متى تكون الحرب استثناء ضروريا تحتاجه الدولة لتضمن استقرارها؟ آراء فلاسفة
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
الكتاب: فلسفة الحرب، في ماهية الحرب ومسوغاتها عند الفلاسفة اليونان والمسلمين
الكاتب: رفقة رعد خليل
دار النشر: ابن النديم للنشر والتوزيع المحمدية- المملكة المغربية ودار الروافد الثقافية ناشرون، بيروت، لبنان، 2015.
عدد الصفحات: 165 صفحة
ـ 1 ـ
ما الحرب، في كلّ عصورها وضمن كلّ أغراضها، غير تصيّد الأعداء وتصفيتهم جسديّا؟ ولا يجابه القتل إلاّ بالقتل.
وللحدّ من هذا الوجه القبيح للحرب حاول القانون الدولي أن يسيّجها بجملة من الضوابط الأخلاقية والقانونية كتجريم التعذيب واغتصاب النساء والتعدي على الممتلكات الشخصية وكتجريم الاعتداء على جثث الموتى وإخضاع الأشخاص للمعاملات المهينة أو اتخاذهم دروعا بشرية من قبل الجيوش أو توظيفهم قسرا للقيام بأعمال تساعدهم في عملياتهم ضد أعدائهم أو كتجنيد الأطفال والتهجير القسري والإبادة الجماعية.
ـ 2 ـ
ولعلّ وصف ميخائيل نعيمة الذي جربّها لما جُنّد ضمن جيش الولايات المتحدة في 1918 أن يتضمّن أفضل تشخيص لها. يقول "لو أن فظاعة الحرب توقفت عند تشويه الأجساد وإزهاق الأرواح وتخريب العامر من الأرض وتهديم الآهل من المدن والقرى، لكانت بعض الفظاعة وبعض البشاعة، ولكنها تشوِّه الروح في الجسد قبل أن تشوه الجسد. وتُزهق الحق في الروح قبل أن تُزهق الروح. وتُخرب العامر من العقول قبل أن تُخرب العامر من الأرض. وتهدم الضمائر الآهلة بالفضيلة قبل أن تهدم المدن والقرى الآهلة بالسكان. إنها الكره الصاخب وقد أنزل المحبة الصامتة عن عرشها فلبس تاجها وحمل صولجانها" (طنسي زكّا: قراءة سياسية لأدب أعلام المهجر، دار الفارابي ط1 بيروت 2015 ص 401).
كان الفيلسوف يجعل من التاريخ الإسلامي أصلا اعتباريا يوجّه فكره. فأصّل فكرة حتمية الحرب ضمن مفهوم الجهاد. وجعله آلية تحقّق المجتمع الفاضل الذي يتشكل من أمم مختلفة ويحكمه دستور عادل. ولكنه كان على بيّنة من أنّ العدل لا يتحقّق في الواقع دون وجود قائد مؤهل فطريا ونفسيا للجهاد والحرب.الحرب إذن موطن للكلّ المفارقات. فرغم وجهها القبيح تكون ضرورية أحيانا من أجل شيء من الجمال يُراد له أن ينتزع منّا قسرا. ورغم تحالفها مع الموت الدّمار تكون ضرورية أحيانا من أجل الأمل في الحياة. ورغم كونها هزيمة للإنسانية لا تنتصر قيم الخير أحيانا إلا بها. ولهذه التناقضات جميعا مثلت شاغلا مستمرا للبشرية جمعاء. ومن البديهي أن تتحول إلى موضوع فلسفي يبحث في أصولها وأسبابها العميقة. فطرحت أسئلة من قبل: هل أصيلة هي في النفس البشرية أم عارضة شأنها شأن السلم؟ وخاض الفلاسفة في مأتى شرعيتها، إن كانت من فعل الحرب ذاته أم من مواقف الفرق المتحاربة فيما بينها، أم لدواع منطقية أو دينية؟ فمثلت هذه الخلفيات جميعا الحوافز التي حثت الباحثة رفقة رعد خليل على دراسة الحرب ضمن إطار العقل الفلسفي العملي السياسي والتي غفل عنها الدرس الأكاديمي فيما تذكر. وخصّت بالبحث الفلسفتين اليونانية والعربية الإسلامية.
ـ 3 ـ
حاولت الباحثة القيام بتأصيل فلسفي لمفهوم الحرب، فقدرت انطلاقا من مرجعياتها المختلفة أنها نزاع مسلح بين طرفين أو أكثر يستهدف فيها الطرف المحارب حماية حقوقه أو فرض مصالحه أو وفرض واقع جديد على الأرض عبر مواجهة الطرف الآخر عسكريا. فتخوض غمارها الجيوش النظامية لحسم النزاعات التي تخفق في حلّها المساعي الدبلوماسية أو إيجاد تسوية سلمية لها. ويمكن للحرب أن تتمثّل في قتال بين كيانات سياسية. أما الإستراتيجيون فيحدّدونها بكونها استمرارا للسياسة بوسائل أخرى. وعليه فهي أداة من أدوات السياسية وشكل من أشكال استمرارها وبكونها ممارسة فريدة يمكن من خلالها تحقيق مقومات الإنسان الأخلاقية والفكرية . إنها "خفقان منتظم للعنف تتفاوت سرعته في إرضاء توتراته ونزف قواه". ومن التدابير والإجراءات العسكرية التهديد بالعنف والتدمير أولا ثم الانخراط فيها بمستويات مختلفة.
ثم تعرض الباحثة خوض الفلاسفة في طبيعتها وشرعيتها، عند بحثهم في أسبابها وتقديرهم لشروطها، فتبحث في بعدها السياسي أو صلتها بالواجب الديني والمجتمعي والطبيعي وتصنيفها إلى حروب شرعية أو غير شرعية، بحسب ما تطمح له الحرب من غابات وما تعتمد من الوسائل.
ـ 4 ـ
مثل منجز الفلاسفة اليونانيين مدخلها لمقاربة الحرب فلسفيا. وقسّمت مباحثها إلى ما قبل سقراط وما بعده. فوجدت في فلسفة هيراقليطس بحثا في الحرب على اعتبارها جوهرا سياسيا وميتافيزيقيا في الوقت نفسه. فقد مثلت عنده قانوناً إلهياً إنسانياً مصدره العقل الكلي. وعليه كان العالم عنده يستمدّ عدالته من تحقّقها؛ لأنه قائم بذاته عليها. ولكن لا يمكن لها أن تخاض دون سبب يحكمها، ولا بدّ لها من موانع تحول دون وجودها اللاشرعي. أما أنباذوقليس فكانت تحركه، وفق الباحثة، نزعة صوفية تسلّم بأن الكون مسيّر من قبل نظام أزلي محكوم بالآلهة. وهذا ما أفضى به إلى القول إن الشياطين هي المسبب الرئيسي لأي نزاع. ومن هذا المنطلق انتهى إلى أنّ الحرب تستمدّ شرعيتها لديه وفق قانوني الاتفاق والضرورة، كونهما قانونيين إلهيين أزليين.
وتختزل مرحلة ما بعد سقراط في فكر أفلاطون وأرسطو خاصّة. فالحرب أصيلة متجوهرة متمثلة في الجزء الغضبي من النفس الإنسانية وفق أفلاطون. والقسوة جزء من الطبيعة الإنسانية، يمكن لها أن تتحول إلى شجاعة أو خشونة أو جبن أو تهور، بحسب الظروف الملائمة لكل صفة من هذه الصفات. وتظهر هذه الأصالة في نظام الجند الذين يحرسون الدولة ويدافعون عنها، فضلاً عمّا يتمتع به رئيس المدينة الفاضلة من نظام عسكري صارم بوصفه قائداً للدولة وفيلسوفاً في آن واحد. ومع ذلك عمل أفلاطون على تسييجها بشروط. فربط قيامها أو فرض السلم بدلا من خوضها بطبيعة التربية والإعداد للإنسان في الدولة المثالية التي يدعو إليها.
ويجد أرسطو أن الحرب تكون مشروعة عند اندلاعها لضرورة حماية الدولة وحفظ أمنها الداخلي أو الخارجي، وهذا ما جعل وجود الأسلحة وكفايتها ضرورة لا يمكن للدولة الاستغناء عنهما. ويؤكد حقيقتين رئيسيتين، تقول الأولى بجوهرية الحرب في ثنايا النفس الإنسانية، ولاسيما في جزئها الغضبي الذي يتسم بالعدوانية أحيانا. أما الثانية فهي على صلة بالبعد الجغرافي وموقع الإقليم والمناخ وأثرهما في سلوك البشر من حيث اكتسابهما للشجاعة أو الخوف، أو حبهم للحرية أو قبولهم بالاستبداد والذل. وهذا لا يعني أن تتجرد الحرب من عدالتها، فغايتها في النهاية هي السلام.
ـ 5 ـ
حمل المبحث الأخير من الكتاب عنوان طبيعة الحرب وشرعيتها عند الفلاسفة المسلمين. فاختارت نماذج معينة من فلاسفة المشرق العربي والمغرب الإسلامي، اعتماداً على ما برز لديهم وفي نصوصهم من طبيعة الحرب وشرعيتها بشكل لافت. فعرض مؤلفها من فلاسفة المشارقة منجز الفارابي وابن سينا خاصّة. فقد وجدت في الفارابي المنظر والفيلسوف والسياسي بامتياز ، ووجدت في تيمة الحرب مبحثا ملازما لأغلب مؤلفاته السياسية والفلسفية.
شرع ابن سينا الحرب الهجومية في حالة الحاجة؛ لامتلاك العبيد واستعبادهم، ومنطلقه في ذلك وجود عبيد بالطبع أو بالفطرة، ضعيفي العقول، يسكنون الأقاليم غير الشريفة.وعامّة كان الفيلسوف يجعل من التاريخ الإسلامي أصلا اعتباريا يوجّه فكره. فأصّل فكرة حتمية الحرب ضمن مفهوم الجهاد. وجعله آلية تحقّق المجتمع الفاضل الذي يتشكل من أمم مختلفة ويحكمه دستور عادل. ولكنه كان على بيّنة من أنّ العدل لا يتحقّق في الواقع دون وجود قائد مؤهل فطريا ونفسيا للجهاد والحرب. فقد لا تستجيب بعض المجتمعات لكلمته إلا بالإكراه تماما مثل بعض الأفراد البوهيميين. وقد تكون مجتمعات أخرى ذات طبائع عدوانية بحكم بيئتها الجغرافية والمناخية التي تؤثر في الطبيعة الإنسانية. وقسمها إلى عادلة وأخرى جائرة. وحاول أن يحد من مخاطرها ويمنع الاندفاع إليها بطريقة عشوائية. ومن الحروب العادلة تلك التي تخاض ضد ذوي الطبع البوهيمي من سكّان المدن المتوحّشة. فيجب إخضاع هؤلاء بالقوة. فيستعبدون وينتفع منهم أو يقتلون.
وما يثير استغراب الباحثة مفارقة استعصت على فهمها في نسق تفكير الرّجل. فهو يقول بصعوبة اجتماع الشرور كلّها في إنسان واحد حتّى يتحول إلى متوحش يباح قتله. ويطلب في مواطن أخرى إخراج كل إنسان مُعد بالطبع نحو الشر من المدينة دون قتله. وبالمقابل فهو يشرّع قتل سكان المدن المتوحشة ممن كانت لديهم نزعات شريرة كما هو الحال عند بعض سكّان المدينة الفاضلة. وتتساءل: "لماذا لم يسع إلى إصلاح التوحش الإنسي إذا كان الإنسان نفسه يمتلك استعداداً طبيعياً نحو الخير"؟
ـ 6 ـ
أما ابن سينا، ففضلاً عن كونه فيلسوفاً، فقد كان يمارس السلطة السياسية في المقام الأول وتولى رئاسة الوزراء. فاجتمع في كتاباته التي تناولت الحرب النظريُّ مع العملي التطبيقي. وشغل موضوعها مكانة خاصّة في فلسفته. فقد أدرك أهميتها وأهمية التنظيم العسكري ضمن مدينته الفاضلة التي يتحدد الاجتماع فيها بدلالة الشريعة الإسلامية في كل ما يخص أنظمتها التشريعية. ويعتمد على ضرورة نشر النظام الإلهي والشريعة السماوية التي غايتها تحقيق نظام فاضل عادل وضرورة تطبيق هذا النظام على كل فئة بشرية سواء أكانت حاملة للسيرة الجميلة أم من أهل الضلال حسب تعبيره، فإذا استوجبت الأمور بإهلاك أهل الغلال تم ذلك، أو بالخروج على الخليفة حينما لا يستوفي الشروط اللازمة لتسلمه زمام الحكم كخليفة للمسلمين، وهنا يأخذ فعل الثورة عدالته. ولم يخل فكره من تأثير للفلسفة الإغريقية. فقد عد المؤثر المناخي والجغرافي من جهة والقوة الغضبية في الإنسان من العناصر المولدة للعدوانية من جهة أخرى من مولّداتها. ووسم بعض الأقاليم دون الأقاليم الأخرى بصفات الوحشية أو الشجاعة والجلد.
شرع ابن سينا الحرب الهجومية في حالة الحاجة؛ لامتلاك العبيد واستعبادهم، ومنطلقه في ذلك وجود عبيد بالطبع أو بالفطرة، ضعيفي العقول، يسكنون الأقاليم غير الشريفة. وتجد رفقة رعد خليل عسرا في فهم نسق تفكير ابن سينا بدوره. فبحثه في الفطرة ينتهي بها إلى التسليم بعدم وجود من هو عاقل بالطبع أو غير عاقل بالطبع،" فيمكن للخُلق غير الشريف الفاسد أن يصبو إلى التمدن إذا ما عولج ضمن الأقاليم الشريفة، أو ضمن مجتمع متمدن متحضّر، لذلك طرحنا سؤالنا حول الأسباب السابقة في استعباد فئات معينة من البشر، فهل يكفي كونهم من سكان الأقاليم [غير] الشريفة لاستعبادهم؟"
واختتمت أثرها بدراسة آراء فلاسفة المغرب الإسلامي. فاختارت نماذج تناولت طبيعة الحرب شأن ابن رشد وابن خلدون. وانتهت دون إفاضة في الدّرس، إلى أنّ الحرب كانت وسيلة، وليست بغاية، وأن الحالة السياسية الاعتيادية هي حالة السلم. ومع ذلك عُدّت أداة ضرورية تخدم الدولة، في الوسط السياسي والمجتمعي لا يمكن الاستغناء عنها.
ـ 7 ـ
مثلت مختلف المواقف من الحرب نسقا متوافقا مع المنظومات الفلسفية لأصحابها بشكل عام. ومع ذلك فقد اشتركت في قواسم معينة، منها كونها وسيلة واستثناء يقيّد بشروط، لأن الأصل هو السلم. ولكنها استثناء ضروري وقار تحتاجه الدولة لتضمن استقرارها وتحفظ مصالحها. ورغم تأثر الفلسفة الإسلامية بخلفياتها الدينية فإنها لم تخل من صدى للفلسفة الإغريقية، ما تعلّق منها بأثر العوامل الطبيعية في سلوك البشر أو ما تعلّق بتصوّرهم للمدينة الفاضلة المناقضة للمدينة المتوحّشة، خاصّة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب النشر لبنان لبنان كتاب رأي نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار تغطيات سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ابن سینا قبل أن ت لا یمکن
إقرأ أيضاً:
من يوقف الحرب وكيف
بسم الله الرحمن الرحيم
زورق الحقيقة
أبوهريرة زين العابدين عبد الحليم
الحرب اللعينة التي اندلعت في ربوع الوطن حرب عبثية لعينة لا معنى لها ولا مبرر لاستمرارها ويجب ان تقف فورا لأسباب كثيرة سوف اعددها، فهنالك اسئلة كثيرة سوف تظل عالقة في الإذهان الى حين، مثل من بدأ الحرب ومن له مصلحة في استمرارها ولماذا لم تقف بعد، ومن يصب الزيت على نارها، وما حجم التدخلات الدولية والاقليمية.
هنالك اسباب كثيرة للاجابة على سؤال لماذا يجب ان تقف الحرب فوراو تتعلق هذه الاسباب بالامن القومي السوداني في مفهموه الشامل، والخوف من انهياز الدولة والوصول لمرحلة اللاعودة وانهيار النسيج الاجتماعي والقيم والتعليم والتنمية وكل شيء. حسب الاحصاءات فاستمرار الحرب يكلف المليارات لسنوات قادمة ولو حسبنا خسارة التعليم والفاقد التربوي والتنمية ووقف الانتاج وكل شيء فمثلا لم يذهب الطلاب للمدراس لحوالي عام ونصف ويقدر العدد بحوالي 15 مليون فاي خسارة هذه، حجم النازحين واللاجئين وصل لاعداد خرافية، عدم الامن، النهب والسلب والسرقات وفقدان الأمان، حيث لم تستطع اي جهة توفير الامن والامان لحماية المدنيين. فالفكرة الخروج من خطاب الاصطفاف والادانات لخطاب جديد يحركنا من هذا المربع القميء لخطاب يعطي الامل للشعب ويوقف الحرب المفروضة على الشعب والمرفوضة منه.
أيضا لو درسنا طبيعة هذه الحروب من الصعب ايجاد منتصر فيها كالعادة فهي تستمر لفترات طويلة الى ان يصل الطرفان الى مرحلة الانهاك ومن ثم يتم الجلوس للحوار ونضرب مثلا بحرب الجنوب التي انتهت بانفصال الجنوب فهي مختلفة وكانت في اجزاء محددة وايضا حرب دارفور. اضف الى كل ذلك سوف يصبح السوادان ساحة صراع اقليمي ودولة.
السيناريوهات المتوقعة لوقف مثل هذه الحروب تتمثل في:
- إنتصار احد الاطراف
- الوصول لمرحلة الانهاك المتبادل وعدم انتصار اي طرف
- تدخل عسكري خارجي عن طريق الشرعية الدولية
- في حالة استمرار الحرب لفترة طويلة بدون تدخل دولي فربما تتدخل بعض الدول الاقليمية كما حدث في حرب اليمن مثل مصر أو اثيوبيا أو ارتريا أو اي دول اخرى لها مصالح.
بتحليل السيناريوهات الافتراضية اعلاه فجميعها ليست في صالح الشعب واستقرار الدولة بشكل مخطط واستراتيجي فاذا انتصر احد الاطراف سوف يقيم شموليته فالطرفين هدفهما النهائي السلطة والحكم ومهما ادعوا، ايضا سيناريو التدخل الدولي او الاقليمي الشرعي الحميد او غير الشرعي الخبيث فسوف يكون له تاثير كبير على مستقبل الدولة واستقرارها. سوف لا ينتظر العالم الى ان تصل المأساة لمجاعة شاملة وابادة.
الافضل في تصوري ان يحاول السودانيين ايجاد حل انفسهم اولا ولكن كيف يتم ذلك في اطار السيولة السياسية والاصطفاف والانقسام الشديد في المجتمع وقواه الحية. ادعو المثقفين والكتاب والمفكرين والجامعات بوضع تصورات تساعد الجميع في بلد الجميع واقترح الدعوة لمؤتمر جامع شامل للقوى السياسية والمدنية للاتفاق على تصور لوقف الحرب ومستقبل الدولة السودانية والدفع بهذه الرؤية للشعب السوداني وللمجتمع الاقليمي والدولي ومن ثم حشد الشعب والعالم لفرض هذه التصور على الطرفين واجبارهم عبر اليات اقليمية ودولية للامتثال لارادة الشعب السوداني. وبالنسبة للطرف الذي يرفض يمكن الاستعانة بعدد من الخطوات بالتنسيق مع المجتمع الدولي:
اولا: فرض حظر سلاح وطيران.
ثانيا: ضغط سياسي وشعبي وعزلة داخلية وخارجية ومقاطعة
ثالثا: تدخل عسكري محدود عبر قوات اقليمية ودولية عبر الشرعبية الدولية ويمكن الاستعانة واستيعاب جنرالات سودانيين في المعاش من الذين شهد لهم بالكفاءة في هذه القوات.
رابعا: عزل القيادتين او اجبارهم على الاستقالة ومحاولة ايجاد ضباط وطنيين ليحلوا مكانهم ومن ثم الانخراط في عمل فني لوقف اطلاق النار ووقف الحرب وبدء عملية سياسية، وان يكون واضح للجميع انه لا مجال لدخول العسكر في السياسة والاقتصاد وتأسيس جيش وطني واحد.
للاجابة على سؤال من يوقف الحرب علينا ان نعول على الشعب السوداني وقواه الحية في وقف الحرب وقيادة الجهود وترك الكسل السياسي والفكري والاعتماد على خطاب الادانات فقط وخطاب تحميل الآخرين مسئولية ما حدث، فاي جهة يمكن ان تقوم بذلك ولكن نحتاج لمجهود فكري وسياسي كبير لايقاف الحرب وتعبئة الجميع عبر افكار واضحة واجماع من القوى السياسية فهذا دورها وايضا يجب ان تتفرغ النقابات والاتحادات المهنية لاعمالهم وليس للسياسة ووضع تصورات لمستقبل الوطن كل جهة في مجال تخصصها، فمثلا بدلا ان تعمل نقابة البنوك او الاطباء في السياسة يركزون على مجالهم في تطوير المهنة ومساعدة الداخلين الجدد في المهنة ووضع تصورات لشهادات وتدريب مهني ووضع تصورات اعادة اعمار ما دمرته الحرب، وعليهم الخروج من السياسة والمساعدة مهنيا في مجال تخصصهم وهذا ما نحتاجه وايضا مثل الجيش عليه البعد من السياسة ويتفرغ الجميع للعمل في مجاله، فما اضاع بلدنا في ان الجميع يريد ان يكون سياسي ويريد ان يحكم، فمن يريد ان يحكم عليه ان يقوم بانشاء حزب سياسي ويطلب التأييد من الشعب السوداني. مشكلتنا في السودان الخلط في كل شيء وخلط المهنة مع السياسة ومع الدين ومع القبيلة والجهوية، فلو اعدنا النظر في طريقة عملنا السياسي ووضعنا لبنة وتصور في مؤتمر جامع واتفقنا على تصور دستور لتجيره اول جميعية تأسيسية او برلمان فيمكن ان نساعد الاجيال القادمة في ان تجد لبنة وطن.
لقد تعب الشعب من الحروب والتشريد في الداخل والخارج ، فعلينا أن نقود عبر مجهود فكري وسياسي وتصورات وتحويلها لواقع يمشي بين فقراء السودانيين الذين تم تشريدهم في الداخل والخارج وأن ننظر للامر بمفهوم الأمن القومي، باستمرار هذه الحرب سوف تكون نهاية الدولة والبنيات التحتية وكل شيء ومن الصعب ايجاد الموارد والدعم المطلوب لاعمار ما دمرته الحرب وما سوف تدمره، لذلك علينا الاسراع في وقف هذه الحرب اللعينة واجبار اللاعبين الاساسيين على الانصياع لرغبة الشعب. فهذا او الطوفان العنفي الذي يجرف اي شيء ونتحول لصومال آخر.
abuza56@gmail.com