بالرغم من الأجواء المتفائلة بشأن عودة العلاقات الدبلوماسية بين كلًا من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بناء على الاتفاق الذي تم برعاية الصين في مارس الماضي، إلا أن أحداث المباراة التي كانت من المقرر أن تقام بين فريقي "الاتحاد السعودي" و"سباهان" الإيراني على ملعب نقش جهان بأصفهان أعادت التساؤلات حول إمكانية استمرار كلا الدولتين في سياسة تطبيع العلاقات بينهما، وإمكانية تجاوز الأحداث المؤسفة التي وقعت قبيل وبعد إلغاء المباراة،  ورآها متابعون بادرة طيبة لبدء تطبيع شعبي بعد نجاح التطبيع السياسي.

وتشير التقديرات إلى أن الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص تمثل إحدى آليات القوى الناعمة للعديد من الدول، خاصة إذا ارتهنت بأحداث سياسية، إذ تستخدم كثير من الدول مباريات كرة القدم كآداة لتعزيز العلاقات بينها وبين دولٍ أخرى، وتكون بادرة لتعاون البلدين في مجالات أخرى سواء كانت رياضية أو غير رياضية، كما يعتبر البعض استئناف النشاط الرياضي بين بلدين بمثابة جرس انطلاق لتعزيز أواصر العلاقات، تمامًا كما فعلت إيران مع العراق عقب حربها التي امتدت لثماني سنوات في إطار منافسات "كأس السلام والصداقة" والذي عقد في دولة الكويت عام 1989، أو كمباراة تنس الطاولة التي التقى خلالها اللاعب الصيني زوهانج زيدونج ونظيره الأمريكي جلين كوان على طاولة واحدة عام 1971، واعتبرت تلك المباراة بادرة لعودة العلاقات وإيذانا بتوجه الرئيس الأمريكي نيكسون إلى بكين عام 1972 عقب قطيعة امتدت لـ20 عامًا على إثر دخول الصين الحرب الكورية عام 1950.

صمت رسمي ثم بيان عاقل

وعلى الرغم مما شاب مباراة "الاتحاد" و"سباهان" من أحداث تسببت في إلغاء المباراة، إلا أن صمت الإعلام الرسمي لكل البلدين عقب إلغاء المباراة مباشرة يشير إلى أن تلك الأحداث لن تعدو كونها "حدث عابر" لن يؤثر على خطة البلدين في تحسين الأجواء وعودة العلاقات بين الرياض وطهران، وهو ما عززه بيان الخارجية الإيرانية في وقت لاحق والذي أكد على لسان حسين أمير عبد اللهيان على أن بلاده لن تسمح لأن تكون الرياضة آداة سياسية تعكر صفو العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى تأكيده أنه كان على تواصل دائم مع نظيره السعودي للتأكيد على تلك المبادئ، علاوة على تأكيده إعادة المباراة.

يضاف إلى ذلك أن أحداثًا أخرى - أوقع من أحداث مباراة الاتحاد وسباهان -  لم تؤثر على رغبة البلدين في تطبيع العلاقات، وأبرزها الاستهداف الحوثي لتمركز عسكري جنوب المملكة العربية السعودية، والذي راح فيه ضابطين وعدد من الجنود البحرينيين التابعين لقوة الواجب المكلفة بالتمركز في جنوب السعودية على الحدود مع اليمن، وهو الحادث الذي لم يسفر عن سحب السعودية لسفيرها في إيران أو العكس، ما يشير أيضًا إلى رغبة في القفز على تلك الأزمات من أجل صياغة خارطة طريق لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.

يعزز ذلك أن أحداث شغب الملاعب بشكل عام قد تحدث داخل دولة ما بين فريقين، وتشتد المنافسة على أشدها بين جماهير ناديين ما يتسبب في أحيان كثيرة إلى فرض أجواء غير صحية على المباريات نتيجة تعصب الجماهير لفرق بعينها، تمامًا كما يحدث في الدوري المصري بين جماهير الأهلي والزمالك، وفي الدوري الإسباني بين جماهير ريال مدريد وبرشلونة، وهي مباريات تسيطر عليها أجواء مشحونة من بدايتها لنهايتها، ومناقشات قد تمتد إلى مشاحنات ومشاجرات.

وعلى الرغم مما شاب المباراة من أحداث إلا أن إعلام الجانبين (السعودية وإيران) لم يتناول أحداث المباراة بطابع سياسي، فيما التزم الجميع بالبيان الصادر عن الاتحاد الأسيوي لكرة القدم، والذي أكد أن إلغاء المباراة جاء بسبب "ظروف غير متوقعة "، فيما أكد التزامه بضمان سلامة وأمن اللاعبين وحكام المباريات والجماهير وجميع أصحاب المصلحة المعنيين، على أن يتم إحالة كافة التفاصيل إلى اللجان المختصة"، فيما لم يصدر رسميًا عن الجانب الإيراني أي تعليق سوى تصريحات المدير التنفيذي لنادي سباهان الإيراني محمد رضا ساكت، والذي أكد أنه سيتقدم بشكوى ضد "الاتحاد السعودي" بعد انسحابه المفاجئ من مباراته مع سباهان، معللًا ما شهدته المباراة من أحدث بسبب "طرح مراقب المباراة لبعض الأمور التي كانت خارج القضايا الرياضية وضد المبادئ المطروحة في كل مكان"، وذلك على حد تعبيره.

رغبة مشتركة في عودة العلاقات

وينظر كلًا من السعودية وإيران لمسألة عودة العلاقات بينهما نظرة أخرى عن تلك التي قد تصدرها مباراة كرة القدم بين "الاتحاد" و"سباهان"، إذ ترغب إيران في فتح أسواق لنفسها داخل منطقة الشرق الأوسط والخليج بالتحديد، بعدما عانت من سطوة العقوبات الأمريكية التي فرضتها الإدارتين المتعاقبين (ترامب - بايدن)، كما ترى في الاستثمار في الأسواق الخليجية والسعودية على وجه التحديد ردًا والتفافًا ناجحًا على العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها منذ عام 2018.

وعلى الجانب الآخر ترى السعودية أن عودة العلاقات قد تبشر بوقف الحرب في اليمن ووقف نزيف الخسائر المالية السعودية الناتجة عن تلك الحرب، مع ضمان الحفاظ على الأمن القومي السعودي من أية هجمات قد تنفذها الميليشيات الحوثية في اليمن، والتي اعتادت على توجيه طائراتها المسيرة الانتحارية وصواريخها الباليستية التي حصلت عليها من إيران تجاه أراضي المملكة، علاوة على الرغبة المشتركة لكلًا من السعودية وإيران في الانفتاح في المجال الاقتصادي المتعلق بالنفط، خاصة وأن الرياض وطهران من أبرز أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، وهو التعاون الذي قد يفضي إلى تحقيق نوع من الاستقرار في سوق النفط العالمي، وتأمين الإمدادات العالمية، في ظل حالة من الارتباك التي تسيطر على الأسواق العالمية بما فيها سوق النفط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية من جانب، والعقوبات النفطية المفروضة على إيران من جانب آخر، فضلًا عن القرارات المتتالية لدول الخليج والمتعلقة بخفض إنتاج النفط، وهو القرار الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تلتقي حياله وجهات النظر الإيرانية والسعودية.

في المجمل.. فإن رغبة إيران في تبني سياسة "تصفير الأزمات" أسهم في تعزيز رغبتها في كسر العزلة المفروضة عليها بحكم العقوبات الأمريكية، وهو ما دعا كلًا من السعودية وإيران إلى البدء الفوري في عودة العلاقات استنادًا إلى بند في الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، والذي يقضي بضرورة تنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعتها البلدين في فترة التسعينيات خلال حكم الرئيس الإصلاحي البارز محمد خاتمي، وهو ما يشير إلى رغبة كلا البلدين في عدم المضي قدمًا في سياسة "إهدار الوقت" من أجل صياغة تفاهمات جديدة بين الرياض وطهران، وهو ما يشير إلى أن أزمة تتعلق بـ"شغب ملاعب" لن تكون إلا "زوبعة في فنجان" سيتجاوزها الطرفان عاجلًا أم آجلًا من أجل هدف أكبر.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إيران السعودية مباراة الاتحاد وسباهان أصفهان العلاقات السعودية الايرانية السعودیة وإیران إلغاء المباراة عودة العلاقات العلاقات بین البلدین فی أحداث ا کل ا من وهو ما

إقرأ أيضاً:

المشاط: ترفيع العلاقات المصرية الإسبانية يفتح آفاقًا أوسع للاستثمار والشراكة الاقتصادية بين البلدين

في إطار زيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية إلى مملكة إسبانيا، شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في منتدى الأعمال المصري الإسباني، الذي عُقد خلال الزيارة، بمُشاركة عدد كبير من مُمثلي مجتمع الأعمال والشركات المصرية والإسبانية، ومسئولي الغرف التجارية، وذلك بحضور المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، وكارلوس كويربو، وزير الاقتصاد والتجارة والأعمال الإسباني.

وخلال اللقاء، أشادت الدكتورة رانيا المشاط، بالزيارة الحالية للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمملكة الإسبانية، حيث تعكس حرص الدولة على تعزيز الشراكة مع الجانب الإسباني، والبناء على العلاقات التاريخية بين البلدين، موضحةً أن الإعلان عن ترفيع العلاقات المُشتركة إل مستوى الشراكة الاستراتيجية يفتح آفاقًا طموحة للعمل المُشترك وزيادة الاستثمارات والتبادل التجاري، وتنمية العلاقات الاقتصادية بمختلف جوانبها.

واستعرضت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تطورات الاقتصاد المصري على مدار الفترة الماضية، والإجراءات التي قامت بها الحكومة من أجل تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، من خلال السياسات المالية والنقدية، وتنفيذ البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية الذي يعمل على تعزيز صمود واستقرار الاقتصاد الكلي، وتحسين بيئة الأعمال للقطاع الخاص، ودفع التحول إلى الاقتصاد الأخضر.

وأشارت «المشاط»، إلى ارتفاع نمو الناتج المحلي بالاقتصاد المصري في الربع الأول من العام المالي الجاري ليُسجل 3.5% مدفوعًا بالإصلاحات التي نفذتها الدولة والتي انعكست على قطاعات حيوية مثل الصناعات التحويلية غير البترولية، مضيفة أن الحكومة تعمل على تطوير هيكل الاقتصاد المصري ليتحول نحو القطاعات القابلة للتجارة.

وتحدثت عن جهود الدبلوماسية الاقتصادية لتمكين القطاع الخاص، وتوفير التمويلات التنموية الميسرة للقطاع الخاص المحلي والأجنبي من شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، مشيرة إلى أن تلك التمويلات تُعد أداة رئيسية لجذب وتشجيع استثمارات القطاع الخاص، حيث تتيح تمويلات بأسعار فائدة مخفضة مما يُسهم في خفض المخاطر، وتشجيع القطاع الخاص على ضخ الاستثمارات في القطاعات ذات الأولوية.

كما تطرقت إلى ضمانات الاستثمار مع الاتحاد الأوروبي التي تم الاتفاق عليها ضمن الحزمة المالية والتي تبلغ قيمتها 1.8 مليار يورو، حيث يمكن للشركات الإسبانية الاستفادة من تلك الضمانات من أجل توسيع نطاق استثماراتها في السوق المصرية، موضحة أن مصر تتمتع بمصداقية مع مؤسسات التمويل الدوليه مما يتيح بدائل تمويلية للقطاع الخاص المحلي والأجنبي.

وذكرت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن العلاقات المصرية مع شركاء التنمية تتسم بمحددات رئيسية وهي الوضوح في طرح الرؤية، والمصداقية، والالتزام بتنفيذ المشروعات المتفق عليها.

من جانب آخر، تناولت الدكتورة رانيا المشاط، جهود الوزارة من أجل حوكمة الاستثمارات العامة والالتزام بسقف محدد للإنفاق الاستثماري من أجل إفساح المجال للقطاع الخاص، مؤكدةً أن الوزارة تعمل في الفترة المقبلة على خلق شراكات بناءة مع القطاع الخاص من خلال الشراكة في تنفيذ الاستثمارات العامة.

مقالات مشابهة

  • المؤتمر الصحفي لمدربي الهلال والاتحاد عقب مواجهة قمة الجولة الـ 21 من الدوري السعودي للمحترفين
  • وزير الخارجية الفرنسي بعد مباحثات مع أخنوش: العلاقات بين البلدين تعيش فصلا جديدا
  • أخنوش ورئيس الحكومة الفرنسي يجمعان على القفزة الإستثنائية للعلاقات بين البلدين
  • كلاسيكو السعودية.. الاتحاد والهلال في قمة عربية.. الموعد والقنوات الناقلة
  • بالفيديو.. أحداث مؤسفة في مباراة كرة اليد بين الساورة ومولودية وهران
  • وزير الخارجية يبحث مع نظيرته الأسترالية سبل تعزيز العلاقات بين البلدين
  • عبدالله بن زايد ووزير خارجية بلغاريا يبحثان هاتفيا العلاقات الثنائية بين البلدين
  • عبدالله بن زايد ووزير خارجية بلغاريا يبحثان هاتفياً العلاقات الثنائية بين البلدين
  • المشاط: ترفيع العلاقات المصرية الإسبانية يفتح آفاقًا أوسع للاستثمار والشراكة الاقتصادية بين البلدين
  • أساطير الكرة .. ظهور المعلم فى الملاعب بعد غياب 7 سنوات| ما القصة؟