فيلم التطهير الأبدي.. موجات لجوء أميركية إلى كندا والمكسيك
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
رغم الجمال والمتعة اللذين تقدمهما السينما، فإن ما تعنيه الحكاية داخل الفيلم قد يكون صادما في صراحته، أو مغرقا في التشاؤم بشأن التوقعات المستقبلية، أو في تفسيره لأحداث حقيقية تحولت إلى ماضٍ دون أن يكتشف الجمهور حقيقتها، ومن بين الحقائق الاجتماعية التي يصادفها الشخص العادي في حياته اليومية، تلك الانحيازات القائمة على اللون أو العرق، ولسوء الحظ قد تتطور لتصبح اتجاها، فتنتج عنها جرائم عنصرية، وقد تتبناها نظم بعينها، وترتكب بموجبها جرائم تطهير عرقي للآلاف من البشر لسبب وحيد فقط، هو الاختلاف.
تلتقط السينما تلك الحقائق الاجتماعية وتعيد صياغتها في صورة قصة، وتقدمها في "سيناريو" فيلم قد ينتمي لسينما الرعب أو الكوميديا أو سينما الإثارة البوليسية، لكنها في كل الأحوال تحرص على إظهار بشاعة الكراهية والتعالي والجرائم التي تنتج عنهما.
وقد ولدت سلسلة أفلام "التطهير" (The Purge) من قلب الكراهية التي أظهرتها أرقام الجرائم وبشاعتها في الولايات المتحدة الأميركية، وإذا كان الفيلم الأول من السلسلة قد أطلق في 2013، فإن ذلك العام وحده قد شهد سقوط 3563 ضحية لجرائم الكراهية ذات الدوافع العنصرية، طبقا لتقرير للمباحث الفدرالية الأميريكية.
أقنعة كارتونية في فيلم "التطهير الأبدي" (آي إم دي بي)وكانت 66.5% من هذه الجرائم ضد الأميركيين من أصل أفريقي، بينما جاءت 21.2% ضد البيض، بينما كانت 4.6% مناهضة للمواطنين ذوي الأصول الآسيوية.
وفي الوقت الذي يعرض فيه الفيلم الخامس من السلسلة تحت اسم "التطهير للأبد" (The Forever Purge) على شاشة نتفليكس حاليا، كانت الكراهية تظهر وجها آخر ضد الحرية وضد الحقيقة، إذ أقر نيكولاس ويلكر، المعروف -أيضا- باسم "ملك الغضب"، أمام المحكمة الفدرالية في بروكلين، بأنه مذنب في التآمر لتوجيه تهديدات بالقتل ضد صحفي مقيم في بروكلين لحمله على التوقف عن الكتابة حول التطرف والمتطرفين البيض، وهي القضية التي نشرها مكتب المدعي العام الأميركي لغرب نيويورك في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
التطهيرينطوي لفظ التطهير على نوع من التعالي يكفي وحده للتعبير عن رؤية الغرباء أنهم تلوث في المجتمعات التي تحوي أغلبية عرقية أو لونية، مقابل أقلية من لون أو عرق مختلف، لكن التعبير عن الأمر في فيلم "التطهير للأبد" جاء بشكل معقد، إذ تتداخل علاقات العمل وعلاقات الزواج بين الأميركيين البيض وبين المهاجرين المكسيكيين من جهة أخرى، لذا يبدو التعبير عن المشاعر السلبية بين أبطال العمل بشكل خاص، فيه كثير من محاولات الكتمان والتخفي المخفقة.
تدور قصة "التطهير للأبد" للمخرج المكسيكي إيفير رادو غوت حول أديلا (تلعب دورها آنا دي لا ريجويرا) وزوجها خوان (يلعب دوره تينوش هويرتا)، اللذين يهاجران إلى تكساس، حيث يعمل خوان مساعدا في مزرعة عائلة تاكر الثرية، ويثير إعجاب عميد الأسرة (يجسد شخصيته ويل باتون) بمهارته في ترويض الخيل، لكن ذلك يغذي غضب "ديلان" (يجسد شخصيته جوش لوكاس) الابن المغرور للأسرة.
في صباح اليوم التالي ليوم التطهير، تهاجم عصابة ملثمة من القتلة عائلة "تاكر" بما في ذلك زوجة "ديلان" الحامل في أيامها الأخيرة كاسيدي (تجسد شخصيتها كاسيدي فريمان)، وشقيقته "هاربر (يجسد شخصيتها ليفين رامبين)، مما يجبر العائلتين على الاتحاد معا، ومحاولة الهروب إلى المكسيك، بينما تغرق الولايات المتحدة في حالة من الفوضى والتفكك.
تنص أسطورة "يوم التطهير" التي أسسها المؤلف والمخرج جيمس دي موناكو على السماح لمدة 12 ساعة كل عام بكل أنواع العنف والقتل، دون خدمات حفظ الأمن أو الحماية أو الطب أو غيرها مما يمثل الدولة، على أن تقضي الأغلبية البيضاء على الأقليات الملونة القادمة من أفريقيا والشرق الأوسط والمكسيك، دون أي عواقب قانونية.
وتنتقل السلسلة بين مستقبل مظلم في أول أجزائها، إلى واقع مظلم مع أمل في الوعي الإنساني ونضوجه في الجزء الخامس، الذي تدور أحداثه في تكساس، وهي الولاية الأميركية الأقرب للمكسيك، والأكثر انحيازا ضد كل ما هو غير أميركي.
دماء وأقنعة وثقافةيستعد الجميع ليوم التطهير بالوجود داخل أقبية وأماكن محصنة لقضاء 12 ساعة داخلها، ويتم اصطياد من يدفعهم سوء الحظ للبقاء في الشوارع ، وذلك من عصابات من المتطرفين البيض، واللصوص كذلك، وتظهر جثث القتلى في الشوارع ملقاة كما لو كانت لحيوانات ضالة قتلتها سيارات مسرعة، لكن تلك العصابات التي ترتدي أقنعة يفترض أنها مرعبة، تصبح أقرب إلى أقنعة "كارتونية" مضحكة لا تتسق وأجواء الحصار والتوتر والدماء التي أغرقت الفيلم.
تقرر عصابات اللصوص والقتلة أن يمتد التطهير إلى الأبد، وتعلن الحرب على كل أجنبي في البلاد، وتهاجم الجيش، وتتحول البلاد إلى جحيم، فتعلن كلٌّ من كندا والمكسيك عن فتح الحدود لاستقبال اللاجئين من الولايات المتحدة، وتصطدم العصابات بأسرة "تاكر" وتقتل الأب، بينما تظهر معاناة الابن المغرور الذي ينتمي في أعماقه إلى أولئك العنصريين، ويرغب بالفعل في التخلص من المختلفين عنه.
عائلة تاكر الثرية في أيدي عصابات الكراهية واللصوصية (آي إم دي بي)ينطلق السرد من خلف الحدود هناك في المكسيك، وينتهي فيها أيضا، وفي البداية يقدم المخرج قصة تسرب المكسيكيين رغم وجود فاصل، ثم يحرص على إظهار تفوق ذلك المهاجر المكسيكي على الثري صاحب المزرعة في ترويض الخيول.
لم يحاول جيمس دي موناكو أن يمنح شخوصه أبعادا إنسانية تجعل منهم أقرب للبشر، ورغم وجود مساحات للتعبير عن مشاعر الحب والكراهية والخوف، فإن السرد الإجمالي جاء مشابها لحالة التقارير الإخبارية، خاصة في ظل انطباق توقعات المشاهد على القادم من أحداث في العمل، حتى لو لم يُمهّد له.
ولعل ذلك يعود بالأساس إلى عدد من "الكلشيهات" (الصور الذهنية الجاهزة) السياسية والاجتماعية التي تضمنها سيناريو العمل، بالطريقة نفسها احتوى العمل على كليشيهات إخراجية واستعارات فيلمية غير متجانسة، جعلت من الحركة -"الأكشن"- في الفيلم عشوائية وغير ممتعة، وأحيانا غير منطقية.
استطاع الممثل الأميركي جوش لوكاس، الذي جسد دور ديلان تاكر أن يعبر عن ذلك الصراع الداخلي بين الرغبة المنحطة في قتل المكسيكيين وإنقاذ أسرته بالاتحاد معهم. وعبر "كاميرا" المخرج إيفررادو غوت يتابع المشاهد تلك الحالات والتحولات من لوكاس، وتبدو خلالهما ملامحه كأنها مرآة تعكس ذلك الصراع.
ولعل تلك الرؤية التسويغية التي طرحها دي موناكو حول "التطهير"، تلقي بالفيلم إجمالا في الجانب المتطرف الرافض للأجنبي ولكل مختلف، وقد أوردها على لسان لوكاس مؤكدا أنه لا يرغب في قتل الآخرين، ولكنه "لا يفهم ثقافتهم وهم بالتأكيد لا يفهمون ثقافته، ومن ثم فإن على كل طرف أن يلتزم حدوده".
يقدم صناع العمل "السكان الأصليين" للجنوب الأميركي والشمال المكسيكي كونهم حلا للأزمة، إذ يغيثون الأسرتين ويهربون أفرادهما بخبرتهم العميقة في المناطق الجبلية، وطبقا لقول زعيمهم "تلك المناطق التي لا يستطيع سور ترامب أن يقترب منها".
الإسقاط السياسي والصدققد لا يكون فيلم "التطهير الأبدي" تحفة فنية، لكنه بالتأكيد حمل مفاهيم هي الأكثر صدقا من بين العديد من الأفلام الأميركية، التي لا تترد في رصد التناقضات في سلوك الحاكم والمحكوم.
فنحن أمام محاكمة للضمير الأميركي الذي يتعرى تماما بكل تنويعاته وتناقضاته، وفي الوقت الذي يمارس المتطرفون وعصابات اللصوص العنف والقتل، يتنبأ العمل بقوى عنيفة مضادة -كذلك- تتكون من مهاجرين، ويظهر أولئك الذين يجدون أن الفارق الوحيد هو أن هجرة آبائهم كانت سابقة على هجرة هؤلاء ويقبلون بهم، ويقدم الفيلم النبوءة الكابوسية بانهيار البلاد تحت ثقل الكراهية والتطهير العرقي.
يقرر المتطرفون والقتلة أن التطهير سيمتد إلى الأبد(آي إم دي بي)في سياق الإسقاطات العديدة يشير الفيلم إلى سور ترامب، ودور الأحزاب السياسية في إشعال هذه الحرب المدمرة. ويقدم جيمس دي موناكو مبدع وكاتب السلسلة ومخرجها السابق حلما نهائيا، يتمثل في الوصول للنضج والوعي بالطريقة الصعبة عبر الدماء والجثث، لتأكيد أن مصير البشرية يتعلق بالأساس بنبذ الكراهية، والتخلص من التعالي والشعور بالأفضلية.
رغم فقر "الأكشن" وعشوائية الحركة داخل "الكادر" السينمائي في الفيلم، فإن المؤلف جيمس دي موناكو استطاع أن يقدم أفضل أجزاء السلسلة وأكثرها تشاؤما، حول ما يتعلق بواقع البشرية المفعم بالعداء والكراهية، ولكنه يلقي بخيط صغير من الأمل يسمى "الوحدة" من أجل المستقبل.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ساندرز يصف دعوة ترامب لتهجير الفلسطينيين بـ التطهير العرقي.. وغراهام يؤكد: ليست عملية
اعتبر السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز، الاثنين، دعوة الرئيس دونالد ترامب لتهجير فلسطينيين من قطاع غزة للدول المجاورة "تطهير عرقي وجريمة حرب"، وحث جميع الأمريكيين على إدانتها.
والسبت، اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نقل فلسطينيين من قطاع غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن بدعوى عدم وجود أماكن صالحة للسكن في قطاع غزة جراء الإبادة الإسرائيلية.
وذكر ساندرز أنه "يجب على كل أمريكي أن يدين فكرة ترامب الشنيعة لتهجير الفلسطينيين"، مشددا على أن دعوة ترامب لتهجير الملايين من الفلسطينيين من غزة للدول المجاورة، لها اسم وهو: "تطهير عرقي وجريمة حرب".
من جانبه، وصف السيناتور الأمريكي الجمهوري ليندسي غراهام، الأحد، دعوة ترامب لتهجير الفلسطينيين من القطاع إلى بلدان أخرى بأنها "غير عملية".
في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، قال غراهام: "بحال سألنا السعودية والإمارات ومصر، عن خطتهم المستقبلية للفلسطينيين، وهل يريدون مغادرتهم القطاع، فإنني أعتقد أنهم يريدون أن يتمكن الفلسطينيون من العيش بكرامة وأمان".
ومطلع الشهر الجاري، دعا ساندرز الولايات المتحدة، إلى وقف مبيعات الأسلحة والذخيرة لإسرائيل، في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية بقطاع غزة الذي تعرض لحرب إبادة جماعية على مدار أكثر من 15 شهرا.
وقال "ساندرز"، "لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترسل المزيد من القنابل إلى حكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو المتطرفة، التي قتلت 45 ألف شخص ودمّرت أنظمة الإسكان والرعاية الصحية والتعليم في غزة، وتسببت في مجاعة من خلال منع المساعدات الإنسانية".
وأكد أنه سيفعل كل ما بوسعه لمنع مبيعات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل.
ويعتبر ساندرز السيناتور المستقل الأطول خدمة في تاريخ مجلس الشيوخ الأمريكي، ووصف نفسه بأنه "ديمقراطي اشتراكي".
وفي وقت سابق، أعلنت مصر والأردن وفصائل فلسطينية رفضها القاطع لتصريحات ترامب، التي قال فيها إنه يود أن يرى الأردن ومصر ودولا عربية أخرى تزيد من عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تقبلهم من قطاع غزة، وإخراج ما يكفي من السكان “لتطهير” المنطقة.
وأكد وزير الخارجية أيمن الصفدي تمسك بلاده بموقفها الرافض لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين.
وشدد الصفدي خلال مؤتمر صحفي، على أن حل الدولتين هو السبيل لتحقيق السلام في المنطقة، وأن عمّان لن تقبل أي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن.
من جانبها، قالت الخارجية المصرية في بيان، إن مصر تشدد على رفضها لأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان ذلك بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار، وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.
ودعت الخارجية المصرية المجتمع الدولي إلى العمل على بدء التنفيذ الفعلي لحل الدولتين، بما في ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطني وفي سياق وحدة قطاع غزة والضفة الغربية (المحتلة)، بما في ذلك القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية.