"صورة القرن" والشمبانيا و"الجانب المظلم" للولايات المتحدة
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
حقق الاتحاد السوفيتي في 4 أكتوبر عام 1959 إنجازا علميا هو الأول من نوعه، وتمثل في التقاط المسبار "لونا – 3" أول ثلاث صور للجانب المظلم من القمر.
إقرأ المزيد "هذه الهزيمة يجب أن تكون الأخيرة"كان القمر منذ فجر العلوم الفلكية دائما لغزا غامضا، ويجهل بشكل تام ما يوجد في جانبه المظلم، ما أدى على ظهور العديد من الأساطير.
الجانب المظلم للقمر:
تساوي قوى الجاذبية على مدى مليارات السنين الفترات الزمنية التي يقوم خلالها القمر بدورة كاملة حول محوره ودورة كاملة حول الأرض. لذلك نرى دائما أقرب جرم سماوي لنا من جانب واحد فقط.
هذا الجانب المظلم للقمر أصبح منذ زمن طويل محط اهتمام كبير ليس فقط من قبل العلماء والمتخصصين، بل وكتاب الخيال العلمي والمهتمين.
على سبيل المثال، وصف الكاتب والمخرج البولندي الشهير أندريه زولافسكي في بداية القرن العشرين في رواية "على الكوكب الفضي"، الجانب المظلم للقمر بأنه تضاريس تعج بالحياة البرية المختلفة، وذهب الخيال بالبعض بعيدا وافترض وجود قواعد لكائنات فضائية على الجانب المظلم للقمر.
تعددت النظريات الغريبة عن جانب القمر المظلم حتى أن صانع النبيذ الفرنسي الشهير هنري مايور، وعد بجائزة تتمثل في ألف زجاجة من الشمبانيا الفاخرة لمن يقوم بتصوير هذا الجانب المظلم للقمر، وكان يُعتقد بالطبع أن مثل هذه المهمة مستحيلة!
كان السباق في الفضاء على أشده بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في الخمسينيات وازداد مع نجاح السوفييت في إرسال أول قمر صناعي إلى المدار في عام 1957.
الجانب المظلم للولايات المتحدة
الواقع أن الحكم على مجريات السباق بين الدولتين العظميين في تلك الحقبة وخاصة في مجال الفضاء يخضع في الغالب إلى قواعد غير عادلة.. الجانب المغفل للقضية هو أن الاتحاد السوفيتي خرج من فترة الغزو النازي في الحرب العالمية الثانية منهكا ومستنزفا بشدة في جميع المجالات، ومع ذلك حقق إنجازات علمية كبيرة في الفضاء وتجاوز الولايات المتحدة بأشواط، رغم أنها لم تعان من ويلات الحرب على أراضيها، بل وتعزز اقتصادها الذي كان يعمل بأقصى طاقاته حينها، وهذا الأمر يتم إغفاله من قبل أغلب الخبراء والباحثين.
المسبار السوفيتي "لونا – 3" كان مشروعا يعمل على تطويره مكتب تصميم كوروليوف منذ عام 1958، وكانت مرحلته الأولى هي إيصال المسبار إلى مدار حول القمر.
بعد محاولتين، نجح العلماء السوفييت في تحقيق اختراق تاريخي، ووصل المسبار "لونا – 3" إلى هدفه.
المرحلة الثانية لتلك المهمة القمرية، تتمثل في التقاط صور للجانب المظلم للقمر وإرسال الصور إلى الأرض.
استخدم العلماء السوفييت عند حساب مسار رحلة المسبار " إي -2 أ" المعروف أيضا باسم "لونا – 3" "مبدأ الجاذبية" لأول مرة، وتمكنوا بفضل استغلال قوة جاذبية القمر من توجيه المسبار إلى الاتجاه الصحيح، كما سمح ذلك بتلقي وإرسال إشارات من مركز على قمة جبل "كوشكا" في شبه جزيرة القرم.
جرى تزويد المسبار السوفييتي بكاميرا مزودة بفيلم خاص مقاوم للأشعة الكونية ولدرجات الحرارة العالية، وكان قادرا على قراءة الخلية الضوئية للصورة وتثبيت المناطق البيضاء والسوداء وتحويل كل التفاصيل إلى نبضات كهربائية، ومن بعد إرسال النبضات إلى محطة الاستقبال، حيث تجري عملية عكسية بتحويل النبضات إلى بقع داكنة وفاتحة.
العملية اكتملت بنجاح ووصلت أول صور للجانب المظلم لقمر إلى الأرض في 4 أكتوبر 1959، سميت على الفور بـ "صور القرن"، وبسرعة تداولت الصحف في مختلف أرجاء العالم تلك الصور الأولى على الإطلاق للجانب المظلم للقمر.
ماذا أظهرت تلك الصور؟
تبين من تلك الصور الأولى أن الجانبين المشرق والمظلم للقمر غير متماثلين وتضاريسهما مختلفة تماما. ويتميز الجانب المظلم للقمر بتضاريس جبلية للغاية، ولا يوجد به إلا "بحران" فقط والعديد من "البحيرات" الصغيرة، وهي تسميات للبقع الداكنة على سطح القمر، وليست بطبيعة الحال بحارا ولا بحيرات حقيقية، بل تجاويف ضخمة وحفر توجد منها أعداد كبيرة في جانب القمر المضيء، فيما تمثل في الجانب المظلم ما نسبته أقل من 1 بالمئة من المساحة الإجمالية.
علماء الفلك كانوا أحصوا 21 "بحرا" على سطح الجانب المرئي من القمر، وهي تشكل مع "البحيرات" أكثر من 30 ٪ من مساحة سطحه، كما أن بقية مناطق جانب القمر المضيء مسطحة في الغالب، على الرغم من وجود سلاسل جبلية.
بالمناسبة، صانع النبيذ الفرنسي هنري مايور، أوفى بالوعد الذي قطعه، وقام بزيارة سفارة الاتحاد السوفيتي في فرنسا وسلّم آلاف من زجاجات الشمبانيا الفاخرة لنقلها إلى مكتب تصميم كوروليوف، ولا تزال واحدة منها حتى الآن محفوظة في متحف رواد الفضاء بموسكو.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: كورونا أرشيف الاتحاد السوفييتي الفضاء الاتحاد السوفیتی
إقرأ أيضاً:
الأسلحة الكيميائية.. سر نظام الأسد المظلم الذي يخشاه الغرب وإسرائيل
تُثير ترسانة الأسلحة الكيميائية لنظام بشار الأسد في سوريا قلقًا عالميًا مستمرًا، خاصة بعد انهياره المفاجئ الذي ترك تساؤلات مفتوحة حول مصير هذه الأسلحة، رغم الجهود الدولية لإجبار النظام السوري على تفكيك مخزونه الكيميائي عقب مجزرة الغوطة عام 2013، التي أودت بحياة 1400 شخص باستخدام غاز السارين، فإن الشكوك ما زالت تحوم حول نجاح النظام في إخفاء جزء من ترسانته وتجديدها لاحقًا.
تاريخ أسود لتطوير “الكيماوي”بدأت سوريا مسيرتها في امتلاك الأسلحة الكيميائية عام 1971 بإنشاء مركز البحوث والدراسات العلمية بدعم من الاتحاد السوفيتي.
وفي السبعينيات، حصلت دمشق على مواد كيميائية من مصر عشية حرب أكتوبر 1973، لاحقًا، تزايد اهتمام النظام بتطوير هذا السلاح، خاصة بعد فقدانه الحليف المصري وتعرضه لضربات إسرائيلية قوية في لبنان عام 1982.
بحلول منتصف الثمانينيات، أكدت تقارير استخباراتية أميركية وجود منشآت سورية لإنتاج غاز السارين والخردل، ومع حلول التسعينيات، حوّلت دمشق مصانع كيماوية زراعية إلى مرافق لإنتاج الأسلحة الكيميائية، وكشفت تقارير لاحقة عن حصول النظام على مئات الأطنان من المواد الكيميائية من دول أوروبية، مما ساهم في تطوير عوامل أعصاب فتاكة.
الكيماوي في وجه الشعبتحوّلت الأسلحة الكيميائية إلى أداة حرب ضد الشعب السوري بعد اندلاع الثورة عام 2011، ففي 2013، شهدت الغوطة الشرقية هجومًا بالسارين، دفع المجتمع الدولي إلى إجبار النظام على تفكيك ترسانته تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
ومع ذلك، كشفت تقارير لاحقة عن هجمات جديدة للنظام باستخدام الكلور وغاز الأعصاب، أبرزها مجزرة خان شيخون عام 2017 وهجوم دوما 2018.
قلق إسرائيلي وغربيتخشى إسرائيل والغرب وصول هذه الأسلحة إلى أيدي فصائل معارضة أو تنظيمات مسلحة، مما يهدد أمن المنطقة، هذا القلق دفع إسرائيل إلى شنّ غارات جوية مكثفة استهدفت مراكز أبحاث ومستودعات أسلحة كيميائية، أبرزها مركز البحوث العلمية بدمشق.
أدوات حرب تُثير الرعب العالمي
تُعد الأسلحة الكيميائية واحدة من أخطر أدوات الحرب، إذ تُعرِّفها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأنها مواد سامة مُصممة خصيصًا لإحداث الوفاة أو التسبب بأضرار جسيمة من خلال التفاعلات الكيميائية. تُستخدم هذه الأسلحة في أشكال متعددة، مثل السوائل، أو الغازات، أو البخار، أو الغبار، ما يجعلها سريعة التأثير وصعبة الاكتشاف في بعض الأحيان.
أنواع الأسلحة الكيميائية وتأثيراتهاتنقسم الأسلحة الكيميائية إلى عدة فئات رئيسية، لكل منها خصائصها وأعراضها المدمرة:
1. العوامل المنفّطة:
أبرزها غاز الخردل، الذي يُصنَّف ضمن المواد المُنفّطة التي تُسبب حروقًا شديدة في الجلد والأغشية المخاطية، يظهر هذا الغاز عادةً في شكل سائل أو بخار عديم اللون والرائحة، لكنه يُصبح بُني اللون وله رائحة الثوم عند خلطه بمواد أخرى، ويُؤدي التعرض له إلى التهابات جلدية حادة، ومشكلات في الجهاز التنفسي، ما يجعله سلاحًا مؤلمًا طويل الأثر.
2. العوامل الخانقة:
تشمل هذه الفئة الكلور، الذي يكون عادةً في حالة غازية. عند استنشاقه، يُهيج الكلور الجهاز التنفسي ويُسبب تراكم السوائل في الرئتين، مما يؤدي إلى الاختناق، رغم استخدام الكلور في التطبيقات المدنية مثل تنقية المياه، إلا أن استخدامه العسكري يُعد محظورًا بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
3. العوامل العصبية:
تُعتبر هذه الفئة الأخطر على الإطلاق، وتشمل غازات مثل السارين وفي إكس، تُهاجم هذه المواد الجهاز العصبي مباشرةً، وتُسبب تشنجات شديدة، وفقدان السيطرة على العضلات، مما يؤدي إلى شلل عضلات القلب والجهاز التنفسي، وبالتالي الوفاة، يُعد السارين، الذي طُوِّر خلال الحرب العالمية الثانية، الأخف وزنًا والأكثر تطايرًا، حيث يتحول إلى سائل عديم اللون والرائحة في درجة حرارة الغرفة.
استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيميائية مرارًا ضد المدنيين، حيث تُشير التقارير إلى أن الكلور كان المادة الأكثر استخدامًا بسبب سهولة إنتاجه وصعوبة إثبات استخدامه، إذ يتبخر سريعًا بعد الهجوم، ووفقًا لبيانات بي بي سي، يُشتبه في وقوع 79 هجومًا بالكلور نفّذه النظام السوري.
من ناحية أخرى، كشفت شهادات منشقين عن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري لصحيفة لوموند الفرنسية عام 2020 أن براميل الكلور تُصنع محليًا في ورشات خاصة، أبرزها في جمرايا ومصياف.
كما أظهرت التحقيقات أن سوريا استوردت بين عامي 2014-2018 مركبات كيميائية محظورة من 39 دولة، بينها 15 دولة أوروبية، أبرزها مادة أيزوبروبانول، التي تُستخدم في إنتاج غاز السارين.
أداة حرب محظورةتُشكّل الأسلحة الكيميائية تهديدًا عالميًا بسبب سهولة إنتاجها وصعوبة اكتشافها، وهو ما يجعلها أداة مثالية للحروب غير التقليدية، ورغم حظر استخدامها دوليًا، إلا أن استمرار استخدامها في النزاعات المسلحة، كما حدث في سوريا، يُسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي في منع انتشار
تساؤلات بلا إجاباترغم الجهود الدولية، لا تزال الأسئلة قائمة حول مصير الترسانة الكيميائية السورية، استمرار استخدام النظام لهذه الأسلحة بعد تفكيكها رسميًا يُشير إلى وجود مخزون مخفي، ما يجعل هذه القضية تهديدًا دائمًا لأمن المنطقة والعالم.