قبل ما يزيد قليلا عن شهر، أصدرت شركة تكنولوجيا أمريكية رائدة إعلانًا غامضًا إلى حد ما. وقالت شركة "إنفيديا"، التي تنتج الرقائق الإلكترونية الأكثر تقدمًا في العالم، إن حكومة الولايات المتحدة تقيد تصدير رقائقها الأكثر تقدمًا إلى "بعض دول الشرق الأوسط". والرقائق الإلكترونية هي شرائح السيليكون الصغيرة اللازمة لتشغيل كل الإلكترونيات، من أجهزة الكمبيوتر إلى الهواتف المحمولة الحديثة وحتى السيارات.



ولم تذكر إنفيديا سبب القرار الأمريكي أو الدول المتأثرة بالمنع، لكن بالنسبة للعديد من المراقبين، كان ذلك علامة على وصول "الحرب التقنية" بين الولايات المتحدة والصين إلى الشرق الأوسط. منذ مدة والولايات المتحدة تحاول الحفاظ على تقدمها على الصين فيما يتعلق بتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تغير العالم. وفي محاولة لإبطاء تقدم الذكاء الاصطناعي الصيني، كان التكتيك الأخير لواشنطن هو خنق قدرة الصين على الوصول إلى رقائق الكمبيوتر أو أشباه الموصلات اللازمة لنماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا.

فمن الصعب جدًا تطوير الذكاء الاصطناعي بدون هذه المواد، كما يتم إنتاجها في الغالب من قبل شركات مقرها الولايات المتحدة، بما في ذلك شركة إنفيديا الرائدة عالميًا في الوقت الحالي.

ولهذا السبب أعلنت وزارة التجارة الأمريكية العام الماضي أنها قيدت صادرات الرقائق المتطورة إلى الصين وروسيا. وأضاف القرار الذي تحدثت عنه إنفيديا في آب/أغسطس الماضي قيودًا أخرى إلى قيود التصدير المفروضة من العام الماضي.

ما هي دول الشرق الأوسط المتأثرة؟
لم يتم الكشف عنها، لا من قبل الحكومة الأمريكية ولا من قبل إنفيديا. ورغم ذلك، لايزال يمكن تخمين بعض المرشحين المحتملين. يقول جون كالابريس، أستاذ السياسة الخارجية الأمريكية في الجامعة الأمريكية في واشنطن، والذي كتب كثيرًا عن الوجود الصيني في الشرق الأوسط: "تخميني الأفضل فيما يتعلق بالدول الخاضعة للتدقيق الأكبر (يقول) إنها إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة"، ويضيف: "لقد أظهرت إيران مستوى عاليا من الكفاءة في القرصنة. وتمتلك المملكة العربية السعودية  والإمارات العربية المتحدة الإمكانيات المالية. وربما تم ذكر قطر وإسرائيل أيضًا. وفي كل هذه الحالات، يبدو أن هناك مبررًا معقولًا للأمن القومي".

تعد دول الخليج الغنية بالنفط من أكثر الدول إنفاقًا في العالم على الذكاء الاصطناعي. وترى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر أن التحول الرقمي المستمر لاقتصاداتها له أهمية كبيرة في تنويعها بعيدًا عن تصدير النفط.

إسرائيل هي دولة شرق أوسطية أخرى تقوم باستثمارات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي. جميع صانعي الرقائق الأكثر تقدمًا في العالم تقريبًا يعملون هناك بالفعل. في الواقع، اشترت إنفيديا عام 2020 الشركة الإسرائيلية "ميلانوكس" والتي أصبحت الآن أكبر قاعدة لإنفيديا خارج الولايات المتحدة.

لماذا تريد واشنطن السيطرة على صادرات الرقائق إلى الشرق الأوسط؟

قالت الحكومة الأمريكية، لدى إعلانها قيود التصدير، إن الرقائق التي تدعم الذكاء الاصطناعي هي "تقنيات تضاعف قوة التحديث العسكري وانتهاكات حقوق الإنسان". وقال كريستوفر ميلر، مؤلف كتاب "حرب الرقائق: القتال من أجل التكنولوجيا الأكثر أهمية في العالم": "إن مصدر القلق الرئيسي هو أن الشركات الصينية قد تنظر إلى دول الشرق الأوسط كوسيلة للتهرب من القيود والتمكن من الوصول إلى (الرقائق المتقدمة) التي لا يمكنها شراؤها بطريقة أخرى".

وأضاف ميلر، الأستاذ المشارك في التاريخ الدولي بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، لـDW: "الوجود المتزايد لشركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي في أسواق الشرق الأوسط هو جزء من أسباب هذه المخاوف".

وقد وجدت دراسة أجراها "مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة" ومقره الولايات المتحدة عام 2022، والتي بحثت في المكان الذي يحصل فيه الجيش الصيني على رقائق الذكاء الاصطناعي، أن معظم عمليات الشراء لم تتم بشكل مباشر ولكنها جاءت عبر وسطاء، "بما في ذلك الموزعين المرخصين رسميًا والشركات الوهمية".

في حزيران/ يونيو من هذا العام، تحدث صحفيو رويترز عن التجارة السرية للرقائق المتقدمة في الصين. وقال البائعون الصينيون إنهم غالبًا ما يحصلون على الرقائق من شركات مسجلة في دول أخرى، بما في ذلك الهند وتايوان وسنغافورة.

الشرق الأوسط يعمق العلاقات مع الصين
وقد يكون هذا النوع من التسريب محتملًا أيضًا في الشرق الأوسط، لأن البلدان التي تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي عملت أيضًا على تعميق علاقاتها مع الصين على مدى السنوات الخمس إلى العشر الماضية. فقد كتب باحثون في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومقرها واشنطن في دراسة أجريت في آب/ أغسطس 2023، أن التعاون التكنولوجي والعلمي بين المملكة العربية السعودية والصين أصبح أقوى منذ حوالي سبع سنوات.

وهناك عدد كبير من الطلاب والمدرسين الصينيين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي أشارت دراسة كارنيجي إلى أن التعاون بينها وبين مختلف المنظمات البحثية في البر الرئيسي للصين قد نما بسبب "الروابط الشخصية" التي نشأت هناك. ومن المفترض أن تحصل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على 3000 شريحة "H100" المتطورة من إنفيديا بحلول نهاية هذا العام.


حوالي 20% من الطلاب و34% من باحثي ما بعد الدكتوراه في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية هم من الصينيين، وفقًا لموقع الجامعة الإلكتروني.

وفي الإمارات العربية المتحدة وضع مماثل فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي. فقد أنشأت الدولة وزارة للذكاء الاصطناعي في عام 2017 ولديها بالفعل نموذج ذكاء اصطناعي متقدم خاص بها يسمى فالكون. وفي الوقت نفسه، اكتسبت الإمارات شيئًا من سمعة أنها "غير جديرة بالثقة". ففي أوائل سبتمبر/ أيلول 2023، زار مسؤولون من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة البلاد لمحاولة ثني الدولة الخليجية عن إرسال البضائع الخاضعة للعقوبات إلى روسيا. ويبدو أن هذا يتضمن رقائق الذكاء الاصطناعي.

وقال محمد سليمان، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، لـ DW: "لا شيء من هذا يعني أن الولايات المتحدة تعتقد أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ستقدمان هذه التكنولوجيا عمدًا إلى الصين وروسيا"، مضيفًا أن الولايات المتحدة شريك مهم لكلا البلدين وأنهما لا يرغبان في إثارة التوترات.

وتابع: "ربما يكون المسؤولون الأمريكيون أكثر قلقًا من أن تكون شرائح إنفيديا أكثر عرضة للتجسس أو الهندسة العكسية [عندما يتم تفكيك المنتجات لاستخراج المعلومات] أو النقل غير المقصود إلى روسيا أو الصين، نظرًا للوجود المتزايد للدولتين الأخيرتين في دول الخليج".

العلاقات الإسرائيلية الصينية تتطور
كما قامت إسرائيل أيضًا بتعميق علاقاتها مع الصين. وتمتلك شركات صينية عملاقة، مثل هواوي وشاومي مراكز أبحاث هناك، وقام المستثمرون الصينيون بتمويل شركات رأس المال الاستثماري التي تستثمر في شركات تصنيع الرقائق المحلية.

في الماضي القريب، يبدو أن شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل "إنتل" استخدمت قواعدها الإسرائيلية كحل بديل لتتمكن من الاستمرار في تصدير الرقائق إلى الصين، كما كتبت دانيت غال، الباحثة التي تركز على التكنولوجيا، في ورقة بحثية عام 2019 لمنظمة "مجلس العلاقات الخارجية" في الولايات المتحدة.

وقالت غال إن "طلب الصين شركاء تجاريين بدلاء في مجال التكنولوجيا التجارية في ضوء تشديد القيود التجارية الأمريكية يعد بمثابة نعمة اقتصادية غير متوقعة لإسرائيل". لكن الأمر لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، كما أشارت غال، وأضافت أن "أهمية الرقائق للتقدم التكنولوجي والاستخدام العسكري تعني أن موقف إسرائيل [...] لا بد أن يجذب انتباه واشنطن".

قد يتعين على إسرائيل الموازنة بين مستثمريها الصينيين واحتياجات حليفتها الأمريكية بعناية أكبر، لكن محمد سليمان من معهد الشرق الأوسط لا يعتقد أن قيود التصدير المعلنة حديثًا ستنطبق على ذلك البلد.

وقال إن "إسرائيل لديها علاقات أوثق مع الصين وروسيا مما ترغب فيه الولايات المتحدة، لكن إسرائيل والولايات المتحدة لا تزالان تعتبران بعضهما البعض حليفتين وثيقتين للغاية، حيث تتقاسم الولايات المتحدة بعضًا من تقنياتها الدفاعية الأكثر تقدمًا وحساسية مع إسرائيل".

ومع ذلك، فمن المحتمل أن تكون القيود المفروضة على تصدير الرقائق قد أثرت بالفعل على شركة إنفيديا في إسرائيل. فقواعد التصدير الأمريكية تنطبق أيضًا على المنتجات المصنوعة كليًا أو جزئيًا نتيجة للتكنولوجيا الأمريكية - أي أنه لا يهم إذا كانت رقائق إنفيديا مصنوعة في إسرائيل أو الولايات المتحدة، لأن نفس القواعد تنطبق. وتشير التقارير إلى أن الصين كانت بالفعل زبونًا رئيسيًا لفرع شركة إنفيديا في إسرائيل.


دوافع سياسية؟
يقول أوين دانيلز، وهو باحث زميل في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة، إن حقوق الإنسان قد تلعب دورًا. وأشار إلى أن "الذكاء الاصطناعي الديمقراطي" مهم للولايات المتحدة وحلفائها، وهناك مخاوف من استخدام الذكاء الاصطناعي للقمع من قبل الدول الاستبدادية.

ومع ذلك، لا يعتقد دانيلز ولا الخبراء الآخرون الذين تحدثت معهم DW في هذه القضية أن تقييد التصدير كان وسيلة لممارسة الضغط السياسي على دول الشرق الأوسط بشأن الصفقات الأكبر التي يتم التفاوض عليها حاليًا، مثل اتفاقية الدفاع السعودية الأمريكية أو التطبيع السعودي الإسرائيلي.

يقول دانيلز لـDW: "بدلًا من ذلك، قد نفكر في هذه الضوابط على أنها ترسل رسالة إلى الشركاء الخليجيين حول الجدية التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى المنافسة التقنية مع الصين"، ويضيف: "سيكون من المهم تتبع التأثيرات الطويلة المدى لهذه الضوابط على العلاقات بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية حول التكنولوجيا الناشئة".

وخلص دانيلز إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح مصدرًا جديدًا للاحتكاك بين الدول الديمقراطية والاستبدادية.

كاثرين شاير/بن نايت/م.ع.ح

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: العربیة السعودیة الولایات المتحدة الذکاء الاصطناعی دول الشرق الأوسط العربیة المتحدة الأکثر تقدم ا فی العالم مع الصین قیود ا إلى أن من قبل

إقرأ أيضاً:

بجانب مهام غزة.. سيغريد كاغ مبعوثة جديدة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط

اعلنت الأمم المتحدة الجمعة تعيين الهولندية سيغريد كاغ منسقة خاصة للمنظمة الدولية لعملية السلام في الشرق الأوسط بالوكالة، علما أنها تتولى حالياً مسؤولية تنسيق المساعدة الإنسانية في قطاع غزة.

وبذلك، تخلف كاغ مؤقتاً النروجي تور فيسنلاند الذي أنهى ولايته، في انتظار ايجاد خلف دائم له، وفق ما أوضح فرحان حق مساعد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة.

وستواصل كاغ تولي منصبها كمنسقة للمساعدة الإنسانية وإعادة الاعمار في غزة.

وكان المنصب أبصر النور بقرار من مجلس الأمن الدولي نهاية 2023 بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة.

#FPWorld: United Nations Secretary-General @antonioguterres named former Dutch Foreign Minister Sigrid Kaag as the new @UN Middle East envoy, a UN spokesperson said.https://t.co/IVm1OI1wlB

— Firstpost (@firstpost) January 17, 2025 خبرة واسعة

وتتمتع كاغ بخبرة واسعة في الشؤون السياسية والإنسانية والتنموية، وكذلك في الدبلوماسية. وقد شغلت حديثاً منصب النائبة الأولى لرئيس الوزراء وأول وزيرة للمالية في الحكومة الهولندية منذ يناير (كانون الثاني) 2022.

وقبل ذلك، شغلت منصب وزيرة التجارة والتعاون الإنمائي في هولندا في الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) 2017 حتى مايو (أيار) 2021، ووزيرة للشؤون الخارجية حتى سبتمبر (أيلول) 2021.

وتم انتخاب سيغريد كاغ زعيمة للحزب الاشتراكي الليبرالي في سبتمبر/أيلول 2020، ثم استقالت من هذا المنصب في أغسطس (آب) 2023. وقادت حزبها للفوز في انتخابات مارس (آذار) 2021.

وشغلت كاغ مجموعة واسعة من المناصب الرفيعة في منظومة الأمم المتحدة. فقد كانت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، في الفترة بين عام 2015 إلى عام 2017. ومن عام 2013 إلى عام 2015، عملت منسقة خاصة مشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية وبعثة الأمم المتحدة في سوريا.

كما شغلت منصب مساعدة الأمين لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الفترة بين 2010 إلى 2013، ومنصب المديرة الإقليمية لمنظمة اليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأردن في الفترة بين 2007 إلى 2010. وقبل ذلك، عملت كاغ في العديد من المناصب العليا لدى اليونيسف، والمنظمة الدولية للهجرة، ووكالة الأونروا.

وكاغ حاصلة على درجة الماجستير في الآداب في دراسات الشرق الأوسط من جامعة إكستر، وماجستير الفلسفة في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد، وبكالوريوس الآداب في دراسات الشرق الأوسط من الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

وتتحدث سيغريد كاغ الهولندية والألمانية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والعربية.

مقالات مشابهة

  • العراق يبلغ الولايات المتحدة بتطلعه لتعزيز التعاون مع أمريكا في عهد ترامب
  • كيف يمكن أن تتأثر الصين بقرار حظر تيك توك في أمريكا؟
  • أستاذ علوم سياسية: أتوقع سحب أمريكا قواتها من الشرق الأوسط عدا العراق وسوريا
  • بجانب مهام غزة.. سيغريد كاغ مبعوثة جديدة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط
  • أخبار التكنولوجيا| هونر تطلق هاتفا مميزا بإمكانات الذكاء الاصطناعي.. أبل من بين أفضل 5 شركات للهواتف الذكية في الهند
  • شي جين بينغ: الولايات المتحدة والصين تستطيعان كسفينتين عملاقتين الإبحار على طريق الاستقرار والتنمية
  • الصين تحث الولايات المتحدة على وقف هجماتها الإلكترونية الخبيثة فورا
  • أسعار نفط الشرق الأوسط تصعد بفضل طلب قوي من الصين والهند
  • شركة HONOR تُطلق Magic7 Pro في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: المستقبل هُنا مع ميزات الذكاء الاصطناعي وأحدث الابتكارات في عالم الهواتف الذكية
  • هبة القدسي: التوصل لاتفاق بين حماس وإسرائيل تصدر المشهد في أمريكا