لم تغب السينما المصرية عن تجسيد بطولات نصر أكتوبر بعدد كبير من الأفلام، التى تضمنت فى سياقها معاركه، فالسينما دائماً هى الحبل السُرى الذى يصل بين الجمهور والأحداث الحقيقية، والأفلام هى المصدر الأساسى الذى نستمد منه المعلومات الموثقة والمراجعة بدقة من قبل القائمين عليها.

ومن الأفلام التى وثقت الحرب بصورة واضحة «الرصاصة لا تزال فى جيبى»، حيث تدور قصته حول لجوء المجند الشاب محمد إلى غزة عند أحد الفلسطينيين، من الذين يساعدون المقاتلين على الاختفاء حتى تتاح لهم سبل الفرار والعودة إلى أوطانهم، وهو يعتبر من أهم الأفلام التى ناقشت حرب أكتوبر، وقد ساعدت الدولة وقتها فى إنتاجه، حتى يكون جزء منه مشاهد حقيقية وقعت فى الحرب.

«أبناء الصمت» ناقش أحداث الحرب.. و«أغنية على الممر» نقل مشاعر الجنود أثناء الحصار 

وأيضاً فيلم «أبناء الصمت»، حيث ناقش الفيلم خلال أحداثه الحرب عندما أغرق المصريون المدمرة الإسرائيلية إيلات، وضرب الجيش الإسرائيلى مدينة الزيتية بالسويس، وأيضاً حرب الاستنزاف حتى ملحمة العبور وتحطيم خط بارليف، ووثق المخرج محمد راضى أحداث الحرب بكامل تفاصيلها، والذى جاء من بطولة أحمد زكى، السيد راضى، سيد زيان، نور الشريف، وميرفت أمين.

ومن الأعمال التى تبرز استرداد الجيش المصرى الأرض بعد أن رواها بدماء أبطاله، فقد تناول فيلم «أغنية على الممر»، مشاعر الجنود أثناء الحصار، فأحداثه الأساسية تعتمد على فصيلة مشاة مصرية يتم حصارها أثناء حرب 1967، والمشاعر جاءت مزيجاً بين إحباطهم وذكرياتهم وطموحاتهم قبل الحرب وأمانيهم أثناء وقت الحصار الطويل.

كما وثقت السينما لحظات الانتصار بأفلام خلدت ذكرى النصر، منها فيلم «حائط البطولات»، الذى تناول حياة الشعب فى مرحلة الاستنزاف وصولاً إلى العبور بالتركيز على دور قوات الدفاع الجوى، بعلاقات إنسانية متشابكة لجنود وضابط يمرون بمراحل تطوير قوات الدفاع الجوى ومراحل بناء حائط الصواريخ، وإسقاط الطائرة الإسرائيلية كوزرا، التى كانت تمثل آنذاك قمة تكنولوجيا الاستطلاع.

وحاول بعض السينمائيين تناول الحرب بشكل اجتماعى بفيلم «بدور» الذى قُدم عام 1974، من خلال شخصية صابر الذى يذهب للحرب، ويشتعل الصراع مع إسرائيل، ويتم النصر والعبور ويعود مصاباً ويحتفل مع أهل حارته بزواجه، وأيضاً خلال فيلم «الوفاء العظيم» الذى عرض جانباً من الحرب، خلال أحداث اجتماعية وعلاقة حب وصداقة.

كما تم أيضاً عرض فيلم «حكايات الغريب» للمخرجة إنعام محمد على، الذى تدور أحداثه فى الفترة بين ١٩٦٧ وحرب أكتوبر ١٩٧٣ من خلال البطل عبدالرحمن الذى يجسد دوره محمود الجندى، والذى بدأت تصرفاته يظهر عليها الانهزامية والاستسلام بعد الحرب الأولى، إلى أن يحدث العبور ويبدأ فى الوقوف مدافعاً عن وطنه ويبذل روحه ودمه فداء له، وفيلم «الطريق إلى إيلات»، حيث يتناول الفيلم البطولات التى قام بها سلاح البحرية فى تدمير السفن الحربية الإسرائيلية وميناء إيلات، للمخرجة إنعام محمد على.

وحاولت السينما ألا تغفل الجانب الخفى من حرب أكتوبر، ودور الصحافة والإعلام وقت الحرب من خلال فيلم «العمر لحظة» للكاتب يوسف السباعى، والذى يحكى عن حياة الصحفية نعمت وتحديداً مع زوجها رئيس التحرير الذى يعيش حياة اللهو والرفاهية، والذى يدعو فى مقالاته إلى اليأس أثناء الحرب مع إسرائيل، وتم إنتاج الفيلم عام 1978، وكذلك فيلم «الصعود إلى الهاوية»، الذى يدور فى إطار مخابراتى أثناء حرب أكتوبر، حول جاسوسة مصرية يتم تجنيدها من قبل المخابرات الإسرائيلية فى فترة حرب الاستنزاف لتتجسس على مصر، ويتم كشفها فى باريس، وعدد آخر من الأفلام التى ألقت الضوء على حرب أكتوبر.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: حرب أكتوبر حرب الاستنزاف خط بارليف الجيش الذي لا يقهر حرب أکتوبر

إقرأ أيضاً:

عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي

* حفر فى الصخر دون مساندة من أحد حتى وصل إلى القمة ودفع الثمن من صحته

* كان «نزار قبانى» يرى نفسه فى فيلم «الهولندى الطائر» الذى مثله «جيمس مايسون» أمام «أفا جاردنر»

قصة الفيلم «تدور حول رجل حكمت عليه الأقدار أن يبقى مبحرا ملايين السنين دون أن يكون له الحق أن يشيخ أو يتعب أو يموت أو تستقر سفينته فى مرفأ من المرافئ».

«كان شرط الآلهة الوحيد على «الهولندى الطائر» للخلاص من اللعنة التى تلاحقه أن يجد امرأة تحبه وترضى أن تصعد معه إلى ظهر السفينة الملعونة وتشاركه طوافه غير المجدى فى جميع المحيطات وتقبل بإرادتها أن تبحر معه وترسو معه وتموت معه».

لم يجد «نزار قبانى» مرفأ يقبل دخوله إليه «ولم ترض أسماك القرش أن تصالحه ولم يجد عاصفة لطيفة ترضى عنه ولم يقابل امرأة لديها الاستعداد لتحبه إلى درجة تقبل معها أن تصعد إلى سفينة الأشباح التى يركبها وتبحر معه إلى آخر العمر وتموت معه».

ما إن سمعت وقرأت تلك الصورة الفنية الواقعية حتى وجدتنى أضع «أحمد زكى» فيها إلى جانب «نزار قبانى».

سفينة «نزار قبانى» التى لم يسمحوا بدخولها الموانئ كانت الشعر.

أما سفينة «أحمد زكى» التى لم ترس به على بر فكانت السينما.

وكل منهما لم يجد امرأة واحدة تحتمل حياته وجنونه واكتئابه وأحزانه ويموت على صدرها حبا.

كل منهما بقى وحيدا على سطح سفينته رغم ملايين البشر الذين أحبوه وصدقوه وتابعوه ولكن عن بعد.

أعجب «أحمد زكى» بوجه الشبه بينه وبين «نزار قبانى» لكنه أضاف:

ــ البحث عن مرفأ أستقر فيه هو آخر ما يخطر على بإلى فالمرفأ يعنى الثبات ويعنى نهاية طموح السفينة ويعنى إعجابى بنفسى ويعنى إحالتى على المعاش ويعنى أن أموت ناقص فن.

لم يحل «أحمد زكى» إلى التقاعد وظل يمثل حتى خانه جسمه وخذلته صحته وهاجمت خلاياه مئات من الكائنات الخرافية الشرسة التى يعيش عليها السرطان فى صمت.

ظل يمثل حتى سقط من طوله وعجز عن صلب عوده ولم يعد يرى أمامه.

لم يمت حبا وإنما مات تمثيلا.

لكنه لم ليصل إلى هذه الدرجة الصوفية فى العشق ما لم يكن مخلصا متفانيا لا يغش فى اللعب ولا يتوارى وراء الباطنية لينطق بلسانه بما ليس فى قلبه ولا يمسح جوخا لأحد بل كان يضحى بما يعرض عليه من عمل لو شعر بأنه يمس كرامته ولو مسا خفيفا.

فى عام ١٩٩٤ بدأ «يوسف شاهين» تحضير فيلم «المصير» الذى يروى سيرة المفكر العربى التنويرى «ابن رشد» وعرض فى عام ١٩٩٧.

عرض «يوسف شاهين» على «أحمد زكى» الدورين الرئيسيين فى الفيلم وهما دور «ابن رشد» الذى مثله «نور الشريف» ودور الخليفة «المنصور» الذى مثله «محمود حميدة» لكن فى الوقت نفسه عرض عليه أجرًا لا يزيد عن ٣٠٠ ألف جنيه.

قال «أحمد زكى»:

ــ يا جو هذا نصف أجرى.

ــ كم أجرك فى الفيلم؟

ــ ٦٠٠ ألف جنيه.

ــ لكن يكفى أنك ستعمل مع يوسف شاهين.

احتد «أحمد زكى» قافزا فوق جواد الغرور قائلا:

ــ ما أنت كمان ستعمل مع أحمد زكى.

ولم يتفقا بالطبع بسبب سرعة انفلات أعصابه خاصة بعد أن أصبح نجما.

لكنه فى الوقت نفسه أدرك أن الفنان مخلوق سريع العطب واستثنائى فلم يجد مفرا من مواجهة الأقدار التى فرضت عليه ودخل فى صدام لم يتوقف معها.

أدرك أن عليه أن يحصل على ما يعوضه عن سنوات الشقاء التى حفر فيها فى الصخر دون مساندة من أحد ودون أن يقف إلى جانبه أحد وإنما كان عليه أن يصعد خمس درجات وينزل ثلاثًا ويتقدم عشر خطوات ويرجع خمسًا حتى وصل إلى القمة.

دفع ثمنا باهظا من صحته وجسده وروحه وكأنه بطل تراجيدى فى أسطورة إغريقية تلاحقه العواصف والصواعق كلما شعرت سفينة بالاستقرار.

على أن جائزته الكبرى كانت جمهوره العريض الذى منحه القوة والعنفوان واعترف بأنه واحد منه.

كسر «أحمد زكى» الأسمر البشرة ــ والمجعد الشعر والغليظ الشفتين والمتواضع فى ثيابه والعفوى فى سلوكياته والمتردد فى تعلم قواعد الإتيكيت ــ نجومية فتى الشاشة الأول وحطم النموذج السائد المألوف منذ بدأت السينما فى مصر.

شعر الناس بأنه نجم منهم.

يشبههم ويشبهونه على حد وصف المذيع اللبنانى «زاهى وهبى» وهو يقدمه فى برنامج «خليك بالبيت».

ولد فى دنيا البسطاء ولكن الله منحه موهبة استثنائية بدت مثل ماسة «لاجونا بلو» النادرة.

برقت الماسة بين يديه.

شدنا البريق إليه.

رد الجميل إلينا بالتعبير عنا.

أصبح منا فينا.

لم يختلف عن الذين يتسكعون فى الشوارع أو يعيشون فى العشوائيات أو يقفون على النواصى حتى إن الناس الذين كانوا يقابلونه صدفة لم يتخيلوا أنه «أحمد زكى» بل كانوا يقولون له:

« تعرف إنك تشبه أحمد زكى».

سألته ذات مرة:

ــ هل تملك تفسيرا لنجاحك رغم أن بشرتك ليست بيضاء وشعرك ليس ناعما ولست من أصحاب العيون الملونة؟

أجاب:

ــ زمان كانت السينما نوعا من الحلم يعيشه الناس ساعة ونصف الساعة أو ساعتين بعيدا عن واقعهم الصعب ويسعدهم أن تحب ابنة الباشا ابن الجناينى وينتصر الضعيف على المفترى لكن الآن أصبحت السينما مرآة الإنسان الذى يريد أن يرى نفسه على الشاشة من خلال بطل يعبر عنه ويشعر به وربما يساعده على تحمل الحياة المؤلمة التى يعيشها أو حل ما يصادف من مشاكل وأنا واحد من هؤلاء البشر لا أختلف عنهم لا فى الشكل ولا فى الهم لذلك ارتاحوا لوجودى ونصرونى.

يضيف:

ــ عادة ما ينزل الطلاب الفقراء فى محطة أوتوبيس بعيدة عن بيوتهم خجلا لكن بعد أن مثلت فيلم «أنا لا أكذب ولكن أتجمل» أصبحوا أكثر جرأة ونزلوا فى أقرب محطة أوتوبيس لبيوتهم.

يستطرد:

ــ الفن هنا ليس حلما أو وهما وإنما مرآة يرى الناس فيها وجوههم الحقيقية ليقتنعوا بها ويتكيفوا معها لذلك لا بد أن يكون البطل مثلهم حتى يصدقوه.

يكمل:

ــ إننى فى هذا الفيلم لم أخجل من أن أكون ابن تربى أساعده فى حفر القبور ورش المياه وفى الوقت نفسه طالب مجتهد فى الجامعة.

ــ أليس للسينما الأمريكية تأثير على ذوق المشاهد فى العالم كله حتى عندما تغير من مواصفات النجم بين الحين والآخر؟ ألم تفاجئنا بممثل مثل «داستين هوفمان» و«جاى سمبسون» 

المقال كاملا على صفحات العدد الجديد من جريدة «الفجر»

في صحة أحمد زكيفي صحة أحمد زكيفي صحة أحمد زكي

مقالات مشابهة

  • مصرع طالب هندسة بالفيوم إثر سقوطه من علو خلال عمله بمدينة 6 أكتوبر
  • 5 أفلام إماراتية تنافس في صالات العرض
  • وفاة طالب هندسة إثر سقوطه من علو خلال عمله بمدينة 6 أكتوبر
  • مصرع  طالب فى هندسة الفيوم  إثر سقوطه من علو خلال عمله بمدينه 6 اكتوبر
  • خطورة التوقيت عنوان للمجاعة
  • فكر جديد
  • خانه الجميع (1)
  • التفكير بالتمنى وسكرة ينى
  • أفضل أفلام السينما المصرية على مر التاريخ: «تركت بصمة لا تنسى»
  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي