاج هذه الأنظمة بسرعة وبأعداد كبيرة، وقد يستغرق الأمر سنوات لتوفير المطلوب، حيث تحتاج هذه الشركات لتوظيف وتدريب عمال إضافيين وتوسيع مساحات المصانع والحصول على المعادن النادرة وغيرها من المواد الخام في سوق تنافسية متباطئة بسبب سلاسل التوريد المحدودة.
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين تنفيذيين في هذه الشركات أنهم لا يستطيعون الاستثمار في هذه المتطلبات الإضافية دون ضمان عقود تستمر مدة 10 سنين على الأقل، وهو ما لا ترغب بعض الحكومات الأوروبية في توفيره.
أما الباحثة البلجيكية هوريكس فترى أنه على الأمد القريب قد يعوض الأوروبيون جزءا من الالتزامات الأميركية، خصوصا ما يتعلق بالمركبات المدرعة والمدفعية والقذائف التي يحتاجها الأوكرانيون كثيرا، إضافة إلى زيادة إمداد أوكرانيا بالطائرات المقاتلة.
لكن، تستدرك الباحثة، أن كل ما تسمى بـ"القدرات التمكينية" في المصطلحات العسكرية، مثل القدرات الاستخباراتية وأنظمة الدفاع المضادة للطائرات، سيستغرق وقتا أطول لإنتاجه من قبل الأوروبيين، وقد يتطلب 5 سنوات قادمة.
ذعر الأوروبيين أكبر هدية لبوتينتقول هوريكس إنه قبل كل شيء "يجب على الأوروبيين أن يحافظوا على هدوئهم، فليس الوقت مناسبا للذعر، بل هو وقت التحرك العاجل والموحد"، مضيفة أن الاستسلام للذعر سيكون بمثابة هبة من السماء لبويتن الذي يأمل أن يصبح الأوروبيون خائفين ومنقسمين، وفي النهاية يستسلمون لابتزازه الذي يستقوي فيه بالموقف الأميركي.
إعلانوتضيف هوريكس "ينبغي ألا ننسى أن الأوروبيين، على الرغم من كل شيء، يشكلون قوة عالمية مهمة لديها قوات أكثر من الروس، ووسائل أكثر من الروس، لكن كل هذا يحتاج ببساطة إلى تنسيق أفضل بينهم، هذا إضافة إلى أن الجيش الروسي ليس في وضع يسمح له حاليا بتنفيذ هجمات واسعة النطاق، ويبدو أنه أيضا يعاني من نقص المعدات".
لذا، ترى الباحثة أن خطة إعادة تسليح أوروبا التي أعلنت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية تشكل إشارة جيدة لمساعدة أوكرانيا، حتى وإن كانت متأخرة للغاية، وكذلك لبناء دفاع أوروبي أكثر استقلالية في ضوء الانسحاب المحتمل للولايات المتحدة.
هل أُرغمت كييف على الاستسلام؟في دراسة بعنوان "هل أصبحت أوكرانيا الآن في خطر؟"، توقع إستراتيجي الأسلحة السابق في البيت الأبيض مارك كانسيان أنه من دون المساعدات العسكرية الأميركية، ستضطر كييف إلى قبول اتفاق وقف إطلاق النار غير المناسب لها مع روسيا، وهو ما قد يعني تنازل أوكرانيا عن خُمس أراضيها وتخليها عن تطلعاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).
والأدهى من ذلك -حسب كانسيان- أن قرار أميركا قد يشجع حلفاء آخرين على خفض مساعداتهم لأوكرانيا، معتبرين أنه بدون الدعم الأميركي فإن هذه قضية خاسرة.