مصر.. الأوضاع الاقتصادية تدفع كثيرين إلى طريق هجرة محفوف بالمخاطر
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
ضاق الحال بوليد الدجوي، بعدما أصبحت حرفة السباكة التي يمتهنها لا تدر ما يكفي لإعالة أسرته التي تعيش بمنطقة الدلتا في شمال مصر، فقرر عبور الحدود إلى ليبيا واستقل من هناك سفينة صيد قديمة ومكتظة متجهة إلى أوروبا.
وفي يونيو، وعلى بعد أميال قليلة من الساحل اليوناني، غرقت السفينة وعلى متنها المئات، من بينهم مصريون ممن أصبحوا يقبلون بأعداد متزايدة على الرحلة المحفوفة بالمخاطر في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في بلدهم.
ونجا عدد قليل، لكن وليد (32 عاما) كان من بين كثيرين اختفوا ولم يعثر لهم على أثر.
وقال محمد الدجوي، والد وليد لـ"رويترز"، في قريته ميت سهيل حيث المنازل متواضعة ومبنية بالطوب الأحمر وسط الحقول "هيعمل إيه، مش قادر يصرف على ولاده... واتديَن (استدان)".
ووليد لم يكن الوحيد، ويقول والده "قلة الشغل وغلو الأسعار يوم عن يوم، مبقاش في رقابة على الأسعار... العيال غووا بعض وهو اتخنق... هيتسلّف؟ هيسرق؟ قال أخاطر بحياتي".
محمد الدجوي يعرض صورة ابنه وليد أحد المهاجرين المصريين الذين لقوا حتفهم بعد انقلاب قارب بالقرب من شواطئ اليونان في يونيووتزايدت أعداد المصريين الذين يغادرون إلى الخارج وتحدوهم الآمال في العثور على فرص عمل وسط ما تشهده البلاد من ارتفاع في التضخم لمستويات قياسية وانخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات البطالة وفرض الحكومة المثقلة بالديون قيودا على الإنفاق.
وتظهر بيانات وزارة الداخلية الإيطالية أن أكثر من ثمانية آلاف من الذين وصلوا بحرا منذ بداية العام إلى البلاد قالوا إنهم مصريون.
وكانت إيطاليا أيضا وجهة السفينة التي أبحر عليها وليد.
وكان العدد في 2022 عند 20542، مما جعل المصريين يمثلون الجنسية الأكبر التي وصل حاملوها إلى إيطاليا في ذلك العام.
وتأتي هذه الأرقام مقابل 1264 فقط في عام 2020.
وقالت الوزارة الإيطالية إن طلبات اللجوء المقدمة من مصريين قفزت هي الأخرى.
وتزامن الارتفاع الكبير في أعداد المغادرين من مصر في السنوات الماضية مع تدهور اقتصاد البلاد.
وقد ألقت جائحة كورونا بثقلها على قطاع السياحة الأساسي في مصر وأدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة عزوف المستثمرين عن المخاطرة، مما دفعهم للابتعاد عن الأسواق المصرية،
ويرى خبراء أن مصر تضررت أيضا من ارتفاع الدين الناجم عن الإنفاق الحكومي الهائل على المشروعات الضخمة، بما في ذلك العاصمة الجديدة.
حافلة صغيرة إلى ليبيانجحت السلطات المصرية إلى حد كبير في منع إبحار قوارب المهاجرين من السواحل الشمالية للبلاد منذ عام 2016، لكن من يتوقون إلى المغادرة عثروا على مسارات أخرى.
ويقول أقارب للمهاجرين، الذين يمكن الوصول إليهم بسهولة في البلدات والقرى في شمال البلاد مثل ميت سهيل، إن من يريدون المغادرة يتوجهون الآن إلى الجارة ليبيا، المنتجة للنفط والتي كانت في الماضي وجهة مفضلة للعمل ولكنها لم تعد كذلك بعد عقد من الصراعات.
وساهمت الفوضى التي شهدتها ليبيا منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي في ازدهار نشاط تهريب البشر.
ويغادر الآن عدد أكبر من قوارب المهاجرين من شرق ليبيا، القريب من مصر، مقارنة بقوارب المهاجرين التي تنطلق من غرب الدولة المنقسمة.
وتجوب الحافلات الصغيرة الطريق المؤدي إلى الحدود الليبية لتقل الراغبين في الهجرة.
وعادة ما تتحمل العائلات التي يتركها أبناؤها فاتورة الرحلة إلى أوروبا التي تصل إلى 4540 دولارا، ويتم تسليم الأموال بمجرد عبور المهاجر الحدود المصرية.
والدة محمد غنام أحد المهاجرين المصريين الذين لقوا حتفهم بعد انقلاب قارب بالقرب من شواطئ اليونان في يونيووقال عادل غنام (25 عاما)، وهو نجار من ميت سهيل، وكان شقيقه البالغ من العمر 19 عاما أحد ركاب السفينة المنكوبة في يونيو"الموضوع سهل... الميكروباص بييجي على موقف بلدك يقول ليبيا... وبتدخل ليبيا وبيستقبلوك أحسن استقبال وبعد ما بياخدوا الفلوس بيطلعوا عين أهل اللي جابوه".
وكان شقيقه محمد يحقق دخلا بسيطا من العمل في متجر للحلوى ويتعلم في الوقت ذاته إصلاح الهواتف المحمولة، لكنه قرر اللحاق بثلاثة من أقاربه تمكنوا من الوصول إلى إيطاليا.
دول في أزماتويقول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومسؤولون آخرون إن مصر تبذل ما في وسعها لوقف تدفق المهاجرين.
لكنهم يقولون إن الأمر صعب بالنظر إلى موارد البلاد المحدودة بسبب استضافتها لملايين الأجانب، ومن بينهم أكثر من 300 ألف شخص فروا من الحرب في السودان منذ أبريل.
وتقول رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، نائلة جبر، إن المشكلات الاقتصادية في الشرق الأوسط تدفع المزيد من الأفراد للقيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر.
وردا على سؤال عن العدد المتزايد للأشخاص الذين يغادرون مصر متجهين إلى أوروبا، قالت "نحن محاطون بدول تعاني من أزمات... وأمر جيد أن الأعداد ليست أكبر من ذلك".
ويقدم الاتحاد الأوروبي تمويلا لمراقبة الحدود في مصر، ويرى أن نقص الفرص الاقتصادية وتغير المناخ في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 104 ملايين نسمة وتعتبر صحراوية إلى حد كبير سيجعل على الأرجح تدفق المهاجرين يتزايد في الأمد البعيد.
وعندما غادر مصطفى عبد السلام (19 عاما) بيته أخبر عائلته بأنه سيبحث عن عمل في ليبيا، لكنه انضم أيضا إلى أولئك الذين يحاولون عبور البحر.
وقالت هالة، شقيقة مصطفى الذي كان هو الآخر على متن سفينة الصيد التي غرقت قبالة الساحل اليوناني ولم يتم العثور له على أثر "الضيقة هي اللي خلته يسافر، مكنش لاقي شغل خالص... دي مش عيشة اللي احنا عايشنها، محدش حاسس بينا... الناس بتموت بالبطىء".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
ترامب والمركزي الأميركي.. سيناريوهات محفوفة بالمخاطر في 2025
تعود الأنظار مجددا إلى العلاقة المتشابكة بين الاحتياطي الفدرالي الأميركي والسياسات الاقتصادية مع انتخاب دونالد ترامب لفترة رئاسية ثانية في عام 2024.
هذه العلاقة لم تكن دائما سهلة، إذ تكررت الانتقادات الحادة من ترامب للاحتياطي الفدرالي خلال فترته الأولى.
ومع دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة حاسمة من التعافي بعد أزمة تضخم كبيرة فإن تأثير السياسات المالية والإصلاحات الاقتصادية الجديدة قد يشكل تحديا عميقا لصانعي السياسة النقدية في الاحتياطي الفدرالي.
معدلات الفائدة.. بين الاستقرار والمخاطروفي عام 2023 رفع الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة إلى 5.5%، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عقدين استجابة لتضخم وصل إلى 9.1% في منتصف 2022.
ترامب أعلن فور توليه منصبه أن تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق العام سيكونان محورين رئيسيين في سياسته الاقتصادية (شترستوك)لكن مع تراجع التضخم تدريجيا إلى 3.2% بنهاية 2024 بدأ الاحتياطي في خفض الفائدة مرتين ليتراوح بين 4.25% و4.50%.
هذا التوجه يعكس تحولا نحو تحفيز الاقتصاد، وسط مؤشرات على تباطؤ النمو، ومع ذلك فإن ترامب أعلن فور توليه منصبه أن خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العام سيكونان محورين رئيسيين في سياسته الاقتصادية، مما أثار مخاوف من عودة الضغوط التضخمية.
إعلانوعلى الرغم من توقع الاحتياطي الفدرالي خفض معدلات الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس إضافية خلال 2025 فإن تبني سياسات مالية توسعية قد يغير هذا السيناريو.
ووفقا لديان سونك كبيرة الاقتصاديين في "كيه بي إم جي"، فإن السياسات المالية العدوانية يمكن أن "تقيد الاحتياطي الفدرالي" وتضعه في موقف يجبره على رفع الفائدة مجددا لكبح التضخم.
السياسات المالية وتأثيرها على الاقتصاد الكلي خفض الضرائب وزيادة العجزأحد أبرز وعود ترامب هو تمديد العمل بقانون تخفيض الضرائب والوظائف لعام 2017، والذي كان له تأثير كبير على تقليل الضرائب على الأفراد والشركات.
هذا القانون رغم تحفيزه النمو الاقتصادي بنسبة 0.4% سنويا أدى إلى زيادة العجز الفدرالي بقيمة 1.5 تريليون دولار على مدى 10 سنوات، وإذا تم تمديد هذه التخفيضات فإنها قد تعزز السيولة في الأسواق، ولكنها ستضيف ضغوطا تضخمية جديدة قد تدفع الاحتياطي إلى تبني سياسات أكثر تشددا.
التعريفات الجمركية وحرب تجارية متجددةوفي إطار سياسة "أميركا أولا" يخطط ترامب لإعادة فرض تعريفات جمركية تصل إلى 25% على الواردات الصينية.
هذه الخطوة قد تزيد تكاليف الإنتاج للشركات الأميركية وترفع الأسعار على المستهلكين، مما يؤدي إلى زيادة التضخم بنحو 0.5%-0.8% خلال العام الأول من تطبيقها وفقا لتقييمات حديثة أجرتها بلومبيرغ.
فرض التعريفات الجمركية قد يؤدي إلى زيادة التضخم بنحو 0.5%-0.8% خلال العام الأول من تطبيقها (الفرنسية)ومع توقع تأثير التعريفات على الأسواق العالمية قد تواجه الاقتصادات الناشئة تحديات إضافية تتمثل في انخفاض تدفقات رؤوس الأموال وتدهور قيمة العملات المحلية كما حدث سابقا مع تركيا والأرجنتين.
التوسع في الوقود الأحفوريوفي قطاع الطاقة، يتطلع ترامب إلى تعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، مما قد يخفض تكاليف الطاقة بنسبة 10% ويحفز الإنتاج الصناعي.
لكن وفقا لمارك زاندي كبير الاقتصاديين في "موديز أناليتيكس"، فإن هذه السياسات رغم تحقيقها نموا اقتصاديا قصير الأجل قد تؤدي إلى عدم استدامة على المدى الطويل.
إعلان الانعكاسات العالمية والمحليةالتأثيرات المحتملة للسياسات الأميركية لا تقتصر على الداخل، بل تمتد لتشمل الاقتصادات العالمية، خصوصا مع اعتماد البنوك المركزية العالمية على سياسات الاحتياطي الفدرالي معيارا لاستقرار العملات.
ورفع البنك المركزي الأوروبي -على سبيل المثال- معدلات الفائدة إلى 4.5% في 2024 محاكاة للتوجه الأميركي.
ومع تخفيض الفدرالي الفائدة قد يشهد العالم استقرارا أكبر في الأسواق المالية.
في المقابل، فإن ارتفاع الدولار المتوقع نتيجة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية قد يفاقم عجز الميزان التجاري الأميركي ويضعف تنافسية الصادرات.
كما أن تكرار سياسات الحماية التجارية قد يؤدي إلى تصاعد التوترات مع الشركاء التجاريين مثل كندا والاتحاد الأوروبي، مما يزيد تعقيد المشهد الاقتصادي.
التحديات أمام الأسر الأميركية والقطاعات الاقتصادية سوق الإسكان والرهون العقاريةورغم انخفاض معدلات الفائدة فإن سياسات ترامب قد تؤدي إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل، والتي تعد المعيار الأساسي لتحديد معدلات الرهون العقارية.
الإنفاق الاستهلاكي قد يشهد نموا محدودا في ظل ارتفاع التعريفات الجمركية وتراجع القوة الشرائية (الفرنسية)وهذا قد يبقي تكاليف الاقتراض مرتفعة ويضعف الطلب على المنازل، مما يزيد تحديات سوق الإسكان.
الإنفاق الاستهلاكي والعملالإنفاق الاستهلاكي -الذي يمثل 68% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي- قد يشهد نموا محدودا في ظل ارتفاع التعريفات الجمركية وتراجع القوة الشرائية.
وفي الوقت نفسه، فإن السياسات المناهضة للهجرة قد تقلص المعروض من العمالة وتدفع الأجور إلى الارتفاع، مما يزيد صعوبة إدارة التضخم.
سيناريوهات مستقبلية سيناريو النمو المدعوم بالتحفيز الماليفي هذا السيناريو، تؤدي سياسات ترامب التوسعية مثل تمديد تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق على البنية التحتية إلى انتعاش اقتصادي سريع ونمو قوي، لكن ذلك يصاحبه تضخم وعجز مالي متزايد، مما يهدد استدامة هذا النمو على المدى الطويل.
سيناريو التضخم المرتفع إعلاننتيجة للسياسات المالية والجمركية العدوانية يشهد الاقتصاد موجة تضخمية حادة تؤثر على القدرة الشرائية وتزيد تكلفة الإنتاج، مما يضطر الاحتياطي الفدرالي إلى تشديد السياسة النقدية، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية خطيرة محلية وعالمية.
قد تتأثر سلاسل التوريد العالمية وتضعف الصادرات الأميركية في حال ارتفاع الدولار (شترستوك) سيناريو الاستقرار النسبيفي هذا السيناريو الأكثر تفاؤلا تنجح الإدارة الأميركية في تنسيق سياساتها المالية مع الاحتياطي الفدرالي، مما يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام مع معدلات تضخم معتدلة، مع استقرار الأسواق المالية العالمية.
سيناريو الركود الاقتصاديفي حال أدت السياسات المالية غير المنضبطة إلى ضغوط على الاحتياطي الفدرالي لرفع معدلات الفائدة بشكل كبير يدخل الاقتصاد الأميركي في ركود نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي وارتفاع البطالة، مما يضر بالشركات الصغيرة والأسواق الناشئة.
سيناريو التوترات الجيوسياسيةمع تصاعد التوترات التجارية الناتجة عن سياسات ترامب الحمائية تتأثر سلاسل التوريد العالمية وتضعف الصادرات الأميركية بسبب ارتفاع الدولار، مما يؤدي إلى اضطرابات في التجارة العالمية وزيادة التقلبات بالأسواق المالية.