رأى خبير الدراسات المستقبلية الدكتور وليد عبد الحي أن العوامل المركزية في تحديد مستقبل العلاقة بين السعودية وإيران تتمثل في الصور الذهنية المتبادلة لدى كل طرف عن الطرف الآخر، والتأثير الأمريكي على الطرفين، والتأثير الصيني على الطرفين، والعلاقة مع "إسرائيل"، والشقاق المذهبي بين البلدين، ونشوب نزاعات طارئة بين البلدين، والتغير في قيادات البلدين، ومستويات التنسيق في المنظمات الدولية، والأوضاع الاقتصادية للبلدين.



جاء ذلك في ورقة علمية للباحث وليد عبد الحي صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات في بيروت بعنوان: "الآفاق المستقبلية للعلاقات الإيرانية السعودية".

وأشارت الورقة إلى أن سنة 1979 شكّلت نقطة تحوّل كبرى في منطقة الشرق الأوسط، إذ تتابعت فيها التحولات الاستراتيجية لتفرز ملامح جديدة في الواقع الجيو-استراتيجي للمنطقة، حيث قامت في تلك السنة الثورة الإيرانية في شباط/ فبراير 1977، وكان لها عميق الأثر في تأجيج الحسِّ الديني الثوري، كما تمّ خلالها التوصّل لأول معاهدة "سلام" عربية إسرائيلية بين مصر و"إسرائيل" في آذار/ مارس 1979، وفيها تولّى صدام حسين الرئاسة في العراق في تموز/ يوليو 1979، ووقعت خلالها محاولة جهيمان العتيبي في تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 للانقلاب في السعودية، كما دخل الاتحاد السوفييتي إلى أفغانستان في كانون الأول/ ديسمبر 1979.

وأشار الباحث أن الموقف الخليجي بشكل عام، والسعودي بشكل خاص، كان على تناقض تام مع الموقف الإيراني في كلّ تحوّل من التحولات الخمس السابقة، وهو ما أسّس لصراع شامل بين دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية وبين إيران من ناحية أخرى.

ورأى الدكتور وليد عبد الحي أن إنشاء مجلس التعاون الخليجي سنة 1981 لم يكن بمعزل عن هذه الظواهر خصوصاً الثورة الإيرانية، والإسهام العربي في حرب أفغانستان ضدّ القوات السوفييتية، حيث أصبح كلا الطرفين يغذّي معارضة الطرف الآخر، مع تباينٍ في حدة الصراع بين إيران وكل دولة من دول الخليج.

وأشار الباحث إلى ازدياد الخريطة تعقيداً مع توظيف الإرث الثقافي التاريخي عبر المذاهب خصوصاً ثنائية الشيعة والسنة، وأشار أن الوقائع الخمس التي أشرنا لها تغذَّت على بعضها البعض، ولم يعد بالإمكان فهم ملابسات الصراعات في المنطقة بمعزل عن تشابكاتها.

وتوصلَّت الورقة إلى أن الصورة المستقبلية بين الدولتين السعودية والإيرانية تعتمد على عدد من المتغيرات التي تتبادل التأثير السلبي والإيجابي على بعضها البعض، واستناداً لرصد السلوك السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين تجاه بعضهما خلال الفترة 1979 وحتى آذار/ مارس 2023، عند الإعلان الصيني عن الاتفاق السعودي الإيراني لإعادة العلاقات بين البلدين، تبين أن العلاقة كانت ذات مضمون سلبي في الغالب إلى جانب كونها علاقات غير مستقرة.

وأشار الباحث إلى أن العلاقات السعودية الإيرانية مرهونة، تطوراً أو تراجعاً، بعدد من المحددات منها: تزايد التراخي في الارتباط السعودي بالولايات المتحدة، وانتقال العلاقة بين السعودية وإيران من مستوى المجاملات الديبلوماسية إلى تزايد ذي دلالة في حجم العلاقات التجارية والاستثمارات المتبادلة وتراجع الترويج المذهبي، وتكرس التعددية القطبية في النظام الدولي الذي يعزز البدائل السعودية لعلاقاتها الدولية، بالإضافة لمستوى الاستقرار الإقليمي الذي يحدد العلاقة السعودية الإيرانية، إذ ينعكس الاضطراب في المنطقة على طبيعة العلاقة بين الطرفين، مع ملاحظة أن الاستقرار في المنطقة هو الأقل بين أقاليم العالم، واستمرار وتيرة التراجع في المكانة الأمريكية في تكييف النظام الدولي وتفاعلاته.

كما أشار الباحث أن احتمال انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي، ذات المضمون الأمني والاقتصادي، يعزِّز من التقارب الإيراني السعودي بعد الانضمام إلى البريكس، وإدراك السعودية أن مشاريعها الاقتصادية وتنفيذ خطة 2030 مرهون بدرجة الاستقرار الإقليمي، ما رآى فيه تفسيراً للنزوع السعودي للتصالح مع البيئة الإقليمية، ومحاولة التوازن في علاقاتها الدولية.

وخلصت الدراسة إلى أن احتمالات انتكاس العلاقة بين الطرفين الإيراني والسعودي هي 64% تقريباً، ونظراً لأن مأسسة عملية صنع القرار في إيران هي أعلى قياساً لمستوى المأسسة في السعودية، فإن السيناريو الأرجح مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتوجهات الأمير محمد بن سلمان، وهي توجهات يغلب عليها عدم الاتساق، ما يعزز هواجس العودة للانتكاس في العلاقات السعودية الإيرانية في ضوء احتمالين، يتمثّل الاحتما الأول في حالة استمرار التراخي السعودي في العلاقة مع الولايات المتحدة والتزايد في العلاقة مع القوى القطبية الأخرى، فإن الولايات المتحدة وبحكم تغلغلها في البيئة الداخلية السعودية ستعمل إما على تغيير في السلطة السعودية يتناسب مع أهدافها، أو التضييق على الحركة السعودية دولياً وإقليمياً إلى الحد الذي يفرض على السعودية التراجع عن موقفها التصالحي مع إيران، وفي هذه الحالة ستنتكس العلاقات الإيرانية السعودية من جديد.

أما الاحتمال الآخر، فهو في حال واصلت السعودية اتكاءها على المساندة الأمريكية والذهاب إلى التطبيع مع "إسرائيل"، فإن ذلك قد يدفع إلى العودة لما كان عليه الأمر من توتر في العلاقات السعودية الإيرانية في الفترة 2016 ـ 2023 خصوصاً إذا تجاوزت العلاقات السعودية الإسرائيلية الميدان الديبلوماسي والتجاري إلى "تنسيق ونشاط عسكري وأمني"، كما جرى مع الإمارات العربية.

وفي 10 آذار / مارس الماضي، أعلنت السعودية وإيران توقيع اتفاق لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية في بكين، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة.

ويأمل مراقبون في أن يكون لاستعادة العلاقات بين الرياض وطهران دورا إيجابيا في تهدئة التوتر القائم في عدد من الملفات العالقة بالمنطقة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية السعودية الإيرانية العلاقات إيران السعودية علاقات رهانات سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السعودیة الإیرانیة العلاقات السعودیة العلاقة بین بین البلدین إلى أن

إقرأ أيضاً:

الإمارات وتركيا تبحثان سبل دعم اتفاقية الشراكة بين البلدين

أبوظبي (الاتحاد)

عقدت دولة الإمارات والجمهورية التركية، اليوم، الجلسة الثانية للجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة «JETCO» في أبوظبي، والتي جاءت استكمالاً للنجاح الذي حققته الجلسة الأولى والتي أُقيمت في إسطنبول في عام 2023.

يهدف الاجتماع إلى تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، ودعم أهداف اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة «CEPA»، التي دخلت حيز التنفيذ في منذ الأول من سبتمبر 2023. وأشاد الاجتماع، الذي ترأسه معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير دولة للتجارة الخارجية، ومعالي عمر بولاط، وزير التجارة في تركيا، بالتقدم الكبير، الذي شهدته العلاقات الإماراتية التركية عقب تنفيذ اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة والاجتماع الأول اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة.

وأعرب الجانبان عن تفاؤلهما بقدرة البلدين على تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، بما يخدم المصالح المشتركة، ويدعم الروابط بين الإمارات وتركيا. شارك في اجتماعات اللجنة، سعيد ثاني حارب الظاهري، سفير الدولة لدى الجمهورية التركية، وجمعة محمد الكيت، وكيل مساعد لشؤون التجارة الدولية في وزارة الاقتصاد الإماراتية.

وشملت المحادثات، خلال الجلسة، قطاعات مثل التجارة والتمويل التجاري، والاستثمار، والاقتصاد الأخضر، والخدمات، والتكنولوجيا المتقدمة والصناعة، والجمارك، والتعاون في المشاريع المشتركة في الدول النامية.

وقال معالي الدكتور ثاني الزيودي: «تُعدّ اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة حجر أساس لاستراتيجيتنا للارتقاء بالعلاقات الاقتصادية بين الإمارات وتركيا، وعبر الاستفادة من هذه المنصة، يُمكننا تحديد أهم الفرص لمصدّرينا، وتعزيز الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، وبناء إطار عمل مرن لتحقيق النمو المستدام». وأضاف أن التعاون بين الجانبين أسهم في إطار اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة عن نتائج مبهرة، من حيث نمو التجارة الثنائية غير النفطية بمقدار ثلاثة أضعاف منذ عام 2021، مؤكداً الالتزام بتعميق تلك الشراكة لإطلاق العنان لإمكانات أكبر.

أخبار ذات صلة الإمارات تشارك في اجتماع مجموعة عمل التجارة والاستثمار بـ«العشرين» لجنة منتجي الحديد بالإمارات تفتتح مقرها الجديد في أبوظبي

وخلال الاجتماع رفيع المستوى، الذي أعقب اجتماع اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة، أكّد معاليه أهمية دور القطاع الخاص في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، قائلاً: «نمتلك فرصة كبيرة لزيادة تدفقات التجارة والأنشطة الاستثمارية بين مجتمعي الأعمال في الإمارات وتركيا، وقد فتحت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الأبواب أمام هذه الفرص، ولكن تفاعل القطاع الخاص وروح المبادرة هو ما سيضمن لنا الاستمرار في الاستفادة منها».

وقال معالي عمر بولاط: «من خلال اجتماعنا اليوم، اتخذنا خطوات مهمة لتعزيز العلاقات الثنائية، وتحقيق ازدهار اقتصادي يعود بالنفع المتبادل على بلدينا وشعبينا». وأكد معاليه أن دولة الإمارات ستظل أحد أهم شركاء تركيا الاقتصاديين في المنطقة، مشيراً إلى أن الشركات التركية نفذت حتى الآن 149 مشروعاً في دولة الإمارات بقيمة إجمالية تبلغ 17.7 مليار دولار أميركي، ما يضع هذا التعاون الاستراتيجي في المرتبة العاشرة عالمياً من حيث عدد المشاريع التي تنفذها الشركات التركية.

وتماشياً مع الأهداف الرئيسية للجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة، شهدت الجلسة أيضاً الاجتماع الافتتاحي للجنة المشتركة لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وتركيا. وتم التركيز على تقييم تأثير الاتفاقية حتى الآن، وتبادل البيانات والخبرات، ومراجعة القضايا المتعلقة بالتنفيذ، بالإضافة إلى تحسين التعريفات الجمركية، وتقديم التوصيات بالتعديلات اللازمة.

كما تم توقيع محاضر الاجتماع الوزاري لكل من اجتماع اللجنة المشتركة واجتماع اللجنة الاقتصادية والتجارية من قبل معالي الدكتور ثاني الزيودي ومعالي عمر بولاط.

وتعكس الاجتماعات في أبوظبي الروابط القوية بين الإمارات وتركيا، التي شهدت في السنوات الأخيرة تعاوناً اقتصادياً مشتركاً في قطاعات ديناميكية ذات نمو مرتفع، مثل الخدمات المالية، والزراعة، واللوجستيات، والنقل، والسياحة.
 

مقالات مشابهة

  • الصين تحذر مواطنيها من السفر إلى الولايات المتحدة في ظل تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين
  • الدكتورة نادية جمال: كراهية الطرفين والاختلافات الثقافية من أبرز أسباب الطلاق
  • استشاري علاقات أسرية: الاختلافات الاجتماعية تؤدي إلى تدهور العلاقة الزوجية
  • خبير: إسرائيل تريد تفكيك جميع المنشآت النووية الإيرانية
  • العراق والإمارات يؤكدان على تعزيز التعاون بين البلدين
  • وزير الخارجية: زيارة ماكرون تعكس الطابع الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين
  • كاتبة صحفية تكشف سر نجاح واستمرار العلاقات الزوجية رغم التحديات
  • الإمارات وتركيا تبحثان سبل دعم اتفاقية الشراكة بين البلدين
  • الجزائر وطهران على درب تعزيز العلاقات.. لقاء بين وزيري خارجية البلدين
  • بمشاركة 130 خبيرًا دوليًا.. جامعة نايف تنظم ورشة عن أمن السكك الحديدية في الرياض