صحيفة أثير:
2024-10-03@09:40:46 GMT

نصر البوسعيدي يكتب عن أرمن دبا العُمانية

تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT

نصر البوسعيدي يكتب عن أرمن دبا العُمانية

أثير- نصر البوسعيدي

من الأمور المدهشة التي وجدتها في التاريخ العماني أيام الاستعمار البرتغالي الإسباني في سواحل عمان وجود جنسيات كانت تقيم معنا حتى قبل الاستعمار، والدليل هو وجود بعض المترجمين للغة العربية عملوا مع البرتغاليين في المدن العمانية التي عصف بها هذا الاستعمار ومن ذلك بعض الأرمن.

كان الحراك التجاري في القرون القديمة بمدن الساحل العماني قويًا للغاية واستقطب العديد من الأجناس بمختلف أديانهم، كالذي حدث مثلا في مدينة قلهات التاريخية التي كانت العاصمة العمانية لملوك هرمز وبلاد فارس في بعض فترات التاريخ قبل قدوم البرتغاليين لعمان، فكانت مدينة ثرية للغاية وفيها من القصور ما لا يتخيله أي زائر لها اليوم الذي سيشاهد قرية صغيرة تدمرت بأكملها نتيجة كارثة طبيعية مثلما يُحكى حيث لم ينجُ من هذا الدمار إلا أثر الأميرة بيبي مريم.


وخلال تتبعي لموسوعة الوثائق البرتغالية ببحر عمان وجدت بعض الأجناس حاضرة وبقوة في المدن العمانية التي وقعت تحت الاستعمار البرتغالي الإسباني الذي دون كل تفاصيل وجودهم في المنطقة لأكثر من 147 سنة، فهم يذكرون بأن مدن عمان الساحلية تضم اليهود والمسيحيين والبانيان والعرب والعجم والأرمن!
وقد شدني موضوع وجود الأرمن بهذه الكثرة في المنطقة وتحديدا في مدن الساحل العماني، وبالأخص حينما وجدت أكثر من وثيقة برتغالية مهمة تشير إليهم، والأعجب بأنني وجدت ما يشير في كتاباتهم إلى وجود إذن كتابي من ملك إسبانيا لنزوح أكثر من 12 ألف أرميني للسكن والإقامة في مدينة دبا العمانية!
فهل لكم معي أن تستوعبوا بتساؤل هذا المشهد؟!
وما الذي أتى بالأرمن إلى عمان وبهذا العدد الكبير ولماذا؟!
هنا من خلال رسالة ملك إسبانيا فليب الرابع لابن أخته ونائبه بالهند في 3 فبراير سنة 1635م سنكتشف شيئا فشيئا حقيقة أسباب هذا النزوح الكبير للأرمن اتجاه دبا حيث يقول:
” إلى الكوند ابن اختي ونائبي بالهند أنا الملك أبعث إليك تحيات كثيرة أخص بها من أحب… سبق لي أن أمرتكم في رسالتي المؤرخة في 6 يناير عام 1633م بالتراجع عن قراركم القاضي باستقبال أولئك الأرمن المقيمين في البصرة في المناطق التابعة لدولة الهند، والذين يلقبون بالمسيحيين التابعين للقديس ساو جواو لأنهم يعدون جميعا هرطوقيين تابعين للكنيسة الإغريقية، لذا لا يستحسن إيواؤهم في المستوطنات الجديدة للمسيحيين بتلك الربوع نظرا للخطورة التي يمثلها إدخال 12 ألف محارب أرمني دفعة واحدة بدعوى تعويض النقص الحاصل في عدد المحاربين، إذ من الممكن أن يتواطؤوا مع أعدائنا الأوروبيين وغيرهم، مما قد ينسف مكاسبنا، لهذه الأسباب سبق أن أمرتكم بألا تجندوا إلا الكاثوليك الخاضعين لكنيسة روما وفي عدد قليل لا يدعو إلى اتخاذ الحيطة والحذر وقد منعتكم من اتخاذ أي قرار في هذا الشأن قبل الأخذ برأي المستشارين الذي يساعدونكم، وإشعاري بما قر عليه عزمكم وانتظار ردي، ولقد أجبتموني برسالة مؤرخة في 6 أغسطس وأخرى في 7 أكتوبر من السنة الماضية 1634م نقلها القبطان أنطونيو دو سلدانيا أرفقتموها بالعقد الموقع مع المجموعة الأولى التي وصلت من البصرة والذين عينتم لهم منطقة دبا للاستقرار فيها، وقد بررتم قراركم ذاك بقلة المحاربين وبكون أولئك الأرمن من الكاثوليك وأنه يستحقون الثقة أكثر من المسلمين المقيمين داخل القلاع، كما بررتم قراركم بالأمر الذي قلتم إني وجهته للأسقف دون فري ألييشو دو منيزش حينما كان مسؤولا على شؤون الهند لكي يسمح لأولئك الأرمن بالنزوح، وبعد الاطلاع على تلك الحجج ومعرفتي بالخبرة التي أبدوها (الأرمن) في استعمال المدافع وركوب البحر وخوض المعارك فإني آمركم مرة أخرى باتخاذ الحيطة قبل الترخيص لأولئك الأشخاص بالاستقرار في المناطق الخاضعة لنفوذكم وأن تحرصوا على أن يكون الوافدون عليها من الكاثوليك وعددهم قليل لكي لا يمثلوا أي خطر على الأمن وأن تحرصوا ألا يتجاوز عدد المرخص لهم بالإقامة في دبا العدد المتفق بشأنه في العقد الموقع معهم، وابعثوا لي النسخة الأصلية لتنازل الملك محمد شاه عن منطقة دبا في أول سفينة تغادر الهند”.
وقد قام نائب الملك بالرد على الملك قائلا في رسالته في 15 فبراير من عام 1635م:
” تم تنفيذ تعليمات جلالتكم بشأن منع استقرار مسيحيين آخرين من الأرمن، وأوافيكم رفقته بنسخة من تنازل محمد شاه عن دبا للأرمن المذكورين تنفيذا لأمر جلالتكم”!
حينما نتمعن عزيزي القارئ هذه الوثائق المهمة لنزوح الأرمن نحو دبا فإننا بلا شك سنعي بأن البرتغاليين وملكهم الإسباني فليب الرابع كانوا حريصين كل الحرص على جمع العديد من الجنود والمرتزقة ليعملوا تحت إمرتهم لمساعدتهم في الحفاظ على مناطقهم الاستعمارية، فاتجهوا للتعاقد مع الأرمن كونهم موجودين بصورة كبيرة في البصرة ويجيدون استخدام السلاح وأقوياء كجنود في المعارك وأفضل لحياة ثقتهم من المسلمين، لكن المشكلة الوحيدة التي كانت تخيف الملك فليب الرابع هي ديانة هؤلاء الأرمن كونهم ينتمون للكنيسة الأرثوذكسية التي كانت في صراع دائم ودموي مع الكنيسة الكاثوليكية وهي ديانة البرتغاليين والإسبان، وكون المناطق الاستعمارية التي يحتلونها مهمة للغاية وتواجه خطر الهجمات الفارسية والإنجليزية والهولندية ومن بعدها الهجمات العمانية، فقد كان الملك فليب الرابع يخشى أن ينقلب عليه الأرمن في إحدى هذه المدن المهمة في ساحل عمان والتي تقع تحت نطاق سيطرته المباشرة كمسقط وصحار ومدن الساحل العماني كله، ولذا وبعد تفكير مطول ومشاورات معقدة فيما بينهم، قرروا أن يختاروا مدينة دبا العمانية كي تصبح المكان الحاضن للأرمن بعدما أقنعوا الملك محمد شاه وريث حكم هرمز وبعض مدن ساحل عمان أن يتنازل عن دبا لصالح الأرمن حيث تشير الوثائق البرتغالية إلى نزوحهم هناك وبالآلاف!
ومن الغريب جدا أن ترى كل هذه المؤامرات وإقطاع المدن العمانية من قبل ملك الإسبان الذي كان يعرف عن كل تفاصيلها وبمسمياتها ومواقعها وحجمها وطبيعة سكانها، فقد كان يأمر قادته مثلا برسم كل شيء هناك وكأنها صور فتوغرافية كي يشاهدها ويعرف تفاصيلها وهو على كرسي الحكم في مدريد!
وعلى كل حال فقد كانت دبا هي ضحية النزوح الأرمني في تلك الفترة بأمر من ملك إسبانيا وقادته!
فهل تتخيلون صدمة الأهالي في دبا وقتها من وجود الأرمن حولهم وبينهم وبالآلاف؟!
ألا يشبه هذا الوضع وعد بلفور المشؤوم، حينما أقدمت بريطانيا بإعطاء الصهاينة أرض فلسطين رغم اختلاف الأسباب؟!

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: وزارة للأقاليم الإقتصادية !!



 

تحدثت في أعمدة سابقة فى هذه المساحة عن خطة لنقل الدولة من إستثمارات حكومية فى المحافظات ذو عائد متواضع، رغم كل ما نمتلكه من عناصر إقتصادية فى كل أرجاء الوطن، يجعلنا من أكبر الدول فى منظومة الإقتصاد العالمى فقط بحسن الإدارة وإختيار الكفاءات القادرة على إدارة هذه العناصر الإقتصادية بسياسات إستراتيجية مركزية وإدارة تعتمد كليًا على اللامركزية وهذا مقالى الأخير فى هذه السلسلة من المقالات التى تحمل إقتراحات لصاحب القرار السياسي فى الدولة وإلى مجلس النواب المصرى وكذلك إلى السادة علماء وأساتذة الإدارة والإقتصاد فى مصر ممن يهتمون بالشأن الوطنى فى هذا الإتجاه، ومقالى اليوم ينصب على أهمية وجود وزارة للأقاليم الإقتصادية بديلًا عن عدة وزارات مثل الإستثمار والإدارة المحلية والتعليم والتعليم العالى، وحيث أننى فى مقالاتى السابقة تعرضت لفكرة الإقليم الإقتصادى على أنه مكون من عناصر إقتصادية فى منطقة جغرافية من مصر !!
وضربت مثلًا بأقليم " كأقليم  أسوان " وما يشمله هذا الأقليم من بحيرة "السد العالي" وجزء من شاطيء "البحر الأحمر" وجزء من الواحات وجزء من "توشكي" و"شرق العوينات"، وأن تتفاعل هذه العناصر الإقتصادية لكي يكون هناك ناتج إجمالي محلي محترم لهذا الأقليم المقترح، يضخ جزء من ناتجه في الناتج الإجمالي القومي، ولا يعتمد الأقليم علي ماتضخه الموزانة العامة في الدوله سنويًا للأقليم. 
وهكذا يمكن أن يكون لدينا مجموعة من الأقاليم الأقتصاديه، حسب تقسيم "مصر" تقسيمًا إداريًا جديدًا يعتمد علي ما فوق الأرض وتحت الأرض من ثراوت، ومن بشر يؤهلون حسب أحتياجات الأقليم علميًا وفنيًا وخدميًا، ويكون هناك تكامل حقيقي بين أقاليم "مصر"، وتقوم الإدارة الإقتصادية لكل أقليم بتنفيذ خطة أستراتيجية مركزية، مع تمتع الإدارة في الأقليم بلامركزية مطلقة، وهنا يأتي دور البنية الأساسية لكل أقليم علي حده وهي من وجهة نظري.
( البشر، والتعليم بكل مراحلة وكذلك البحث العلمي ) فمن غير المقبول أن يدرس طالب في أقليم "الإسكندرية" ما يدرسه طالب في أقليم "أسوان"، وليس من المقبول أو المعقول أن تكون أهداف أقتصاد أقليم في شمال "مصر" هي نفس أهداف أقتصاد أقليم في جنوب البلاد، حيث تختلف العناصر الأقتصادية الداخله في بنية كل أقليم عن الأخر، حيث أقليم مثل " أسوان"  يتمتع بما تحتوية عناصره الأقتصادية وتنوعها – بحيرة مياه طبيعية وما تشمله من ثروات سمك وتماسيح وما حول البحيرة من أراضي شاسعة تتمتع بخصوبة التربة ونقائها، وبيئة طبيعية غير ملوثة تسمح بزراعات نقية متخصصة مطلوبة في جميع أرجاء العالم، وبالتالي يحتاج هذا المكون قوي بشرية مؤهله علميًا لزراعات متخصصة وكذلك تحتاج لخريجين يعملون علي الصناعات القائمة علي هذه الأنواع من الزراعات، هذا نوع واحد ومكون واحد من أقتصاد قائم علي بحيرة "السد العالي" مفقود وغير مرئي وغير مدروس-في الوقت الذي تنشأ فية دول لا تتمتع بهذا المكون الطبيعي، نفس المكون صناعيًا للأستفادة منه ولا شك بأن التعليم في مثل هذا الأقليم سوف تكون له أهداف مختلفة عما هو جاري الأن، مطلوب تعليم جامعي يبدأ من حيث أنتهي "الأمريكان"  حينما أصدروا تقريرًا تحت عنوان ( أمه في خطر ) في عهد الرئيس " كلينتون "، لكي ينقذ مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية بأساليب تعليم مختلفة عما كان يحدث 
مطلوب الأهتمام بالتعليم في هذا الأقليم علي سبيل المثال وليس الحصر يعتمد علي خريجين وبحوث علميه في الطاقة وفي وسائل الصيد وتطوير الصناعات القائمة علي الثروات السمكية والزراعية مطلوب تعليم جامعي يهتم بخدمة المواني وأرصفة الحاويات والنقل بالسكك الحديدية كمًا ونوعًا مطلوب أبحاث علمية في الثروات المعدنية ( رخام، جرانيت، ذهب، بترول، غاز ) أن مايشمله طبيعة جيولوجيا هذا الأقليم منه ماهو معروف، ومنه مالم نكتشفه بعد حيث جاء بالتقارير العلميه الدوليه أن ما يتم أكتشافه لا يتعدي عن 10 % ممن لم يتم أكتشافه حسب ماجاء بتقارير علميه وعالميه المصدر والتخصص !! 
لن يكون لمصر ولمستقبلها قائمة ولا مكان وسط الأمم  المتقدمه إلا بأن نغير نظرتنا في تقسيم مصر الإداري وفي توجيه كل أهتمامنا بحسن إدارة ما نمتلكه أحترافيًا.......!!
أ.د/ حماد عبد الله حماد
   [email protected]

مقالات مشابهة

  • بيان من "الخارجية العُمانية" حول التصعيد العسكري وإدانة العدوان على لبنان
  • بيان "الخارجية العُمانية" حول التصعيد العسكري وإدانة العدوان على لبنان
  • د.حماد عبدالله يكتب: "قدرات" مصر المتنامية!!
  • رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN عن تداعيات اغتيال نصرالله
  • الصناعات الحرفية العمانية .. أصالة تتجدد عبر الأجيال
  • الكوادر العمانية تستثمر في إدارة المواقع الأثرية .. حصن جبرين أنموذجا
  • د.حماد عبدالله يكتب: وزارة للأقاليم الإقتصادية !!
  • الدبلوماسية العُمانية.. الآمال والتطلعات
  • بيان من "الخارجية العمانية" حول استهداف مقر رئيس بعثة الإمارات بالسودان .. عاجل
  • سلطنة عمان تؤكد للعالم ضرورة وضع حد للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل