حكاية صمود لمدة 101 يوم.. السويس تتحول إلى مقبرة لجنود إسرائيل على يد المقاومة الشعبية
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
«يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك وتعيشى انتى.. أستشهد والله وييجى التانى.. فداكِى وفدا أهلى وبنيانى».. أبيات شعر كتبها الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودى، وغناها لأول مرة الفنان محمد حمام، وأعاد غناءها الفنان محمد منير.. هذه الكلمات التى وثقت ببساطة المقاومة الشعبية لأهالى السويس ضد العدو فى حصار لمدة 101 يوم صمدت فيها المدينة وأهلها بأقل الإمكانيات أمام جيش معتدٍ، بل وانتصرت عليه فى «معركة السويس».
فى يومى 24 و25 أكتوبر 1973 وقعت معركة السويس، التى كانت أشبه بحرب مصغرة، وتعد آخر معركة كبرى فى حرب أكتوبر، قبل سريان قرار وقف إطلاق النار، إذ قررت إسرائيل فى 23 أكتوبر اقتحام السويس بلواء مدرع وكتيبة مشاة من المظليين، لكن لسوء حظهم أنهم لم يكونوا على دراية جدية بطبيعة أهل السويس، ومدى فدائيتهم تجاه أرضهم، وبعد 23 أكتوبر وعقب قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.
وقبيل وصول مراقبى الأمم المتحدة، قررت إسرائيل اقتحام السويس، فى السادسة والربع من صباح 24 أكتوبر، وبدأت بالقصف الجوى والمدفعى على المدينة؛ لمحاولة ضرب الروح المعنوية للأهالى المحاصرين بالداخل، إلا أن الجيش المصرى ورجال المقاومة لاحظوا تجنب القصف الإسرائيلى ضرب المداخل الثلاثة للمدينة، ما يعنى وجود خطة لاقتحام المدينة من خلال تلك المحاور.
40 ألف ضابط وجندى ونحو 250 دبابة ومدرعة حاولوا الاستيلاء على السويس، لكن أهالى السويس كان لهم رأى آخر، فقدموا ملحمة سجلها التاريخ تضامناً مع القوات المسلحة، حتى وجدت إسرائيل نفسها فى حضرة شعب لا يعرف الاستسلام، وكبّدها خسائر فادحة وفاضحة بأقل الإمكانيات.
العميد عادل إسلام، القائد العسكرى للسويس، مساء 23 أكتوبر، يعيد تنظيم وترتيب المقاومة، مستعيناً بالفدائيين وأهالى السويس، ولكن قبل الاقتحام بدقائق، فوجئ أهالى السويس بالعدو يقطع عنهم إمدادات المياه والكهرباء وكذلك الاتصالات، ليتم عزل السويس عن باقى المحافظات، ولا يعرف أحد ما سيحدث فى الداخل، واعتقدت إسرائيل أنها ستدخل السويس وتسيطر عليها فى دقائق، وأن أهل السويس سيرفعون الرايات البيضاء مستسلمين، ولكن ما حدث كان درساً فى تاريخ المقاومة والمعارك، ظل يروى فى العالم أجمع، وتتناقله الأجيال، كان فيه الجيش والشعب روحاً واحدة.
فى صباح يوم 24 أكتوبر، وبالتحديد مع الفجر، فوجئ العدو بصيحات التكبير: «الله أكبر.. الله أكبر»، إذ أعلن شعب السويس عن نفسه وعن استعداده للشهادة قبل التفريط فى الأرض التى تمثل له العرض، وبحسب ما قاله قيادات الجيش الإسرائيلى المشاركون فى المعركة، فإنهم تفاجأوا بنيران تنطلق نحوهم من بؤر متعددة، وصفوها بـ«نيران الجحيم».
وبعد قصف استمر 3 ساعات متواصلة، بدأت كتيبة مدرعة التقدم من الجانبين، إلا أنها واجهت كميناً شرساً من رجال الجيش المصرى ومقاومة السويس، دمروا الدبابة الأولى أعلى الكوبرى الضيق، فتراجعت باقى الدبابات للخلف، ولكن بعدها فى تمام الساعة العاشرة وخمسين دقيقة، تقدمت القوة الرئيسية فى 3 موجات متفرقة، كل واحدة مكونة من 8 دبابات تتبع كل واحدة مدرعة، وظلت تمر فى شوارع المدينة ولم تطلق عليها أى رصاصة من جانب الجيش المصرى أو المقاومة، ولكن كل هذا كان أمراً مخططاً له، حتى يعتقدوا فى داخلهم أن السويس سقطت واستسلمت.
الأهالى نصبوا فخاً لقوات إسرائيل فى ميدان الأربعين وجنودها واجهوا الموت ففروا هاربينومع وصول الموجة الأولى إلى ميدان الأربعين، انفجرت شوارع السويس كبركان من الغضب، وتفاجأ العدو بقذائف «آر بى جى» مصوبة نحو دباباته ومدرعاته، حتى تم تحويلها إلى ركام، وبقيتهم لا يصدقون ما يحدث، إذ تحول ميدان الأربعين إلى قطعة من الجحيم، بحسب ما قاله قائد قوة المظلات فى معركة السويس، يعكوف حيساوى، فى تصريحات تليفزيونية.
بدأت قوات إسرائيل يصيبها الهلع والذعر، وكلما حاولت الاحتماء فى أى مخبأ، تجد أهالى السويس يسيطرون عليه، وعلى الفور حاولت الموجتان الثانية والثالثة التراجع إلى الخلف والهرب، بعد رؤيتهما لما حدث فى الموجة الأولى، وخوفاً من تكرار الأمر معهما، وفى المقابل تواجه القنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف الملقاة من أيادى المقاومة عليهما، هذا التسليح البسيط والخوف دب الرعب فى نفوس المدرعات والدبابات، التى بدأت الهرب كالفئران.
وحاولت كتيبة مدرعة أخرى، كانت متمركزة فى منطقة مبنى المحافظة، أن تتقدم، إلا أن أولى دباباتها اصطدمت بلغم مضاد للدبابات زرعه رجال المقاومة، وتسبب فى قطع جنزيرها، وما إن رآها قادة الدبابات حتى استداروا للخلف منسحبين إلى منطقة الزيتية، واختبأ البعض من جنود إسرائيل فى مبنى قسم شرطة الأربعين، بعد أن فقدوا الاتصال ببعضهم البعض، وأصبحوا غير قادرين على معاونة أنفسهم والصمود أمام ثأر رجال المقاومة السويسية.
وبعد أن كان الجيش الإسرائيلى يظن أن السويس سترفع الرايات البيضاء لهم، ويسمح أهلها بدخولهم، إلا أن العكس هو ما حدث تماماً، إذ طلب جنود الجيش الإسرائيلى الاستسلام أمام شعب السويس بعد أن انهارت معنوياتهم، وتأكدوا أن هذه المدينة غير أى مدينة أخرى دخلوها وسيطروا عليها، وأن شعبها لا يعرف معنى الاستسلام.
ويفضل الاستشهاد على أن يترك أرضه فى يد العدو، ومع أذان المغرب كانت المدرعات الإسرائيلية تنسحب من مواقع الاشتباك، تاركين خلفهم 15 دبابة ومدرعة تم تدميرها بالكامل، فقرروا على الفور الانسحاب، واكتفوا بالحصار من الخارج للسويس لمدة نحو 100 يوم، حتى جاء توقيع اتفاقية فض الاشتباك فى 18 يناير 1974، تم فك الحصار بعد أن دفعت إسرائيل الثمن غالياً بسقوط 80 جندياً من قواتها فى معركة السويس.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حرب أكتوبر حرب الاستنزاف خط بارليف الجيش الذي لا يقهر بعد أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
غزة تصنع التاريخ صمود أسطوري وتحرير بدماء الشهداء
بعد أكثر من 470 يوما من الصمود الأسطوري، شهدت غزة تحولا تاريخيا مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة وإسرائيل. هذه المعركة، التي تعد الأطول في تاريخ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت أيضا معركة إرادات وإثباتا لقوة الشعب الفلسطيني في المطالبة بحقه في الحرية والكرامة. اليوم، وبعد دحر الاحتلال، تطل غزة على مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص، بينما تضع المقاومة بصمتها كنموذج يُحتذى به للشعوب الأخرى التي تسعى لتحرير أوطانها، وأصبح أفرادها قدوة يحتذى بها في النضال والمقاومة.
التحولات الجذرية في المنطقة العربية
1- تغيير موازين القوى:
أ- كانت معركة غزة الأخيرة هي نقطة تحول في موازين القوى الإقليمية. المقاومة، بقيادة غرفة العمليات المشتركة التي تجمع كل فصائل المقاومة كلها في غزة، أثبتت قدرتها على مواجهة واحدة من أكثر الجيوش تطورا في العالم.
هذا النجاح العسكري والسياسي أعاد تعريف دور المقاومة في الصراع العربي-الإسرائيلي، وأثبت أن القوة العسكرية ليست حكرا على الدول الكبرى.
ب– بدأت الدول العربية، التي كانت تعتمد في السابق على الدبلوماسية والتفاوض، تعيد تقييم استراتيجياتها. بعضها بدأ يدعم المقاومة بشكل علني، بينما بدأت أخرى في إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل، خاصة في ظل الضغوط الشعبية المتزايدة.
2- الصعود السياسي لفصائل المقاومة:
فلم تعد المقاومة مجرد حركات مسلحة، بل تحولت إلى قوى سياسية مؤثرة. فصائل مثل حماس والجهاد الإسلامي أصبحت تلعب أدوارا رئيسية في تشكيل السياسة الفلسطينية، بل وفي التأثير على السياسات الإقليمية.
أدى هذا التحول إلى إعادة تعريف مفهوم "المقاومة" في المنطقة العربية، حيث أصبحت رمزا للصمود والكرامة، وليس فقط للكفاح المسلح فقط.
3- التأثير على الشعوب العربية:
نجحت المقاومة في غزة إلهام الشعوب العربية التي تعاني من الاحتلال أو الأنظمة الاستبدادية. في لبنان، واليمن، ومصر، وسوريا، وحتى في دول المغرب العربي، بدأت تظهر حركات شعبية تستلهم نموذج غزة في نضالها من أجل الحرية.
هذا التأثير ليس عسكريا فقط، بل أيضا فكريا وسياسيا، حيث بدأت الشعوب ترى في المقاومة الفلسطينية نموذجا للتحرر من الهيمنة الخارجية.
وجه غزة بعد التحرير
1- إعادة الإعمار:
تواجه غزة بعد أكثر من عام من الدمار مهمة إعادة الإعمار. هذه المهمة ليست فقط بناء المباني والبنية التحتية، بل أيضا بناء الفرد والمجتمع والاقتصاد.
ستبدأ الدول العربية والدولية بعرض بمساعداتها لإعادة إعمار غزة، لكن التحدي الأكبر هو ضمان أن تكون هذه المساعدات مستدامة وتخدم مصالح الشعب الفلسطيني، وليس فقط مصالح الجهات المانحة.
2- التحول الاقتصادي:
ستفتح غزة مع انتهاء الحصار الذي فرضته إسرائيل لسنوات أبوابها على عالم جديد من الفرص الاقتصادية. قطاعات مثل السياحة، والزراعة، والتجارة كرافعات اقتصادية رئيسية للقطاع، وبالأخص في حالة إعادة بناء مطار غزة الدولي والميناء البحري.
ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر هو تحويل غزة من منطقة تعتمد على المساعدات إلى منطقة ذات اقتصاد مستقل ومزدهر.
3- التغيير الاجتماعي:
يعاني المجتمع الغزي لسنوات من الحروب والحصار، سيعيد بناء نفسه. الشباب، الذين كانوا في طليعة المقاومة، سيصبحون الآن في طليعة إعادة الإعمار.
ستلعب النساء أيضا أدوارا أكبر في المجتمع، ليس فقط كضحايا للحرب، بل كفاعلات رئيسيات في بناء المستقبل.
المقاومة كنموذج يُحتذى به
1- النضال من أجل الحرية:
أصبح نجاح المقاومة في غزة مصدر إلهام للشعوب الأخرى التي تسعى لتحرير أوطانها. في كشمير، بنغلاديش، والمنطقة العربية التي تعاني ويلات الحكم العسكري والاستبدادي منذ عقود طويلة، وحتى في مناطق أخرى من العالم، بدأت تظهر حركات تستلهم نموذج غزة في نضالها.
هذا النموذج ليس فقط عسكريا، بل أيضا سياسيا واجتماعيا، حيث أثبتت المقاومة أن النضال من أجل الحرية يتطلب إرادة شعبية قوية واستراتيجية واضحة.
2- الدروس المستفادة:
يمكننا استخلاص أحد أهم الدروس من تجربة غزة هو أن النضال من أجل الحرية يتطلب وحدة وطنية. ففصائل المقاومة المختلفة، على الرغم من اختلافاتها، تمكنت من توحيد صفوفها في مواجهة العدو المشترك.
وأهم درس آخر هو أهمية الصمود والإرادة. فبعد أكثر من عام من الحصار والحرب، تمكنت غزة من الصمود وإجبار العدو على التراجع والرضوخ لشروط المقاومة التي مارست فن التفاوض بأعلى مستوياته.
3- التحديات المستقبلية:
تواجه المقاومة رغم النجاحات تحديات كبيرة في المرحلة القادمة. أهم هذه التحديات هو تحويل النجاح العسكري إلى نجاح سياسي واقتصادي.
- أيضا، فإن المقاومة بحاجة إلى الحفاظ على وحدتها الوطنية، وتجنب الانقسامات التي يمكن أن تعيد إنتاج الأزمات القديمة.
يطل على غزة، بعد أكثر من 470 يوما من الصمود، مستقبل جديد مليء بالتحديات والفرص. التحولات الجذرية في المنطقة العربية، التي جاءت نتيجة نجاح المقاومة التي أعادت تعريف موازين القوى وألهمت الشعوب الأخرى في نضالها من أجل الحرية.
ومع إعادة الإعمار، تواجه غزة مهمة بناء مستقبل يعكس كفاحها وصمودها. المقاومة، من جانبها، تضع بصمتها كنموذج يُحتذى به، ليس فقط في النضال العسكري، بل أيضا في بناء مجتمع حر ومستقل.
فغزة اليوم ليست مجرد مدينة، بل هي رمز للصمود والأمل، ونموذج للشعوب التي تسعى لتحرير أوطانها وامتلاك زمام أمورها.