ضاق الحال بوليد الدجوي، بعدما أصبحت حرفة السباكة التي يمتهنها لا تدر ما يكفي لإعالة أسرته التي تعيش بمنطقة الدلتا في شمال مصر، فقرر عبور الحدود إلى ليبيا واستقل من هناك سفينة صيد قديمة ومكتظة متجهة إلى أوروبا.

وفي يونيو، وعلى بعد أميال قليلة من الساحل اليوناني، غرقت السفينة وعلى متنها المئات، من بينهم مصريون ممن أصبحوا يقبلون بأعداد متزايدة على الرحلة المحفوفة بالمخاطر في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في بلدهم.

 

ونجا عدد قليل، لكن وليد (32 عاما) كان من بين كثيرين اختفوا ولم يعثر لهم على أثر.

وقال محمد الدجوي، والد وليد لـ"رويترز"، في قريته ميت سهيل حيث المنازل متواضعة ومبنية بالطوب الأحمر وسط الحقول "هيعمل إيه، مش قادر يصرف على ولاده... واتديَن (استدان)".

ووليد لم يكن الوحيد، ويقول والده "قلة الشغل وغلو الأسعار يوم عن يوم، مبقاش في رقابة على الأسعار... العيال غووا بعض وهو اتخنق... هيتسلّف؟ هيسرق؟ قال أخاطر بحياتي".

محمد الدجوي يعرض صورة ابنه وليد أحد المهاجرين المصريين الذين لقوا حتفهم بعد انقلاب قارب بالقرب من شواطئ اليونان في يونيو

وتزايدت أعداد المصريين الذين يغادرون إلى الخارج وتحدوهم الآمال في العثور على فرص عمل وسط ما تشهده البلاد من ارتفاع في التضخم لمستويات قياسية وانخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات البطالة وفرض الحكومة المثقلة بالديون قيودا على الإنفاق.

وتظهر بيانات وزارة الداخلية الإيطالية أن أكثر من ثمانية آلاف من الذين وصلوا بحرا منذ بداية العام إلى البلاد قالوا إنهم مصريون. 

وكانت إيطاليا أيضا وجهة السفينة التي أبحر عليها وليد.

وكان العدد في 2022 عند 20542، مما جعل المصريين يمثلون الجنسية الأكبر التي وصل حاملوها إلى إيطاليا في ذلك العام. 

وتأتي هذه الأرقام مقابل 1264 فقط في عام 2020. 

وقالت الوزارة الإيطالية إن طلبات اللجوء المقدمة من مصريين قفزت هي الأخرى.
وتزامن الارتفاع الكبير في أعداد المغادرين من مصر في السنوات الماضية مع تدهور اقتصاد البلاد.

وقد ألقت جائحة كورونا بثقلها على قطاع السياحة الأساسي في مصر وأدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة عزوف المستثمرين عن المخاطرة، مما دفعهم للابتعاد عن الأسواق المصرية،

ويرى خبراء أن مصر تضررت أيضا من ارتفاع الدين الناجم عن الإنفاق الحكومي الهائل على المشروعات الضخمة، بما في ذلك العاصمة الجديدة.

حافلة صغيرة إلى ليبيا

نجحت السلطات المصرية إلى حد كبير في منع إبحار قوارب المهاجرين من السواحل الشمالية للبلاد منذ عام 2016، لكن من يتوقون إلى المغادرة عثروا على مسارات أخرى.

ويقول أقارب للمهاجرين، الذين يمكن الوصول إليهم بسهولة في البلدات والقرى في شمال البلاد مثل ميت سهيل، إن من يريدون المغادرة يتوجهون الآن إلى الجارة ليبيا، المنتجة للنفط والتي كانت في الماضي وجهة مفضلة للعمل ولكنها لم تعد كذلك بعد عقد من الصراعات.

وساهمت الفوضى التي شهدتها ليبيا منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي في ازدهار نشاط تهريب البشر.

ويغادر الآن عدد أكبر من قوارب المهاجرين من شرق ليبيا، القريب من مصر، مقارنة بقوارب المهاجرين التي تنطلق من غرب الدولة المنقسمة.

وتجوب الحافلات الصغيرة الطريق المؤدي إلى الحدود الليبية لتقل الراغبين في الهجرة. 

وعادة ما تتحمل العائلات التي يتركها أبناؤها فاتورة الرحلة إلى أوروبا التي تصل إلى 4540 دولارا، ويتم تسليم الأموال بمجرد عبور المهاجر الحدود المصرية.

والدة محمد غنام أحد المهاجرين المصريين الذين لقوا حتفهم بعد انقلاب قارب بالقرب من شواطئ اليونان في يونيو

وقال عادل غنام (25 عاما)، وهو نجار من ميت سهيل، وكان شقيقه البالغ من العمر 19 عاما أحد ركاب السفينة المنكوبة في يونيو"الموضوع سهل... الميكروباص بييجي على موقف بلدك يقول ليبيا... وبتدخل ليبيا وبيستقبلوك أحسن استقبال وبعد ما بياخدوا الفلوس بيطلعوا عين أهل اللي جابوه".

وكان شقيقه محمد يحقق دخلا بسيطا من العمل في متجر للحلوى ويتعلم في الوقت ذاته إصلاح الهواتف المحمولة، لكنه قرر اللحاق بثلاثة من أقاربه تمكنوا من الوصول إلى إيطاليا.

دول في أزمات

ويقول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومسؤولون آخرون إن مصر تبذل ما في وسعها لوقف تدفق المهاجرين. 

لكنهم يقولون إن الأمر صعب بالنظر إلى موارد البلاد المحدودة بسبب استضافتها لملايين الأجانب، ومن بينهم أكثر من 300 ألف شخص فروا من الحرب في السودان منذ أبريل.

وتقول رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، نائلة جبر، إن المشكلات الاقتصادية في الشرق الأوسط تدفع المزيد من الأفراد للقيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر.

وردا على سؤال عن العدد المتزايد للأشخاص الذين يغادرون مصر متجهين إلى أوروبا، قالت "نحن محاطون بدول تعاني من أزمات... وأمر جيد أن الأعداد ليست أكبر من ذلك".

ويقدم الاتحاد الأوروبي تمويلا لمراقبة الحدود في مصر، ويرى أن نقص الفرص الاقتصادية وتغير المناخ في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 104 ملايين نسمة وتعتبر صحراوية إلى حد كبير سيجعل على الأرجح تدفق المهاجرين يتزايد في الأمد البعيد.

وعندما غادر مصطفى عبد السلام (19 عاما) بيته أخبر عائلته بأنه سيبحث عن عمل في ليبيا، لكنه انضم أيضا إلى أولئك الذين يحاولون عبور البحر.

وقالت هالة، شقيقة مصطفى الذي كان هو الآخر على متن سفينة الصيد التي غرقت قبالة الساحل اليوناني ولم يتم العثور له على أثر "الضيقة هي اللي خلته يسافر، مكنش لاقي شغل خالص... دي مش عيشة اللي احنا عايشنها، محدش حاسس بينا... الناس بتموت بالبطىء".

المصدر: الحرة

إقرأ أيضاً:

FT: أردوغان يخوض رهانا محفوفا بالمخاطر بشأن السلام مع الأكراد

نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، تقريرًا، يسلّط الضوء على محاولة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التوصّل لاتفاق لإنهاء الصراع مع الأكراد؛ مبرزًا دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل، عبد الله أوجلان، أتباعه، لإنهاء الكفاح المسلح، ما قد يحقق لأردوغان دعمًا سياسيًا حاسمًا رغم وجود تحديات كبيرة أمام تحقيق هذا السلام.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنّ: "الهجوم الذي وقع في تشرين الأول/ أكتوبر على مقر شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية كان تذكيرًا صارخًا بأن حزب العمال الكردستاني لا يزال يشكل تهديدًا مميتًا على الرغم من الحملة العسكرية التي لا هوادة فيها ضد مسلحيه".

وتابع: "الآن، بعد أربعة عقود من القتال وفقدان 40 ألف شخص، يلوح في الأفق أمل حذر بشأن إمكانية انتهاء الصراع الذي يطارد تركيا، ففي يوم الخميس الماضي، دعا عبد الله أوجلان، الذي أسّس حزب العمال الكردستاني سنة 1978 ويقضي عقوبة السجن مدى الحياة، أتباعه، إلى إلقاء أسلحتهم وحلّ الحزب".

وأبرز: "في حال استجاب حزب العمال الكردستاني لدعوة أوجلان، فإنّ ذلك سيحقق لأردوغان تحولًا سياسيًا قد يضمن لأطول زعيم تركي في الحكم دعمًا حيويًا من المشرعين المؤيدين للأكراد".

وأشارت الصحيفة إلى أنّ: "الحاجة إلى حل النزاع أصبحت أكثر إلحاحًا بعد أن أطاحت القوات المدعومة من تركيا بنظام الأسد في سوريا؛ حيث يمكن أن تقوض جماعة مسلحة يهيمن عليها الأكراد جهود أردوغان للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد".

واسترسلت: "غير أن هذا المسعى محفوف بالمخاطر؛ فقد انهارت آخر محاولة قام بها أردوغان للتفاوض على حل سياسي مع حزب العمال الكردستاني في عام 2015 في أسوأ قتال منذ عقود".


"قد جرت المحادثات الأخيرة مع أوجلان خلف جدار من السرية، ومن غير المعروف ما الذي يرغب أي من الطرفين في التنازل عنه، وقد قال حزب العمال الكردستاني إنه يأمل في إطلاق سراح أوجلان، وسعى في الماضي إلى إصدار عفو واسع النطاق عن المقاتلين في صفوفه" بحسب التقرير نفسه.

وأشار إلى قول الجماعة، السبت، إنها ستعلن وقف إطلاق النار استجابة للدعوة ولكن نزع السلاح يتطلب "قيادة عملية" من أوجلان، وذلك وفقًا لبيان صادر عن اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني، نُشر على مواقع إخبارية مقربة من الجماعة.

وأوضحت الصحيفة أنّ: "الكثير من أكراد تركيا، البالغ عددهم 17 مليون نسمة، ينظرون إلى أوجلان باعتباره القائد الرمزي للنضال من أجل حقوق الأكراد"، وقال في مناشدته، إنّ: حزب العمال الكردستاني تأسّس عندما كانت "السياسة الديمقراطية" محرمة على الأكراد، لكن قبول تركيا للهوية الكردية والتحسينات الأخرى تعني أن حزب العمال الكردستاني: "قد أكمل عمره الافتراضي وبات حله ضروريًا".

وأردف: "قدرة أوجلان على التأثير على مقاتلي حزب العمال الكردستاني البالغ عددهم نحو 5,000 مقاتل سوف تكون الآن على المحك".

وذكرت الصحيفة أنّ: "المحاولة الأخيرة لتأمين السلام تضمّنت مناقشات حول تعزيز الحقوق الثقافية والسياسية للأكراد، لكنها انهارت بعد أن فاز حزب سياسي مؤيد للأكراد بأكبر حصة من الأصوات على الإطلاق، وحرم حكومة أردوغان من الحكم".

واسترسلت: "ردّ الجيش التركي بهجوم شرس في جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية في جنوب شرق البلاد، وطرد حزب العمال الكردستاني الذي تقلص حجمه إلى حد كبير".


ووفق الباحث في المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول في إسطنبول، جمعة تشيتشك، فإنّ: "التركيز على نزع سلاح حزب العمال الكردستاني دون معالجة المظالم الكردية قد يقضي على الجهود الرامية إلى تأمين سلام طويل الأمد".

وقال تشيتشك، الذي ألّف كتابًا عن الصراع والمحاولات السابقة لإحلال السلام، إنّ: "القضية الكردية أكبر من مجرد حزب العمال الكردستاني، وأن التوصل إلى حل دائم يتطلب إرساء الديمقراطية والقضاء على التفاوت الاقتصادي والتمييز الذي يواجهه الأكراد".

وأوضح التقرير: "لم يتقدم أوجلان بأية مطالب للحكومة، ولكن حزب الشعوب الديمقراطي والمساواة، ثالث أكبر كتلة برلمانية، والذي يتألف أغلب أعضائه من الأكراد، ظل لفترة طويلة يطالب بتعليم اللغة الكردية وإطلاق سراح آلاف الساسة والناشطين من السجون".

إلى ذلك، نقلت الصحيفة عن بعض المحللين أنّ: "أردوغان قد يضطر إلى تلبية بعض أهداف الحزب الديمقراطي من أجل الفوز بدعمه إما لتغيير الدستور لإلغاء القيود على مدة الولاية أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، إذا ما ترشح للرئاسة مرة أخرى".

وأضافت: "كما يمكن أن يؤدي تحقيق السلام مع حزب العمال الكردستاني إلى تحقيق تقدم كبير في مهمة أردوغان لتحقيق الاستقرار في سوريا في ظل حكومة جديدة صديقة؛ حيث تعدّ قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة هي التهديد الأكبر لهؤلاء الحكام الجدد، والتي يهيمن عليها الأكراد والمقربة من حزب العمال الكردستاني".

ووفقا لمدير مركز الدراسات الكردية في ديار بكر، ريها روهافي أوغلو، فإنّ: "النجاح مع حزب العمال الكردستاني سوف يمهد الطريق للمصالحة مع أكراد سوريا"، مبرزا: "غير أن إقناع قوات سوريا الديمقراطية بالتراجع لن يكون سهلُا أيضُا".

وأشار: "قال قائدها مظلوم عبدي، يوم الخميس، إنه يرحب بدعوة أوجلان -التاريخية- إلا أنه ليس لنا علاقة بها في سوريا". فيما أشارت الصحيفة إلى أنّ: "أردوغان يأمل على الأرجح أن يساعد السلام في الداخل في إقناع واشنطن بالتخلي عن دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، وأعربت إدارة ترامب عن أملها في أن تخفف دعوة أوجلان من مخاوف تركيا بشأن الجماعة السورية".


وتابعت: "سواء نجحت مناورة أردوغان أو انتهت بمزيد من العنف، فإن الرئيس التركي سيكون "الرابح الأكبر" في نهاية المطاف، بحسب غونول تول، مديرة برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن".

وختمت بالقول: "لكن بالنسبة لفاطمة، وهي عاملة نسيج تبلغ من العمر 42 سنة توفي شقيقها الذي كان يقاتل في صفوف حزب العمال الكردستاني، فإن رسالة أوجلان تقدم أول بصيص أمل منذ عقد من الزمن: للأكراد والأتراك الذين سئموا الحرب".

مقالات مشابهة

  • وزير داخلية إيطاليا: ملتزمون بالتعاون مع ليبيا لمنع تدفقات المهاجرين
  • البركي: دعوة الكوني لتقسيم ليبيا مرفوضة وترتبط بأجندات خارجية
  • بالتعاون مع ليبيا.. أمريكا تنفّذ عملية عسكرية «غير مسبوقة»
  • الرجل السوداني البطل… والمرأة التي تدفع الثمن!
  • ليبيا: تدفقات هائلة للاجئين السودانيين إلى مدن جنوب البلاد وتوقعات بوصول عشرات الآلاف خلال العام
  • ليبيا.. استقرار الأوضاع في مدينة الأصابعة بعد حرائق غامضة
  • للمرة الأولى.. تشكيل مركز دراسات لأمن الحدود بين غرب وشرق ليبيا
  • FT: أردوغان يخوض رهانا محفوفا بالمخاطر بشأن السلام مع الأكراد
  • الكوني لـ “السفير البريطاني”: العمل بنظام الأقاليم الثلاثة طريق استقرار ليبيا
  • «الكوني» يؤكد: العمل بنظام «الأقاليم الثلاثة» طريق استقرار ليبيا