قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان إن العالم دخل في حقبة سماها "ما بعد بعد الحرب الباردة" التي تعد بقليل من الرخاء والقدرة على التنبؤ، في ظل غياب إمكانيات جديدة كالتي ميزت حقبة ما بعد الحرب على مدى 30 عاما منذ سقوط جدار برلين.

وأضاف أن هناك من الأسباب ما يدعوه لقول ذلك، لكن ليس منها ما هو أهم مما يقوم به 4 من قادة العالم الرئيسيين، الذين يجمع بينهم شيء واحد هو أن "كُلا منهم يظن أن قيادته لا غنى عنها، وأنهم مستعدون لبذل قصارى جهدهم للتشبث بالسلطة قدر استطاعتهم".

وأوضح أنه يعني بذلك فلاديمير بوتين روسيا، وشي جين بينغ الصين، ودونالد ترامب الولايات المتحدة وبنيامين نتنياهو إسرائيل.

وتابع أن أربعتهم -كلا بطريقته الخاصة- تسبب في اضطرابات هائلة داخل وخارج بلدانهم بدافع من مصلحة ذاتية بحتة، وليس مصالح شعوبهم.

وأضاف أنهم جعلوا من الصعوبة بمكان على دولهم أن تضطلع بوظائفها بشكل طبيعي في الوقت الحاضر، والتخطيط بحكمة للمستقبل، على حد تعبير فريدمان.


خذ بوتين مثلا، فقد بدأ كمصلح نجح في تحقيق الاستقرار لروسيا ما بعد الرئيس بوريس يلستين، وأشرف على طفرتها الاقتصادية، وذلك بفضل ارتفاع أسعار النفط.

ولكن ما إن بدأت عائدات النفط بالتراجع حتى أقدم على "تحول كبير" في مستهل ولايته الرئاسية الثانية في 2012 عقب اندلاع أكبر المظاهرات المناهضة له في 100 مدينة روسية، وتعثر اقتصاده.

ويقول فريدمان في عموده الأسبوعي بصحيفة نيويورك تايمز، إن الحل الذي تبناه بوتين "تحويل الأساس الذي تستند عليه شرعية نظامه من تقدم اقتصادي إلى وطنية ذات نزعة عسكرية"، محولاً روسيا إلى "حصن تحت الحصار" لا يستطيع أحد سواه الدفاع عنه. وتحول من "موزع للدخل، إلى موزع للكرامة.. وكان غزوه لأوكرانيا لاستعادة الوطن الروسي الأسطوري الأم أمرا حتميا".

أما شي جين بينغ، فقد شهدت الصين في عهده تحولا بنحو 180 درجة بعد مرحلة من انفتاح متواصل اتسمت بتخفيف حدة الضوابط والقيود.

ومن الواضح أن شي كان يعتقد أن الحزب الشيوعي الصيني بدأ يفقد قبضته على مقاليد الأمور مما أدى إلى استفحال الفساد على نطاق واسع، فعمد إلى تكريس سلطته، في حين قضى على أي خصوم له. كما جعل الصين "أكثر انغلاقا" من أي وقت مضى، "واكتمل المشهد" باختفاء وزيري الدفاع والخارجية.


وانتقل فريدمان بعد ذلك للحديث عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مستهلا بالقول إنه لم تكن في خطته يقينا بعد ما قضى العمر كله تقريبا في متابعة "صراعات" إسرائيل، أن ينتهي به المطاف للكتابة عن أن "الخطر الأكبر للديمقراطية اليهودية اليوم يكمن في عدو داخلي، وهو انقلاب قضائي يفكك المجتمع والجيش الإسرائيليين يقوده نتنياهو".

ويستطرد إلى أن إسرائيل حليف يمثل اليوم "الثقل الموازن الرئيسي" لاحتواء تمدد القوة الإيرانية في أنحاء المنطقة كافة. لكنه يستدرك محذرا من أن 3 سنوات أخرى من حكومة نتنياهو "المتطرفة" والمتطلعة لضم الضفة الغربية وحكم الفلسطينيين بما يشبه نظام الفصل العنصري، قد تصبح معه إسرائيل مصدرا رئيسيا لعدم الاستقرار في المنطقة، وحليفا مشكوكا فيه.

وعرج فريدمان في النهاية على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومحاولاته لأن يصبح مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات 2024، موضحا أن مساعي ترامب لإلغاء نتائج الانتخابات السابقة، وإلهامه "الغوغاء" لنهب مقر الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021، تجعل من الانتخابات المقبلة هي الأهم على الإطلاق.


وأردف بأن ثمة قاسما مشتركا يربط هؤلاء القادة الأربعة، وهو أن جميعهم انتهكوا قواعد اللعبة السياسية داخل دولهم.

ومع ذلك -يؤكد فريدمان- أن هناك أيضا اختلافات مهمة بينهم، إذ يواجه نتنياهو وترامب تراجعا في ديمقراطيتهما، ولم يشعل أي منهما حربا.

أما الرئيس الصيني شي فهو "حاكم مستبد"، ولكن لديه أجندة لتحسين معيشة شعبه وخطة للسيطرة على الصناعات الرئيسية من تكنولوجيا حيوية وذكاء اصطناعي.

أما بوتين، ففي نظر الكاتب، لا يعدو أن يكون "زعيم مافيا متنكرا في هيئة رئيس، وسيتذكره الناس لتحويله روسيا من قوة علمية وضعت أول قمر صناعي على مداره عام 1957، إلى دولة لا تستطيع صنع سيارة أو ساعة أو محمصة".

ويصف الكاتب ترامب بأنه الأخطر بين الأربعة، مضيفا أن الرئيس السابق يحبذ تجاهل المتاعب حتى أنه أشاد بمثيري الشغب وببوتين.

وختم مقاله موجزا ما يحدث في العالم بأنه "عصر الفوضى".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.. ماذا يريد بوتين من الحدث الأهم في الولايات المتحدة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عندما فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، عمّت الاحتفالات في موسكو وكأنها انتصار لروسيا، ولكن بعد مرور ثماني سنوات، ومع إجراء انتخابات أخرى واندلاع الحرب في أوكرانيا، تبددت تلك الآمال وحلّ محلها شعور بالمرارة والتشفي.

ووفقًا لمجلة بولتيكو، رغم الاعتقاد السائد بأن الكرملين يرغب في عودة ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أن الواقع يظهر أن أيًا من المرشحين للرئاسة الأمريكية لن يحقق كل ما تريده موسكو.

ترامب، الذي نال إعجاب موسكو منذ حملته الرئاسية الأولى، استقطب الأنظار الروسية لسبب بسيط: إعجابه الكبير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما أوضحت نينا خروشوفا، الأستاذة في "ذا نيو سكول" وحفيدة الزعيم السوفيتي الراحل نيكيتا خروتشوف، أن "بوتين، على الرغم من قصر قامته وغروره، يفرحه أن ترامب، الرجل الطويل والثري، مفتون به تمامًا"، وهو ما يمنح بوتين ميزة نفسية.

في حين أن مظهر ترامب المتسلط والفاخر قد يثير الامتعاض في أوروبا الغربية، فإن النخبة الروسية تتفهم جيدًا هذه المظاهر ولا تنزعج من الميول الاستبدادية لدى السياسيين.

الأهم من ذلك، أن طريقة تفكير ترامب التآمرية تتماشى مع الاعتقاد السائد لدى العديد من الروس بأن الولايات المتحدة، خاصة الشعب الأمريكي، خاضعة لما يسمى "الدولة العميقة"، وهو مفهوم عززه السياسيون والإعلام الروسي.

لكن الجاذب الأكبر للكرملين نحو ترامب هو موقفه من الحرب في أوكرانيا. فقد وعد بإنهاء الحرب في يوم واحد، ربما عبر إجبار أوكرانيا على تقديم تنازلات إقليمية. أما نائبه جاي دي فانس، فهو من أشد معارضي تقديم المساعدات الإضافية لأوكرانيا. 

وفي هذا الصدد، يشير عباس غالياموف، كاتب خطابات سابق للكرملين، إلى أن "بوتين بحاجة ماسة لتحقيق نصر، فاستمرار الصراع دون تحقيق هذا النصر يقوض شرعيته".

ومع ذلك، فإن موسكو قد تعلمت من التجربة السابقة أن ترامب لا يفي دائمًا بوعوده. فقد أخفق في تحقيق وعوده بإصلاح العلاقات مع روسيا أو رفع العقوبات المفروضة بسبب ضم شبه جزيرة القرم واحتلال أجزاء من أوكرانيا.

واليوم، ومع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الثالث بدلاً من الأيام الثلاثة التي كان مخططاً لها، تشك موسكو في أن أي رئيس أمريكي، حتى لو كان متعاطفًا مع الكرملين، سيكون قادرًا على إنهاء العداء الأمريكي تجاه روسيا.

وفي سياق ذلك، كتب دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، في منشور على "تليغرام": "الانتخابات الأمريكية لن تغير شيئًا بالنسبة لروسيا، لأن هناك إجماعًا حزبيًا على ضرورة هزيمة بلدنا". 

ووصف وعود ترامب بإنهاء الحرب بأنها "تفاهات"، مضيفًا: "لا يمكنه إنهاء الحرب في يوم ولا في ثلاثة أشهر. وإذا حاول بجدية، قد يلقى مصير جون كينيدي".

أما عن كامالا هاريس، فقد حصلت على "تأييد ساخر" من بوتين خلال خطاب في المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك، حيث قال بوتين إن جو بايدن كان "مرشحهم المفضل"، ولكن بعد انسحابه، فإن روسيا ستدعم هاريس كما طلب بايدن من أنصاره.

ورغم أن تعليق بوتين أثار الضحك بين الحاضرين، إلا أن غالياموف اعتبره "عملية تمويه تقليدية تهدف إلى مساعدة ترامب". 

غير أن خروشوفا ترى أن هناك ربما جزءًا من الحقيقة في هذا القول، إذ قد لا يكون إنهاء الحرب سريعًا في مصلحة بوتين حتى لو ضمن ذلك مكاسب إقليمية، لأن بوتين جعل من الحرب محور إرثه.

في المقابل، قد تساهم هاريس في إبقاء الوضع الراهن الذي تراه موسكو في صالحها، خاصة مع تراجع عزيمة الغرب في مواجهة الهجوم الروسي المستمر.

وفي النهاية، يبدو أن الكرملين يعتقد أن له دورًا في الانتخابات الأمريكية، حيث تتهم وكالات الاستخبارات الأمريكية روسيا بمواصلة نشر مقاطع فيديو مزيفة ومعلومات مضللة للتأثير على الحملة الانتخابية.

وإذا كانت روسيا ستصوت في هذه الانتخابات، فإنها بالتأكيد ستصوت لصالح الفوضى والانقسام وزعزعة الثقة في الديمقراطية الأمريكية، ويبدو أن فرصها في تحقيق ذلك كبيرة.

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف يدعو قادة الأديان في العالم بتضافر الجهود لحماية البيئة
  • وزير الأوقاف يطالب قادة الأديان بالعمل الضاغط والمكثف لوقف العدوان على فلسطين ولبنان
  • وزير الأوقاف يدعو قادة الأديان في العالم للضغط من أجل وقف العدوان على فلسطين ولبنان
  • الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.. ماذا يريد بوتين من الحدث الأهم في الولايات المتحدة؟
  • يوم الحسم.. العالم ينتظر الرئيس الأمريكي الجديد
  • كاتب صحفي: لن يكون في يد الرئيس الأمريكي وحده تشكيل علاقات بلاده مع أوروبا
  • إسرائيل تزعم اغتيال الناجي الوحيد من قادة حزب الله
  • ترامب يتوعد بإنهاء الفوضى في الشرق الأوسط.. لم تكن هناك في حكمي
  • ترامب أو الفوضى.. هل يتكرر كابوس 6 يناير؟
  • بوتين يهنئ الرئيس تبون بالذكرى 70 لاندلاع الثورة التحريرية