هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

ما كان ليخطر على بال الآباء المؤسسين لبلاد العم سام أن يتحول ولع الأمريكيين بكل ما هو فريد ومتميز إلى حرق مراحل التغيير فيما يصل إلى مصاف الثورة.

بعد ثلاثة أسابيع من إطلاق ثالث عملية عزل لرئيس في غضون ولايتين رئاسيتين متتاليتين، تم لأول مرة في تاريخ أمريكا عزل رئيس مجلس النواب.

تفاديت عمدا ذكر الأسماء لأن ما يجري في "العالم الجديد"، ما حدث الثلاثاء الماضي "العظيم" كان تاريخيا صادما، وإن كان متوقعا بل ومحتوما، في "القطب الأوحد" لعالم اليوم رغم إرهاصات تحوله إلى عالم جديد "جدا" متعدد الأقطاب.

تغيرت نبرة التحدي في أقل من 24 ساعة، بعد أن قال له عبر الصحافة: افعلها "برينغ إت أون"، أقر كيفين مكارثي الرئيس الخامس والخمسون لمجلس النواب، يوما بأن 5 أصوات فقط كفيلة بإطاحته، فزادها قائد "الثورة" أو "التمرّد" لصقور محافظي الحزب الجمهوري (يمين اليمين) النائب ماثيو (مات) غيتس، زادها ثلاثا، فانتهى الأمر بتصويت 8 جمهوريين مع خصومهم الديمقراطيين لصالح إطاحة مكارثي ومن الجولة الأولى، خلافا لـ15 جولة نال في ختامها الثقة التي لم تدم سوى 9 أشهر.

لم تكن زلة لسان في مؤتمره الصحفي الوداعي الذي أكد فيه عدم نيته الترشيح لاسترداد مقعده، عندما أشار مكارثي إلى اعتقاده بأن سلفه نانسي بيلوسي "ستقف إلى جانبه". خليفتها في زعامة الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز، ترك مكارثي يواجه "مكارثية" يمين اليمين في حزبه -إن جاز التعبير- واعتبر أن مقعد مكارثي "كان في حقيقة الأمر شاغرا" منذ فوز الجمهوريين بأغلبية المجلس في انتخابات التجديد النصفي أو التمهيدية.

وفيما بدا وكأنه السجال ذاته الدائر حتى في دول يطلق عليها اسم بلاد العالم الثالث، فإن جميع الأطراف ادعت أن ما جرى "فوضى" تسيء لمصالح الناخبين الأمريكيين ولصورة الديمقراطية الأمريكية. تلك "الفوضى" التي خاب رهان الديمقراطيين عليها بعد أن تصدر أربع جمهوريين سباق خلافة مكارثي في مقدمتهم، ستف سكاليز زعيم الجمهوريين في مجلس النواب وجيم جوردان رئيس لجنة الشؤون القضائية، أبرز من تصدى لعزل الرئيس السابق دونالد ترامب مرتين، وأقوى "المدعين العامين التشريعيين" إن جاز التعبير في عزل الرئيس جو بايدن.

لأسباب صحية تتعلق بعلاج سكاليز من سرطان الدم، آثر جوردن عدم طرح نفسه إلا بعد ما بدا وأنه اتفاق بين الرجلين -اللذين يحظيان بسمعة طيبة في الحزبين- وربما بعد التنسيق مع ترامب الذي دعا عدد من الجمهوريين إلى توليه المنصب بنفسه، الأمر الذي لم يقطع ترامب برفضه مما يزيد المشهد "سوريالية" في قيام رئيس معزول مرتين بقيادة عملية عزل رئيس، كلاهما مرشحان لانتخابات العام المقبل، وكلاهما -هما وأنجالهم- في معركة قضائية من بين المزاعم الموجهة فيها، مزاعم فساد مالي واختراق أو ابتزاز من أطراف خارجية، واللافت أن أوكرانيا وروسيا والصين هي تلك الأطراف المشتركة بين الجانبين!

الثلاثاء المقبل سيستلم "المطرقة" جمهوري آخر ممن يحظون برضى من وصفوا بحركة "ماغا" وهو شعار ترامب في حملاته الرئاسية الثلاثة "لنجعل أمريكا عظيمة من جديد". الأهم من ذلك اليوم بالنسبة لدافع الضرائب الأمريكي هو السابع عشر من نوفمبر، موعد انقضاء مهلة تفادي الإغلاق الثاني والعشرين، في تاريخ أمريكا.

غيتس رد على منتقديه في "التمرد" على مكارثي بأن "الفوضى" ليست بإطاحة مكارثي، بل بالسكوت على "نكوثه بعهوده مع الجميع وقت استحقاقها". من الجليّ أن خطوطا حمراء رسمها صقور المحافظين، وضمنيا يرضى بها حتى الوسط وهي:

- كبح جماح الإنفاق والعجز الحكومي الذي يتصاعد منذ سنة 1961 حيث منذ ذلك الوقت لم يتوقف نزيف العجز الذي أوصل المديونية الأمريكية إلى 33 تريليون دولار.

- تخفيف -ما لم يكن- وقف الدعم لأوكرانيا، خاصة النقدي.

- إنهاء التصويت بالجملة على مشاريع قوانين الموازنة، وعدم المماطلة لحين استحقاق الثلاثين من سبتمبر كل عام لابتزاز المشرعين بالضغط الشعبي الرافض للإغلاق الحكومي، بغية تمرير تمويل لقضايا إما مرفوضة أو اعتبارها ليست أولوية، على الأقل في نظر من يملك الأغلبية في المجلس.

- تحديد أقصى مدة للخدمة في السلطة التشريعية بولايتين على غرار رئاسة السلطة التنفيذية، وليس بما يشبه وضع المحكمة العليا للبلاد (السلطة القضائية)، عضوية القضاة التسعة مدى الحياة. بعض أعضاء الكونغرس دنت خدمتهم جراء إعادة انتخابهم، زهاء النصف قرن. بايدن خدم 36 عاما في مجلس الشيوخ قبل توليه ولايتين كنائب للرئيس وسعيه للظفر بولاية ثانية كرئيس رغم تعالي الأصوات من داخل حزبه بإفساح المجال لقيادة شابة من صفوف الحزب قد تعين الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما للبيت الأبيض كنائب لما قد يكون أول رئيسة من أصول إفريقية لأمريكا، ميشيل أوباما.

كل شيء ممكن في المشهد الأمريكي حتى تحت قبة رمز وصرح الديمقراطية، الكونغرس. بيلوسي التي رحّلها من مكتبها الوجاهي بصفتها السابقة كرئيسة للمجلس، الرئيس المؤقت وأحد المرشحين لخلافة مكارثي، باتريك ماكهنري، قام بالطرق القوي المتكرر الذي أعاد للأذهان تمزيق بيلوسي خطاب ترامب قبل ثلاث سنوات. مجرد تخيل جلوس ترامب في ذلك المقعد وإن كان مستبعدا جدا، يشير إلى أن كل شيء وارد بما فيه، ساكن البيت الأبيض المقبل.

بشار جرارباحث متخصص في قضايا محاربة الإرهاب وتعزيز حوار الأديانأمريكارأينشر الخميس، 05 أكتوبر / تشرين الأول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: رأي مجلس النواب

إقرأ أيضاً:

خلف للنواب: لنحضر الى المجلس ولا نخرج منه الا بإعلان اسم الرئيس العتيد

قال النائب ملحم خلف في تصريح في اليوم ال531 لوجوده في مجلس النواب: "في الجمهورية الاولى، كان النواب يقلقون جدا من الفراغ الدستوري في سدة الرئاسة، حتى انهم، وفي العام 1967، حضروا الى المجلس تحت الرصاص وقاموا بواجبهم الوطني الدستوري في انتخاب رئيس للبلاد. في الجمهورية الثانية، وخاصة منذ العام 1992، لم يعد قلق شغور سدة الرئاسة حاضرا لدى اكثرية النواب. فهم باتوا لا يشعرون بأي قلق من هكذا فراغ، انما اعتادوا عليه لا بل يريدونه ويعملون على ابقائه نتيجة امعانهم في مخالفة المبدأ الدستوري باستمرارية الدولة عن طريق اختلاق حق مزعوم بتعطيل الحياة العامة".
 
وأضاف: "اعتمد النظام اللبناني ومنذ العام 1926 ، مبدأ انتخاب رئيس الجمهورية من قبل النواب، وأكد الدستور صراحة على الهيئة التي تنتخب الرئيس هي مجلس النواب وليس الشعب. وقد جعل الدستور من المجلس الملتئم هيئة انتخابية - لا اشتراعية - بتفويض من الشعب. بمعنى آخر، ان الشعب اعطى النواب وكالة لانتخاب رئيس البلاد، الذين عليهم - بموجب هذه الوكالة - واجب انفاذها بدقة وامانة وببذل الجهد والعناية لإتمام المهمة الموكلة اليهم، اي انتخاب رئيس للجمهورية. وعليه، ان النائب وبصفته وكيلا عن الشعب، ومحافظة على شرعيته، يحمل امانة ألا وهي اتمام انتخاب رئيس للجمهورية. وعليه ان يكون قلقا من عدم اتمام هذا الموجب، وان يكون قلقا من عدم انفاذ الوكالة، وان يكون قلقا من عدم انفاذ الأمانة، وان يكون قلقا من عدم انفاذ الموجب الوطني الدستوري الحقوقي الاخلاقي خاصة في هذا الظرف الخطر والدقيق على الوطن".
 
وختم خلف: "فلنحضر الى المجلس كما تفرضه أحكام المادة 49 من الدستور،ولندخل اليه ولنشرع في الانتخاب ولا نخرج منه الا بإعلان اسم الرئيس العتيد!الامانة غالية".

مقالات مشابهة

  • قاض أمريكي يؤجل الحكم على ترامب بقضية مدفوعات سرية لممثلة إباحية
  • خلف للنواب: لنحضر الى المجلس ولا نخرج منه الا بإعلان اسم الرئيس العتيد
  • بعد مناظرته مع ترامب.. سهام النقد تطال بايدن من معسكر الديمقراطيين (شاهد)
  • البيت الأبيض يؤكد عدم ضرورة خضوع بايدن لاختبار معرفي
  • اتفاق بين مجموعة ترامب ومطوّر عقاري سعودي لبناء برج شاهق في جدّة
  • أردوغان: نعرف كيف نكسر الأيادي القذرة التي تطال علمنا
  • بايدن ينتقد قرار المحكمة العليا بشأن الحصانة الرئاسية لترامب
  • لا يوجد ملوك في أمريكا.. بايدن يصدر تحذيرًا شديدًا بعد قرار المحكمة العليا بـحصانة ترامب
  • المحكمة العليا الأميركية تمنح ترامب “حصانة جزئية”
  • أسرة بايدن تطلب منه البقاء فى السباق وتلوم المستشارين على فشله فى المناظرة