النقاط الكمومية.. كيف جعل علماء نوبل للكيمياء حياتنا أكثر تلوينا ورفاهية؟
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
تخيّل أنك حبست فأرا في صندوق عريض، سيتحرك حينها ذهابا وإيابا داخله، ولكنك إذا ضيقت عليه الخناق ونقلته إلى مصيدة صغيرة محدودة المساحة سيتغير سلوكه حينها ويبذل المزيد من الجهد لتخفيف الخناق المفروض عليه، فيخرج قدميه من المصيدة.
مع الفارق، فإن الإلكترونات داخل المواد تفعل الشيء ذاته، فكلما ضغطت المادة إلى أحجام أصغر، ستكون هناك مساحة أقل لحركة الإلكترونات بداخلها، والتي هي عبارة عن موجات وجسيمات.
وكما يفعل الفأر، ستحاول الإلكترونات تخفيف التنافر بينها، فتزيد الفجوة بين مستويات الطاقة، وهو ما يسمي "الجسيم داخل صندوق"، وهذا سيؤدي إلى تغييرات جذرية في خصائص المادة الفيزيائية والضوئية، لاسيما في لونها.
بهذا المثال، يقرب الدكتور ياسر حسن، الأستاذ المساعد بقسم الكيمياء بجامعة قطر وأحد مؤسسي مبادرة "العيادة التعليمية"، إلى الأذهان مفهوم النقاط الكمومية التي تم تكريم روادها بجائزة نوبل في الكيمياء عام 2023، فهي في أبسط تعريفاتها عبارة عن "جسيمات صغيرة يبلغ قطرها بضعة نانومترات فقط، ويمكنها إطلاق ضوء ملون نقي ساطع للغاية عند استثارتها، وتشمل تطبيقاتها في الحياة اليومية المختلفة من شاشات التلفزيون وأجهزة الإلكترونيات والطاقة الشمسية وتخليق الهيدروجين الأخضر، وكذلك بعض التطبيقات في المجال الطبي مثل التصوير الطبي".
ويقول حسن -الذي كانت أطروحته للدكتوراه من جامعة تورونتو عن تلك المواد- في تصريح هاتفي للجزيرة نت "هذه الجسيمات يتراوح حجمها بين 1.5 و10 نانو (وهو واحد على مليار من المتر). وكلما قل الحجم، ازدادت الفجوة بين مستويات الطاقة (في اتجاه اللون الأزرق)، وكلما ازداد الحجم تقل الفجوة، فيظهر لونا في اتجاه الضوء الأخضر ثم إلى الأحمر وهكذا".
الباحث ياسر حسن كان قد نشر صورة لأحجام نانومترية من مادة "سيلينيد الكادميوم" بألوان مختلفة على صفحته على فيسبوك لشرح النقاط الكمومية.
ويقول بشأن هذه النقاط "يمكنك أن تحصل على ألوان الطيف من الأزرق وحتى الأحمر، ويتحكم في ظهورها الحجم وليس التركيب الكيميائي، لأنه واحد في ألوان المادة المختلفة. لكن كلما قل الحجم، ظهر الضوء الأزرق، وإذا زاد الحجم ننتقل في اتجاه الضوء الأخضر ثم إلى الأحمر".
علماء نوبل للكيمياء 2023 وضعوا معالم في طريق تطوير "النقاط الكمومية" (رويترز) تنبؤات ريتشارد فاينمانهذا التغير الذي يحدث في خصائص المواد كلما اتجهنا نحو التصغير، كان قد تنبأ به الفيزيائي الأميركي الشهير ريتشارد فاينمان، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1965، وذلك في محاضرة شهيرة حملت عنوان "هناك مساحة كبيرة في القاع" خلال الاجتماع السنوي للجمعية الفيزيائية الأميركية بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 1959، وتبعه في ذلك عالم الفيزياء النظرية الياباني جون كوندو.
ويقول حسن: ريتشارد فاينمان هذا الفيزيائي النظري العبقري أعلن في محاضرته أن هناك أحجاما أقل للمواد من "الميكرو"، وهو أصغر حجم للمواد كان معروفا حينها. ثم تساءل وكأن شاشة عرض فتحت له على المستقبل "هل من الممكن التحكم بالذرات والجزيئات وتغيير أماكن الذرات للحصول على مواد جديدة لها خصائص فيزيائية وكيميائية فريدة تؤهلها للعديد من التطبيقات؟".
وكانت فكرة فاينمان أنه "كلما صغر الحجم، سيزيد عدد الذرات على السطح، وهذا يزيد كيميائيا من فرص التفاعل والنشاط الكيميائي، وفيزيائيا تكون للمواد سلوكيات مختلفة، وسيكون لذلك انعكاس على التطبيقات".
هذه النظرية، التي وضعها فاينمان وتقوم على وجود تأثيرات كمومية للمواد تعتمد على الحجم، كان هناك اعتقاد بصعوبة تطبيقها عمليا حتى نجح أليكسي إكيموف خلال الثمانينيات في إنشاء تأثيرات كمومية تعتمد على الحجم في الزجاج الملون، حيث جاء اللون من جسيمات "كلوريد النحاس" النانوية، وأثبت إكيموف أن حجم الجسيمات يؤثر على لون الزجاج من خلال التأثيرات الكمومية.
وإكيموف هو أحد الفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء هذا العام، وهو مولود في روسيا، ويعمل حاليا في شركة "نانوكريستلز تكنولوجي"، ومقرها الولايات المتحدة.
وبعد سنوات قليلة، أصبح الفائز الثاني بالجائزة هذا العام لويس بروس، الأستاذ بجامعة كولومبيا في نيويورك، أول باحث في العالم يثبت التأثيرات الكمومية المعتمدة على الحجم في الجسيمات التي تطفو بحرية في الموائع.
وفي عام 1993، أحدث الأستاذ بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا بأميركا منجي الباوندي، المولود في باريس لأب تونسي وأم فرنسية، ثورة في الإنتاج الكيميائي للنقاط الكمومية (صفرية الأبعاد الثلاثة)، مما أدى إلى إنتاج جسيمات مثالية تقريبا في محاليل يسهل دراستها واستخدامها.
كانت هذه الجودة العالية التي أتاحها الباوندي ضرورية لاستخدام النقاط الكمومية في التطبيقات، حيث تضيء تلك النقاط الآن شاشات الحاسوب وشاشات التلفزيون المعتمدة على تقنية "جهاز عرض النقاط الكمومية" (كيو آل إي دي)، كما أنها تضيف فارقا هائلا إلى كفاءة ونقاء ضوء مصابيح "ليد"، ويستخدمها علماء الكيمياء الحيوية والأطباء لرسم خريطة للأنسجة البيولوجية، كما يمكن لضوئها الواضح أن يضيء أنسجة الورم للجراح.
ويعتقد الباحثون أنه في المستقبل، يمكن لهذه النقاط الكمومية المساهمة في الإلكترونيات المرنة، وأجهزة الاستشعار الصغيرة، والخلايا الشمسية، والاتصالات الكمومية المشفرة.
ويقول حسن إن "هذا التطور الذي شهدته النقاط الكمومية يلخص المسار الذي دائما ما يسلكه أي علم جديد، حيث يبدأ بنظريات يضعها الفيزيائيون النظريون أو علماء الرياضيات، وهو ما حدث من خلال النظرية التي وضعها شرودنجر وتبعه علماء مثل جون كوندو وريتشارد فاينمان عام 1959، ثم يأتي علماء فيزياء الجوامد، ويمثلهم في هذه الحالة أليكسي إكيموف، ويحاولون تحضير المادة في الحالة الصلبة، ويأتي الكيميائيون، ويمثلهم لويس بروس ومنجي الباوندي، ويحاولون إنتاج المادة كيميائيا في محاليل، بما يمهد الطريق للإنتاج التجاري لها".
أحدث الأستاذ بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا منجي الباوندي ثورة في الإنتاج الكيميائي للنقاط الكمومية (رويترز) إضافة اللون إلى تكنولوجيا النانووإذا كان لتكنولوجيا النانو أشكال وصور مختلفة، فإن ما يميز النقاط الكمومية هو أنها أضافت اللون النقي إلى تلك التكنولوجيا، وهو ما من شأنه أن يسهم في إطلاق ضوء نقي ساطع للغاية بألوان متعددة يسهل التحكم فيها، له تطبيقات متعددة في حياتنا اليومية، مثل الإلكترونيات -التي جعلت حياتنا أكثر رفاهية- والتصوير الطبي.
ويقول الأستاذ بجامعة تكساس إل باسو الأميركية أحمد الجندي، في تصريح هاتفي للجزيرة نت، إن المواد شبه الموصلة بشكل عام تتمتع بخصائص بصرية وإلكترونية يمكن هندستها من خلال تركيبها وبنيتها البلورية، مشرا إلى أن استخدام أشباه الموصلات مثل "زرنيخيد الغاليوم" يؤدي إلى ظهور تقنيات مختلفة من أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة إلى أجهزة الليزر والأقمار الصناعية.
ويوضح الجندي أن إنتاج نقاط كمومية لأشباه الموصلات من تلك المواد يضيف إمكانيات إضافية لها، فنظرا لتقليل حجمها إلى مقياس النانومتر في جميع الأبعاد الثلاثة، فإن حركة الإلكترون المقيدة تؤدي إلى بنية إلكترونية منفصلة تشبه الذرة ومستويات طاقة تعتمد على الحجم، ويتيح ذلك تصميم مواد نانوية ذات امتصاص للضوء قابل للضبط على نطاق واسع، وانبعاث ساطع للألوان النقية، والتحكم في النقل الإلكتروني، وضبط واسع للوظائف الكيميائية والفيزيائية بسبب نسبة السطح إلى الحجم الكبير.
ويشرح محمود عبد الحفيظ، الأستاذ المشارك بقسم الفيزياء وعلم الفلك بجامعة أوبسالا بالسويد وأحد مؤسسي مبادرة العيادة التعليمية، كيفية توظيف النقاط الكمومية لمواد أشباه الموصلات، قائلا -في تصريح هاتفي للجزيرة نت- إن "كيمياء سطح تلك المواد القابل للضبط يتيح استخدامها كملصقات بصرية في التصوير الحيوي، وهو ما أصبح ممكنا عن طريق ربط النقاط الكمومية بالبروتينات والأجسام المضادة، مما يسهل تحميل وتوصيل الدواء عن طريقها. كما يمكن تصميم معالجة أسطح تلك المواد بجزيئات ذات وظائف كيميائية وفيزيائية مختلفة بطريقة تزيد من الموصلية وتتيح نقل المحفزات الضوئية والكيميائية إلى إشارات كهربائية، وهو ما يكون مفيدا في الأجهزة الإلكترونية الضوئية مثل الترانزستورات وأجهزة الكشف الضوئي والكاميرات الحساسة للضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء".
ويضيف أن "التطور الذي حدث بتصنيع النقاط الكمومية ومعالجتها في محلول لاحقا عند ظروف معتدلة، أدى إلى تمكين التصنيع على مساحة كبيرة، وهو الإنجاز الذي أحدثه منجي الباوندي، وساعد على توسيع نطاق تطبيقها ليشمل مجالات الإلكترونيات الاستهلاكية والخلايا الكهروضوئية، وكذلك العالم الأميركي الشهير بول أليفيساتوز، الرئيس الحالي لجامعة شيكاغو، الذي له أثر كبير في تحضير النقاط الكمومية في ظروف معتدلة صديقة للبيئة".
كلما قلّ حجم النقاط الكمومية ازدادت الفجوة بين مستويات الطاقة في اتجاه اللون الأزرق (سامسونغ) تكريم تأخر كثيراوإضافة لهذه المجالات، فقد نجح إبراهيم الشربيني، المدير المؤسس لبرنامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر ومدير مركز أبحاث علوم المواد بالمدينة، وفريقه البحثي في توظيف تلك المواد الكمومية في العديد من التطبيقات الطبية، التي اعتمدت على خصائصها الضوئية.
ويقول الشربيني، في تصريحات هاتفية للجزيرة نت، "استخدمناها في إنتاج مستشعرات تستخدم الخواص الضوئية للمواد في الكشف عن نسبة السكر في الدم، كما استخدمناها في مستشعرات تتنبأ ببعض الأمراض قبل حدوثها من خلال تتبع بعض المؤشرات الحيوية".
ويضيف أن "من التطبيقات المهمة لها أيضا هو التوصيل الدوائي عن طريق تحميل بعض المواد العلاجية عليها، وإن كان هذا التطبيق الذي تم إثباته معمليا لم يحظ حتى الآن بقبول، بسبب أن النقاط الكمومية مصنوعة من معادن، وبالتالي فإن دخول مواد بحجم النانو إلى الجسم يمكن أن تكون له تأثيرات خطيرة على الصحة".
ولأن الشربيني يدين بالفضل لهذه النقاط الكمومية في الكثير من الإنجازات البحثية، فإنه أعرب عن سعادته البالغة بحصول روادها على الجائزة، قائلا "هذا تكريم تأخّر كثيرا".
ومنذ بدأت إدارة جائزة نوبل تميل في جوائز الكيمياء لتكريم مجالات النانو المختلفة، بداية من عام 1996 عندما تم تكريم مبتكري الجزيء العجيب من الكربون المعروف باسم "كرة باكي"، ومرورا بتكريم مبتكري الغرافين عام 2010، كان الشربيني يتوقع تكريم مبتكري النقاط الكمومية.
ويقول "هؤلاء العلماء مهدوا الطريق لنقل الكيمياء من شكلها التقليدي -حيث التفاعلات المعروفة بين الجزيئات- إلى مستوى جديد وهو كيمياء النانو، مما أدى إلى صياغة مركبات جديدة بخصائص مختلفة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: النقاط الکمومیة الکمومیة فی للجزیرة نت تلک المواد على الحجم فی اتجاه من خلال وهو ما
إقرأ أيضاً:
اختراعات تحدد شكل حياتنا في المستقبل.. تعرّف على علامات اختراق حساباتك
مع زيادة عمليات القرصنة وبرامج الفدية والهجمات الإلكترونية حول العالم في السنوات الأخيرة، فإن أكثر ما يقلق مشغّلي الأنظمة هو هجمات “حقن البيانات المزيفة”، التي تعتبر أخطر أنواع القرصنة وأكثرها خبثًا، حيث يمكن لأي مهاجم متمكن قلب النماذج الحاسوبية وعمليات تحليل البيانات القائمة على الذكاء الاصطناعي، التي تضمن التشغيل الآمن للشبكات الكهربائية ومحطات الطاقة النووية والمستشفيات والمصانع وأنظمة الملاحة الجوية، في أي دولة ضد نفسها.
حيث يخترق المهاجم الدفاعات الرقمية والإلكترونية، ويغذي أجهزة الحاسوب التي تتحكم في هذه الجهة ببيانات ومعلومات وهمية ومتعارضة، وبهذه الطريقة يخدع نظام الحماية كله، فالكل يعتقد أن ما يحدث أمر طبيعي، ويسيطر المخترق بعد ذلك على المحطة أو المنشأة بالكامل، قبل أن يدرك الموظفون ما يحدث، والنتائج بطبيعة الحال ستكون كارثية بكل المقاييس.
وهو ما جعل العلماء والباحثين يسعون لإيجاد حلول وتقنيات جديدة “مدركة ذاتيًا” لحماية أنظمة التحكم الصناعية والطبية وغيرها ضد التهديدات الداخلية والخارجية.
هذا التحدي وغيره ستكون محل نقاش وبحث بين خبراء الأمن السيبراني خلال “بلاك هات 24” الذي تستضيفه العاصمة الرياض حاليًا.
* الهجمات على الأنظمة الصحية زادت بنسبة ٥٥٪
يحذر البروفيسور عوض العمري، الخبير في القطاع الصحي، من أن التقديرات العالمية تشير إلى أن الهجمات السيبرانية على الأنظمة الصحية زادت بنسبة ٥٥٪ في السنوات الأخيرة، ما يعكس الحاجة الملحة لتوفير بيئات رقمية آمنة لحماية البيانات، وضمان استمرارية الخدمات الصحية.
وقال: في الولايات المتحدة وحدها، تؤدي الهجمات الإلكترونية إلى خسائر سنوية تتجاوز ٦ مليارات دولار نتيجة تعطل الأنظمة، أو سرقة البيانات الحساسة.
هذا الواقع يبرز أهمية البيئة الرقمية الآمنة، كعنصر أساسي في تحسين رحلة المريض وضمان سلامته، خاصة مع تسارع التحول الرقمي الذي يشهده القطاع الصحي عالميًا.
وتعتمد رحلة المريض الحديثة على أنظمة متقدمة، مثل السجلات الطبية الإلكترونية، والتطبيب عن بعد، وتطبيقات إدارة المواعيد، مما يجعل حماية البيانات الرقمية أمرًا حيويًا، لضمان تقديم خدمات صحية موثوقة وآمنة.
وتوفر البيئة الرقمية الآمنة حماية للمعلومات الشخصية والطبية الحساسة، مما يعزز ثقة المرضى بمقدمي الرعاية الصحية. هذه الثقة تدفع المرضى إلى تقديم بيانات دقيقة وشفافة، وهو ما يساهم في تحسين جودة التشخيص والعلاج. كما تقلل البيئة الرقمية الآمنة من الأخطاء الطبية الناتجة عن فقدان أو التلاعب بالبيانات، مما يحسن من سلامة المرضى بشكل مباشر.
وبالإضافة إلى ذلك، يسهل تخزين البيانات بشكل آمن ومنظم على الفرق الطبية الوصول إليها بسرعة، مما يعزز من كفاءة اتخاذ القرارات السريرية.
وفي هذا السياق، حققت المملكة بحمد الله قفزات نوعية في رحلتها نحو التحول الرقمي، مدفوعة برؤية 2030 التي تهدف إلى بناء بنية تحتية رقمية قوية وآمنة.
وقد نجحت المملكة في تحقيق إنجازات بارزة في مجال الأمن السيبراني، ما جعلها تحتل مراتب متقدمة عالميًا.
وأسهمت هيئات متخصصة مثل الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في وضع معايير صارمة لحماية الأنظمة الرقمية، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصحة.
وهذه الجهود مكنت القطاع الصحي من تقديم خدمات مبتكرة، تعتمد على تقنيات متقدمة، مثل التشفير الذكي والذكاء الاصطناعي، مما يضمن حماية بيانات المرضى وتحسين تجربتهم العلاجية.
ولقد أصبحت رحلة التحول الرقمي في المملكة نموذجًا رائدًا لبناء بيئات آمنة وفعالة، تعزز من رفاهية الإنسان وجودة الرعاية الصحية. والقادم أجمل وأفضل بإذن الله.
* “بلاك هات” ليست مجرد فعالية
يؤكد الباحث عبدالرحمن الكناني، وهو المتخصص في اكتشاف المخاطر والثغرات والمؤسس لشركة “سايبر”، أن المملكة شهدت بفضل الله نقلة نوعية في مجال الأمن السيبراني، تمثلت في استضافة فعاليات عالمية كبرى مثل “بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا”. هذه الفعالية الدولية التي تقام حاليًا في الرياض تعد من أبرز الأحداث المتخصصة في مواجهة التهديدات الرقمية، وتعزيز الجاهزية الإلكترونية.
* بالأرقام.. السعودية وقوة التأثير
منذ انطلاقتها في المملكة استقطبت الفعالية أكثر من 40 ألف مختص في الأمن السيبراني، من أكثر من 100 دولة، وشارك فيها 450 جهة عارضة من الشركات العالمية والمحلية، بما فيها أبرز الأسماء مثل شركة سايبر. كما تضمنت 200 جلسة نقاشية وورش عمل متقدمة، مما جعلها محطة محورية لتبادل الأفكار والخبرات.
* تحولات جوهرية
خلال سنوات انعقادها أحدثت بلاك هات نقلة نوعية في فهم وتطبيق استراتيجيات الأمن السيبراني، حيث انتقلت من كونها منصة لعرض التقنيات إلى مختبر حي للتجربة. وأصبح الحدث نموذجًا يحتذى به لتطوير السياسات الأمنية ومواجهة التحديات الرقمية المتسارعة، مثل هجمات الفدية والاختراقات المتطورة.
اقرأ أيضاًالمنوعاتتصاعد التوترات الجيوسياسية يرفع أسعار كل من النفط والذهب
* أهميتها للمملكة
تأتي أهمية بلاك هات من قدرتها على دعم قطاعات حيوية كالبنوك، والطاقة، والبنية التحتية الرقمية، من خلال تعزيز القدرات الدفاعية، وتطوير الكفاءات المحلية.
وورش العمل المتقدمة لم تكن مجرد تعليم نظري؛ بل منصة لابتكار حلول تحاكي واقع التحديات الإلكترونية، مما يعزز الاعتماد على الكفاءات الوطنية.
* حاجة متزايدة
في ظل تصاعد الهجمات الرقمية عالميًا أصبح الأمن السيبراني ليس مجرد ضرورة تقنية، بل عاملاً استراتيجيًا لتحقيق التنمية المستدامة.
وتمثل فعالية بلاك هات خطوة حاسمة في تعزيز موقع المملكة كقوة رقمية قادرة على حماية استثماراتها وتطوير بنيتها التحتية، مع بناء جيل من الخبراء القادرين على التصدي لأي تهديد.
“بلاك هات” ليست مجرد فعالية، بل رمز لعصر جديد من الحماية الرقمية والتمكين السيبراني في المملكة.
* كيف نربط الأمن السيبراني بالتقنيات الناشئة؟
تقول د. فاطمة يوسف العقيل، مستشار الأمن السيبراني، والأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود، حول هذا الموضوع: في البداية أعتقد أن معرض ومؤتمر “بلاك هات” هو أهم حدث دولي للباحثين والمبتكرين والمخترعين في مجال الأمن السيبراني، ومن خلاله يتم التواصل مع المختصين والخبراء لمعرفة الموضوعات الحديثة الهامة، التي تلاقي انتشارًا واسعًا محليًا ودوليًا.
ومن أهم الجوانب التي نتطلع إليها في هذا الحدث هو استكشاف تطور ارتباط الأمن السيبراني بالتقنيات الناشئة، ومدى نضج الخدمات والمنتجات في هذا المجال.
فيما يلي بعض التقنيات الحديثة، التي أعتقد أنه من الضروري التوقف عندها والاستفادة منها بشكل أكبر، وكيفية استخدامها في الحماية:
– الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: وتقوم هذه التقنيات بتحليل كميات هائلة من البيانات، والتنبؤ بالتهديدات المحتملة، وعند تطبيق هذه التقنيات يمكن لخبراء الأمن السيبراني تحديد وكشف التهديدات والاختراقات، والاستجابة لها بشكل أسرع وأكثر دقة. إضافة إلى ذلك يتم استخدام هذه التقنيات في القياسات الحيوية السلوكية للمستخدمين، من خلال تحليل أنماط تفاعل المستخدمين مع الأجهزة، مثل سرعة الكتابة وحركة الماوس والتنقل، ومن خلال ذلك يمكننا تحديد التهديدات المحتملة، والتعرف على المتسللين الذين حصلوا على حق الوصول غير المشروع إلى حساب المستخدم.
– سلاسل الكتل Blockchain: على الرغم من ارتباطها بالعملات المشفرة إلا أن لديها القدرة على رفع مستوى الأمان من خلال قدرتها على توفير تخزين آمن للمعلومات الحساسة، من خلال إنشاء قاعدة بيانات لامركزية، وذلك لعدم وجود سلطة مركزية تتحكم في البيانات، مما يقلل فرص المتسللين في الوصول غير المصرح به وكذلك تغيير وتعديل البيانات المخزنة مسبقًا.
– الحوسبة الكمومية Quantum Computing : هي تقنية تستخدم ميكانيكا لمعالجة البيانات، ولديها القدرة على حل المشكلات المعقدة بشكل أسرع بكثير من أجهزة الكمبيوتر التقليدية. وستحدث هذه التقنية تحولاً نوعيًا في مجال التشفير، حيث سيصبح من السهل فك التشفير مما يخلق تحديًا للخوارزميات الحالية ولذا سيصبح هناك تطور مستقبلي في طرق وخوارزميات التشفير.
– الحوسبة السحابية Cloud Computing: تشكل الحوسبة السحابية جزءًا أساسيًا للعديد من الخدمات والمنتجات التقنية، حيث تتيح تخزين ومعالجة البيانات، ولكنها تقدم أيضًا مخاطر أمنية جديدة، لذا فإن الأمن السيبراني قد تطور في هذا المجال، ليشمل تقنيات أمان السحابة لمعالجة هذه المخاطر، مثل المصادقة متعددة العوامل والتشفير وضوابط الوصول. ومن خلال الاستفادة من هذه التقنيات يمكن للشركات ضمان أمان بياناتها في السحابة.
ومن خلال معرض ومؤتمر “بلاك هات” تقدم الجلسات والنقاشات وكذلك الشركات العارضة أحدث التوجهات في هذه التقنيات المفيدة للمجتمعات والبشرية، مما يوسع آفاق المختصين والباحثين، ويتيح لهم التواصل المباشر مع الخبراء والشركات لتطوير منتجات وخدمات تخدم السوق المحلي والعالمي.