نصر البوسعيدي يكتب عن أرمن دبا العُمانية
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
أثير- نصر البوسعيدي
من الأمور المدهشة التي وجدتها في التاريخ العماني أيام الاستعمار البرتغالي الإسباني في سواحل عمان وجود جنسيات كانت تقيم معنا حتى قبل الاستعمار، والدليل هو وجود بعض المترجمين للغة العربية عملوا مع البرتغاليين في المدن العمانية التي عصف بها هذا الاستعمار ومن ذلك بعض الأرمن.
كان الحراك التجاري في القرون القديمة بمدن الساحل العماني قويًا للغاية واستقطب العديد من الأجناس بمختلف أديانهم، كالذي حدث مثلا في مدينة قلهات التاريخية التي كانت العاصمة العمانية لملوك هرمز وبلاد فارس في بعض فترات التاريخ قبل قدوم البرتغاليين لعمان، فكانت مدينة ثرية للغاية وفيها من القصور ما لا يتخيله أي زائر لها اليوم الذي سيشاهد قرية صغيرة تدمرت بأكملها نتيجة كارثة طبيعية مثلما يُحكى حيث لم ينجُ من هذا الدمار إلا أثر الأميرة بيبي مريم.
وخلال تتبعي لموسوعة الوثائق البرتغالية ببحر عمان وجدت بعض الأجناس حاضرة وبقوة في المدن العمانية التي وقعت تحت الاستعمار البرتغالي الإسباني الذي دون كل تفاصيل وجودهم في المنطقة لأكثر من 147 سنة، فهم يذكرون بأن مدن عمان الساحلية تضم اليهود والمسيحيين والبانيان والعرب والعجم والأرمن!
وقد شدني موضوع وجود الأرمن بهذه الكثرة في المنطقة وتحديدا في مدن الساحل العماني، وبالأخص حينما وجدت أكثر من وثيقة برتغالية مهمة تشير إليهم، والأعجب بأنني وجدت ما يشير في كتاباتهم إلى وجود إذن كتابي من ملك إسبانيا لنزوح أكثر من 12 ألف أرميني للسكن والإقامة في مدينة دبا العمانية!
فهل لكم معي أن تستوعبوا بتساؤل هذا المشهد؟!
وما الذي أتى بالأرمن إلى عمان وبهذا العدد الكبير ولماذا؟!
هنا من خلال رسالة ملك إسبانيا فليب الرابع لابن أخته ونائبه بالهند في 3 فبراير سنة 1635م سنكتشف شيئا فشيئا حقيقة أسباب هذا النزوح الكبير للأرمن اتجاه دبا حيث يقول:
” إلى الكوند ابن اختي ونائبي بالهند أنا الملك أبعث إليك تحيات كثيرة أخص بها من أحب… سبق لي أن أمرتكم في رسالتي المؤرخة في 6 يناير عام 1633م بالتراجع عن قراركم القاضي باستقبال أولئك الأرمن المقيمين في البصرة في المناطق التابعة لدولة الهند، والذين يلقبون بالمسيحيين التابعين للقديس ساو جواو لأنهم يعدون جميعا هرطوقيين تابعين للكنيسة الإغريقية، لذا لا يستحسن إيواؤهم في المستوطنات الجديدة للمسيحيين بتلك الربوع نظرا للخطورة التي يمثلها إدخال 12 ألف محارب أرمني دفعة واحدة بدعوى تعويض النقص الحاصل في عدد المحاربين، إذ من الممكن أن يتواطؤوا مع أعدائنا الأوروبيين وغيرهم، مما قد ينسف مكاسبنا، لهذه الأسباب سبق أن أمرتكم بألا تجندوا إلا الكاثوليك الخاضعين لكنيسة روما وفي عدد قليل لا يدعو إلى اتخاذ الحيطة والحذر وقد منعتكم من اتخاذ أي قرار في هذا الشأن قبل الأخذ برأي المستشارين الذي يساعدونكم، وإشعاري بما قر عليه عزمكم وانتظار ردي، ولقد أجبتموني برسالة مؤرخة في 6 أغسطس وأخرى في 7 أكتوبر من السنة الماضية 1634م نقلها القبطان أنطونيو دو سلدانيا أرفقتموها بالعقد الموقع مع المجموعة الأولى التي وصلت من البصرة والذين عينتم لهم منطقة دبا للاستقرار فيها، وقد بررتم قراركم ذاك بقلة المحاربين وبكون أولئك الأرمن من الكاثوليك وأنه يستحقون الثقة أكثر من المسلمين المقيمين داخل القلاع، كما بررتم قراركم بالأمر الذي قلتم إني وجهته للأسقف دون فري ألييشو دو منيزش حينما كان مسؤولا على شؤون الهند لكي يسمح لأولئك الأرمن بالنزوح، وبعد الاطلاع على تلك الحجج ومعرفتي بالخبرة التي أبدوها (الأرمن) في استعمال المدافع وركوب البحر وخوض المعارك فإني آمركم مرة أخرى باتخاذ الحيطة قبل الترخيص لأولئك الأشخاص بالاستقرار في المناطق الخاضعة لنفوذكم وأن تحرصوا على أن يكون الوافدون عليها من الكاثوليك وعددهم قليل لكي لا يمثلوا أي خطر على الأمن وأن تحرصوا ألا يتجاوز عدد المرخص لهم بالإقامة في دبا العدد المتفق بشأنه في العقد الموقع معهم، وابعثوا لي النسخة الأصلية لتنازل الملك محمد شاه عن منطقة دبا في أول سفينة تغادر الهند”.
وقد قام نائب الملك بالرد على الملك قائلا في رسالته في 15 فبراير من عام 1635م:
” تم تنفيذ تعليمات جلالتكم بشأن منع استقرار مسيحيين آخرين من الأرمن، وأوافيكم رفقته بنسخة من تنازل محمد شاه عن دبا للأرمن المذكورين تنفيذا لأمر جلالتكم”!
حينما نتمعن عزيزي القارئ هذه الوثائق المهمة لنزوح الأرمن نحو دبا فإننا بلا شك سنعي بأن البرتغاليين وملكهم الإسباني فليب الرابع كانوا حريصين كل الحرص على جمع العديد من الجنود والمرتزقة ليعملوا تحت إمرتهم لمساعدتهم في الحفاظ على مناطقهم الاستعمارية، فاتجهوا للتعاقد مع الأرمن كونهم موجودين بصورة كبيرة في البصرة ويجيدون استخدام السلاح وأقوياء كجنود في المعارك وأفضل لحياة ثقتهم من المسلمين، لكن المشكلة الوحيدة التي كانت تخيف الملك فليب الرابع هي ديانة هؤلاء الأرمن كونهم ينتمون للكنيسة الأرثوذكسية التي كانت في صراع دائم ودموي مع الكنيسة الكاثوليكية وهي ديانة البرتغاليين والإسبان، وكون المناطق الاستعمارية التي يحتلونها مهمة للغاية وتواجه خطر الهجمات الفارسية والإنجليزية والهولندية ومن بعدها الهجمات العمانية، فقد كان الملك فليب الرابع يخشى أن ينقلب عليه الأرمن في إحدى هذه المدن المهمة في ساحل عمان والتي تقع تحت نطاق سيطرته المباشرة كمسقط وصحار ومدن الساحل العماني كله، ولذا وبعد تفكير مطول ومشاورات معقدة فيما بينهم، قرروا أن يختاروا مدينة دبا العمانية كي تصبح المكان الحاضن للأرمن بعدما أقنعوا الملك محمد شاه وريث حكم هرمز وبعض مدن ساحل عمان أن يتنازل عن دبا لصالح الأرمن حيث تشير الوثائق البرتغالية إلى نزوحهم هناك وبالآلاف!
ومن الغريب جدا أن ترى كل هذه المؤامرات وإقطاع المدن العمانية من قبل ملك الإسبان الذي كان يعرف عن كل تفاصيلها وبمسمياتها ومواقعها وحجمها وطبيعة سكانها، فقد كان يأمر قادته مثلا برسم كل شيء هناك وكأنها صور فتوغرافية كي يشاهدها ويعرف تفاصيلها وهو على كرسي الحكم في مدريد!
وعلى كل حال فقد كانت دبا هي ضحية النزوح الأرمني في تلك الفترة بأمر من ملك إسبانيا وقادته!
فهل تتخيلون صدمة الأهالي في دبا وقتها من وجود الأرمن حولهم وبينهم وبالآلاف؟!
ألا يشبه هذا الوضع وعد بلفور المشؤوم، حينما أقدمت بريطانيا بإعطاء الصهاينة أرض فلسطين رغم اختلاف الأسباب؟!
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
اختتام برنامج تعزيز القيم والعادات العمانية بسدح
اختتمت بنيابة حاسك في ولاية سدح فعاليات البرنامج الاجتماعي "القيم والعادات العمانية الأصيلة" الذي نظمه مكتب الوالي بالتعاون مع لجنة التنمية الاجتماعية بالولاية، شمل خمس محطات رئيسية وضمت جميع مناطق الولاية.
تضمن البرنامج ثلاث محاضرات رئيسية هدفت إلى تعزيز الوعي بالقيم والتقاليد العمانية.
قدم المحاضرة الأولى محمد بن عبدالله المهري، أخصائي دراسات ومتابعة أول بدائرة الإشراف التربوي في تعليمية ظفار، وركزت على تعزيز الوعي الاجتماعي العام للمجتمع.
أما المحاضرة الثانية التي قدمها محمد بن سعيد المشيخي، معلم أول لغة عربية بتعليمية ظفار، تناولت أهمية تطبيق السنن والأعراف السائدة في المجتمع، في حين ناقش بخيت بن فرج المهري، رئيس قسم الشراكة وتنمية المجتمع بدائرة التنمية الاجتماعية بالولاية، في المحاضرة الثالثة مفاهيم المواطنة والهوية والانتماء.
وفي ختام الفعالية تم تكريم أعضاء اللجنة الاجتماعية الذين انتهت فترة عضويتهم تكريما لجهودهم خلال الفترة الماضية، وجميع المشاركين في البرنامج والمحاضرين.