في السنوات الأخيرة، شهد الوطن العربي تحولات تاريخية في الديناميكيات الجيوسياسية، مما أدى إلى قيام العديد من الدول العربية بإقامة علاقات تطبيع دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، إسرائيل. 

 

وكانت مصر، بعد توقيعها على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، من أوائل الدول العربية التي اعترفت رسميًا بدولة إسرائيل. وبينما توجد علاقات دبلوماسية على المستوى الحكومي، لا يزال الشعب المصري غير راغب في قبول هذا التطبيع، مما يسلط الضوء على مشاعر عميقة تتجاوز السياسة.

 

السياق التاريخي:

إن تاريخ العلاقات المصرية مع الاحتلال الإسرائيلي معقد ومتشابك بشكل عميق. وأدت اتفاقيات كامب ديفيد، التي توسطت فيها الولايات المتحدة، إلى توقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل عام 1979. وبموجب المعاهدة، اعترفت مصر بحق إسرائيل في الوجود، وانسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء، وأعادتها إلى السيادة المصرية.

كانت معاهدة السلام إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا، لكنها قوبلت بردود فعل رافضة وغاضبة بين الشعب المصري. وبينما كان المقصود من الاتفاق تحقيق الاستقرار في المنطقة وفتح الباب أمام التعاون الاقتصادي، إلا أنه جاء أيضًا بنصيبه من الرفض الشعبي.

لماذا تستمر المقاومة:

التضامن مع القضية الفلسطينية: أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار مقاومة المصريين التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي على المستوى الشعبي في مصر هو الروابط التاريخية والثقافية التي تربط الأمة بالشعب الفلسطيني. لقد كانت مصر مؤيدًا قويًا للحقوق الفلسطينية والدولة الفلسطينية، ويشعر العديد من المصريين بإحساس عميق بالتضامن مع القضية الفلسطينية. وينظر البعض إلى التطبيع الشعبي مع إسرائيل على أنه خيانة لهذا التضامن.

إرث الوحشية الصهيونية للاحتلال الإسرائيلي: ترك الاحتلال أثرًا دائمًا على الذاكرة الجماعية للمصريين. ولا يزال الكثيرون يتذكرون الصراعات وتهجير الفلسطينيين، مما يجعل من الصعب قبول التطبيع الكامل مع إسرائيل.

الدعاية والإعلام: لعبت وسائل الإعلام والدعاية دوراً هاماً في تشكيل الرأي العام. 

العوامل السياسية: الاعتبارات السياسية المحلية لها دور أيضاً. وتحتفظ بعض الجماعات والحركات السياسية المصرية بموقف مناهض لإسرائيل كجزء من برنامجها الأيديولوجي، وتعارض بشدة جهود التطبيع.

التأثير على التطبيع:

وبينما تحتفظ مصر بعلاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل وتشارك في التعاون الاقتصادي والأمني، فإن مقاومة التطبيع على المستوى الشعبي يمكن أن تشكل تحديات. يمكن أن تؤثر المشاعر العامة على سياسات الحكومة والقرارات الدبلوماسية، وقد تحد من عمق التفاعلات الشعبية بين البلدين.

علاوة على ذلك، فإن إحجام العديد من المصريين عن تبني التطبيع يسلط الضوء على التعقيد الذي يواجه تحقيق السلام الشامل والاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط. ولا تزال المشاعر العميقة المرتبطة بالقضية الفلسطينية والسياق التاريخي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي تشكل التصورات في المنطقة.

ختامًا، إن رفض العديد من المصريين الاعتراف بإسرائيل على المستوى الشعبي والمحلي هو قضية متعددة الأوجه متجذرة في التاريخ والثقافة والسياسة. ورغم وجود العلاقات الدبلوماسية، فإن هذه المقاومة تسلط الضوء على الأهمية الدائمة للقضية الفلسطينية في قلوب وعقول الشعب المصري.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إسرائيل التطبيع التطبيع الشعبي الكيان الصهيونى الاحتلال مصر نصر اكتوبر على المستوى مع إسرائیل العدید من

إقرأ أيضاً:

تحليل لهآرتس عن تحقيقات 7 أكتوبر: حماس تفوقت على الجيش الإسرائيلي

سلط تحليل جديد لصحيفة هآرتس نشر اليوم الثلاثاء الضوء على من سلسلة من الإخفاقات الفادحة التي عانى منها الجيش الإسرائيلي في تصديه لهجوم "طوفان الأقصى" الذي شنته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

واستند التحليل الذي كتبه المحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل على التحقيقات الجزئية التي أجراها ضباط نظاميون واحتياطيون برتب تتراوح بين عقيد ومقدم في جيش الاحتلال.

وخلص إلى أن هذه التحقيقات كشفت عن سلسلة من الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية التي أدت إلى واحدة من أسوأ الهزائم العسكرية في تاريخ إسرائيل، وأظهرت صورة قاتمة لتراجع المعايير الأمنية والإجراءات الدفاعية على طول حدود غزة.

انهيار سريع للخطوط الأمامية

ويرى هرئيل أن الهجمات التي نفذتها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على كيبوتس كفار غزة ومعسكر نحال عوز، والتي أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف الإسرائيليين، فضلاً عن عمليات الأسر الواسعة "تدل على أن الإخفاقات لم تكن فقط نتيجة عنصر المفاجأة، بل كانت متجذرة في تراجع الالتزام بالإجراءات العسكرية الأساسية، مما أدى إلى انهيار سريع للخطوط الدفاعية الإسرائيلية".

ويكشف المحلل العسكري أن حماس استغلت ضعف الجاهزية العسكرية للجيش الإسرائيلي على الحدود، حيث تسببت الهجمات المتزامنة في شل قدرات الوحدات المدافعة في الساعات الأولى، حيث عانت المستوطنات والمواقع العسكرية من نقص في القوات المدربة والجاهزة للرد على الهجوم.

إعلان

"فعلى سبيل المثال، في كيبوتس كفار غزة، واجه 14 مقاتلا من قوة الطوارئ هجومًا شرسًا من 250 مقاتلًا فلسطينيًا، مما أدى إلى مقتل نصف المدافعين في الساعات الأولى. ولم يكن هناك أي جندي إسرائيلي في الخدمة الفعلية داخل الكيبوتس وقت الهجوم، باستثناء العميد يسرائيل شومر، الذي كان في منزله دون سلاح واضطر إلى القتال بسكين مطبخ قبل أن يحصل لاحقًا على سلاح من أحد القتلى".

أما في معسكر نحال عوز العسكري، فيقول المحلل العسكري إن "الصورة كانت أكثر قتامة، على الرغم من وجود نحو 90 جنديًا مسلحًا، معظمهم من كتيبة جولاني الثالثة عشرة".

وتشير التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي إلى أن "حماس أدركت أن المعسكر يشكل مركز ثقل حيوي في تشكيل جيش الدفاع الإسرائيلي، ولذلك خصص مخططو الجناح العسكري لحماس 15 دقيقة بين عبور الحاجز في السياج والوصول إلى الأسوار العالية المحيطة بالمعسكر، وتمسكوا بخطتهم، حتى انهار المعسكر بالكامل".

ويقول إن "الإعداد الدفاعي كان ضعيفًا، مقابل حماس، التي تدربت لسنوات على السيطرة على المخيم، ونجحت في اختراق الدفاعات بسهولة نسبية، وقامت بإطلاق مئات الصواريخ وقذائف الهاون في الدقائق الأولى من الهجوم، مما أدى إلى تفاقم حالة الشلل التي عانت منها القوات الإسرائيلية.

تفوق تكتيكي لحماس

ويسلط هرئيل الضوء على أن التحقيقات أظهرت أن حماس لم تكتفِ بالمفاجأة العسكرية، بل نجحت في فرض تفوق تكتيكي عبر تنسيق محكم بين وحداتها، حيث تمكنت من استغلال نقاط الضعف في البنية الدفاعية الإسرائيلية.

فمثلاً، في معسكر نحال عوز، الذي كان يضم نحو 90 جنديًا من كتيبة جولاني الثالثة عشرة، استطاعت المقاومة اختراق الدفاعات بسبب تصميم الجدران التي احتوت على نقاط ضعف مكشوفة.

ويعتبر أيضا أن "تدريب حماس الطويل على السيطرة على المخيمات العسكرية كان عاملاً حاسمًا، إذ أنشأت نموذجًا مصغرًا لمعسكر نحال عوز لتدريب مقاتليها على الهجوم، وهو ما ساعدهم على تنفيذه بدقة. وعند بدء الهجوم، أطلقت المقاومة مئات الصواريخ وقذائف الهاون، مما شل قدرات الجيش الدفاعية ودفع العديد من الجنود إلى الاختباء، متجاهلين خطر الهجوم البري القادم من الغرب".

إعلان

ويكشف هرئيل أن حماس كانت قد خططت مسبقًا لإعاقة أي تعزيزات عسكرية إسرائيلية عبر نشر كمائن على الطرق المؤدية إلى المستوطنات المستهدفة، مما أبطأ بشكل كبير من وصول القوات الإسرائيلية لمناطق الاشتباك.

وبحلول الوقت الذي تمكنت فيه هذه القوات من التدخل، كانت المقاومة الفلسطينية قد أنجزت معظم أهدافها، سواء في القتل أو الأسر أو تدمير المواقع العسكرية.

ويعتبر التحليل العسكري أن "حماس أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات معقدة ومتعددة الجوانب، وهو ما يشير إلى تطور نوعي في قدراتها العسكرية والتخطيطية".

غياب التحذير الاستخباراتي

وتشير التحقيقات إلى أن الجيش الإسرائيلي كان على علم ببعض المؤشرات التحذيرية قبل الهجوم، لكن لم يتم التعامل معها بجدية. فقد كانت هناك تقارير استخباراتية عن نشاط غير معتاد على حدود غزة، لكن القيادات العسكرية لم تولها الاهتمام الكافي، ولم يتم تمريرها إلى الوحدات المنتشرة في الميدان.

ويكشف تحليل هآرتس أن أنظمة القيادة والسيطرة انهارت بالكامل في اللحظات الحاسمة، مما جعل التنسيق بين الوحدات شبه مستحيل، كما يؤكد أن فرقة غزة العسكرية تم تحييدها عمليًا خلال أول ساعتين من الهجوم، مما جعل القوات الميدانية في وضع حرج من حيث القدرة على التنظيم والرد.

عوضا عن ذلك، يظهر تحليل أداء الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم أن الفشل لم يكن محصورًا في ساحة المعركة فقط، بل كان نتيجة تراكم طويل من الإهمال في الاستعدادات الدفاعية.

وكانت هناك ثغرات كبيرة في التجهيزات العسكرية، حيث لم تكن الوحدات تمتلك مخزونًا كافيًا من القنابل اليدوية، والصواريخ المضادة للدبابات، والأسلحة الرشاشة اللازمة لصد هجوم واسع النطاق.

ويقرر المحلل العسكري أن هذا التحقيق هو من بين أكثر التقارير العسكرية الإسرائيلية صراحةً في الإقرار بحجم الإخفاقات التي واجهها الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2003، "فقد أبرزت النتائج أن الجيش لم يكن مستعدًا لمثل هذا النوع من الهجمات المنسقة، وأن ثقافة الاستهتار والتهاون في الالتزام بالإجراءات العسكرية كانت أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذه الكارثة".

إعلان

ويخلص هرئيل إلى وجود تراجع مهم في قدرات الجيش الإسرائيلي من خلال إيراد شهادة أحد المحققين، والذي قال "لقد نسينا في الجيش الإسرائيلي كيف ندافع"، ويعتبر أن هذا التراجع كان واضحًا بشكل خاص على حدود غزة، حيث أدى بناء الحاجز تحت الأرض ضد الأنفاق إلى غرس ثقة مفرطة في القادة، مما أدى إلى الاعتقاد بأن الحدود أصبحت منيعة تقريبًا.

ويضيف أن التحقيقات أظهرت أيضًا أن القوات لم تكن مستعدة لسيناريو متطرف، حيث يقتحم أكثر من 5 آلاف مسلح أكثر من 100 نقطة إسرائيلية على حدود غزة.

ويقول "حتى عندما بدأت الكارثة تتكشف أمام أعينهم، واجهت القادة صعوبة في تصور الأسوأ الذي كان ينتظرهم".

ويختم التحليل بالتأكيد على أن القيادة العسكرية الإسرائيلية تواجه الآن تحديًا كبيرًا في إعادة بناء الثقة داخل الجيش وبين الجمهور الإسرائيلي بعد أن كشفت التحقيقات المستمرة المزيد من التفاصيل الصادمة عن مدى هشاشة البنية الدفاعية على حدود غزة".

مقالات مشابهة

  • شاهد | العدو الإسرائيلي وإخفاق السابع من أكتوبر
  • بمليار دولار.. دعاوى قضائية في إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية بسبب 7 أكتوبر
  • لماذا قرر الجيش الإسرائيلي حظر وسائل التواصل الاجتماعي؟
  • حولتها إلى سجن كبير..الخارجية الفلسطينية: إسرائيل تنكل بالمواطنين في الضفة لتهجيرهم إلى الخارج
  • تحليل لهآرتس عن تحقيقات 7 أكتوبر: حماس تفوقت على الجيش الإسرائيلي
  • رئيس الشاباك الإسرائيلي يرفض الاستقالة قبل تحرير جميع الرهائن لدى حماس
  • نتنياهو يرفض تشكيل لجنة تحقيق رسمية مستقلة بشأن أحداث 7 أكتوبر
  • نتنياهو يرفض تشكيل لجنة تحقيق بشأن أحداث 7 أكتوبر ويتوعد حماس
  • الحشد الشعبي يرفض حله أو الاندماج في الجيش ويؤكد على استمرار المقاومة تحت راية خامئني
  • شهيدان برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي وسط مدينة رفح الفلسطينية