عندما هدّد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في العام 2016 اوروبا بإرسال مئات الآلاف من النازحين السوريين اليها، سارع الأوروبيون إلى مدّ تركيا بثلاثة مليار يورو في مقابل تعهد انقرة بتحسين مراقبة حدودها وتشديد تصديها للمهربين، لكن اردوغان وصف المساعدة الأوروبية بأنها "زهيدة" مقابل ما انفقته تركيا على مخيمات النازحين، والتي قدّرها بثمانية مليار يورو.
ولكن ماذا يمكن أن نتوقعه أن يحصل بعد التهديد – النصيحة، التي أطلقها الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، حيث دعا إلى فتح البحر وتسهيل عمليات الهجرة السورية وغير السورية في اتجاه السواحل الأوروبية؟ المقرّبون من "حزب الله" لا يستبعدون أن تتحرّك الدول الأوروبية لمساعدة لبنان لحلّ تداعيات النزوح السوري وانعكاساته السلبية على الحياة العامة في لبنان. ومن بين ما يمكن أن تقدم عليه هذه الدول أن توقف ضغطها على المسؤولين اللبنانيين للقبول بواقع لم يعد في قدرة الدولة، بإمكاناتها المحدودة، تحمّل المزيد من تدفق الآف السوريين عبر المعابر غير الشرعية المنتشرة على طول الحدود الشرقية والشمالية، وأن تتحمّل جزءًا من تبعات هذا النزوح، خصوصًا أن أعداد النازحين قد أصبحت توازي نصف عدد اللبنانيين.
وفي اعتقاد هؤلاء المقرّبين أنه كما نجح السيد نصرالله عندما هدّد بتحريك المسّيرات في اتجاه منصة "كاريش" تحرّكت المفاوضات غير المباشرة بين لبنان ودولة إسرائيل برعاية أميركية، وقد استطاع لبنان بعد ذلك الحصول على حقّه الطبيعي من الغاز في حقل "قانا"، فإن تهديده أوروبا اليوم سيأتي بالنتائج المطلوبة، لأن هذه الدول لا تفهم سوى بهذا المنطق، وهي ستجد نفسها مضطرّة للتجاوب في مدّ يد المساعدة للبنان المغلوب على أمره.
أمّا الذين لا يوافقون على هذا المنطق، الذي يتعامل فيه "حزب الله" مع هذا الملف، فيقولون عكس ذلك، ويرفضون أوجه الشبه بين ما حصل مع الرئيس أردوغان ومسارعة الدول الأوروبية على مدّ تركيا بما رأه الرئيس التركي زهيدًا، وبين ما يمكن أن يحصل أو لا يحصل في طريقة تعاطي الغرب مع لبنان، في حال تبنّى لبنان الرسمي ما اقترحه السيد حسن نصرالله.
فتركيا، كما يقول هؤلاء، استطاعت أن تفرض على الغرب ما حاول التنصّل منه، وذلك لعدّة أسباب جوهرية. فهي دولة كاملة المواصفات، فيها مؤسسات تتحمّل مسؤوليتها كاملة. فلا فيها فراغ رئاسي، وحكومتها تجتمع دوريًا وفي شكل طبيعي وتتخذ الإجراءات، التي تحفظ حقوقها الخارجية وتسيّر شؤون مواطنيها. وكذلك يفعل مجلسها النيابي، حيث تُمارس فيه الديمقراطية بأبهى وجوهها. النازحون السوريون الموجودون على الأراضي التركية محصيّون ومحاصرون في مخيمات منظمة باشراف الدولة التركية، وخاضعون لرقابة أمنية مشدّدة. ولذلك فإن الدولة التركية بكل مكوناتها السياسية والسلطوية قادرة على فرض ما تراه مناسبًا لمصلحتها على الدول الأوروبية، وعلى غيرها من الدول. أمّا في لبنان فالوضع مغاير. فلا رئيس لجمهوريته. وحكومته غير مكتملة بسبب تعنت المتعنتين. تجتمع كلما دعت الضرورة القصوى. مجلسه النيابي منقسم على ذاته، حتى أنه عاجز على انتخاب رئيس للبلاد. المؤسسات فيه تنهار الواحدة تلو الأخرى. الأزمة الاقتصادية فيه خانقة بفعل تجفيف ودائع الناس. سياسته الخارجية غير واضحة المعالم. علاقاته مع الخارج محكومة بمدى فعالية ديبلوماسيته غير الثابتة على رأي. السوريون النازحون متغلغلون في كل مدينة وكل قرية، حتى باتت البلديات المحلية، التي تعاني في الأساس من محدودية الإمكانات المادية والبشرية، عاجزة عن ضبط ما تقوم به المجموعات السورية المتكاثرة يوميًا بفعل استمرار النزوح العشوائي، فضلًا عن الاحتكاكات اليومية بين النازحين والأهالي، الذين يحاولون تحمّل ما لا طاقة لإنسان أن يتحمّله نتيجة الاستفزازات اليومية المتكررة.
من هنا فإن ما بين تركيا ولبنان فرق كبير، وما بين تهديدات أردوغان وتهديدات نصرالله فرق كبير أيضًا. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
صواريخ الاحتلال تلاحق النازحين في غزة.. وحصيلة الشهداء تواصل الارتفاع
واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ملاحقة تجمعات وخيام النازحين في مناطق واسعة من قطاع غزة، ما تسبب في استشهاد وجرح عشرات الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء.
والأحد، استشهد فلسطينيان، في قصف مدفعي اسرائيلي استهدف تجمعا للمدنيين في بلدة جباليا شمال قطاع غزة، بعد وقت قليل من استهداف منزل وخيمة للنازحين غرب خانيونس، ما تسبب في استشهاد 18 شخصا، وإصابة آخرين.
ويشن جيش الاحتلال منذ ساعات الفجر، غارات من الطيران الحربي والمروحي والمسير، إضافة إلى المدفعية، استهدفت منازل وخيام وتجمعات للمدنيين في مناطق شمال وجنوب قطاع غزة.
وفي وقت سابق، استشهد 3 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، فيما أصيب عدد آخر من الفلسطينيين برصاص طائرات مسيرة إسرائيلية "كواد كوبتر" استهدفت ذات الحي.
وفي سياق متصل، استشهد مواطنان وأصيب عدد آخر بقصف من الطائرات الإسرائيلية لمنزل قرب مدرسة عين جالوت بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة.
وخلال ساعات فجر الأحد، شهدت مناطق شرق مدينة غزة، قصفاً مدفعياً عنيفاً وإطلاق نار مكثف من الآليات والمروحيات الإسرائيلية، ما أدى إلى إصابة عدد من الفلسطينيين بجروح مختلفة.
وفي رفح أقصى جنوب القطاع تواصل خلال ساعات الليل القصف الجوي والمدفعي، وسط إطلاق نار مكثف من الآليات المتوغلة شمال وشرق وغرب المدينة.
من جهتها، أصدرت وزارة الفلسطينية تقريرا كشفت فيه عن ارتفاع أعداد شهداء العدوان إلى 50 ألفا و695 شهيد و 115 ألفا و338 إصابة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وذكرت الوزارة أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ استئناف حرب الإبادة في 18 من آذار/ مارس الماضي بلغت 1335 شهيد، ونحو 4 آلاف إصابة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن مستشفيات قطاع غزة استقبلت خلال الساعات الـ24 الماضية 26 شهيدا، و 113 إصابة
وترتكب دولة الاحتلال بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية بغزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2032 خلفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.