لماذا تتعثّر سياسة بكين في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
رغم الإنجازات الدبلوماسية المحدودة هذا العام، تجد الصين صعوبة في التعامل مع الصراعات والتوترات المزمنة في الشرق الأوسط.
العلاقات مع بغداد تواجه مزيداً من المخاطر
على نحو ما اكتشفت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قبل نصف قرن من الزمان، تجد الصين في تعميق ارتباطها بالشرق الأوسط أمراً محبطاً أكثر من كونه مجزياً، وفق د.
وتعد الطاقة والمصالح الاقتصادية والأمن الأهداف الرئيسية للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط. وتسعى سياسة بكين الخارجية، التي تحاكي سياسة واشنطن في خمسينيات القرن الماضي، إلى تقليل اعتمادها في مجال الطاقة على بلد أو ائتلاف واحد وتعويض المخاطر الكامنة في التعامل مع أنظمة حاكمة غير مستقرة وتكتلات إقليمية. علاقات متوازنة مع الثنائيات المتنافسة
وأوضح الكاتبان في مقال مشترك بموقع مجلة "ناشونال إنترست" أن استراتيجية تخفيف المخاطر التي تنتهجها الصين تعني إقامة علاقات متوازنة مع الثنائيات المتنافسة تاريخيّاً، كالمملكة العربية السعودية وإيران، وهذا كله يضعها على طرفي نقيض مع إسرائيل. والحل الذي تقدمه بكين للتناقض الواضح الذي تنطوي عليه مغازلة الخصوم هو جرعة كبيرة من التجارة والاستثمار مع عرضها في الوقت نفسه، بلا صدق، الوساطة في التوترات الإقليمية.
No worries, as Beijing's Near East foreign policy is doing more poorly than either the Soviet Union's or the U.S.'s, because of its dependence on fossil fuels from the Persian Gulf. https://t.co/3xYubcZRmj
— Julian Spencer-Churchill (@Ju_Sp_Churchill) October 4, 2023
وعلى الرغم من إعلان بكين عن مساهمتها في التقارب الإيراني السعودي في أبريل (نيسان) 2023، إلا أن هذا التطور يمكن وصفه بأنه وقف لإطلاق النار أمكن التوصل إليه خصوصاً بخمود الصراع في اليمن.
العلاقات الصينية الإيرانية
وطلبت بكين عدم نشر محتويات اتفاقيتها التي تدوم خمساً وعشرين سنة مع إيران، على الأرجح بسبب تبعاتها السلبية على العلاقات الصينية السعودية، وإنْ كانت صحيفة نيويورك تايمز تمكّنت من الحصول على مسودة منها.
وتركز هذه الاتفاقية على تبادل الاستثمارات الصينية كجزء من مبادرة الحزام والطريق من أجل صادرات نفطية آمنة. والشيء الذي لم يتغير هو إصرار الصين على كبح إيران أي تحرك نحو الأسلحة النووية، وهو شيء تسعى إليه في المقام الأول لطمأنة شركائها العرب في الخليج.
وتعد إيران جسراً جيوسياسياً ثميناً لو مدت الصين خطوط الأنابيب الاستراتيجية وخطوط السكك الحديدية عبر باكستان أو آسيا الوسطى وصولاً إلى منطقة البحر الأسود أو شرق البحر الأبيض المتوسط. وأثناء زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين، وصفت صحيفة "تشاينا ديلي" إيران بأنها "بلد مثالي في منطقة الشرق الأوسط للنهوض بمشروع الحزام والطريق، وفي المقابل، سيكون التعاون مع الصين أساسيّاً لتحقيق التنمية الاقتصادية في إيران".
غير أن الإعلام المطبوع والرأي العام في إيران اتخذا وجهة نظر سلبية تجاه هذه الاتفاقية، وشكك البعض في عدالتها، نظراً لميل الصين إلى المطالبة بالسيطرة الكاملة على مشاريعها الاستثمارية. ولم تسفر هذه الاتفاقية حتى الآن عن أي منافع اقتصادية ملحوظة لإيران.
China is finding the Middle East's perennial conflicts and tensions difficult to navigate. https://t.co/u161Wa27Pc
— National Interest (@TheNatlInterest) October 5, 2023
ويعزى هذا جزئياً، براي التحليل، إلى حقيقة أن القطاعات التصنيعية وغير المرتبطة بالطاقة في إيران ليست متطورة بما يكفي للاستفادة من فرص التصدير إلى الصين. ولم تضخ الصين حتى الآن أي استثمارات كبيرة في البنية التحتية في إيران.
والواقع أنه بسبب المخاوف بشأن العقوبات الغربية وحلفاء الصين العرب مثل المملكة العربية السعودية والعراق، رفضت بكين حتى الآن الاستثمار في حقول ومنشآت النفط الإيرانية. وتشير بعض التقديرات إلى أن تأخّر شركة سينوبك لست سنوات في المرحلة الأولى من حقل يادافاران كبد الاقتصاد الإيراني خسارة تربو على ثلاثة مليارات دولار. أضف إلى ذلك أن الصين ستحل على الأرجح محل النفوذ الإيراني في آسيا الوسطى بدلاً من التكامل بين تفاعلهما الإقليمي.
وأشار الباحثان إلى أن قيمة التبادل التجاري الصيني مع العراق تعادل ضعف قيمة التبادل التجاري مع إيران. وقد وسعت الصين علاقاتها مع العراق إلى ما هو أبعد من الطاقة، وتسعى إلى إحلال اليوان محل الدولار. وتدرك طهران أن هناك جانباً محصلته صفرية في العلاقات التجارية: فأي زيادة في الصادرات العراقية إلى الصين يمكنها تقليل إيرادات إيران من الطاقة.
مخاطر العلاقات مع العراق
ومع ذلك فالعلاقات مع بغداد تواجه مزيداً من المخاطر، برأي الكاتبين، بسبب إقامة بكين علاقات جيدة مع حكومة إقليم كردستان العراق المدعومة من الولايات المتحدة، مما يتيح لها الوصول إلى إنتاج منطقة أربيل من النفط. ويتوقع إقليم كردستان بدوره قيام الصين بالضغط على طهران لمنعها من شن هجماتها الصاروخية ضد قواعد تزعم أنها توفر ملاذاً للمعارضين المناهضين لطهران والانفصاليين الأكراد. وتعتبر تركيا وسوريا والعراق وإيران أن الأنظمة السياسية الكردية المستقلة نقاطاً محورية خطيرة للحركات الاجتماعية الإثنية الطاردة مركزيّاً وملاذات آمنة للجماعات الإرهابية.
ويكاد يستحيل على بكين أن تلبي المصالح الأمنية الإيرانية والعربية بشكل كامل.
والمفارقة ا أن قطر وعمان هما الدولتان العربيتان الخليجيتان اللتان تتمتعان بأقوى علاقات ودية مع كل من الصين وإيران، وهما مع ذلك أيضاً شريكتان قويتان للولايات المتحدة وصديقتان لدول الناتو الأوروبية. ونتيجة لذلك اقتصرت تعاملات الصين مع قطر في المقام الأول على الطاقة والاستثمار. وضخت شركات الاستخراج الصينية استثمارات متكررة في حقل الشمال القطري، الذي سيصدر الغاز الطبيعي السائل إلى الصين على مدى العقدين المقبلين على الأقل.
وتدعم قطر باستمرار المبادرات التركية في سوريا والعراق، التي تتعارض مع المصالح الإيرانية. ومع ذلك، تعمل الدوحة كوسيط بين الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن حركة طالبان والحوثيين في اليمن.
وأخيراً فعلى الرغم من التجارة المتنامية بين الصين وإسرائيل، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، أعربت بكين عن اهتمامها بحل القضية الفلسطينية. ويعتبر المسؤولون الإيرانيون زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بكين دليلاً على جهود الصين. ومثّلت هذه الزيارة أعلى مستوى من الاعتراف بالفلسطينيين تمنحه الصين حتى الآن. وصرّح وانغ ون بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، للصحفيين بقوله: "عباس صديق قديم ووفي للشعب الصيني، وأول رئيس دولة عربي يزور الصين هذا العام".
وفي بداية هذا العام، أبلغ وزير الخارجية الصيني تشين غانغ إلى المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء أن بكين مهتمة بلعب دور بنّاء في المفاوضات حول وضع الفلسطينيين. إلى ذلك، أعلنت وسائل إعلام صينية في يوليو (تموز) 2023 أن وزير الخارجية الصيني تشين غانغ أكد مجدداً في محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن بكين مستعدة للوساطة بين الجانبين. ولم تقبل تل أبيب عرض الصين ولم يترتب على ذلك أي تغيرات في التبادل التجاري الصيني الإسرائيلي.
وخلافاً للاتحاد السوفييتي، الذي كان يتمتع باكتفاء ذاتي من الطاقة وكان حراً في انتهاج سياسة خارجية أيديولوجية ضد الديمقراطيات الغربية، تبدو تحركات الصين مقيدة بشدة بفعل اعتمادها على الواردات من منطقة تعاني من العديد من الانقسامات.
وتفادياً لأي قطع انتقامي لإمدادات الطاقة، كالذي تعرض له الغرب إبان حظر النفط سنة 1973 في أعقاب حرب أكتوبر 1973 بين إسرائيل ودول المواجهة العربية، أعطت بكين الأولوية لتجنب الانخراط في الجدل السياسي.
بكين في اختبار صعب
و في حالة نشوب حرب بسبب تايوان، فقد تجد بكين دبلوماسيتها أمام اختبار صعب، حيث سيُجبر وجود البحرية الأمريكية عن كثب الكثيرين من شركاء بكين التجاريين في المنطقة على الانحياز إلى أحد الجانبين. ومضمون ذلك بالنسبة للدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة والهند، هو عدم المبالغة في تقدير العواقب الأمنية المترتبة على تغلغل الصين بشكل أعمق في الشرق الأوسط.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط فی إیران حتى الآن
إقرأ أيضاً:
فورين أفيرز: لهذه الأسباب لا تخاف بكين من ترامب
نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن موقف الصين من عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن دونالد ترامب ظلّ يهاجم الصين لسنوات ويصفها بأنها السبب الجذري لجميع أنواع العلل في الولايات المتحدة. وقد ظهرت الصين في تجمعات ترامب ومؤتمراته الصحفية كخصم متوحش، وعدو لا يستطيع أحد إخضاعه سوى ترامب. وخلال فترة ولايته الأولى، قلب ترامب عقودًا من السياسة الأمريكية رأسًا على عقب من خلال إطلاق حرب تجارية مع الصين. ومع استعداده لبدء ولايته الثانية، تشير خطاباته وتعييناته الوزارية إلى أنه سيضاعف من هذا النهج المتشدد، ومن المتوقع أن تزداد العلاقة المتوترة بين البلدين تأزمًا.
لكن قادة الصين ليسوا خائفين من ترامب وقد تعلموا الكثير من ولايته الأولى. وتعتقد بكين أن بإمكانها تجاوز المواجهات التي قد تؤدي إلى لجوء ترامب إلى الحمائية الاقتصادية. كما أن التزام ترامب المشكوك فيه تجاه حلفاء الولايات المتحدة سيشجع الدول الأخرى على التحوط في رهاناتها وبناء علاقات مع بكين لتعويض عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات واشنطن. كما أن احتمال وقوع اشتباكات عسكرية مع الولايات المتحدة منخفض. وبما أن السياسة الخارجية لترامب لم تنم عن أي التزامات أيديولوجية عميقة، فإنه من المستبعد أن تأخذ المنافسة بين البلدين الأبعاد الأكثر تدميرًا للحرب الباردة.
قادة الصين ليسوا قلقين بشأن ترامب
أوضحت المجلة أن بكين ترى أن نتيجة الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة لن يكون لها تأثير كبير على المسار العام للسياسة الأمريكية تجاه الصين. وبغض النظر عمن سيدخل البيت الأبيض، فإن الرئيس القادم للولايات المتحدة سيكون مدعومًا بإجماع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين يعتبران الصين تهديدًا للهيمنة الأمريكية على العالم، لكن سياسة ترامب في فترة ولايته الثانية قد تكون مختلفة حتى عن سياسة ولايته الأولى. فقد ملأ ترامب المناصب المهمة في السياسة الخارجية والأمن القومي بشخصيات يمينية متطرفة، وبعضهم لا يتجاوز عمره 50 سنة، وهو ما يمثل خروجًا عن نوعية كبار المسؤولين الذين اختارهم بعد انتخابات سنة 2016، كما أن العديد منهم بلغوا سن الرشد خلال صعود الصين الصاروخي على الساحة العالمية، لذا فهم يرون الصين على أنها التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، ويفضلون سياسات أكثر تطرفًا لقمعها.
قد لا تنجح هذه المقاربة المتشددة بشكل جيد في السياق الجيوسياسي الذي تغير كثيرًا منذ ولاية ترامب الأولى. فعندما دخل ترامب البيت الأبيض في سنة 2017، اعتقدت معظم الدول أنه سيتصرف كزعيم تقليدي أيديولوجيًا، وكصانع قرار عقلاني اقتصاديًا. وقد دعت بكين ترامب لزيارة الصين في السنة الأولى من ولايته. ورغم معارضة الولايات المتحدة لضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، دعا الكرملين ترامب إلى موسكو في سنة 2017 لحضور احتفال روسيا السنوي بالانتصار في الحرب العالمية الثانية.
لكن القادة يحرصون هذه المرة على حماية بلدانهم من حالة عدم اليقين التي قد تُحدثها ولاية ترامب الثانية. فقد دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ترامب إلى باريس في أوائل كانون الأول/ ديسمبر، على أمل أن يؤكد للرئيس المنتخب أن الأوروبيين هم أصحاب القرار عندما يتعلق الأمر بأمنهم.
وتشعر ألمانيا واليابان بالقلق من أن يطالب ترامب بمزيد من المدفوعات المالية لضمان الوجود العسكري الأمريكي في بلديهما، وتخشى الحكومة المؤقتة في كوريا الجنوبية من أن يستغل ترامب افتقارها للسلطة لانتزاع مكاسب اقتصادية.
وسيتعين على ترامب أن يتعامل مع حقيقة أن روسيا والولايات المتحدة الآن على طرفي نقيض في الحرب في أوكرانيا، كما أن دعم واشنطن السياسي الثابت والمساعدات العسكرية التي قدمتها واشنطن للعملية الوحشية التي قامت بها "إسرائيل" في غزة - والتي يعتبرها الكثيرون في العالم عملاً من أعمال الإبادة الجماعية - قد كشف المزيد من النفاق في ادعاءات الولايات المتحدة بمناصرة القانون الدولي وحقوق الإنسان.
أصبحت بكين الآن أكثر مهارة في إدارة منافستها مع واشنطن، ويمكن القول إن هذه المنافسة بدأت بشكل جدي في 2010 عندما شرع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في "التوجه نحو آسيا"، وقد تعاملت بكين مع الاستراتيجيات المختلفة لإدارات أوباما وترامب وبايدن.
حاول أوباما وبايدن احتواء الصين من خلال مقاربات متعددة الأطراف، بينما اتخذ ترامب مسارًا أكثر أحادية. لذا، فإن القادة الصينيين ليسوا منزعجين من فوز ترامب بولاية أخرى، حتى أنهم أصدروا علنًا مبادئ توجيهية استراتيجية حول كيفية التعامل مع السياسات المحتملة للرئيس المنتخب. ووفقًا للوثيقة التي نشرتها القنصلية العامة للصين في لوس أنجلوس في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، ستلتزم بكين بـ "الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين كمبادئ للتعامل مع العلاقات الصينية الأمريكية".
الاضطرابات المقبلة
أشارت المجلة إلى أن ترامب يبدو عازمًا على الانخراط في الحمائية الاقتصادية، خصوصًا مع الصين، وقد أشار إلى أنه قد يفرض المزيد من الرسوم الجمركية على البضائع الصينية. ويفرض المزيد من القيود على الاستثمار الأمريكي في الصين وكذلك على رأس المال الصيني في سوق الأسهم الأمريكية، ستؤدي هذه القرارات حتمًا إلى مزيد من المشاحنات بين بكين وواشنطن.
وقد مددت إدارة بايدن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على المنتجات الصينية خلال فترة ولايته الأولى، لكنها ركزت بشكل أساسي على استبعاد الصين من سلاسل التوريد التكنولوجية، ولم تسعَ إلى فصل الاقتصاد الأمريكي عن الصين بشكل شامل، ولكن من المرجح أن يدفع ترامب في فترة ولايته الثانية لفصل أوسع نطاقًا ويحاول تقليل حصة المنتجات الصينية في الولايات المتحدة، ومن المرجح أن ترد بكين بالمثل، وقد تؤدي ديناميكية المعاملة بالمثل إلى دفع الحرب التجارية المشتعلة بين القوتين إلى مستويات جديدة، مما قد ينتج عنه عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.
وبينما يتجه ترامب إلى تصعيد الحرب التجارية، من المرجح أن تكثف إدارته الضغط العسكري على بكين، فلطالما لجأ ترامب للتعامل مع خصومه عبر تكتيكات التنمر والخداع، مثل تهديده بمهاجمة كوريا الشمالية بـ"النار والغضب" في 2017.
ويُعتبر كل من ماركو روبيو، مرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية، وبيت هيغسيث، المرشح لمنصب وزير الدفاع، من المتشددين المناهضين للصين والشيوعية. وإذا وافق مجلس الشيوخ على ترشيحاتهم، فقد يشجعون ميل ترامب للمناورة عندما تسعى الولايات المتحدة إلى معالجة التوترات العسكرية مع بكين، مما قد يؤدي إلى أزمات مع بكين حول بحر الصين الجنوبي وتايوان. وقد تُكرر واشنطن أزمات كتلك التي أعقبت زيارة نانسي بيلوسي لتايوان في 2022، حين ردّت الصين بتصعيد عسكري. ولا يُستبعد أن يتسبب ترامب أو مسؤولوه في حوادث مشابهة تزيد التوترات مع الصين.
وأضافت المجلة أن ولاية ترامب الثانية ستُجمّد الحوارات الرسمية مع بكين، التي تراجع عدد قنواتها من أكثر من 90 قناة رسمية في عهد أوباما إلى صفر بنهاية ولايته الأولى. ومن المتوقع أن يعلق ترامب قنوات بايدن الحوارية مع الصين والتي تبلغ 20 قناة ويستبدلها بأخرى تحت إشرافه المباشر. وستتعامل الصين بحذر مع ترامب، متذكرة تدهور العلاقات بعد زيارته لبكين في 2017 ورفض واشنطن وضع الصين كدولة نامية في منظمة التجارة العالمية.
قد تتصاعد العداوة بين الصين والولايات المتحدة على المستوى المجتمعي مع تصاعد الشعبوية والقومية في البلدين. وتنفيذ ترامب تهديداته الاقتصادية ضد الصين سيزيد التوتر السياسي ويشجع العداء بين الشعوب، حيث يحمّل الشعبويون في البلدين القوى الخارجية مسؤولية أزماتهم الداخلية. وهذا التوجه، المدعوم من الحكومات، سيجعل تحسين العلاقات الثنائية أصعب تحت ضغط اجتماعي وثقافي متزايد.
احذروا الفجوة
أشارت المجلة إلى أن ولاية ترامب الثانية قد تثير تصاعد التوترات مع الصين عبر الضغوط الاقتصادية والعسكرية، لكن قلة اهتمامه بالأيديولوجيا قد تخفف التنافس. فترامب لا يهتم بحقوق الإنسان أو تعديل النظام الصيني ولن تدخله في شؤونها الداخلية. ومن جانبها، تركز بكين على استقرارها الداخلي دون نشر أيديولوجيتها. وقد تزيد الصراعات الاقتصادية والاستراتيجية، لكنها لن تتحول إلى صراعات أيديولوجية تضع الدولتين على مسار تصادمي مباشر.
وأفادت المجلة بأن الانعزالية السياسية لترامب قد تدفع إلى تقليل دعم حلفاء الولايات المتحدة التقليديين. لطالما انتقد الرئيس المنتخب حلفاء الولايات المتحدة لاعتمادهم على قوتها وسخائها. وهذه الانتقادات قد تدفع الحلفاء، سواء في أوروبا أو شرق آسيا، إلى تبني استراتيجية الموازنة بين الصين والولايات المتحدة.
ومنذ 2022، أدت الحرب في أوكرانيا إلى تقارب أكبر بين الدول الغربية والولايات المتحدة. لكن إذا قلص ترامب المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فقد تتراجع الثقة في وعود الأمن الأمريكية. ومن أجل دعم الجهود الأوكرانية، قد تصبح الدول الأوروبية أكثر تمسكًا باستراتيجية الموازنة، مما يفتح فرصًا للصين لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. ويرى ترامب نفسه كصانع سلام، وقد تلعب الصين دورًا في مساعدته على إنهاء الحرب، خاصة أنها تستفيد من ذلك اقتصاديًا ولديها نفوذ مع روسيا.
وذكرت المجلة أن ترامب سيسعى لتجنب الصراع مع الصين رغم خطابه المتشدد. وبينما يظل استقلال تايوان مصدر توتر، فإن حربًا بين البلدين غير مرجحة، حيث تركز الصين على إنعاش اقتصادها المتباطئ بدل وضع جدول لإعادة التوحيد. في المقابل، يطمح ترامب لترسيخ إرثه كرئيس عظيم، وسيُركز على الإصلاحات الداخلية وبناء اقتصاد قوي، متجنبًا التورط في قضية تايوان أو حرب كبرى، متمسكًا بفخره بعدم إشعال أي حرب خلال ولايته الأولى.
واعتبرت المجلة أن التوقعات بحرب باردة بين الصين وترامب غير دقيقة، فالمنافسة بينهما تتركز على التكنولوجيا وليس الأيديولوجيا. وتعتمد الصين والولايات المتحدة على الابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتنافس على الأسواق وسلاسل الإمداد. ولا تسعى الصين لتغيير أيديولوجيات الدول الأخرى، ولا يهتم ترامب بنشر القيم الأمريكية. كما يرفض الحروب بالوكالة، معتبرًا حرب أوكرانيا مثالًا غير مقبول، ولا يُرجح إشعاله نزاعات مشابهة مع الصين التي تفوق روسيا في الموارد الاقتصادية والعسكرية.