بقلم/ توفيق السيف
كرَّس الدكتور محمد الرميحي مقالته المنشورة بهذه الصحيفة، يوم السبت الماضي، للتعليق على جدل عنيف، نتج عن موقفه من دعوة بعض البرلمانيين لإلغاء الفصول المختلطة في التعليم الجامعي. اتَّسم هذا الجدل بعنفٍ لفظي واضح من جانب الذين يدَّعون الدفاع عن الفضيلة. عنف لا يقف عند تسفيه الرأي المخالف؛ بل يتعداه إلى شتم صاحب الرأي، واتهامه بالخيانة والجهل والمروق من الدين، وما أشبه.
وقد سبق للرميحي وغيره من أهل الرأي أن تعرضوا لاتهامات من هذا القبيل. لكن المقال آثار نقطة جوهرية، تستحق مزيداً من المعالجة، وهي إشارته إلى أن هذا الجدل وأمثاله يعبر عن «أزمة هوية»، تتجلَّى كلما برزت على سطح الحياة اليومية تحديات الانتقال من عصر التقاليد إلى عصر الحداثة.
وفقاً لتعريف إريك إريكسون، عالم النفس الأميركي، فإن أزمة الهوية تعبير عن إخفاق الشباب في الموازنة بين تطلعاتهم الشخصية ومتطلبات الحياة الاجتماعية؛ خصوصاً في المجتمعات التي تمر بتحولات متسارعة، ثقافية واقتصادية، تؤدي بالضرورة لتغيير مواقع الأشخاص ودوائر علاقاتهم، والأعراف التي تنظم هذه العلاقات.
وقد لاحظت أن أهم تحولات الهوية الفردية في مجتمعنا، نتج عن انفتاحه على مصادر تأثير ثقافي وأنماط حياة جديدة، تعارض ما ورثناه عن الأسلاف. وأميل للاعتقاد بأن بداية التحول العميق ترجع للعقدين الأخيرين من القرن العشرين، وساهمت فيها بشكل متوائم برامج تحديث الاقتصاد وتغيير سياسات التعليم، إضافة للتوسع في إلحاق الطلاب بالجامعات الأجنبية. أما ذروة التحول فقد حدثت –وفق تقديري– في السنوات الخمس الماضية، نتيجة لوصول الإنترنت السريع إلى كل قرية وبلدة في أنحاء المملكة.
وفَّر الإنترنت فرصة للشباب للانفتاح المباشر على عوالم جديدة. ولم يعد للعائلة والمدرسة والنظام الاجتماعي بمجمله، إلا القليل من التأثير على ذهنية الفرد، أما المساهم الأعظم فقد بات هو الفرد نفسه الذي يختار بوعي ومن دون وعي، من موائد لا أول لها ولا آخر، موائد بعيدة تماماً عن التجربة التاريخية لمجتمعنا.
كل من هذه التغيرات يواجه الذهنية التقليدية بتحدٍّ جديد، يدعمه نمط حياتي أكثر تقدماً وأكثر يسراً وجاذبية، الأمر الذي يضع الفرد على المحك: إما التخلي عن عالمه القديم، وإما الحرمان من ثمرات الحياة الجديدة.
وفقاً لرؤية إريكسون، فإن التحول المشار إليه، يؤدي لعسر في التفاهم بين جيل الشباب وآبائهم؛ ليس لأنهما يرفضان التفاهم؛ بل لأن اختلاف المشارب الثقافية يجعل كلاً من الآباء والأبناء ينطلق من خلفية مختلفة؛ بل عالم مفهومي ومعنوي مباين للآخر. إن حاجة الأب والابن للحفاظ على العلاقة القائمة، تؤدي بالضرورة إلى قدر من التكلف والعناء الذي ينعكس على شكل أزمة نفسية، هي ما نسميها أزمة الهوية.
رؤية إريكسون تنطبق على الشباب؛ لكني وجدت أزمة الهوية عند شريحة واسعة من الآباء أيضاً. وهي تتجلى في صورة رفض داخلي للقديم مع قبوله في الظاهر، أو رفض داخلي للحديث مع رغبة قوية في التمتع بخيراته. ينتج هذا التنافر ازدواجية في القيم، تمثل مظهراً آخر لأزمة الهوية.
أظن أن مرجع التأزم عند كلا الطرفين: الشباب والآباء، هو بطء التفاعل بين تراثنا الثقافي، الديني وغير الديني، وبين متغيرات العصر الثقافية؛ لا سيما منظومات القيم الجديدة، وما يترتب عليها من علائق بين الناس، وتموضعات اجتماعية مختلفة عما ساد في الماضي.
أعتقد أن شريحة واسعة من أبناء مجتمعنا، من الآباء خصوصاً، يعانون من عسر شديد في التوفيق بين قناعاتهم القديمة وحياتهم الجديدة. ولو نظرنا للسبب العميق وراء كل هذا، لرأيناه في حقيقة أن تراثنا الثقافي يريد للفرد أن يكون تابعاً مطيعاً، لا مشاركاً أو صانعاً للقيم التي تقود حياته. وهكذا يتوجب عليه البقاء منفعلاً ومتأثراً، إن أراد التمتع بفضائل النظام القديم.
نقلاً عن الشرق الاوسط
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
واشنطن: تم التعرف على هوية 55 شخصًا من ضحايا المروحية
أعلنت إدارة إطفاء واشنطن، مساء اليوم الأحد، بإنه تم التعرف على هوية 55 شخصًا من ضحايا حادثة المروحية، وفقًا لقناة العربية.
الخارجية الأمريكية تكشف تفاصيل لقاء روبيو بالرئيس البنمي رئيس بنما: لا نرى أي تهديد من أمريكا على القناة حاليًا
فيما كشفت وزارة الخارجية الأمريكية، أن ماركو روبيو، وزير الخارجية، أبلغ رئيس بنما خلال لقائهما بأن الرئيس دونالد ترامب لا ينوي الحفاظ على الوضع الراهن لقناة بنما مع تزايد خطر نفوذ الصين بالمنطقة.
وجاء في بيان وزارة الخارجية الأمريكية، "أبلغ روبيو الرئيس خوسيه راؤول مولينو بأن الرئيس ترامب اتخذ قرارا مبدئيا بأن الوضع الحالي لنفوذ وسيطرة الحزب الشيوعي الصيني على منطقة قناة بنما يمثل تهديدا للقناة، ويعد انتهاكا لمعاهدة الحياد الدائم لقناة بنما وتشغيلها".
وأضاف البيان،"وقد أوضح الوزير روبيو، أن هذا الوضع القائم غير مقبول، وأنه في حال عدم حدوث تغييرات فورية، فإن الولايات المتحدة ستضطر إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية حقوقها وفقا للمعاهدة.
وفي أول زيارة خارجية له، وصل روبيو الأحد، إلى بنما والتقى رئيسها خوسيه راؤول مولينو، كجزء من جولة في أمريكا اللاتينية تشمل أيضا غواتيمالا والسلفادور وكوستاريكا.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الزيارة تهدف إلى تطوير التعاون على مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة وتهريب المخدرات.
ومنذ اليوم الأول لتوليه منصبه في 20 يناير كانون الثاني، أثار ترامب جدلا بتصريحاته حول رغبته باستعادة السيطرة على قناة بنما البحرية الاستراتيجية للتجارة العالمية، التي قال إنها "تم تسليمها إلى بنما"، لكنها الآن وقعت تحت النفوذ الصيني.
كما اتهم ترامب بنما بمعاملة غير عادلة للسفن الأمريكية، بما في ذلك السفن الحربية الأمريكية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تواجه رسوما مرتفعة لاستخدام القناة.
وشدد ترامب على أن نقل السيطرة على القناة في عام 1999 كان "بادرة تعاون" وليس تنازلا لصالح دول أخرى.
من جانبه رفض مولينو، بشكل قاطع تصريحات ترامب حول نيته السيطرة على قناة بنما، وقال بيان له: "نيابة عن جمهورية بنما وشعبها، يجب أن أرفض رفضا كاملا تصريحات الرئيس ترامب بشأن بنما وقناتها، التي وردت في خطاب تنصيبه".
وأشار إلى أن إدارة بنما للقناة "لم تكن تنازلا من جانب أحد"، بل "نتيجة صراع أجيال" انتهى بتسلم بنما مهام الإدارة في عام 1999 تنفيذا لاتفاقية توريخوس – كارتر.
وأكد أن بنما ستواصل ممارسة حقوقها على أساس الاتفاقية المذكورة والقانون الدولي، مشيرا إلى أن "الحوار هو دائما الطريقة لتوضيح النقاط المذكورة دون أي مساس بحقنا وبسيادتنا الكاملة على قناتنا وملكيتنا لها".
وقناة بنما هي ممر مائي اصطناعي، يقع في بنما بأمريكا الوسطى، قامت الولايات المتحدة بتشييده. وتربط القناة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وتعد واحدا من أهم الممرات المائية الدولية ذات الأهمية الاستراتيجية.