انتشر اسم فوزية بين إناث طبقات المجتمع المختلفة فى فترة الأربعينيات تيمنًا بالأميرة الرقيقة فوزية بنت الملك فؤاد التى كانت آية فى الجمال فهى مزيج مدهش من سحر هيدى لامار وجاذبية فيفان لى، شهرتها الواسعة جعلتها محط أنظار كثير من العائلات الملكية التى ترغب فى مصاهرة ملك مصر والسودان وهو ما استغله السياسى المخضرم على ماهر لبسط نفوذ المملكة على مفاصل الإقليم ونجح فى إقناع فاروق المتردد فى قبول زواجها من الشيعى رضا بهلوى، فكان الزفاف أسطوريًا بمعنى الكلمة وظهرت ملكة إيران الجديدة على غلاف مجلة لايف وصورها سيسيل بيتون الذى وصفها بأنها «فينوس الآسيوية»، وأصبحت محبوبة الشعب لدرجة أن هناك مدينة اسمها «فوزية آباد» وأثمر الزواج عن إنجاب شاهيناز بهلوى، ولكن سرعان ما دب الشقاق بين الزوجين لأسباب ثقافية ومع ذلك ظلت العلاقة بين مصر وإيران متينة حتى بعد أفول الملكية حيث قام الشاه بمساعدة السادات فى إمداده بالوقود أثناء حرب أكتوبر وهو ما لم ينسه خلق الفلاح الأصيل ورحب بشهامة غير عابئة بالعواقب بطائرة الشاه الذى كان يعانى من السرطان بعدما رفض الجميع استقبالها خوفًا من إغضاب الخومينى الذي اتخذ مواقف عدوانية تجاه القاهرة لذلك وصفه السادات بانه «عار العالم الإسلامى ومريض نفسى» فقطع الخومينى العلاقات الدبلوماسية، وفى عام 1981 اغتيل السادات على يد خالد الإسلامبولى وكرمه آية الله بإطلاق اسمه كشهيد على شارع الوزراء وظلت العلاقات الثنائية متوترة حتى أصبح الإصلاحى محمد خاتمى رئيسًا للجمهورية الإسلامية وهو شخصية متزنة تعرف قيمة وقدر مصر فى محيطها العربى والإسلامى؛ لذا قام بتغيير اسم الشارع من أجل إذابة الجليد وحلحلة عقود من الجفاء والقطيعة.
يجب أن تكون العلاقة مع إيران مبنية على أسس سليمة وهو ما يستلزم فتح نقاشات جادة حول كل الملفات العالقة، فهل هم مستعدون لذلك ويبرهنون على أن الثورة قد وصلت إلى سن الرشد السياسى؛ لذا هناك ثمة خطوات عملية يجب أن تتخذ لبناء جدار الثقة.
أى عاقل يدرك أن عودة العلاقات بشكل صحى سيعود بالنفع على الطرفين وهما قوتان لا يستهان بهما وبالتأكيد سيغير من خريطة التحالفات فى المنطقة التى تشهد تغييرًا كبيرًا فى المسلمات الجيوسياسية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: العالم الإسلامي
إقرأ أيضاً:
فرص مهدرة فى حياة الشعوب
يحلو للبعض استقراء الماضى، رغم مضيه، سعيًا للتعلم والعظة والعبرة. لذا يتكرر اللوم لنظام الأسد فى سوريا، كونه أهدر فرصًا عديدة لتصحيح المسار والإفلات بالبلاد من سيناريو اللا دولة.
والمؤسف أن مثل هذه الفرص، مرت على كثير من الحكام، لكنهم جميعًا أهدروها تحت تصور خصوصية الوضع، وسيطرتهم المطلقة على كل شىء.
وتتكرر الإشارات فى التاريخ حول صحوات الضمير اللافتة التى تنتاب بعض المستبدين، فيتحولون إلى ملائكة، ويحاولون إصلاح كل شىء. غير أن موجة التصحيح فى الأغلب لا تكتمل لأسباب مختلفة.
ويحكى لنا ابن إياس فى «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» فى أحداث سنة 922ه، 1516 م كيف استيقظ ضمير السلطان المملوكى قانصوه الغوري،عندما علم بتأهب العثمانيين لغزو مصر، وقرر رد المظالم، والتحول إلى حاكم عادل، فقام بخلع الفاسدين، ورد الحقوق، وإبطال المكوس، فـ«ارتفعت الأصوات له بالدعاء بالنصر، وانطلقت النساء بالزغاريد من الطيقان».
لكن الانتفاضة التصحيحية من السلطان المستبد اقترنت بخطر داهم يهدد عرشه وحياته، لذا لم يُكتب لها النجاح، إذ سرعان ما قاومه رجاله، وخانه بعضهم لينهزم فى موقعة مرج دابق أمام العثمانيين، ويُقتل.
فى تاريخ مصر المعاصر كانت هزيمة يونيو 1967 ضربة قاصمة لأمجاد وأحلام ثورة يوليو ولفكرة «المستبد العادل» التى بشرت بها. ورغم ذلك استخدمها بعض الناصريين للإيحاء بأن الكارثة التى حلت نبهت عبدالناصر إلى ضرورة التخلى عن الاستبداد وسلك طريق الديمقراطية كموجة تصحيح واجبة، وهو ما طرحه كتابان مهمان حديثان الأول «هزيمة الهزيمة» لمصطفى بكرى، والثانى «أخيل جريحًا» لعبدالله السناوى.
فى الكتاب الأول استعان مصطفى بكرى بالمحاضر السرية لاجتماعات ما بعد 1967، والتى تضمنت مناقشات حول أسباب الهزيمة وكيفية التصحيح، وكان من بين التصورات اللافتة ما قدمه عصام حسونة وزير العدل وقتها من ضرورة استعادة الحريات والتعددية، وهو ما أيده «عبدالناصر» وقتها لكن قولًا فقط.
فى الكتاب الثانى خلص «السناوي» من خلال وثائق جديدة إلى أن ناصر أبدى نوايا ديمقراطية، قبيل الهزيمة، ففى سنة 1966 قال فى اجتماع خاص: «إن الحزب الواحد أثبت عيوبه، ولا بد أن تكون هناك معارضة، والمعضلة هى ألا تقوم هذه المعارضة بالرجوع بالوطن إلى الوراء». والمشكل أن الإشارة جاءت فى وقت أزمة اقتصادية، وربما مناورة سياسية للتخلص من بعض المناوئين، ولم يُثبت عبدالناصر صدق نواياه، بدليل وقوع الهزيمة.
فى أماكن أخرى حكايات لا تنتهى عن نوايا إصلاح ركزت على الشكلية دون اهتمام بالمضمون الحقيقى لطلب العدل والإصلاح. ومثلًا، إننى أتذكر عندما سافرت فى ربيع 2002 إلى العراق قبل الغزو الأمريكى، وذهبت بصحبة صديق عراقى إلى شارع بالعاصمة يُسمى «العرصات» كان يضم ملاهى ليلية. ولفت نظرى هدوء الشارع الغريب، فتساءلت عن ذلك، فحكى لى الصديق أن القائد صدام حسين قرر بعد الحرب الإصلاح العام، فأعلن ما يُسمى بـ«الحملة الإيمانية». وعلى إثر ذلك أغلقت كل الملاهى فى شارع العرصات، وقبض على الراقصات وقطعت رءوسهن وعلقت فوق أعمدة الإنارة، وتم تغيير العلم العراقى ليحمل لفظ «الله أكبر»، وسارعت زوجات قادة الحزب ورجال القائد بارتداء الحجاب، وانتشر التدين المظهرى، وكأن القائد قد عاد إلى الله. كانت الحملة الإيمانية لصدام نموذجًا مثاليًا لتوبة الديكتاتور الذى يصحح ديكتاتوريته بمزيد من العسف.
لكن كما علمنا التاريخ، توبة الديكتاتور عمومًا لا تصلح، لأن التوبة الوحيدة له، هى خروجه من السلطة بإرادته.
والله أعلم
[email protected]