سام برس:
2025-03-11@17:55:05 GMT

أزمة هوية؟

تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT

أزمة هوية؟

بقلم/ توفيق السيف
كرَّس الدكتور محمد الرميحي مقالته المنشورة بهذه الصحيفة، يوم السبت الماضي، للتعليق على جدل عنيف، نتج عن موقفه من دعوة بعض البرلمانيين لإلغاء الفصول المختلطة في التعليم الجامعي. اتَّسم هذا الجدل بعنفٍ لفظي واضح من جانب الذين يدَّعون الدفاع عن الفضيلة. عنف لا يقف عند تسفيه الرأي المخالف؛ بل يتعداه إلى شتم صاحب الرأي، واتهامه بالخيانة والجهل والمروق من الدين، وما أشبه.



وقد سبق للرميحي وغيره من أهل الرأي أن تعرضوا لاتهامات من هذا القبيل. لكن المقال آثار نقطة جوهرية، تستحق مزيداً من المعالجة، وهي إشارته إلى أن هذا الجدل وأمثاله يعبر عن «أزمة هوية»، تتجلَّى كلما برزت على سطح الحياة اليومية تحديات الانتقال من عصر التقاليد إلى عصر الحداثة.

وفقاً لتعريف إريك إريكسون، عالم النفس الأميركي، فإن أزمة الهوية تعبير عن إخفاق الشباب في الموازنة بين تطلعاتهم الشخصية ومتطلبات الحياة الاجتماعية؛ خصوصاً في المجتمعات التي تمر بتحولات متسارعة، ثقافية واقتصادية، تؤدي بالضرورة لتغيير مواقع الأشخاص ودوائر علاقاتهم، والأعراف التي تنظم هذه العلاقات.

وقد لاحظت أن أهم تحولات الهوية الفردية في مجتمعنا، نتج عن انفتاحه على مصادر تأثير ثقافي وأنماط حياة جديدة، تعارض ما ورثناه عن الأسلاف. وأميل للاعتقاد بأن بداية التحول العميق ترجع للعقدين الأخيرين من القرن العشرين، وساهمت فيها بشكل متوائم برامج تحديث الاقتصاد وتغيير سياسات التعليم، إضافة للتوسع في إلحاق الطلاب بالجامعات الأجنبية. أما ذروة التحول فقد حدثت –وفق تقديري– في السنوات الخمس الماضية، نتيجة لوصول الإنترنت السريع إلى كل قرية وبلدة في أنحاء المملكة.

وفَّر الإنترنت فرصة للشباب للانفتاح المباشر على عوالم جديدة. ولم يعد للعائلة والمدرسة والنظام الاجتماعي بمجمله، إلا القليل من التأثير على ذهنية الفرد، أما المساهم الأعظم فقد بات هو الفرد نفسه الذي يختار بوعي ومن دون وعي، من موائد لا أول لها ولا آخر، موائد بعيدة تماماً عن التجربة التاريخية لمجتمعنا.

كل من هذه التغيرات يواجه الذهنية التقليدية بتحدٍّ جديد، يدعمه نمط حياتي أكثر تقدماً وأكثر يسراً وجاذبية، الأمر الذي يضع الفرد على المحك: إما التخلي عن عالمه القديم، وإما الحرمان من ثمرات الحياة الجديدة.

وفقاً لرؤية إريكسون، فإن التحول المشار إليه، يؤدي لعسر في التفاهم بين جيل الشباب وآبائهم؛ ليس لأنهما يرفضان التفاهم؛ بل لأن اختلاف المشارب الثقافية يجعل كلاً من الآباء والأبناء ينطلق من خلفية مختلفة؛ بل عالم مفهومي ومعنوي مباين للآخر. إن حاجة الأب والابن للحفاظ على العلاقة القائمة، تؤدي بالضرورة إلى قدر من التكلف والعناء الذي ينعكس على شكل أزمة نفسية، هي ما نسميها أزمة الهوية.

رؤية إريكسون تنطبق على الشباب؛ لكني وجدت أزمة الهوية عند شريحة واسعة من الآباء أيضاً. وهي تتجلى في صورة رفض داخلي للقديم مع قبوله في الظاهر، أو رفض داخلي للحديث مع رغبة قوية في التمتع بخيراته. ينتج هذا التنافر ازدواجية في القيم، تمثل مظهراً آخر لأزمة الهوية.

أظن أن مرجع التأزم عند كلا الطرفين: الشباب والآباء، هو بطء التفاعل بين تراثنا الثقافي، الديني وغير الديني، وبين متغيرات العصر الثقافية؛ لا سيما منظومات القيم الجديدة، وما يترتب عليها من علائق بين الناس، وتموضعات اجتماعية مختلفة عما ساد في الماضي.

أعتقد أن شريحة واسعة من أبناء مجتمعنا، من الآباء خصوصاً، يعانون من عسر شديد في التوفيق بين قناعاتهم القديمة وحياتهم الجديدة. ولو نظرنا للسبب العميق وراء كل هذا، لرأيناه في حقيقة أن تراثنا الثقافي يريد للفرد أن يكون تابعاً مطيعاً، لا مشاركاً أو صانعاً للقيم التي تقود حياته. وهكذا يتوجب عليه البقاء منفعلاً ومتأثراً، إن أراد التمتع بفضائل النظام القديم.

نقلاً عن الشرق الاوسط

المصدر: سام برس

إقرأ أيضاً:

بيت ثول.. هوية قرية فلسطينية مهجرة ترقد على تلال القدس

تعد بيت ثول من قرى قضاء القدس الشمالية حيث قامت ونهضت على قمة سلسلة جبال تمتد على محور شرقي غربي من مدينة القدس، وعلى بعد 17 كم منها، وتبعد عن طريق يافا- القدس نحو 4 كم، فيما ترتفع أعلى نقطة فيها عن سطح البحر ما يقارب 772 مترا في منطقة باطن العرش التي تطل على البحر الأبيض المتوسط.

بلغت مساحة القرية 4629 دونما منها 30 دونم للطرقات، وتحيط بها قرى: نطاف وقطنة وأبو غوش والعنب وساريس ويالو ضمن منطقة باب الواد.

بلغ عدد سكان بيت ثول في عام 1922نحو 233 نسمة. ارتفع في عام 1932 إلى282 نسمة. وفي عام 1948 حين هجروا بلغ عددهم 360 نسمة. وكان معظم سكان القرية يعتمدون على الزراعة بكافة أشكالها، وخاصة الزيتون، كما اشتهروا بزراعة الحبوب والخضراوات بكافة أنواعها والأشجار المثمرة والبناء.


                                             موقع قرية بيت ثول قبل التهجير القسري.

وحول تسميتها بهذا الاسم تقول روايات متفق عليها بأن اسمها مشتقا من كلمة تولا الآرامية، وتعني التل أو الظل ومنه اشتق اسم بيت ثول. وفي سجلات ضرائب العثمانيين التي تعود إلى عام  1596 كانت بيت ثول تعرف باسم بيت تون.

وتتمتع قرية بيت ثول بتاريخ عريق يمتد إلى عصور قديمة وتشهد على ذلك العديد من المواقع التاريخية والدينية والأثرية وبعض الأعمدة والآبار وعيون الماء والخرب والمقاومات التي تدل على أهمية القرية. من بينها:

ـ خربة مسمار أو مسمر، وهي خربة أثرية وتحتوي على أشجار أثرية وفسيفساء، وعلى حظائر أثرية كان الرومان الذين قطنوا فيها يستعملونها لأمور كثيرة.

ـ خربة زبود، تحتوي على بقايا أعمدة وأبنية أثرية قديمة من العهد الروماني، وكان الرومان يسكنون بها، ولعل اسمها مشتق من كلمة زبوديا السريانية وهي تعني عطيه أو هبة.

ـ خربة جرابة، والبعض يسميها خربة ذويقة تحتوي على أساس وأكوام وصخرات ضخمة مبنية ومدقوقة في الصخر من العهد الروماني وتحتوي على صهريج ضخم، وذكرها الفرنجة في تاريخهم لاحقا باسم جيرابيج، وكانت مشهورة بأشجارها المثمرة أهمها الزيتون واللوزيات والتين والعنب والصنوبر والخروب.

ـ خربة القصر، وبها أساس صهريج منقور في الصخر ومعقود على مستوى سطح الأرض.

ـ خربة حرشة، يوجد بها مغارات وآبار ارتوازية قديمة يقال أنها كفرية رومانية، ويوجد بها مجمع من الماء ولها من السطح مدخل عام ولها 7 أبواب أخرى، ويوجد بها أكثر من عشر سراديب ويبلغ حجم الحجر فيها 3 أمتار.

ـ علية النمر، توجد هذه العلية غرفتان ويوجد لهذه العلية طريق درج ويقال أنها مليئة بالآثار الرومانية القديمة.

ـ بير المراح، وهو من الآثار الرومانية القديمة ويوجد به بئر ماء كبير وقديم محفور على الطريقة الرومانية القديمة وكان هذا البئر يستعمل للشرب والزراعة.

ـ  عين شومال، وكانت مياهها أيضا تستعمل للشرب والزراعة وخاصة ري البساتين التي تقع جنوب القرية.

هجرت قرية بيت ثول  في إطار عملية نحشون التي نفذتها منظمة الهاجاناه في صباح يوم 15 تموز/ يوليو عام 1948 حيث قامت كتيبة ومشاة وسرية الدبابات بالهجوم على القرية وحاصرتها من الجهات الأربع ودارت معارك قوية بين أبناء القرية الذين استبسلوا بالدفاع عن أراضيهم، مع قلة وجود المجاهدين والثوار والسلاح.


                                            مدخل القرية المدمرة والمطهرة عرقيا.

وكان الهدف في حينه من احتلال القرية والسيطرة عليها، محاصرة القرى المحيطة بها وخاصة قرى يالو، عمواس، دير أيوب، والقضاء على بؤرة الثورة حينئذ حيث كان الشهيد عبد القادر الحسيني يتخذ من القرية مركزا لشن الهجمات على القوافل والإمدادات الصهيونية في باب الواد بالتعاون مع شباب القرية.

وتذكر بعض الروايات بأن أحد ثوار القرية ويدعى صالح سليمان محمد علي قد أسقط طائرة بريطانية ببندقيته المتواضعة. وكانت نساء القرية يخبئن الأسلحة الخفيفة حين تداهم القوات البريطانية القرية بحثا عن القائد عبد القادر الحسيني والثوار الذين يقاومون معه.

وقد سقط العديد من الشهداء على أرضها وأرض دير أيوب .وكان أهالي بيت ثول يمجدون بطولات الحاج أمين الحسيني وينادونه بكنيته "أبو صلاح"، وبعد التهجير غنوا له وقالوا "يا أبو صلاح لشو هالعيشة، من بعد الرز أكلنا جريشة".

وفيما بعد قامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريـد أهلها، وأقيمت على أراضي القرية لاحقا مستعمرة "نتاف".

محيت قرية بيت ثول عن الوجود إذ تنتشر اليوم أكوام من الأنقاض على مساحة واسعة من التل وتظهر بقايا حيطان نبتت الأعشاب البرية الكثيفة بينها. كما يغطي شجر الخروب ونبات الصبار وأشجار الزيتون واللوز المصاطب التي تحف بجانبي الموقع الغربي والشمالي.


                                                     أنقاض قرية بيت ثول المدمرة.

أما الجانب الشرقي ففيه بقايا منزل كبير يحيط به حائط متداع. ولا يزال من بقي من الفلسطينيين في المنطقة يتزودون المياه من بئرين منقورتين في الصخر. وتغطي الأعشاب البرية القبور في الطرف الجنوبي للقرية. وقد أقيم في موقع القرية نصب تذكاري لطيارين إسرائيليين تحطمت طائرتهما في هذا المكان، وأقيمت غابة صغيرة في الموقع تكريما لداعمين غربيين للحركة الصهيونية، كما أقيمت غابة أخرى في الموقع .

وغالبية سكان القرية حاليا لاجئين في الضفة الغربية وفي الشتات.

المصادر:

 ـ هبة أصلان، "كيف هجرت قرية بيت ثول قضاء القدس؟"، الجزيرة نت، 15 /5/2017
 ـ  مصطفى مراد الدباغ، "بلادنا فلسطين" ج8، بيروت، 1974.
ـ  موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ  موقع قرية بيت ثول.
ـ  د.وليد الخالدي، "كي لا ننسى"..

مقالات مشابهة

  • في أجواء أزمة القمة.. وزير الشباب يستقبل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم
  • هذه هوية المُستهدف في الغارة على جنوب لبنان اليوم
  • بيع مركبات على الهوية .. نوع من الاحتيال الجديد في الاردن
  • اقتصاديات مبدأ مونرو الجديد
  • العباءة في رمضان.. من زيّ تقليدي إلى هوية رمضانية
  • 250 جنيها .. اعرف نصيب الفرد بالزيادة الجديدة على بطاقة التموين
  • بيت ثول.. هوية قرية فلسطينية مهجرة ترقد على تلال القدس
  • آلة التدمير في كركوك تهدد الأطواق التراثية ومطالبات بالتدخل لحماية هوية المدينة
  • الذايدي: جيش الجمعان لا يعرفون من يكون القائد
  • ظاهرة المؤثرين: بين التغيير الثقافي وهدم الهوية الوطنية .