منذ وقوع حادث القتل الغريب هذا وعلمى بحكم عملى كصحفية حوادث بخبر جريمة المتهمة بقتل طفلها فى إحدى قرى فاقوس وقيامها بتقطيعه وتشفيته وطبخ أجزاء منه، بل تناولت بعضاً منها لإخفاء معالم الجثة، وأنا أدعو الله ألا تكون هذه الأم القاتلة عاقلة أو مدركة ما ارتكبته، فقد أُصبت بقشعريرة لم أشعر بها من قبل رغم قيامى بتغطية المئات من الحوادث الإرهابية والجنائية وغيرها، بل أنفت من أكل اللحوم تماماً، وأصبت بجزع منها للآن، وأعتقد أن شعورى نفسه تجاه هذه المتهمة انتاب جموعاً غفيرة من الناس لما تضمنه اعتراف الأم القاتلة بقيامها بأكل أجزاء من طفلها فلذة كبدها.
وعلى الرغم من أننى أشاهد العديد من الجثث مشوهة وغير مشوهة فى مواقع الأحداث بحكم عملى الصحفى، فلم أتحمل اعترافها بتناول أجزاء منه.
إن هذه القضية أحدثت صدمة لدى الرأى العام، وتعد من أغرب وأبشع حوادث القتل فى البلاد ببشاعتها وطريقتها التى تحدث لأول مرة بين البشر فى بلادنا، خاصة أن المتهمة هى الأم التى تمثل لصغيرها الحضن والأمان والملاذ، ولم نرَ مثلها من قبل، وما بين الرجاء الذى انتابنى بأن يكون بها مرض عقلى، وما بين محاكمتها للقصاص منها لما ارتكبته من جرائم فظيعة. كنت أدور فى فلك المتابعة للتحقيقات وجلسات محاكمتها وترقب الحكم الذى هو عنوان الحقيقة، لكننى وبحاستى وخبرتى الصحفية وأمام إخراج هيئة المحكمة للمتهمة من قفص الاتهام للمثول أمامها ومناقشتها مراراً وتكراراً فى كيفية ارتكابها الواقعة، ولماذا قتلت ابنها، وهى فى كل مرة تشرح أنها «مش هاتعمل دا تانى ومش هاتشاكل مع حد ولاهاقتل ابنى تانى ودى غلطة وخرجونى من هنا أنا عاقلة والله» وتشير إلى اللجنة وتقول «عايزين يطلعونى مجنونة ويبوظوا سمعتى» وتعيد طلبها بأن تخرج «ومش هاتعمل كدا تانى». هنا أيقنت أن المحكمة أرادت أن تشاهد وتفحص وتمحص حركات وتحركات المتهمة أثناء مناقشتها فى جلسات المحاكمات العلنية ومدى اتساق كلماتها مع إدراكها الحسى والسمعى والبصرى، خاصة أن هيئة المحكمة الموقرة كان أمامها تقريران طبيان مختلفان، الأول أصدرته اللجنة الثلاثية يؤكد سلامة قواها العقلية، والآخر أعدته اللجنة الخماسية ويؤكد أن المتهمة كانت تعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب ذهنى وعدم سلامة قواها العقلية. وأنها غير مسئولة عن فعلها، وعندما حجزت المحكمة القضية للنطق بالحكم دون إحالة أوراقها أيقنت تماماً أن المحكمة لاحظت وأبصرت عدم إدراك المتهمة ما ارتكبته مما يجعلها تفلت من العقاب بحكم الآفة العقلية، وذلك طبقاً لنص القانون الذى يقضى فى مثل هذه الحالات التى بها مرض عقلى بامتناع العقاب. أى يُمتنع عقابها لعدم إدراكها ما تفعله. كان هذا واضحاً وجلياً عند صدور الحكم عليها أيضاً، حين أعلن المستشار سلامة جاب الله رئيس دائرة الجنايات الحكم ببراءتها وإيداعها مستشفى العباسية للصحة النفسية والعصبية، فجاء منطوق الحكم، يقضى ببراءة المتهمة من التهم المنسوبة إليها كونها تعانى آفة عقلية، وإيداعها إحدى منشآت الصحة النفسية، فقد كانت المتهمة غير عابئة بصدور حكم براءتها، وكانت تجر قدميها أثناء خروجها من قفص الاتهام لحظة النطق بالحكم، وأثناء إعادتها إلى القفص عقب صدور الحكم، ولم تبدِ أية إيماءة أو أى رد فعل لا بالفرح ولا بالحزن، وكأنها لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: بين السطور رئيس دائرة الجنايات الرأي العام
إقرأ أيضاً:
النهضة الكروية في المغرب.. نافذة على التقدم الشامل للبلاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حقق المغرب فى السنوات الأخيرة ثورة مهمة فى المجال الكروى جعلته يحتل مركز الصدارة على مستوى منافسات الرجال والسيدات وأيضا الفئات السنية، ولم يكن ذلك أبداً ضربة حظ بل نتاج خطة أعدت قبل سنوات وفقاً لتوجيهات العاهل المغربى محمد السادس الذى يقدم منذ توليه سدة الحكم دعماً قويا للرياضة المغربية، رؤية حققت أهدافها وباتت تنعكس على حاضر ومستقبل الكرة المغربية.
يعتقد البعض أن البداية كانت عندما حقق أسود الأطلس تألقا عالميا ببلوغ المنتخب نصف النهائى فى مونديال قطر 2022 وفوزه بالمركز الرابع متخطيا بذلك أكبر الفرق الأوروبية، لكن المنتخب الحالى لم يقم إلا بإعادة أمجاد المنتخب المغربى فى مونديال مكسيكو 1986، حيث كان أول منتخب أفريقى وعربى يصل إلى الدور الثاني، حدث كروى تألق فيه ألمع اللاعبين المغاربة مثل حارس المرمى الاستثنائى بادو زاكي، ميرى كريمو، محمد تيمومي، عزيز بودربالة، عبدالمجيد الظلمى وغيرهم..، لذلك يمكننا القول أن المنتخب المغربى الحالى هو استمرار لإرث تاريخى لكنه تجاوز سقف التوقعات وكتب فصلاً متفرداً فى تاريخ كرة القدم المغربية والأفريقية.
يعتمد المغرب على أساليب القوة الناعمة لتثبيت مكانته على الصعيد العالمي، وكان للكرة المغربية دور بارز فى ذلك، حيث إن الطفرة الكبيرة التى حصلت لها، ساهمت فى منح المغرب وجاهة دولية جعلته يحظى بثقة المؤسسات الكروية الدولية والظفر بشرف تنظيم عدة محافل قارية وعالمية تأتى فى مقدمتها بطولة كأس الأمم الأفريقية تحت 23 عاماً وكأس الأمم الأفريقية للسيدات 2022، كأس العالم للأندية، كأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030 رفقة إسبانيا والبرتغال.
من الشخصيات التى لعبت دوراً محورياً فى تطوير الكرة المغربية، فوزى لقجع، أصغر رئيس فى تاريخ الجامعة المغربية لكرة القدم، اسم يهز عالم الإدارة الرياضية، صاحب رؤية واضحة غيرت خريطة كرة القدم العربية والأفريقية، من أبرز الداعمين لمشروع "أكاديمية محمد السادس لكرة القدم"، هذا الاستثمار المهم الذى حقق نتائج مبهرة، تم تأسيسه سنة 2007 بمبادرة من الملك محمدالسادس، بهدف تنمية المواهب الكروية الشابة، هذه الأكاديمية ذات المواصفات العالمية تجمع بين الرياضة والدراسة، تعتمد على أحدث التجهيزات وأهم الشراكات مع أكبر المدربين العالميين، كلفت المغرب 16.8 مليون دولار، وتمتد على مساحة 30 هكتارا، تستوعب 60 طالباً تتراوح أعمارهم بين 12 و18سنة، تحتوى على 3 مستويات تعليمية، مجمع سكنى للطلاب، مطاعم وأماكن ترفيهية، ساهمت فى تكوين عدد كبير من اللاعبين الموهوبين الذين أصبحوا نجوماً فى المحافل الدولية أبرزهم عزالدين أوناحى لاعب مارسيليا الفرنسي، المهاجم يوسف النصيرى لاعب إشبيلية الإسبانى والمدافع نايف أكرد لاعب ويستهام الإنجليزي.
النهضة الكروية فى المغرب، هذا النموذج الذى يحتذى به فى أفريقيا والعالم العربي، ليس مجرد إنجاز رياضى مشرف يجسد التحول العميق فى نهج الرياضة فى المغرب، بل هو نافذة على التقدم الشامل الذى تعرفه المملكة المغربية فى مختلف المجالات.
*كاتبة وإعلامية مغربية