سودانايل:
2024-09-19@01:07:45 GMT

السودان: دولة بنظامين

تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT

بينما تستمر المعارك على أشدها في حرب السودان غير المحدودة في نطاقها ومستوياتها التصاعدية، بين قوات الجيش والدعم السريع، بينما تتحرك على الجانب الآخر محاولات بطيئة على المستوى الإقليمي والدولي نحو حل لأعقد مشكلات الدولة والحرب في القرن الحادي والعشرين. وقد شهدت الأيام المنصرمة أحداثا على أكثر من صعيد وأبرزها بطبيعة الحال اشتداد المواجهات العسكرية بين طرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما زاد من معاناة ضحايا الحرب القائمة منذ شهور.

وعلى الصعيد السياسي الداخلي شهد المناخ السياسي للحرب ما يمكن وصفه تطوراً خطيراً على صعيد الأزمة، وأحدث صدمة على المستوى الرسمي والشعبي.
إن ما جاء مؤخراً في التسجيل الصوتي لقائد الدعم السريع الجنرال حميدتي المتواري عن الأنظار- قبل ظهوره المتلفز- أثار فزع السودانيين، التسجيل الذي أشار فيه إلى أنه في حال تشكيل الفريق البرهان قائد الجيش لحكومة في شرق السودان، سيعلن هو الآخر حكومة في الخرطوم ومناطق أخرى يسيطر عليها. ولعل ردة فعل هذا التصريح تجاوزت الحرب ونتائجها، وطرحت عنصراً جديداً إلى العلن، ولم يعد مجرد احتمالات تبحث في جذور ومسببات الحرب بين الطرفين، تحليلاً أو تكهنا، ويأتي هذا بعد شهور عدة من حرب كارثية تهددت معها وحدة السودان ووجوده على الخريطة الجغرافية والتاريخية. وقد يبرر هذا التوقع ما مثلته الحرب بأكبر عملية تدمير ذاتي تصبح معه المطالبة بإقامة السلطة ومؤسساتها الطبيعية للدولة وهماً تغذيه خيلاء الحرب، بما يتجاوز في ظل الظروف الحالية قصر النظر السياسي إلى العمى الكامل.
غياب السلطة أو دورها حالة عانتها الدولة السودانية، منذ سقوط نظام المخلوع عمر البشير عام 2019 فقد تسيدت القوى العسكرية وفصائلها المشهد السياسي، وتبدلت أشكال السلطة بوتيرة متأرجحة بين الشراكة وفضها مع القوة المدنية والعسكرية الانقلابية. ومؤخراً أعلن الجنرال البرهان تكليف أعضاء ما يسمى بمجلس السيادة، العسكريين بمهام وزارية، وهو استمرار لمهام التكليف الوزاري منذ انقلابه إلى ما قبل قيام الحرب، هي خطوة يفهم بما تحمله من طابع شكلي، التأكيد على وجود سلطة للدولة تفرض سيطرتها بواجهتها العسكرية، أكثر منها حكومة تسير وتواجه المعاناة الإنسانية الكارثية. قبيل انفصال جنوب السودان عام 2011 طُرحت صيغة دولة واحدة بنظامين، كأحد الحلول لمشكلة استعصت على الحل العسكري والسياسي، وهي صيغة توافقية على غرابتها تعتمد على الحل الدستوري، لا يخرج كثيراً عن أنماط الحكم المتوافق عليها كالنظام الفيدرالي، وإن كان النمط المطروح وسط كثافة نيران الحرب، يقترب من النظام الكونفيدرالي. وبعيداً عن لجج النظريات السياسية في الحكم والدساتير ونظم الحكم، فإن الحلول السياسية للقضايا التي تفجرها الحرب تأتي متأخرة وتنبثق عن حالة إحباط وعدوى سياسية تفتك بمكونات الدولة من أفراد ومؤسسات. فما الذي يعنيه تكوين حكومة في الخرطوم العاصمة التاريخية، مدينة الأشباح، وأخرى في بورتسودان المدينة الساحلية منفذ السودان على البحر الأحمر، حيث انتقلت إليها المؤسسات الحكومية، بعد أن أجبرت على مغادرة مقارها الرئيسية في الخرطوم، ومؤخراً التجأ إليها رأس الدولة الجنرال البرهان بعد أن أفلح في الخروج من قاعدته العسكرية في العاصمة، وأصبحت المقار الرسمية للسلطة القائمة؟ فكل من الموقعين نتيجة مباشرة عن حرب بين طرفين في محاولاتهما الانتحارية لنزع السلطة عنوة، وبكل ما يمكن أن يوصل إليها في تجاهل عنيد إلى ما أدت إليه الحرب من دمار، في النتيجة فإن هذا التهديد بإقامة حكومات داخل الدولة الواحدة لا يعني أكثر من نتيجة منطقية شكلت الحرب مقدماتها غير المنطقية.
ففي الشهر الماضي أصدر الجنرال البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، قراراً بحل قوات الدعم السريع. والمفارقة لم تكن في توقيت القرار بعد شهور ستة من المواجهات الدامية، أن يأتي قرار حل لقوة يسمها الجيش بالمتمردة، ونزع الاعتراف بوجودها، ومن ثم يعاود التصريح بالتفاوض معها للوصول إلى حل! وكلا الطرفين لا يستندان إلا إلى شرعية قوة السلاح، وبعض من تحيزات اجتماعية مناطقية، وهي شرعية تفرضها وقائع يوميات الحرب، قد تسمح بإقامة سلطة عابرة لا تشكل في الوقت الحالي مقوما دستوريا لدولة لم تكن مؤسساتها فاعلة. فالجيش الذي يمثله الجنرال البرهان كرأس لسلطة سيادة الدولة جاءت عبر انقلاب على الانتقالية برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول 2021. وفي المقابل فإن قوات الدعم السريع التي شاركت الجيش انقلابه ليس لها من السلطة السياسية إلا ما تزعم تحقيقه في خطابها السياسي الجديد، في مرحلة ما بعد الحرب.
ومثلما لم تكن أحداث السودان السياسية تعصى على التوقع، فإن الحرب الكارثية التي يخوضها طرفا الصراع تجعل من قيام حكومتين، إن لم تكن أكثر على قاعدة انهيار واختفاء الدولة السودانية بتعريفاتها التقليدية على مستوى تكوينها السياسي والاجتماعي والجغرافي. وإذا كان هذا الكيان الذي طالما وصف بالتنوع والتعدد والتباين الحاد بين مكوناته العرقية ـ مصدر الأزمات – وكذلك الثقافية، وما إليها من تعريفات أخرى جغرافية ولغوية، تفصل بين جغرافيا بشرية مجهولة الحدود، وهذا المزيج المضطرب يجعل من قيام أي سلطة منفصلة داخل حدود الدولة وارداً، بل وممكنا في ظل الأوضاع الحالية، فما يحول بين سلطات الكيانات الجهوية التي بدت في الظهور سوى حالة الحنين التي تنتاب السودانيين في بلد كان على تناقضاته الموروثة وحكوماته المحتكرة، يوفر حدا أدنى من الانتماء الوطني لمواطنيه.
ولكن ما غاب عن الساسة السودانيين ومعهم بالطبع جنرالات الحرب على طول عهدهم بممارسة السياسة، في حدودهم المتصورة عنها، هو أن قوة السلاح قادرة على تشكيل واقع لم يكن قائماً مهما كان الموقف من شرعية القوة التي تمسك به. وهذا من طبيعة صراع القوة على السلطة، على أقصى نتيجة للصراع باستخدام السلاح لفرض كيان سياسي أو رؤى سياسية محددة، وقد خبر السودانيون ماذا يعني استخدام قوة السلاح المجردة في الصراع السياسي، وما يفضي إليه المشهد السياسي، وإن اقتصر استخدامه على الانقلابات العسكرية لانتزاع السلطة الديمقراطية من المدنيين قصيرة الأجل في عمر السودان السياسي.
ومما اتضح أيضاً من واقع الاشتباكات الدامية بين الطرفين مؤخراً وحجم الدمار الذي طال المدن السودانية، وقائمة الضحايا وما نتج من عاهات اجتماعية بالغة التأثير على المواطن؛ فإن ذلك لم يقلل من شغف الصراع على السلطة، وبالنتيجة لم تحسم الحرب عسكرياً، أو وصول أي من طرفيها لسيطرة مطلقة، ولو على طاولة المفاوضات، كان لا بد من تمثيل نتائج الحرب على نحو مغاير وغير عسكري، والتجاسر على إعلان قيام حكومات كواجهات سياسية وحصاد حرب. ولعل هذا ما يفسر ارتفاع وتيرة التصريحات من قبل مستشاري الطرفين السياسيين، التي تشي بالتهديد بإعلان قيام حكومة. والأمر الآخر الذي يجعل من قيام حكومات منفصلة قائمة بقوة السلاح وليس شرعية القانون، ما هيأه الرأي العام الذي ازداد انقسامه عقب الحرب على أسس عنصرية، يرافقها خطاب كراهية أسبابه معلومة كأحد تداعياتها المباشرة، فالشعارات والدعوات الشعبية للدولة المنفصلة سبقت الاتجاه السياسي الرسمي، وحددت حدودها الجغرافية بناء على تصورات الانتقاء العرقي وغيرها من عوامل ظاهرة وخفية. وإذا كان السودان قد مرّ بتجربة الدولة المنفصلة عن الدولة الأم في تاريخه السياسي القريب، ولكن رغم الحرب انتهى الانفصال بالاستفتاء، وليس الحرب بقيام دولة جنوب السودان 2011. فالانقسام الذي يقوم على صراع القوة العسكرية لن يؤدي إلى تشكيل حكومتين أو دولة واحدة بنظامين تلك الصيغة التي ربما أعادت السودان إلى أكثر من مئة سنة إلى الوراء، عندما خضع لحكم الدولتين (بريطانيا، مصر) أو ما عرف بالحكم الثنائيCondominium في تكرار لظاهرة سياسية نادرة الحدوث.
كاتب سوداني
نشر بصحيفة القدس العربي اللندنية_ عدد اليوم 05 أكتوبر 2023م.

nassyid@gmail.com
///////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجنرال البرهان الدعم السریع أکثر من لم تکن

إقرأ أيضاً:

دور الصحافة الصفراء في هدم الدولة السودان

محمود عثمان رزق

09/17/2024

الصحافة الصفراء هي تلك الصحافة الرخيصة في قيمها ولذلك تجدها تفتقر إلى المصداقية والدقة في نقل الإخبار، ودوماً تراها تميل إلى نقل الإشاعات والخرافات والأخبار الكاذبة والمحرفة والمختلقة، وهي تعمل أيضاً في مجال تھويل الأخطاء والمشاكل ونفخها والمبالغة فيها من أجل استغلالها سياسياً. وتهتم الصحافة الصفراء بنشر الأخبار المثيرة كالجريمة والسرقة والجنس وغيرها، وهي في فعلها هذا لا تأخذ في الحسبان وجدان الأمة ونفسيتها وقيمها، بل تھدف بالدرجة الأولى إلى جمع المال الرابح، ولذا فھي مضطرة إلى تغيير طبيعة الأخبار السليمة أو تجنبها والإعتماد على الإثارة والصخب والفوضى.

وبسبب الإثارة يكون الإقبال على الصحيفة كبيراً وبالتالي الإعلانات فيها تكون غالية وكثيفة مما يجعل دخل الصحف الصفراء عالياً وكذلك يكون دخل الصحفي فيها تباعاً. وهذاء الجزاء الوافر يجعل الصحفيين العمالين في الصحف الصفراء يلهثون ليلاً ونهاراً وراء فضائح الأفراد والمؤسسات في كل الميادين وخاصة السياسية والإقتصادية والرياضية والفنية منها. وهذا النوع من الصحفيين هم أقل الناس ثقافة وفكراً وقيماً، وكل ما يعرفونه في الحياة هو جمع المال عن طريق نشر الأخبار المثيرة التي تجذب العوام وتشغل الرأي العام عن جادة الطريق. إذا كان الخبر صحيحاً فيجري تضخيمة والمبالغة في تقييم أثره ليكون مثيراً، وإذا لم يكن صحيحاً من أصله يساعدون في نشره بطرق ملتوية من غير أن يتورطوا قانونياً في شأنه، ولكنهم لا يسعون أبداً لنفيه أو التحقق من صحته عمداً منهم.

إذن مفھوم الصحافة الصفراء مفهوم يعكس تلك الممارسات اللاأخلاقية القائمة على أساس الإبتزاز في العمل الصحفي بتحريف الكلام عن مواضعه بقصد الإثارة على حساب سمعة الغير لتشويه صورهم أمام الرأي العام. وللأسف قد أبتلي وطننا السودان بهذا النوع من الصحافة السيئة منذ فجر الإستقلال وحتى هذه اللحظة، وقد لعبت الصحافة السودانية الصفراء دوراً كبيراً في إزكاء نيران الفتن الإجتماعية والسياسية في البلاد بنشرها الإكاذيب ضد الحكومات والقادة والأحزاب والسياسيين والمفكرين والأثرياء ورجال الدين والقبائل والجهات، وهلم جرا. ولعل الشاعر المفكر التيجاني يوسف بشير قد تنبه لهذه الظاهرة الصحفية الخطيرة وخطورة كُتَّابها الخواء من الفكر منذ وقت مبكر (بالضبط قبل قرن من الزمان)، فكتب مقالاً بعنوان "القيادة الفكرية فى السودان" يقول فيه:

"الواقع أنّ السودان اليوم على رغم ما يروجون عنه من دعاية للفكر كاذبة، ليس هو إلا بلداً لا سلطان للفكر فيه بحال، وليس يألف – إن اتفق له من هذه الحياة (الفكرية) شيء- إلا أخفّها على العقل وأيسرها على النفس." ويواصل قائلاً: و"الحق أنّ المكلفين بقيادة الفكر فى هذا البلد قومٌ لا يقودون إلا أنفسهم الى الناس فى ألوان من الكتابات ليس لها من القيمة ما يهيئ لها النفوس ويستلفت لها النظر." ثم يتحسر على حال السودان قالئلاً: "ومن العجيب ألا يكون للمذاهب الفلسفية أو الأدبية على كثرتها أثر فى هذا البلد. والنضال الذى يحتدم ويستعر فى بطون المؤلفات وعند انصار رأى واشياع آخر،  ودعاة مذهب واتباع آخر ، يصرخ بعيداً عن عالمنا هذا. وحتى الذين يقبسون لنفوسهم شيئاً من هذا القبس الفكرى، لم يُوجد لديهم الإيمان القوى بأنّ الترويج بهذه المذاهب والاراء والنظريات يصح ان يتقدم بالحياة هنا خطوة واحدة.  ولهذا فانك غير واجد عند أحدهم ايماناً صحيحاً أو مناصرةً حقيقية لما قرأ من مذاهب او شدا من أفكار".

ثم يلتفت التيجاني للكُتّاب ناصحاً لهم: " والكاتب إن لم يفن فى الحياة ويدن (يقترب) الى الأمة فيما يحمل لها من صور وآراء، ويضع فيها نفوذه الشخصي، وإيمانه وحريته ودم قلبه وآثار روحه فى صدق النبيين، وإخلاص المجاهدين، قاصراً كل قواه على ان يثير فيها من الشؤون والأفكار ما هي مؤمنة به لا محالة، عاملة له من غير تردد، فإنّه (إن لم يفعل ما ذكرنا) لن يكون في إنتاجه لها إلا منسياً أبداً مستنفذاً جهده فى غير ما طائل من ذكرى أو أثر.

وتلك هى الحقيقة التى يقع تحتها كل كتّاب هذا البلد على قلة من نعنى باسم الكتّاب، وإنّ الواحد منّا ليكتب كثيراً، ولكن إن رجع إلى كل ما كتب ليقيس مدى ما ترك من أثر فى تحويل الفكر أو توجيهه أو تلقيحه باللقاح الذى يقدر له أن يخلق فى نفوس قرائه ما كان يقصد به إليه، لم يلقَ إلا كتابات تطول وتقصر على محض كلام هو كل ما لا حاجة ببلدنا إليه، لأن أصحابه يزورونه على نفوسهم وختلقونه إختلاقاً محاولين أن يصبحوا به من طبقة الكاتبين لا غير,

هذا وإنّهم ليخطئون جداً فى محاولة الوصول الى لقب الكاتب أو المصلح أو المفكر من وراء هذه المحاولات، وما هى بمحققة من ذلك شيئاً إلا أن تنعكس دليلاً على أنا نجهل طبيعة الفكر الذى يقود، وخصائص الكاتب الذي يصلح (أن يكون مفكراً)، ونغرر بأنفسنا ونستخف بقرائنا ونخادعهم عن حقيقة ما نحمل في أنفسنا من خواء، فلا نطلب إليهم أن يلتمسوا بأيديهم أثر الفكر الحي فيما عند غيرنا من حياة.  ولو فعلنا هذا ونفضنا أيدينا عن الكتابة لأعنّا هذا البلد على بلوغ ما يدفع عنه الكسل والفتور والموت الفكري الذي جنيناه عليه."

ثم يختم قائلاً :"ولكن مع هذا فلا بد لنا من قيادة فكرية محلية تدفع فينا الحياة، وتبعث فينا القوة، وتروضنا على حرية الفكر، وتسلك بنا فى حياة أدبية رافهة الصور مملؤة بالسحر والجمال.  ولا شك أنّ هذه القيادة لن تخلق خلقاً ولن يُقلدها عضوٌ واحدٌ من هؤلاء الناس، وإنّما هى عملٌ وكفاحٌ ومنافحة وسلطان  تكوّنه شتى عوامل (من عوامل) اليقظة الفكرية، من فرد أو أفراد تميزوا بهذه اليقظة، واتصلوا بالوجود اتصال فهم ومعرفة وتفسير، وأفرغوا فى رؤوسهم نفسية الأمة، وعقلية الشعب كله، وأخلصوا له الولاء  وأصدقوه العمل. ويومئذ يقودون الأمة مرغمة أو غير مرغمة إلى  مثلهم وغاياتهم، ويصرفونها على مختلف الأوجه مؤثرة فيهم متأثرة بهم بالغين بها المرفأ الأمين من مرافئ الحياة التى يصنعها الفكر ويتأله فيها بسلطانه. وإذن فلا مطمع فى هذه القيادة لمن لا يعرف أولاً كيف يقرر سلطانه الفكرى ويدل على مواضع الحياة والقوة والقهر منه (أى من الفكر): فماذا أعددنا لهذا من وسائل وأساليب؟"

لقد لعبت الصحافة الصفراء دوراَ كبيراً في هدم الأخلاق السودانية البسيطة المحافظة بنشرها المتكرر للإشاعات والأخبار الكاذبة والظنون المريضة التي أدمن عليها المجتمع. وكذلك هدمت الدولة وقادتها وقادت لعدم الإستقرار وذلك عن طريق شيطنة كل الحكومات من دون فرز، وبالجري وراء توافه الأمور وجعل الحبة قبة. إنّها صحافة غير مسؤولة لا تحمل بين طياتها حلولاً لمشاكل المواطنين، صحافة ينتظر كُتّابُها الأحداث والأخبار للتعليق عليها ليملأوا بها أعمدتهم الخاوية. كتاب لا يصنعون الحدث وإنّما ينتظرون الحدث للتعليق عليه وكفى وكأنّ القراء عاجزين عن ذلك. هؤلاء الكتاب للأسف، لا الأمر لديهم بواضح ولا الطريق لديهم بمعروف وبهم يشقى جليسهم في بلادهم.

أمّا الصحافة الحقيقية فهي صدق في القول والنقل والنشر.

وهي عبقرية تجد الحلول لأصعب المسائل.

وهي مباحث تكشف أعقد الألغاز.

وهي صحافة محايدة ليست حزبية تدور مع الحق والقرار الصحيح والمسؤول الصحيح حيث كان، همها الوطن أولاً ثمّ الحزب.

وهي تأنّي في نقل الخبر خيراً كان أو شراً، ودراسة أثره على المجتمع قبل نشره.

والصحافة الحقيقية هي حارسة الأمن القومي لا تبيع وطنها أبداً ولا تستقوى بالخارج لحل مشاكل الداخل.

والصحافة الحقيقية هي التي تحارب الإشاعات بنشر الحقائق وتدعو للعدل والعفو والفضيلة.

والصحافة الحقيقية تصلح ذات البين وتحبب الناس لبعضهم وتقرب وجهات النظر السياسية من أجل المنفعة العامة.

والصحافة الحقيقة هي التي تحترم العلماء ورموز الأمة في كل مجال وحقل وتدافع عنهم وتدعو الناس لإحترامهم.

وأخيراً، نسأل الله أن يهبنا الرشد كله، رشداً في الصحافة والسياسة والإقتصاد والإعتقاد وفي كل شيء إنّه نعم المولى ونعم المجيب.

morizig@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • حسن إسماعيل: هذا هو السبب الذي اشعل الحرب في السودان(….)
  • الإمارات ترحب باعتماد الأمم المتحدة للقرار الذي تقدمت به فلسطين
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • دور الصحافة الصفراء في هدم الدولة السودان
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • جبريل أبراهيم أحد رموز معركة الكرامة الذي تجلى شموخه أمس على شاشة الجزيرة
  • عاجل | ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي: المجلس السياسي الأمني يصدق على أهداف الحرب لتشمل إعادة سكان الشمال لبيوتهم
  • أبرز جهود إنهاء الحرب في السودان
  • دولة 56 -تسقط بس!!
  • ???? بعد نهاية الحرب ستكون هنالك دولةً جديدةً في السودان وعاصمةً غير مُكتظة