في الوقت الذي وصلت فيه أوضاع ومعيشة اليمنيين إلى مرحلة هي الأصعب من التدهور والانحدار على كافة المستويات مع وصول تأثيرات ذلك إلى الأسواق التجارية، تنشغل أطراف الصراع ببسط نفوذها وهيمنتها على المناطق التي تديرها لتقوية موقفها في مفاوضات تقاسم كعكة الثروات الطبيعية والعائدات النفطية.

 

وتتوالى التقارير والبيانات والإحصائيات الأممية والدولية والمحلية منذ مطلع سبتمبر/ أيلول 2023، والتي تبرز تبعات الصراع الكارثية على اليمنيين وسط تحذيرات متصاعدة من التقاعس الحاصل في الجهود الإقليمية والدولية وانخفاض المساعدات والتمويلات الموجهة للتخفيف من حدة الأزمة الغذائية.

 

ويعيش اليمن الذي يمر بأسوأ عام على المستويات الاقتصادية والإنسانية منذ بدء الصراع في البلاد قبل نحو ثمانية أعوام، على وقع تضخم تبعات هذا الصراع وتسببه بخسائر فادحة في حياة وصحة الشعب اليمني وآفاقه الاقتصادية، حيث تشير آخر التقديرات إلى أن حوالي 377 ألف شخص فقدوا حياتهم بسبب الآثار المباشرة وغير المباشرة للصراع في اليمن بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقرير صادر في العام الماضي 2022، منهم أطفال دون سن الخامسة يمثلون نحو ثلثي القتلى.

 

الأهم في هذا الخصوص كما تشير هذه التقديرات أن نصف إجمالي عدد الذين فقدوا حياتهم، ماتوا لأسباب غير مباشرة مثل نقص الغذاء أو الرعاية الصحية، أو البنية التحتية.

 

تدهور الأوضاع الإنسانية

 

أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز محمد قحطان، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن استمرار الاقتصاد اليمني بالتدهور يعكس ضعف التدخلات والسياسات والمساعدات للحد من تدهوره وتخفيف حدة تبعاته، إذ إن التركيز على الجانب العسكري في المساعدات واستحواذه على الجزء الأكبر من الاهتمام على حساب الجانب الاقتصادي كان له تأثير سلبي على جهود التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية في اليمن.

 

فرض ذلك وفق قحطان، تحديات جديدة تمثلت في تعدد التشكيلات العسكرية وتمزيق البلاد بين هذه التشكيلات، في حين استمر التدهور الاقتصادي بوتيرة عالية منذ بداية الحرب وحتى الوقت الحالي، ما أدى إلى تواصل انحدار الأوضاع الإنسانية لمستويات قياسية لدرجة أن اليمن أصبح يوصف بأنه الأسوأ في المعاناة الإنسانية للمواطنين على المستوى الدولي.

 

تقلص الشراء

 

استطلع "العربي الجديد"، وضعية عينة من اليمنيين في مناطق مختلفة خاضعة لسلطات متعددة في كل من صنعاء والمحويت، عدن وحضرموت، وكذا تعز والمخاء، إذ يشترك الجميع في المعاناة بنسب متفاوتة لكنها متقاربة من القسوة بشكل كبير، في حين أفاد كثير ممن تم استطلاعهم بأن حركة تواصلهم بالأسواق تراجعت بصورة واضحة بسبب انعدام السيولة لديهم مع ارتفاع الأسعار بالرغم من الركود النسبي الحاصل في الأسواق.

 

يقول المواطن سعيد القباطي، لـ"العربي الجديد"، إن كثيرا من الأسر لا تجد قوت يومها حيث أصبحت تعيش على الكفاف، في حين يؤكد المواطن حمدي ناصر أن تركيز الكثير من اليمنيين ليس على الأكل وتوفير الوجبات اليومية بل على إطفاء لهيب الجوع وفق تعبيره، وهو نفس تعبير المواطن بشير جمال الذي يتحدث عن تقلص حركتهم في الذهاب إلى الأسواق ومخازن بيع الغذاء.

 

معظم المؤشرات العالمية حول الجوع والأمن الغذائي الصادرة منذ مطلع العام الحالي 2023 ترسم صورة قاتمة للوضع في اليمن، حيث تكافح الأسر لكسب لقمة العيش وتوفير تكاليف الغذاء والخدمات الأساسية منذ ما قبل تصاعد الصراع، عدا عن تفاقم المعاناة، خلال الفترة الماضية، من انعدام الأمن الغذائي الحاد على أساس الجغرافيا والنزوح.

 

ويعكس الركود الذي تمر به الأسواق التجارية في عموم مدن اليمن مستوى التدهور الذي وصلت إليه الأوضاع المعيشية والاقتصادية وشح السيولة المالية التي تكاد تنعدم لدى شريحة واسعة من اليمنيين، وسط غياب دور الأجهزة الحكومية في هذا الصدد.

 

تهاوي العملة المحلية

 

لجأ اليمنيون، الذين يعيشون في ظروف حرب صعبة منذ ما يقرب من عقد من الزمان، إلى استراتيجيات تكيف مبتكرة، ولكن مدمرة في كثير من الأحيان.

 

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي قد انخفض إلى النصف تقريباً منذ بداية الصراع، على الرغم من حدوث انتعاش طفيف في عام 2022 .

 

الباحث الاقتصادي مجد إبراهيم، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن تدهور سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية يعد في طليعة الأسباب والعوامل التي أثرت على تفاقم الأوضاع المعيشية، إذ لا يمكن إغفال عامل فقدان العملة المحلية قيمتها بنسبة كبيرة في التدهور الاقتصادي الذي دفع الحكومة إلى الاعتماد بنسبة كبيرة في الإيرادات على التمويلات والمنح والودائع الخارجية بهدف توفير احتياطي نقدي لمساعدة السلطات على مواجهة تدهور العملة والسيطرة على الأسواق ووقف المضاربة، لكن ذلك لم يحقق أي أثر مع استمرار العملة بالتدهور والاضطراب ملقية بتبعاتها على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لليمنيين.

 

وركزت مباحثات مسؤولين حكوميين في عدن خلال الأسبوع الماضي، مع ممثلي ووفود منظمات أممية على أهمية مضاعفة الجهود لمواجهة تحديات الوضع الأمن الغذائي ووضع الحلول والمعالجات المناسبة في ظل متطلبات الحاجة الملحة التي تستدعي سرعة تلبية الاحتياجات التموينية للشعب اليمني، إضافة إلى تعزيز التنسيق بين الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية لضمان وصول المساعدات للمحتاجين ومواجهة أزمة انعدام الأمن الغذائي في البلاد.

 

ويذكر بيان صادر في 20 سبتمبر/ أيلول عن أربع وكالات أممية اطلع عليه "العربي الجديد"، أن أكثر من 21.6 مليون شخص، أي 75%من سكان اليمن، ممن أرهقتهم سنوات الحرب الثماني يحتاجون إلى مساعدات، منهم 17 مليون شخص في فقر مدقع نتيجة انعدام الأمن الغذائي. ويشمل ذلك 6.1 ملايين شخص في مرحلة الطوارئ بموجب التصنيف الأممي المتكامل للأمن الغذائي، بينما حذرت الوكالات الأممية من أن نقص التمويل الذي لا يزال يثير قلق المجتمع الإنساني في اليمن، مع وجود فجوة تمويلية ضخمة تزيد من تفاقم الوضع.

 

كما يواجه اليمن نقصاً حاداً في المياه لأغراض الإنتاج الزراعي والاستخدام البشري، ويحتاج ما يقرب من 15 مليون شخص المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي، حسب تقارير دولية.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن اقتصاد نقص الغذاء الأزمة اليمنية العربی الجدید الأمن الغذائی فی الیمن

إقرأ أيضاً:

محافظ قنا يتفقد السلاسل التجارية بشكل مفاجئ لمتابعة توافر السلع واستقرار الأسعار

 تفقد محافظ قنا الدكتور خالد عبد الحليم، عددا من فروع السلاسل التجارية والهايبرات، بمدينة قنا، بشكل مفاجئ مساء اليوم الأحد، في إطار جولاته الميدانية المستمرة لمتابعة الأسواق ومتابعة توافر السلع الغذائية الأساسية واستقرار الأسعار، وذلك تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بضرورة إحكام الرقابة على الأسواق، والتأكد من التزام التجار بالأسعار المحددة وفق القائمة الاسترشادية الصادرة عن وزارة التموين والتجارة الداخلية، بما يضمن تخفيف الأعباء عن المواطنين، خاصة خلال شهر رمضان المبارك.


رافق المحافظ خلال الجولة الدكتور حازم عمر، نائب المحافظ، وحسن القط، وكيل وزارة التموين والتجارة الداخلية بقنا، ومحمد حلمي، رئيس مركز ومدينة قنا، والعميد تامر النجار، مدير مباحث التموين، وعدد من القيادات التنفيذية بالمحافظة.


وخلال الجولة، اطمأن محافظ قنا، على توافر السلع التموينية الأساسية والاستراتيجية، مثل الزيت والسكر والدقيق والأرز والبقوليات واللحوم والدواجن، مؤكدًا على ضرورة استمرار ضخ كميات إضافية من السلع الأساسية في المنافذ والمعارض، لضمان تلبية احتياجات المواطنين، لا سيما الأسر الأكثر احتياجًا.


كما حرص الدكتور خالد عبد الحليم، على تهنئة المواطنين بحلول شهر رمضان المبارك، مستمعًا إلى آرائهم حول مدى توافر السلع الغذائية بأسعار مناسبة، مؤكدا أن معارض "أهلاً رمضان" منتشرة في جميع مراكز وقرى المحافظة، حيث تتراوح التخفيضات بها بين 15 إلى 25%، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بتوفير السلع الأساسية والرمضانية طوال الشهر الفضيل بأسعار مخفضة، مما يسهم في تقليل الأعباء الاقتصادية على المواطنين.


وفي ختام الجولة، شدد محافظ قنا على الأجهزة التنفيذية بالتنسيق المستمر مع الجهات الرقابية لتكثيف الحملات على الأسواق والمنافذ التجارية، والتأكد من توافر كميات كافية من السلع الغذائية ومنتجات اللحوم والدواجن بأسعار مناسبة، مع التصدي لأي محاولات للتلاعب بالأسعار، لضمان تحقيق التوازن في الأسواق، وتمكين المواطنين من الحصول على احتياجاتهم بسهولة وبأسعار تنافسية.
 

مقالات مشابهة

  • ترامب يهدد كندا بمزيد من التصعيد في الحرب التجارية
  • ارتفاع درجات الحرارة يهدد قاعدة شبكة الغذاء في المحيطات
  • اليمن يودع الفقر.. اكتشاف كميات كبيرة من الألماس والمناطق الغنية بالكنوز والثروات
  • إطلاق منصة لرصد التسمم الغذائي وآلية جديدة لسلامة مُوصلي الطعام
  • تحرير 3320 محضراً خلال حملات تموينية مفاجئة الأنشطة التجارية بالشرقية| صور
  • اليورو ينهار والدولار يطير وسط تصاعد التوترات التجارية
  • محافظ قنا يُفاجئ عددًا من السلاسل التجارية لمتابعة توافر السلع واستقرار الأسعار
  • محافظ قنا يتفقد السلاسل التجارية بشكل مفاجئ لمتابعة توافر السلع واستقرار الأسعار
  • ميليشيا الحوثي تسرق فرحة اليمنيين برمضان.. تجويع ممنهج ونهب للإيرادات وحرمان الموظفين من رواتبهم
  • انعدام الأمن الغذائي يهدد السكان و يفتك بالأطفال في 7 محافظات يمنية