ثمان سنوات مرت على التدخل الروسي في سوريا، حيث تغيرت موازين القوى في البلد الذي شهد ثورة بدأت سلمية ومن ثم تحولت إلى مسلحة، تحت ضغط القمع الدموي للنظام.

يمثل الـ 30 أيلول/سبتمبر 2015، علامة فارقة قد تكون الأهم في تاريخ الثورة السورية، فما بعد هذا التاريخ ليس كما قبله، والثورة التي أخذت بالاتساع بدأت أراضيها تنحسر تحت ضربات الميغ الروسية.



انتعش النظام السوري بطوق النجاة الروسي، الذي نجح بمساعدة النظام عسكريا على استعادة زمام المبادرة، لكنه فشل بجوانب أخرى، ناهيك أن الحرب لم تنته بعد.



بداية التدخل
جاء التدخل الروسي بعد أن فقد النظام كثيرا من الأراضي، وباتت المعارضة والفصائل المسلحة تقاتل في أحياء دمشق وتسيطر على ريفها، كما أحكمت سيطرتها على إدلب واتجهت جنوبا نحو حماة.

شرق البلاد لم يك أفضل حالا بالنسبة للنظام، هناك يسيطر تنظيم الدولة على مناطق شاسعة من دير الزور ويقاتل النظام في أحياء المدينة المتبقية تحت سيطرته كما يحاصر مطار المحافظة، فضلا عن سيطرته على مدينة الرقة التي انتزعها من المعارضة المسلحة.

لم يكن اعتماد النظام على مساعدة حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية، كافيا لقلب كفة الصراع لصالحه، بل بات المشهد وكأن المعارضة والفصائل "الإسلامية" تقضم الأرض شيئا فشيئا من تحت سيطرة النظام.

شعرت إيران بخطورة المشهد، فأوفدت قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إلى موسكو في حزيران/يونيو 2015، لطلب مساعدة الروس، بحسب وكالة رويترز.

تنقل الوكالة عن مسؤول إيراني قوله، "وضع سليماني خريطة سوريا على الطاولة أمام الروس الذين كانوا مرتبكين كثيرا وشعروا بأن الأمور في انحدار وأن النظام أضحى في خطر حقيقي".

يومها أكد الجانب الإيراني أنه لا يزال هناك فرص وقدرة على استعادة زمام المبادرة، وأقنعهم  سليماني حينها أنهم لم يخسروا كل الأوراق، وفقا لرويترز.

وتذكر الوكالة نقلا عن مسؤولين إيرانيين، أن مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف زار طهران قبل سهر من التدخل الروسي، وأجرى مقابلات مع المسؤولين الإيرانيين، على رأسهم حسين أمير عبد اللهيان، الذي يتولى الآن منصب وزير الخارجية.

من جانبها قالت موسكو حينها، إن تدخلها في سوريا جاء نتيجة لطلب رسمي من الأسد الذي تحدث عن مشاكل يواجهها جيشه، عندما قال إن الجيش يواجه نقصا في الطاقة البشرية، مشيرة إلى أن الحلف الجديد يهدف لمواجهة تنظيم الدولة.

لكن العملية الروسية التي بدأت بالقصف المكثف، لم تستهدف التنظيم لوحده، بل شملت فصائل المعارضة حتى تلك التي تقاتل التنظيم، عندها بدا واضحا أن الروس عازمين على منع سقوط النظام.

يقول الخبير العسكري السوري أديب العليوي، "إن التدخل الروسي لم يكن ليحدث لولا وحود ضوء أخضر أمريكي-إسرائيلي، وهو بالأساس، حيث كانت وظيفته بالأساس إعادة التوازن، بعد وضوح اقتراب حسم المعركة لصالح الثوار الذين وصلوا إلى دمشق".

وأضاف في حديث لـ "عربي21"، "أن وإعادة التوازن يعني بالتحديد تطبيق الخطة الأمريكية في سوريا وهي معادلة (لا غالب ولا مغلوب) لذا استطاع التدخل الروسي إمالة الكفة لصالح النظام نسبيا، فلم يكن مطلوب منهم حسم المعركة".

إنقاذ الأسد
منذ اليوم الأول دعمت روسيا النظام السوري لكنها لم تنخرط في الحرب فعليا حتى أيلول/سبتمبر 2015، حيث زجت بعد هذا التاريخ بثقلها العسكري ومثل تدخلها بداية لتراجع المعارضة السورية على الأرض.

هاجمت المقاتلات الروسية مختلف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وبدأ النظام حينها قطف ثمار تدخل موسكو، الذي تجلى باستعادة السيطرة على مدينة حلب شمالي البلاد في كانون الأول/ديسمبر 2016، بعد أربعة سنوات من معارك طاحنة تقاسمت قوات المعارضة والنظام السيطرة على المدينة.

بعد حلب اتجه النظام مدعوما بالغطاء الجوي الروسي، لبقية المناطق من حمص وأريافها حتى العاصمة دمشق، حيث استعاد النظام السيطرة على معاقل المعارضة في غوطة دمشق عام 2018.

وتوالت خسائر المعارضة على طول الخارطة السورية من ريف دمشق وجبال القلمون حتى درعا التي خسرت فيها المعارضة هناك مناطقها منتصف 2018، كما حقق النظام بمساعدة الروس انتصارات على تنظيم الدولة الذي طرد من مناطق سيطرته جنوب الفرات في دير الزور والبادية السورية.

وكانت آخر معارك كسر العظم بين النظام والمعارضة، سيطرته على مدينة خان شيخون بريف إدلب منتصف عام 2019، قبل أن يطغى الجمود على الواقع العسكري في البلاد.

وذكر الخبير العسكري السوري أديب العليوي، "لم يكن للروس تواجد بريا كبيرا، الذي كان واضحا مع المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، بالرغم من مشاركة الروس بريا أحيانا، عبر ضباط ومستشارين أو وحدة فاغنر في بعض المعارك فقط، خصوصا بالمناطق التي تسعى موسكو للسيطرة عليها وتكون في الغالب ذات ثروات طبيعية".

وتابع، "السيطرة الروسية يمكن وصفها بالمعينة حيث تتواجد الشرطة الغسكرية الروسية في حلب وحمص ودرعا مثلا، لكنها بالمقابل دعمت النظام عن طريق الجو بشكل كبير جدا".

وأضاف العليوي، "أن المعارضة كانت تحتاج لصواريخ مضادة للطائرات لإيقاف القصف لاسيما البراميل التي تلقيها الحوامات، لكن الحاجة الأكثر أهمية في حينها تتمثل بالدعم الدولي الصريح والحقيقي لإسقاط النظام".

ويرى العليوي، "أن هناك عدة أسباب حالت دون حسم المعركة لصالح المعارضة، على رأسها التدخل الدولي الذي منع فصائل المعارضة من التقدم باتجاه دمشق، فضلا عن الصراع الداخلي بين الفصائل".



الأرض المحروقة
استخدمت القوات الروسية سياسة الأرض المحروقة، في حربها ضد المعارضة، وهذا يظهر واضحا في مشاهد الدمار الصادمة وأعداد الضحايا الكبيرة من المدنيين في المناطق التي استعادها النظام.

مسحت أحياء كاملة من مدينة حمص وغوطة دمشق وبلدات في درعا وحماة وإدلب ودير الزور، بفعل القصف الروسي، وأدى ذلك إلى مقتل أكثر من 7000 مدني على يد القوات الروسية منذ تدخلها في الحرب عام 2015، بحسب إحصائية للشبكة السورية لحقوق الإنسان صدرت أواخر أيلول/سبتمبر المنصرم.

وتقول الشبكة أنها وثقت مقتل 6954 مدنيا بينهم 2046 طفلا و978 سيدة على يد القوات الروسية لوحدها منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا قبل 8 سنوات.

وأكدت توثيقها بالصور والصورة ما لا يقل عن 360 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا، إلى جانب 1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية من مدارس ومنشآت طبية وأسواق.

ووفقا لتقرير الشبكة فقد قتل 70 من الكوادر الطبية و44 من كوادر الدفاع المدني على يد القوات الروسية خلال 8 سنوات. كما لقي 24 إعلاميا حتفهم خلال الفترة نفسها.

وأوردت الشبكة إحصائية لشن القوات الروسية 237 هجوما بذخائر عنقودية وكذلك 125 هجوما بأسلحة حارقة منذ عام 2015.

وسجلت مدينة حلب أعلى نسبة في عدد القتلى بحسب إحصائية الشبكة الحقوقية، بواقع 2789 مدنيا، تليها إدلب بـ 2593 ضحية من المدنيين.

ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، استذكر العالم ما جرى في سوريا، حتى قال الجنرال أولكسندر سيرسكي قائد القوات البرية الأوكرانية، إن موسكو تستخدم استراتيجية الأرض المحروقة في بلاده كما فعلت في سوريا.

وفي آذار/مارس العام الماضي قالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"؛ إن العقيدة العسكرية لموسكو ترتكز على استخدام الأسلحة الثقيلة والقصف الجوي لتدمير من يقف أمامها، محذرة من أن تستخدم روسيا استراتيجية الأرض المحروقة في أوكرانيا، كما فعلت بالشيشان وسوريا.

تكلفة ثقيلة
تنتشر القوات الروسية في عدد من المواقع العسكرية الروسية في سوريا التي يتجاوز عددها 100 موقع، منها 20 قاعدة تحكّم وسيطرة أبرزها قاعدة "حميميم" الجوية بريف اللاذقية، وقاعدة طرطوس البحرية، وفقا لمركز جسور للدراسات.

وتتواجد القوات الروسية في محافظات دير الزور، الحسكة، الرقّة، حلب، اللاذقية، طرطوس، حماة، حمص ودمشق والسويداء والقنيطرة.

وشارك في ذلك التدخل الروسي منذ بداياته أكثر من 60 ألف جندي، ونحو 26 ألف ضابط، وأدت عملياتها العسكرية إلى القضاء على أكثر من 133 ألف إرهابي، وفقاً لوزارة الدفاع الروسية.

وشكلت القوات الروسية مجموعات عسكرية تابعة لها بشكل مباشر، أبرزهما "الفيلق الخامس" و"قوات النمر" حيث ساهمت المجموعتان بشكل كبير في التقدم الذي أحزره النظام على حساب المعارضة والمجموعات المناهضة له.

ولم تصدر روسيا إحصائية لقتلاها في سوريا، سوى ما أعلنه النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، أندريه كراسوف في آذار/مارس 2019، بأن 112 جنديا روسيا قتلوا خلال النزاع المسلح في سوريا.

اما عن التكلفة الاقتصادية، فقد، أشارت دراسة لمؤسسة البحوث الدولية "أي إتش إس" ومقرها لندن، أن معدل النفقات العسكرية الروسية في سوريا يبلغ بين 3 إلى 4 ملايين دولار يوميا.

ولا تشمل هذه الإحصائية، الدعم بالسلاح الذي قدمته روسيا للنظام، حيث لم تقبض ثمن تلك الأسلحة وحولتها إلى ديون طويلة الأجل، أو اختارت تحصيلها من خلال مزايا أو اتفاقيات تضمن بها مصالحها وتواجدها بالمنطقة، وفقا للأناضول.



انعكاسات حرب أوكرانيا
انعكس الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في شباط/فبراير العام الماضي، بالسلب على وجودها في سوريا، حيث تحول تركيز الكرملين نحو كييف التي أصبحت ساحة لمواجهة غير مباشرة مع الغرب، 

عقب غزو أوكرانيا اتسعت الهوة بين موسكو والغرب بشكل عام، كما أن طول أمد الحرب أثر على الإمكانيات العسكرية الروسية في سوريا.

وتحدثت عن تقارير عن نقل روسيا قوات من سوريا نحو الجبهة في أوكرانيا، وذكرت صحيفة " نيويورك تايمز" الامريكية في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، أن موسكو سحبت أنظمة دفاع جوي رئيسية وبعض القوات من قواعدها في سوريا لتعزيز حربها على الجارة أوكرانيا.

من وجهة نظر الخبير العسكري أديب العليوي، "فإن الحرب الأوكرانية لم يكن لها انعكاسات كبيرة على الوضع في سوريا، على عكس آراء الكثير من الخبراء والمحللين الذين توقعوا تغيرا كبيرا في الساحة السورية".

وعزا العليوي ذلك إلى عدة أسباب أهمها، "أن القوة الروسية في سوريا تعتمد على الجو بشكل أساس فنقل سرب أو أكثر إلى أوكرانيا لن يحدث تغييرا كبيرا على الأرض لا سيما مع حالة الهدوء النسبي الذي تشهده الجبهات في سوريا".

وأردف، "كما لا توجد قوات برية بأعداد كبيرة سوى فقط مجموعات من الشرطة العسكرية والقوات التي تنتشر في حقول النفط والغاز وتساعدها في ذلك قوات فاغنر".

وردا على سؤال حول إمكانية فتح جبهة في سوريا بالتزامن مع تعثر روسيا في أوكرانيا، أجاب العليوي، "أن المعركة في سوريا ليست بين المعارضة والروس، بل مع النظام الذي تساعده موسكو، فإذا فتحت أي جبهة ستتدخل المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني وقوات النظام، أما روسيا ستوفر غطاءا جويا فقط، وكما هو معروف فإن القوات البرية هي من تحسم المعركة، وهذه موجودة فعليا على الأرض متمثلة بالنظام والمليشيات الداعمة له".

وختم بالقول، "إن فتح جبهة في سوريا أمر صعب جدا، لا سيما أن الأوضاع هناك أصبحت أكثر انضباطا، فجميع فصائل المعارضة لا تمتلك قرارا حرا لذا من المستبعد حاليا فتح جبهة 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سوريا الثورة حلب القوات الروسية سوريا حلب الثورة اوكرانيا القوات الروسية تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الروسیة فی سوریا القوات الروسیة الأرض المحروقة التدخل الروسی لم یکن

إقرأ أيضاً:

ديسمبر وقصة ثورتين: حين تمتطي الثورات صهوات جيادها وتنطلق

بقلم / عمر الحويج

لا يظن أحد أن هروب بشار الأسد بأسرته وعياله وماله وذهبه ودولاراته ، وكل ماخف وزنه وعليت قيمته وغلا ثمنه ، وحمل محتويات "بقجته" الثمينة وهرب " او بمصطلح حربنا الدخيلة عرد !! " دون حاشيته ومنافقيه وإعلامييه ومطبليه وحراس سلطته وسلطانه ، من كل جنس ولون ، طيلة نصف قرن وأكثر ، زمان تسلط "الأسرة الأسدية " وتحت إشرافهم في تشريع وتقنين القتل والتعذيب داخل السجون الجهنمية " صيديانا " مثالاً . والقهر والإستبداد الأسطوري ، وحيد زمانه في القياس والممارسة ، وفي المعنى والمبنى ، فريد الشكل والمضمون ، دون شبيه أومثيل له في العصر إلحديث ، إلا بيوت الأشباح للسودان قَرِّيناً . ولكن هل هذا الهروب أو " التعريد بالسوداني" يعني إسدال الستار ، على هذا الحدث المهول الضحم ، وسقط النظام وخلاص ، وكل يذهب إلى حال سبيله ، هل تنتهي هذه البشاعات التي إقترفها هذا النظام المتجبر ، من عاش السنين الطويلة، وهو الأوحد والأعظم والأكبر .
لا بل سوف يبقى فينا السؤال الكبير ، لكي ينير لنا الطريق ، لفهم ما ينتظر سوريا من مستقبل ، أبيض السلام أم أحمر الدماء ، النماء أم الشقاء ، الموت أم الحياة ، والسؤال هو : هل سقط النظام بفعل مسار خطى الثورة ، وتضحياتها فيما تكبدته من مهالك ، جراء أنتقام النظام حين إشعال الثورة ، دون علمه أو إستئذانه حتى!! ، والعمل لإطفاء شعلتها ونورها ، بإستخدام كل ترسانته العسكرية والأمنية والشرطية والشبيحة المخفية ، بما فيها ترسانة كتلته النقدية .. وتحالفاته العينية عبثية !! .
هل تم إسقاط النظام بيد الثورة السورية ، ومثابرتها وصبرها وصمودها أمام مكاره النظام وبشاعة ممارساته النازيو-فاشية .
ام سقطت على يد المسلحين الذين إستولوا على السلطة في سوريا . وإن كان إلى حين ، فمسارها يشوبه الغموض ، وهل الأمور وصلت إلى منتهاها ، باستلام جبهة الشام المسلحة للحكم ، وتكوين حكومتها المؤقته من داخل عضويتها ، دون النظر لآخرين ، ومن جانب آخر متوقع ومتفق عليه في التحكم التركي ، والتدخل حتى في تكوين جيشها وعسكرها الوطني ، شبيه ذلك تحكم جارتنا الشقيقة ، في عسكرنا . ودعمه رغم إخوانيته الإرهابية ، الظاهرة غير مخفية ، ويا للمفارقة !! فقد عزمت مصر على المفاصلة مع تركيا وخصامها ، لإحتوائها ذات الإخوانية الإرهابية في سوريا ، لأنها تضر بأمنها القومي ، أما في بلدنا الهامل ، فالمساعدة والسرعة في الإنجاز لإستلامهم السلطة في السودان ، رغم إراهبيتهم ، لايضر أمنها أي كان نوع الضرر ، في بلد الخير والطيبة والمسكنة !! . وهذه بداية لاتبشر بخير ، لحكام سوريا الجدد .
وهنا السؤال المتفرع من السؤال ، من له الإستحقاق في إستلام السلطة ، بعد إنتصار الثورات ، هل هم الذين يمثلون مكونات الثورة المختلفة ، التي واصلت ثورتها وهي تضحي بأعمار رجالها وشبابها ونسائها ، وآجالهم المنقرضة تحت الدبابات والبراميل المتفجرات ، وهم يواصلون ثورتهم ، في الشوارع التي لا تخون ، وفي السجون وفي القبور الفردية والجماعية ، وفي المنافي للذين هم مجبرون على الهرب من جحيم النظام ، مهاجرين ، نازحين ، لاجئيين ، وهذا الهروب الجماعي ماهو إلا من فعل الثورة، لأنها لو كانت حرب إحتلال للوطن ، لجابهوه بصدور عارية وما هربوا .. ولكن هذه حرب السلطة من أجل السلطة والتسلط .
نعم يحق للشعب السوري أن يفرح ويغني ويرقص ، ومعهم جميع شعوب العالم ، فلها ومعهم أيضاً أن تفرح وتغني ، لإنزياح هذا الكابوس الجاسم على سطح الأرض السورية ، الذي يحسب على البشرية كنقطة ، سوداء يجب أن لا تتكرر . والأكثر فرحاً هم شعوب ثورات الربيع العربي المجهضة ، التي سوف يحيّ فيها الأمل ، ويرفع الأرواح المخذولة ومجهدة ، لحتمية إنتصار الثورات مهما تكاثرت عليها الخطوب والمحن. .وهذا يأخذنا في بحث نتائج هذا السقوط المدوي لبشار الأسد ، لننظر في ملاحظتين هامتين ، كنتائج محتملة ، وهناك غيرها من نتائج ، قطعاً ستفرزه صراعات المشهد السياسي في سوريا قادم الأيام .
- وفور ما نلاحظه في المشهد السياسي السوري ، يأتينا الإستفسار ، هل هذا النصر يعود إلى الفصائل المسلحة بتنوع مشاربها ، وطرق تأسيسها ، التي استدرجها النظام السوري ، بعد الثورة السلمية ، وإدخالها ، لما يوده ويرغبه ، ليقودها إلى نفق التمرد المسلح ، وهو ميدانه المفضل والمضمون ، لكسب المعركة وانهاء هذا التمرد ، وبالتالي دحر واجهاض الثورة التي بدأت سلمية ، كما كانت الثورة السلمية في السودان ، ولنتوقف قليلاً لنأخذها في دربنا المماثل لما ستؤول اليه نهايات الثورة السورية . ونلقي بعض الضوء بماحدث في مسار الثورة السودانية ، فالثورتان متباريات في المصاعب والنهايات ، فالثورة السودانية ناضلت ونجحت بأن تواصل وتستمر في سلميتها ، رغم الضحايا الذين سقطوا غضون الإصرار على هذه السلمية ، رغم محاولات النظام الإسلاموي ، لجعلها تسلك الطريق المسلح ، مايعني جلب الثورة والثوار لميدانه ، الذي يتقنه بما له من الإمكانات الأمنية والعسكرية ، التي يظن أنها كافية ، في دحر الثورة وإفنائها في حينها ولجظتها . حاولها بداية بفض الإعتصام وفشل ، وتم دحر رغبته بالعكس ، وواصلت الثورة في طريق سلميتها ، وهزمته في 30 يونيو ونجحت ، وحين إحتار دليله لجأ لإنقلاب 25 أكتوبر الإنتحاري ، ولكنه فشل ونجحت الثورة ، فقد واصلت الثورة سلميتها ، ولم ينجح الإنقلاب ، حتي في تعيين حكومة تمثله ، وتنطق بإسمه ، حتى يوم الناس هذا ولم يستطع ، بل كان من نتيجة هذا الفشل ، أن النتيجة جاءتهم بالكارثة التي انتهت إلى خوض حربهم اللعينة ، فقد أعلن الطرف الثاني للإنقلاب التوأم الجنجوكوزي ، تبرؤه من هذا الإنقلاب ، بل الإعتذار الصريح عن تورطه ، في هذا الإنقلاب الخديج ، لمصلحة قادمة ، ندريها ولا ندعيها ، فلا مفر سيك سيك معلق فيك يا حميدتي ، وأكثر خسائر الإنقلاب عليهما معاً ، حين فتح بينهما باب جهنم ، بكشف نوايا الطرفين في الاستئثار بالسلطة ، وتحقيق حلم الجنرالين ، الأول برهان ، يصحبه حلم أبيه بالرئاسة، والثاني حميدتي ، يصحبه حلم الطموح ، الذي غذاه ونماه داخله أفراد مستشاريته ، المنطلقة جلها من منبتها الإسلاموي الكيزاني ، حين فشل المؤتمر الوطني في إقناع شعبه بجدواه وإستمراره في الحكم بعد المفاصلة وقبلها ، وهروب المؤتمر الشعبي ، بحثاً عن براجماتية إنتهازية ، تقوده هو الآخر لحكم البلاد ، بذات النهج الاخواني كيزاني ، مستعيناً بذات مفردات المشروع الحضاري المندحر ، حيث خرجت من داخل كل هذه الإخفاقات التآمرية ، متمثلة في الإنقسامات التي شهدناها أيدي سبأ ، وإن كان أخطرها ، هم أولئك الذين التفوا حول حميدتي وإستخدموه بذكاء ، بعد إلباسه لبوس الثورة المجيده ، لهدمها من داخلها ، مضافاً ومضاف اليه ، إستعجالهما ولهفتهما معاً للوصول والنصر في سباق السلطة ، كل قبل توأمه ،
وهنا علينا أن نتاملهما وأنفسنا لنتساءل : ما جدوى السؤال ، في من أشعل الحرب أولاً ، رغم أن كل القرائن والدلائل والإثباتات ، تؤكد أن
قيادات النطام المباد ، هم مشعلوها وهم الذين بادروا بالطلقة الأولى ، فالطرفين كانا جاهزين ، ليكون هو المبادر في إشعال الحرب . الأول بحسمها بعد سويعات ، مدعوماً بالجارة ذات المصلحة في أمنها القومي والحياتي "المعيشي" !! ، لحسمها لصالح البرهان ، بإستخدام الطيران الحربي خاصة مع الدعومات التي سوف تتآلى تباعاً . والثاني برد جميل أطنان الذهب ، للجار الآخر الأبعد ، والوعد بالمزيد من أطنان الذهب المهرب لمصلحة الطرفين ، والوعد القادم بنهب المزيد من الموارد بارضها وخيراتها .
ورغم حرب الإبادة التي إفتعلها الطرفان في السودان لإجهاض الثورة ، لازال الطريق مفتوحاً للثورة السودانية "حين قالت أطرافها لا للحرب " ، لإستعادة دولتها الديمقراطية .
ثم يأتي هنا سؤال المصير للثورة السورية .. لمن يحق له استلام السلطة ، هل يتسلمها من أتى بالسلاح والمحاربين من أصقاع الأرض وجنسياتها التكفيرية، وقد أتى بسلاحه مدججاَ ، والكل يشير ويعلم !! . ام يتسلم السلطة المدنيةالديمقراطية ، الذين جعلوا إنتصار الثورة السورية ممكناً بالنضال السلمي ، ويستمر التساؤل ، هل تُسلم الحركات المسلحة السلطة في سوريا لأصحابها الحقيقيين ، وكفي الله المتصارعين شر القتال ، لمصلحة استقرار سوريا ، لإعادة إعمارها ونهضتها من جديد . أم لازال الطريق طويلاً أمام الثورتين ، السودانية والسورية ، على إنتزاع حقهما في إقامة دولتهما المدنية الديمقراطية .
وإن كان الطريق شاق للثورتين ، وحتى وإن طال السفر ، فإن الثورات تتواصل وتستمر فهي لا تموت .. وقد تنتكس ، ثم كالعنقاء من تحت رمادها تنهض وتنتفض .. ولا تنقضي

omeralhiwaig441@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • ما قصة الضريح الذي حاولت فلول الأسد استغلاله لإشعال الفتنة؟
  • التعاون الخليجي يدعو لرفع العقوبات عن سوريا ويرفض التدخل الخارجي
  • ديسمبر وقصة ثورتين: حين تمتطي الثورات صهوات جيادها وتنطلق
  • الجغرافيا السياسية كانت قاسية على سوريا وهي أشد قسوة على الثورة!
  • خاص | مصدر في الائتلاف الوطني السوري يرجح حلّه بعد سقوط الأسد
  • سوريا.. القوات الروسية تخلي قاعدة بعد 5 سنوات من التمركز فيها
  • شرخ في ضلعين وإصابة في الرئة.. تطورات جديدة في حالة محمد حمدي لاعب الزمالك.. عاجل
  • هذا هو العدو الأكبر المتربص بسوريا الجديدة الآن
  • فرص وتحديات ومخاطر أمام الثورة السورية
  • كيف تطوّرت احتجاجات سوريا إلى حرب أهلية مدمرة؟