صحيفة أثير:
2025-01-21@01:00:01 GMT

نصر البوسعيدي يكتب عن أرمن دبا العُمانية

تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT

نصر البوسعيدي يكتب عن أرمن دبا العُمانية

أثير- نصر البوسعيدي

من الأمور المدهشة التي وجدتها في التاريخ العماني أيام الاستعمار البرتغالي الإسباني في سواحل عمان وجود جنسيات كانت تقيم معنا حتى قبل الاستعمار، والدليل هو وجود بعض المترجمين للغة العربية عملوا مع البرتغاليين في المدن العمانية التي عصف بها هذا الاستعمار ومن ذلك بعض الأرمن.

كان الحراك التجاري في القرون القديمة بمدن الساحل العماني قويًا للغاية واستقطب العديد من الأجناس بمختلف أديانهم، كالذي حدث مثلا في مدينة قلهات التاريخية التي كانت العاصمة العمانية لملوك هرمز وبلاد فارس في بعض فترات التاريخ قبل قدوم البرتغاليين لعمان، فكانت مدينة ثرية للغاية وفيها من القصور ما لا يتخيله أي زائر لها اليوم الذي سيشاهد قرية صغيرة تدمرت بأكملها نتيجة كارثة طبيعية مثلما يُحكى حيث لم ينجُ من هذا الدمار إلا أثر الأميرة بيبي مريم.


وخلال تتبعي لموسوعة الوثائق البرتغالية ببحر عمان وجدت بعض الأجناس حاضرة وبقوة في المدن العمانية التي وقعت تحت الاستعمار البرتغالي الإسباني الذي دون كل تفاصيل وجودهم في المنطقة لأكثر من 147 سنة، فهم يذكرون بأن مدن عمان الساحلية تضم اليهود والمسيحيين والبانيان والعرب والعجم والأرمن!
وقد شدني موضوع وجود الأرمن بهذه الكثرة في المنطقة وتحديدا في مدن الساحل العماني، وبالأخص حينما وجدت أكثر من وثيقة برتغالية مهمة تشير إليهم، والأعجب بأنني وجدت ما يشير في كتاباتهم إلى وجود إذن كتابي من ملك إسبانيا لنزوح أكثر من 12 ألف أرميني للسكن والإقامة في مدينة دبا العمانية!
فهل لكم معي أن تستوعبوا بتساؤل هذا المشهد؟!
وما الذي أتى بالأرمن إلى عمان وبهذا العدد الكبير ولماذا؟!
هنا من خلال رسالة ملك إسبانيا فليب الرابع لابن أخته ونائبه بالهند في 3 فبراير سنة 1635م سنكتشف شيئا فشيئا حقيقة أسباب هذا النزوح الكبير للأرمن اتجاه دبا حيث يقول:
” إلى الكوند ابن اختي ونائبي بالهند أنا الملك أبعث إليك تحيات كثيرة أخص بها من أحب… سبق لي أن أمرتكم في رسالتي المؤرخة في 6 يناير عام 1633م بالتراجع عن قراركم القاضي باستقبال أولئك الأرمن المقيمين في البصرة في المناطق التابعة لدولة الهند، والذين يلقبون بالمسيحيين التابعين للقديس ساو جواو لأنهم يعدون جميعا هرطوقيين تابعين للكنيسة الإغريقية، لذا لا يستحسن إيواؤهم في المستوطنات الجديدة للمسيحيين بتلك الربوع نظرا للخطورة التي يمثلها إدخال 12 ألف محارب أرمني دفعة واحدة بدعوى تعويض النقص الحاصل في عدد المحاربين، إذ من الممكن أن يتواطؤوا مع أعدائنا الأوروبيين وغيرهم، مما قد ينسف مكاسبنا، لهذه الأسباب سبق أن أمرتكم بألا تجندوا إلا الكاثوليك الخاضعين لكنيسة روما وفي عدد قليل لا يدعو إلى اتخاذ الحيطة والحذر وقد منعتكم من اتخاذ أي قرار في هذا الشأن قبل الأخذ برأي المستشارين الذي يساعدونكم، وإشعاري بما قر عليه عزمكم وانتظار ردي، ولقد أجبتموني برسالة مؤرخة في 6 أغسطس وأخرى في 7 أكتوبر من السنة الماضية 1634م نقلها القبطان أنطونيو دو سلدانيا أرفقتموها بالعقد الموقع مع المجموعة الأولى التي وصلت من البصرة والذين عينتم لهم منطقة دبا للاستقرار فيها، وقد بررتم قراركم ذاك بقلة المحاربين وبكون أولئك الأرمن من الكاثوليك وأنه يستحقون الثقة أكثر من المسلمين المقيمين داخل القلاع، كما بررتم قراركم بالأمر الذي قلتم إني وجهته للأسقف دون فري ألييشو دو منيزش حينما كان مسؤولا على شؤون الهند لكي يسمح لأولئك الأرمن بالنزوح، وبعد الاطلاع على تلك الحجج ومعرفتي بالخبرة التي أبدوها (الأرمن) في استعمال المدافع وركوب البحر وخوض المعارك فإني آمركم مرة أخرى باتخاذ الحيطة قبل الترخيص لأولئك الأشخاص بالاستقرار في المناطق الخاضعة لنفوذكم وأن تحرصوا على أن يكون الوافدون عليها من الكاثوليك وعددهم قليل لكي لا يمثلوا أي خطر على الأمن وأن تحرصوا ألا يتجاوز عدد المرخص لهم بالإقامة في دبا العدد المتفق بشأنه في العقد الموقع معهم، وابعثوا لي النسخة الأصلية لتنازل الملك محمد شاه عن منطقة دبا في أول سفينة تغادر الهند”.
وقد قام نائب الملك بالرد على الملك قائلا في رسالته في 15 فبراير من عام 1635م:
” تم تنفيذ تعليمات جلالتكم بشأن منع استقرار مسيحيين آخرين من الأرمن، وأوافيكم رفقته بنسخة من تنازل محمد شاه عن دبا للأرمن المذكورين تنفيذا لأمر جلالتكم”!
حينما نتمعن عزيزي القارئ هذه الوثائق المهمة لنزوح الأرمن نحو دبا فإننا بلا شك سنعي بأن البرتغاليين وملكهم الإسباني فليب الرابع كانوا حريصين كل الحرص على جمع العديد من الجنود والمرتزقة ليعملوا تحت إمرتهم لمساعدتهم في الحفاظ على مناطقهم الاستعمارية، فاتجهوا للتعاقد مع الأرمن كونهم موجودين بصورة كبيرة في البصرة ويجيدون استخدام السلاح وأقوياء كجنود في المعارك وأفضل لحياة ثقتهم من المسلمين، لكن المشكلة الوحيدة التي كانت تخيف الملك فليب الرابع هي ديانة هؤلاء الأرمن كونهم ينتمون للكنيسة الأرثوذكسية التي كانت في صراع دائم ودموي مع الكنيسة الكاثوليكية وهي ديانة البرتغاليين والإسبان، وكون المناطق الاستعمارية التي يحتلونها مهمة للغاية وتواجه خطر الهجمات الفارسية والإنجليزية والهولندية ومن بعدها الهجمات العمانية، فقد كان الملك فليب الرابع يخشى أن ينقلب عليه الأرمن في إحدى هذه المدن المهمة في ساحل عمان والتي تقع تحت نطاق سيطرته المباشرة كمسقط وصحار ومدن الساحل العماني كله، ولذا وبعد تفكير مطول ومشاورات معقدة فيما بينهم، قرروا أن يختاروا مدينة دبا العمانية كي تصبح المكان الحاضن للأرمن بعدما أقنعوا الملك محمد شاه وريث حكم هرمز وبعض مدن ساحل عمان أن يتنازل عن دبا لصالح الأرمن حيث تشير الوثائق البرتغالية إلى نزوحهم هناك وبالآلاف!
ومن الغريب جدا أن ترى كل هذه المؤامرات وإقطاع المدن العمانية من قبل ملك الإسبان الذي كان يعرف عن كل تفاصيلها وبمسمياتها ومواقعها وحجمها وطبيعة سكانها، فقد كان يأمر قادته مثلا برسم كل شيء هناك وكأنها صور فتوغرافية كي يشاهدها ويعرف تفاصيلها وهو على كرسي الحكم في مدريد!
وعلى كل حال فقد كانت دبا هي ضحية النزوح الأرمني في تلك الفترة بأمر من ملك إسبانيا وقادته!
فهل تتخيلون صدمة الأهالي في دبا وقتها من وجود الأرمن حولهم وبينهم وبالآلاف؟!
ألا يشبه هذا الوضع وعد بلفور المشؤوم، حينما أقدمت بريطانيا بإعطاء الصهاينة أرض فلسطين رغم اختلاف الأسباب؟!

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

علي الفاتح يكتب: حرب الاستيطان تُفسد أحلام ترامب!

خلال الساعات الأخيرة لمفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة، بدأ الأمريكيون حديثا مفاده أنّ التطبيع بين المملكة السعودية والكيان الصهيوني سيشكل حافزا للأخير كي يتخذ خطوات جادة نحو حل الدولتين.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يحاول تسويق نفسه كرجل سلام قوي، بعد فرضه اتفاق غزة على مجرم الحرب نتنياهو، لم يشر من قريب أو بعيد حتى الآن، إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا يبدو أنّ هذا الأمر ضمن أجندته في الشرق الأوسط.

لكنه في المقابل مهتم أكثر بإقامة علاقات طبيعية بين المملكة السعودية والكيان الصهيوني ليُتمم ما بدآه أثناء ولايته الأولى فيما عُرف باتفاقات إبراهام للسلام.

لذلك شرع بعض الساسة الأمريكيين في تسويق فكرة أنّ وقف إطلاق النار في قطاع غزة كافٍ للتطبيع بين الرياض وتل أبيب، التي ستعتبره حافزا مشجعا للاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.

يتجاهل الأمريكيون مبدأ الأرض مقابل السلام، الذي تأسس عليه المبادرة العربية ويغفلون عن عمد حقيقة مفادها أن اتفاقات إبراهام لم تغير شيئا في سلوك الاحتلال الصهيوني، بل إن شهوته في سفك الدماء والتوسع في الاستيطان ارتفعت إلى مناسيب جعلت رئيس وزراء الكيان الصهيوني ووزير دفاعه على قائمة المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة.

رغم التحديات الهائلة، التي تواجه إتمام اتفاق غزة بالوصول إلى المرحلة الثالثة للتفاوض حول عملية إعادة الإعمار، إلا أنّ احتمالات نجاحه كبيرة نسبيا، فهناك إصرار مصري قطري على الحيلولة دون انتهاز مجرم الحرب نتنياهو أي فرصة لانتهاك الاتفاق عبر غرفة عمليات مشتركة للمتابعة وحل المشكلات التي تظهر أولا بأول أثناء تنفيذ بنود الاتفاق في مرحلته الأولى.

وهناك سبب آخر يعزز إمكانية صمود هذا الاتفاق عبر مراحله المختلفة يتعلق برغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فليس من المعقول أن يسمح بفشل اتفاق هدد جميع أطرافه بالجحيم إذا لم يتم التوصل إليه قبل دخوله البيت الأبيض، علاوة على ذلك قد يتخذه ترامب مبررا للحديث مع المسؤولين في الرياض لبدء خطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ومع ذلك لن يكون اتفاق غزة كافيا لتحقيق كل أحلام ترامب، فهناك ألغام تنتظر هذا الاتفاق، ليس في غزة، وإنّما في أراضي الضفة الغربية.

اليمين الصهيوني الإرهابي مهّد الأرض لما يمكن وصفه بحرب استيطان شرسة تستهدف ابتلاع مدن وقرى الضفة الغربية كافة، وهو ما ينذر بانفجار عنيف من قبل الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين لتكون حربا أخرى أشد ضراوة من حرب غزة، بسبب طبيعة أراضي الضفة الجبلية بحسب مراقبين عسكريين، ومع عدم وجود رؤية واقعية لإدارة قطاع غزة، بعد وقف الحرب، ورفض حكومة الكيان أي دور للسلطة الفلسطينية في القطاع، تعنت الأخيرة إزاء الاقتراح المصري لتشكيل لجنة إسناد مشتركة تضم شخصيات عامة فلسطينية وتكنوقراط بتوافق بين جميع الفصائل، فمن المرجح أن تصل أصداء المواجهات في الضفة إلى غزة.

حينها ستدخل كل أراضي فلسطين المحتلة في دوامة عنف طويلة وسيواجه جيش الاحتلال حرب استنزاف قد تكبده خسائر مضاعفة عن تلك التي تكبدها على يد رجال المقاومة الغزيين.

في تلك الأجواء، ومع احتمال موافقة ترامب على ضم الضفة الغربية لسلطة الاحتلال سيكون من المستحيل مجرد الحديث عن علاقات طبيعية أو شبه طبيعية بين المملكة السعودية والكيان الصهيوني، بل إنّ أحلام ترامب حول فرض السلام بالقوة ستذهب جميعها أدراج الرياح.

الأرقام هي التي تحذر من دخول الضفة الغربية دوامة عنف واسعة النطاق، فبعد تولي حكومة مجرم الحرب نتنياهو في ديسمبر 2022، صادق ما يسمى بمجلس التخطيط والبناء الأعلى الصهيوني خلال عام 2023 على بناء 12 ألفا و349 وحدة سكنية، و9884 وحدة أخرى في عام 2024.

وبحسب بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية أقام المستوطنون 29 بؤرة استيطانية جديدة خلال العام المنصرم.

وتشير بيانات الهيئة الفلسطينية إلى أنّ حكومة مجرم الحرب صادرت 650 مليون متر مربع، وهو ما يعادل 12% من أراضي الضفة الغربية.

مقالات مشابهة

  • توضيح رسمي حول قضية المواطنة العُمانية الممنوعة من السفر في الهند
  • علي الفاتح يكتب: حرب الاستيطان تُفسد أحلام ترامب!
  • البنوك العمانية تحقـق نمـوا في الأرباح يتجاوز نصف مليار ريال بنهاية 2024
  • الإمام أحمد بن سعيد.. لحمة وطنية وسيادة عُمانية
  • البحرية السلطانية العُمانية تستقبل دفعة من الجنود المستجدين
  • البوسعيدي لـ"الرؤية": عُمان مؤهلة للتحوَُل إلى وجهة عالمية رائدة للاقتصاد الأخضر والتنمية المُستدامة
  • "الصحة" تُثمِّن إسهامات "العُمانية لنقل الكهرباء" في التبرع بالدم
  • سلطان الوهيبي و"العُمانية للنطاق العريض" يحصدان جائزتين مرموقتين
  • بعد السيطرة على الإقليم..أذربيجان تحاكم انفصاليين أرمن في قره باغ
  • مؤمن الجندي يكتب: مراد الانفراد