بقلم/ عبدالباري عطوان
موجات النّزوح السوري ستتصاعد إلى لبنان والأردن.. والتصدّي لها بتحويلها إلى أوروبا مَكمَنُ الشّر والدّاعمة للحِصار.. كيف أصاب “السيّد” لُبَّ الحقيقة باقتِراحه الحاسِم لمُواجهةٍ “عمليّةٍ” لهذه الظّاهرة؟ ولماذا يجب دعم الرئيس التونسي في وقفته الشّجاعة لرفض “الصّدقة” الأوروبيّة المُهينة؟ وهل ستتخلّى بلاده عن دور الشّرطي؟
فجّر الرئيس السوري بشار الأسد قنبلةٍ من العِيار الثقيل في مُقابلته التي خصّ بها التلفزيون الصيني قبل أسبوع عندما قال “إنّ الوضع المعيشي للسوريين في قمّة السّوء حاليًّا، وعمليّة الخنْق لهذا الشّعب باتت أكثر شراسةً، وإنّ الحرب على سورية لم تنتهِ، وما زلنا في قلبها”.
أوّل شظايا هذه القنبلة، وأكبرها، وصلت إلى لبنان، ومن المُتوقّع أن تصل شظايا أُخرى، في المُستقبل القريب إلى الأردن، وتنعكس في موجةٍ ثانيةٍ من النّزوح إلى أوروبا أكبرُ من الأولى، بالتّوازي مع موجاتٍ أُخرى من إفريقيا، تتجمّع رياح أعاصيرها في دُول شمال إفريقيا، وخاصَّةً تونس وليبيا، والانفِجار الأكبر باتَ وشيكًا وفي أكثرِ من مكان.
السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله “بقّ البحصة” مثلما يقول المثل الشّعبي الشّامي، عندما طالب الحُكومة اللبنانيّة التي تسير في الفلك الأمريكي الغربي، بوقف إجراءاتها لمنع النّازحين السوريين الذين يتدفّقون إلى البِلاد من ركوبِ البحر والبحث عن لقمة العيش في الجانب الآخَر، أيّ السّواحل الأوروبيّة للبحر الأبيض المتوسّط.
وضع السيّد نصر الله إصبعه على الجُرح في خطابه الذي ألقاه مساء الاثنين بمُناسبة ذكرى المولد النبوي عندما أكّد “أنّ من يُهَدّد الدّيمغرافيا في لبنان هي السّياسات الأمريكيّة المُستَكبِرَة الوقحة التي تُعتبر المسؤول الأوّل عن النّزوح السوري الإنساني إلى لبنان، بإشعالها الحرب في سورية وفرض حصارِ قانون قيصر”.
من يَفرِض هذه الحُروب، ويُدمّر الدّول باسم أُكذوبَة نشر الديمقراطيّة في المِنطقة العربيّة هو الذي يجب أن يدفع ثمن خطاياه هذه، ومن العار أن تتطوّع حُكومات عربيّة، وخاصّةً في لبنان والاتّحاد المغاربي بتأمين الحُدود الأوروبيّة، والعمل كحارسٍ مجّانيّ، وبفُتات المُساعدات، ومنْع الهجرة والنّزوح بالقُوّة، فإذا كانت الحُكومة اللبنانيّة ترى في هذا النّزوح تهديدًا وجوديًّا، فلماذا تكتفي بالصّراخ والعويل، ولا تُقدِم على أيّ خطواتٍ عمليّةٍ لوقفها، وماذا تنتظر؟ ولماذا لا يتكرّم رئيسها السيّد نجيب ميقاتي بزيارةِ سورية التي لا تَبعُد عن دِمشق إلّا أقل من رُبعِ ساعةٍ طيران؟
إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد برفض المُساعدة الماليّة التي قرّر الاتّحاد الأوروبي منحها لبِلاده، لضآلة قيمتها أوّلًا، واحتِقارها للدّولة التونسيّة شعبًا وحُكومة، كانت خطوة شُجاعة، وتُخاطب أوروبا باللّغة التي تفهمها، فتونس لا تحتاج إلى “صدقات”، مُقابل منْع الهجرة، وإنّما إلى دَعمٍ لمشاريعِ التّنمية، والاستِثمارات المُجدية التي تُفيد الطّرفين، وتُوفّر فُرص العمل الشّريف لأكثر من مِليونِ عاطلٍ تونسيّ.
رفض هذه “الصّدقة” الأوروبيّة يحب أن يكون متبوعًا بوقف جميع الإجراءات التي تقوم بها الزّوارق الحُكوميّة البحريّة التونسيّة لمنْع تسلّل المُهاجرين الأفارقة والشّرق أوسطيين إلى السّواحل الجنوبيّة الأوروبيّة، وطردهم إلى الصّحراء الليبيّة، لكيّ يموتوا جُوعًا وعَطشًا، فقد حانَ الوقت لانتِفاضةٍ رسميّةٍ تونسيّةٍ في هذا المِضمار، بعد أن وصلت سكّينة الظّلم والاستِهتار والابتِزاز الأوروبيّة إلى العظم.
ليبيا الآمنة المُستَقرّة كانت تُوفّر فُرص العمل لأكثر من مِليون تونسي، وثلاثة مَلايين مِصري، وأكثر من مِليون إفريقي من مِنطقة السّاحل، ولكنّ سِياسات التدخّل الأمريكيّة والأوروبيّة في شُؤونها الداخليّة، وإرسال طائرات حِلف “النّاتو” لإسقاط نِظامها، وقتل عشَرات الآلاف من أبنائها، وتشريد الملايين، وزعزعة استِقرارها، وزرع فوضى الميليشيات على أرضها، كُلّها عوامل لعبت دورًا كبيرًا في خلق ظاهرة الهجرة غير الشرعيّة هذه، وانقلب السّحر الأوروبي الأمريكي على أصحابِه، واللُه سُبحانه وتعالى “يُمهِل ولا يُهمِل”، ونحنُ نعيش تمرّدًا وثورةً حقيقيّةً تتجمّع إرهاصاتها، وستكون النّتائج كارثيّة على الاستِعماريين الجُدُد.
خِتامًا نقول، على الذين يتباكون على الخريطة الدّيمغرافيّة في لبنان، ويعتبرون النّزوح السوري خطرًا وجوديًّا على أمنِهم واستِقرارهم ونقاءِ عِرقهم اللبنانيّ الأصيل، أن يخرجوا من حالة الزّيف وخديعة النّفس التي يعيشونها هذه الأيّام، ويتوحّدون لمُواجهة هذه الظّاهرة، بمعرفة أسبابها الحقيقيّة، وهي العُدوان الأمريكي الغربي على سورية، بل ولبنان نفسه لتجويع شعبي البلدين خدمة للاحتِلال الإسرائيلي، وإسقاط كُل سِياسات التبعيّة التي تُمليها السّفارة الأمريكيّة في بيروت على بعض المخدوعين من قادة الأحزاب والطّوائف، ولا نحتاج إلى تسميتهم.
نسأل: ماذا تتوقّعون أن يفعل الشعب السوري الجار، عندما لا يَجِد الخُبز والغاز والمازوت، أو الدّواء، وتنخفض المُرتّبات إلى أقل من عشرة دُولارات شهريًّا في ظِل انهِيار سِعر اللّيرة بسبب الحِصار الخانِق، هل تُريدونهم أن ينتظروا الموت جُوعًا ومرضًا ولا يبحثون عن لُقمة العيش في دُول الجِوار، وخاصَّةً لبنان والأردن وتركيا، وجميعها شارك في المُؤامرة، كُلٌّ حسب دوره وحجمه؟
على الغرب بقِيادة أمريكا ومُشاركة أكثر من 500 مِليار دولار خليجي، الاعتِراف بأنّ مشروعهم التّفكيكي في سورية وليبيا والعِراق واليمن قد فشل، وأن يُسارعوا بالتخلّي عن هذه السّياسات التّدميريّة، وإلّا سيدفعون ثمنًا باهِظًا، وفي القريب العاجِل، ولن يقتصر على الهجرة والنّزوح فقط، لأنّ الشّعوب العربيّة أفاق مُعظمها من غفوته وباتَ يعرف الحقائق، ولم تَعُد تنطلي عليه أكاذيب الدّيمقراطيّة والحُريّات التي كانت بهدف التّجويع والتّركيع والتّدمير، وُصولًا إلى التّطبيع والتبعيّة المُطلَقة.. والأيّام بيننا.
نقلاً عن رأي اليوم
المصدر: سام برس
كلمات دلالية: الأوروبی ة ة التی ت السی د
إقرأ أيضاً:
السوري ممدوح الأطرش ينتهي من كتابة مسلسل عن أسمهان ويختار نجلته لتجسيد شخصيتها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلن المؤلف السوري ممدوح الأطرش، انتهائه من كتابة مسلسل درامي جديد عن حياة الفنانة والمطربة أسمهان، الذي يستعرض مسيرتها الفنية والشخصية، بالإضافة إلى مواقفها الوطنية.
وأكد الأطرش، أنه وقع عقدا مع إحدى الشركات الإنجليزية المنتجة في الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف ترجمة المسلسل إلى اللغة الإنجليزية وعرضه في الفترة المقبلة.
وأوضح الأطرش، أنه اتفق مع الشركة المنتجة على ترشيح نجلته مروة ممدوح الأشقر، لتجسيد شخصية أسمهان في العمل، نظرا لتشابهها الكبير معها من حيث الشكل والصوت.
جاء ذلك خلال ندوة احتفاء مكرمين الدورة التاسعة لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي برئاسة المخرج مازن الغرباوي، والمنعقدة الآن بالقاعة الرئيسية في إحدى فنادق شرم الشيخ، التي تستمر حتى 20 نوفمبر الجاري.
أدار اللقاء الكاتب الصحفي جمال عبدالناصر، الذي رحب بالحضور، وأشار إلى أن المهرجان يحتفي بمكرمين الدورة التاسعة وهم: المؤلف ممدوح الأطرش من سوريا، والكاتب الدكتور سعيد السيابي من عمان، المخرج محمد جبر من مصر.
مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي تقام دورته التاسعة برئاسة المخرج مازن الغرباوي خلال الفترة من 15 إلى 20 نوفمبر الجاي، والتي تحمل اسم المخرج الراحل جلال الشرقاوي، وتدير المهرجان الدكتورة انجي البستاوي ، ورئيس اللجنة العليا للمهرجان المنتج هشام سليمان، ويرأس المهرجان شرفيا سيدة المسرح العربي سميحة أيوب، ويقام تحت رعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، واللواء خالد مبارك محافظ جنوب سيناء وبدعم من وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة .