سلط أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية جاكسون للعلاقات الدولية بجامعة واشنطن، ستيفن سايمون، والزميل في مؤسسة كارنيجي لأبحاث السياسة الخارجية والسلام الدولي، آرون ديفيد ميلر، الضوء على صفقة التطبيع المرجحة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل برعاية أمريكية، وأكدا أنه "يجب على واشنطن أن تطلب المزيد من الرياض".

وذكر الخبيران، في تحليل نشراه بموقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن المطالب السعودية المعلنة من الولايات المتحدة كبيرة، بل يمكن وصفها بالتاريخية، وكثيرا ما تم تناولها بالنقاش في أوساط الخبراء والمحللين، إذ تطلب معاهدة دفاع مصدق عليها من مجلس الشيوخ الأمريكي تتضمن التزاما بالدفاع عن المملكة في حالة تعرضها لهجوم، ومساعدة واشنطن لها في بناء برنامج نووي مدني مع درجة معينة من السيطرة السعودية على دورة الوقود، ما يمكّنها من تخصيب المواد الانشطارية التي يمكن أن تصل إلى درجة صنع الأسلحة؛ والوصول إلى المزيد من أنظمة الأسلحة الأمريكية.

أما الأمر الأقل وضوحًا والأقل مناقشةً، فهو ما ينبغي أن تطلبه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من الرياض، وهو ما يراه الخبيران ضرورة طرحه، وعدم الاكتفاء بموافقة السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وأشارا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، وصف مثل هذا الاتفاق، مراراً وتكراراً، بأنه "نقطة تحول"، واعتبرا أن هذا صحيح بالنسبة لإسرائيل والسعودية، لكنه لا يتناسب من الناحية الاستراتيجية مع ما يُطلب من الولايات المتحدة دفعه.

فالسعوديون يضغطون من أجل التزام يتجاوز بكثير أي من اتفاقيات التعاون الدفاعي التقليدية التي وقعتها الولايات المتحدة مع العديد من شركائها وحلفائها أو تصنيف "الحليف من خارج الناتو"، الذي منحته للآخرين، إذ تبحث الرياض عن شيء أكثر إلزاماً بكثير، وأقرب إلى التزام المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ويبدو أن إدارة بايدن تدرس شيئاً مماثلاً للمعاهدة التي وقعتها الولايات المتحدة مع اليابان عام 1960، والتي تلتزم فيها الولايات المتحدة، في حالة وقوع هجوم مسلح على اليابان، بـ "العمل على مواجهة الخطر المشترك بما يتوافق مع المبادئ التوجيهية الدولية".

اقرأ أيضاً

20 نائبا بالكونجرس يحذرون بايدن بشأن التطبيع بين السعودية وإسرائيل

ويشير الخبيران إلى أن تلك الصيغة يتضح منها أن نوعًا ما من العمل العسكري هو ما كان يدور في أذهان الموقعين على المعاهدة، ولكن لا تزال هناك مرونة كبيرة للولايات المتحدة فيما يتعلق بالطريقة التي قد تختار بها الرد على وجه التحديد، وينطبق هذا أيضًا على المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي.

ومع ذلك، فإن المعاهدة تظل التزامًا رسميًا، وافق عليه الكونجرس ودخل في القانون الأمريكي المحلي، وبمجرد دخوله حيز التنفيذ، يكون من الصعب استغلال أي مجال للمناورة، وهذا أحد الأسباب وراء توقف الكونجرس عن الموافقة على التصديق على المعاهدات التي تلزم الولايات المتحدة بالعمل العسكري منذ فترة طويلة.

وفي حالة السعودية، فإن مثل هذا الالتزام سيكون أكثر خطورة، بحسب الخبيرين، لأنها "دولة استبدادية قمعية تحافظ على علاقات وثيقة للغاية مع خصوم الولايات المتحدة روسيا والصين"، حسب توصيفهما.

التزام غير مسبوق

وأضافا أن الولايات المتحدة ليس لديها التزام أمني مماثل تجاه أي دولة أخرى في المنطقة، ولا حتى إسرائيل، أقرب حليف لها، فيما تتسم البيئة الأمنية في جوار السعودية بالتعقيد بسبب نقاط الضعف العديدة التي تعاني منها المملكة.

فالتهديد الرئيسي للرياض لا يتمثل في غزو بري تقليدي من جار معادي، بل يتمثل، على الأرجح، في التخريب الداخلي أو هجمات صواريخ كروز وطائرات إيران المسيرة أو أي عدد من الميليشيات الموالية لإيران.

وهنا يتساءل الخبيران: هل ستكون الولايات المتحدة ملزمة بمهاجمة إيران أو اليمن بشكل مباشر رداً على كل غارة جوية ضد السعودية؟

ويشيران في مقاربة الإجابة إلى أن مثل هذا الالتزام الدفاعي المتبادل سيكون بمثابة خروج جذري للسعودية عن سياقها التاريخي، إذ قاومت لعقود من الزمن أي علاقات دفاعية رسمية مع الولايات المتحدة.

 فعلى عكس جيرانها في الخليج، لم تدخل السعودية في اتفاقية تعاون دفاعي مع الولايات المتحدة، ولم توافق على أن تصبح حليفًا من خارج الناتو، مع امتيازات عسكرية واقتصادية ولكن بدون التزام أمني.

كما قاومت السعودية إقامة قواعد دائمة للقوات الأمريكية في المملكة في محطات تاريخية عدة، لكن الرياض الآن على استعداد للتعهد بالتزام أمني رسمي مع واشنطن يشير بقوة إلى اقتناعها بأنها لا تستطيع أو لا تريد الدفاع عن نفسها.

وبالنسبة للإدارة الأمريكية، التي سعت إلى إعادة ترتيب أولويات التزاماتها الدولية مع تزايد أولوية منطقة أوروبا والمحيطين الهندي والهادئ، فإن الأمر ينبغي أن يشكل تحذيرًا وامضًا باللون الأصفر، بحسب الخبيرين.

فتلبية المطالب النووية للسعودية سيكون أمرًا نادرًا ما تفعله الولايات المتحدة وسيمثل خروجًا تاريخيًا عن السياسة الأمريكية طويلة الأمد بشأن منع الانتشار النووي.

اقرأ أيضاً

قرن من الاتصالات السرية.. هآرتس تكشف محطات العلاقة بين إسرائيل والسعودية

وعلى عكس دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وقعت اتفاقاً يمنع إمكانية استخدام التكنولوجيا النووية المصدرة من قبل الولايات المتحدة للسيطرة على دورة الوقود، وتخزين المواد الانشطارية، وتخصيبها إلى درجة صنع الأسلحة، يبدو أن السعودية تريد درجة معينة من السيطرة على دورة الوقود.

وبالنظر إلى وضع إيران كدولة على عتبة امتلاك أسلحة نووية وتأكيدات ولي العهد السعودي العلنية أنه إذا حصلت إيران على أسلحة نووية، فإن السعودية تحتاج إليها أيضًا، فإن الطلب السعودي بإسناد أمريكي لبرنامجها النووي "لا ينبغي تلبيته تحت أي ظرف من الظروف" بحسب الخبيرين.

وأضافا: "من المؤكد أن إدارة بايدن تدرك أهمية هذه الطلبات السعودية، فهي ليست معاملات بسيطة ولكنها التزامات من شأنها أن تغير العلاقة الأمريكية السعودية. وينبغي أن يكون واضحا أن مثل هذه الطلبات البالغة الأهمية تتطلب معاملة بالمثل بالغة الأهمية".

وأشارا إلى أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية مهم، لكنه لا يقترب بأي حال من مستوى الثمن الذي تطلبه السعودية، خاصة أن اتفاق الرياض على مواءمة أسعار النفط مع الأسعار التي تريدها واشنطن لن يكون ممكناً.

أما ما يتعلق بسجل السعودية المروع في مجال حقوق الإنسان، فسيكون من المهم رؤية تغيير فيه، لكن من الواضح أن هذا لا يمثل أولوية لإدارة بايدن، وهو ما يكشفه صمتها إزاء التقارير التي تتحدث عن قيام السعوديين بقتل مئات المهاجرين على الحدود اليمنية.

العلاقة مع الصين

ويرجح الخبيران أن إدارة بايدن تسعى للحصول على بعض التنازلات من الرياض بشأن الصين، تشمل أن تنأى بنفسها، اقتصاديًا وعسكريًا، عن بكين، وأن لا تسمح للصين ببناء قواعد عسكرية في المملكة، وفرض قيود على استخدام تكنولوجيا شركة هواوي الصينية، والتعهد باستخدام الدولار الأمريكي وليس العملة الصينية في تجارة النفط.

لكن هذه التعهدات يراها الخبيران "متواضعة وليست كافية لتبرير المكافأة التي ستمنحها واشنطن للرياض"، واعتبرا أن "هناك مقابل استراتيجي واحد فقط يتوافق بشكل جيد مع الوضع الراهن للولايات المتحدة، وهو: إلزام السعودية بقطع تدفق النفط إلى بكين في حالة الطوارئ أثناء أي صراع عسكري بين الولايات المتحدة والصين.

ويرى الخبيران أن المخططين العسكريين الأمريكيين بحاجة إلى قياس ما إذا كان الصراع المحتمل مع الصين سيكون طويلاً أم قصيرًا نسبيًا، ومن شأن الوعد السعودي الملزم بقطع إمدادات النفط السعودي عن بكين أن يساعد في الحد من حالة عدم اليقين تلك.

ولكن هل سيوافق ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، على هكذا التزام ويحترمه؟ لا يجزم الخبيران بإجابة محددة لهذا السؤال، لكنهما يشيرا إلى أسباب تدعو للشك، منها انتهاج بن سلمان لسياسة خارجية لا تربط الرياض بأي قوة واحدة، بل بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، من بين دول أخرى.

وإضافة لذلك، فإن المصالح السعودية في الصين هائلة، وإلى حد ما، يعتمد مستقبل المملكة على الطلب الصيني القوي على النفط، كما يعتمد الأمر على التعاون السعودي الوثيق مع روسيا في إطار تحالف "أوبك+".

كل هذا يعني أنه حتى تنازل الرياض الوحيد، الذي يمكن أن يبرر التنازلات الكبيرة لواشنطن سيكون هشاً في أحسن الأحوال.

ولذا يخلص الخبيران إلى استنتاج بالقلق بشأن وجود إدارة أمريكية "على وشك تقديم تنازلات كبيرة للسعودية دون طلب ما يكفي في المقابل".

اقرأ أيضاً

جيروزاليم بوست: إيران تتحضر لمواجهة تطبيع السعودية وإسرائيل.. ماذا قد تفعل؟

المصدر | فورين بوليسي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية الولايات المتحدة جو بايدن محمد بن سلمان التطبيع السعودي الإسرائيلي الولایات المتحدة إدارة بایدن فی حالة إلى أن

إقرأ أيضاً:

قمة الرياض تتهم إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في قطاع غزة

أدان البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية التي انعقدت في الرياض، الإثنين، "العدوان الإسرائيلي المتواصل على فلسطين ولبنان"، مؤكدا ضرورة التزام المجتمع الدولي بمسؤولياته لوقف إطلاق النار.

وجاء في البيان الختامي للقمة التي عقدت بهدف "بحث استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان وتطورات الأوضاع في المنطقة":

التنديد بجريمة الإخفاء القسري التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العدوان الحالي تجاه آلاف المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، بمن فيهم من أطفال ونساء وشيوخ، علاوة على التنكيل والقمع والتعذيب والمعاملة المهينة التي يتعرضون لها. دعوة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى العمل على كافة المستويات للكشف عن مصير المختطفين، والعمل على إطالق سراحهم فورا، وضمان توفير الحماية لهم، والمطالبة بتحقيق مستقل وشفاف حول هذه الجريمة، بما فيها إعدام بعض المختطفين. الإدانة بأشد العبارات ما يتكشف من جرائم مروعة وصادمة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة في سياق جريمة الإبادة الجماعية، بما فيها المقابر الجماعية وجريمة التعذيب والإعدام الميداني والإخفاء القسري والنهب، والتطهير العرقي خاصة في شمال قطاع غزة خالل الألسابيع الماضية. مطالبة 4 مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة وذات مصداقية للتحقيق في هذه الجرائم، واتخاذ خطوات جدية لمنع طمس الأدلة والبراهين لمساءلة ومحاسبة مرتكبيها وضمان عدم إفالتهم من العقاب. رفض تهجير المواطنين الفلسطينيين داخل أرضهم أو إلى خارجها، باعتبارها جريمة حرب وخرق فاضح للقانون الدولي. إدانة سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل واستخدام الحصار والتجويع سلاحا ضد المدنيين في قطاع غزة، ومطالبة المجتمع الدولي باتخاذ خطوات عملية فورية لإنهاء الكارثة الإنسانية التي يسببها العدوان. تأكيد دعم الجهود الكبيرة والمقدرة التي بذلتها كل من جمهورية مصر العربية ودولة قطر بالتعاون مع الواليات المتحدة الأميركية لإنجاز وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وتحميل إسرائيل مسؤولية فشل هذه الجهود نتيجة تراجع الحكومة الإسرائيليةعن الاتفاقات التي كان توصل إليها المفاوضون. الإدانة الشديدة للعدوان االسرائيلي المتمادي والمتواصل على لبنان وانتهاك سيادته وحرمة أراضيه، والدعوة الى وقف فوري لإطلاق النار، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. التأكيد على دعم المؤسسات الدستورية اللبنانية في ممارسة سلطتها وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، والتأكيد في هذا الصدد على دعم القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها الضامنة لوحدة لبنان واستقراره، والتشديد على أهمية الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة استنداد لأحكام الدستور اللبناني وتنفيذ اتفاق الطائف. الإدانة الصريحة للهجمات المتعمدة لإسرائيل على قوات حفظ السالم التابعة لألمم المتحدة في لبنان والتي تشكل انتهاكات مباشرة لميثاق الأمم المتحدة ومطالبة مجلس الأمن الدولي على تحميل المسؤولية إلسرائيل لضمان سالمة وأمن قوات حفظ السالم الأممية العاملة تحت راية قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. مطالبة المجتمع الدولي للتحرك بفاعلية لإلزام إسرائيل احترام القانون الدولي، واستنكار ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، والتحذير من أن هذه الازدواجية تقوض بشكل خطير صدقية الدول التي تحصن إسرائيل وتضعها فوق المساءلة.

مقالات مشابهة

  • الرياض تستضيف النسخة الرابعة من منتدى مبادرة السعودية الخضراء في المنطقة الخضراء بمؤتمر COP16 ديسمبر القادم
  • الرياض تستضيف النسخة الرابعة من منتدى مبادرة السعودية الخضراء في المنطقة الخضراء بمؤتمر COP16 ديسمبر المقبل
  • سيناتور أمريكي: جيشنا الآن لا يستطيع هزيمة أحد
  • تايوان: الولايات المتحدة من تقرر عودة استخدام صواريخ هوك التي تم إيقافها
  • واشنطن: إسرائيل لم تنتهك القانون الأمريكي وتوريد الأسلحة سيستمر
  • الحوثي يتحدى الولايات المتحدة: دعوة للبث المباشر من حاملة الطائرات التي استهدفتها القوة الصاروخية اليمنية
  • منظمات إغاثية: إسرائيل لم تنفذ مطالب أمريكا لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة
  • منظمات إغاثية:فشل إسرائيل بالوفاء بموعد الولايات المتحدة لتعزيز المساعدات الإنسانية لغزة
  • ماذا لو كانت “إسرائيل” داخل أراضي الولايات المتحدة؟!
  • قمة الرياض تتهم إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في قطاع غزة