نجح فريق بحثي يتبع "مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة" (LSHTM) -بقيادة الباحث المصري شريف أبو الحديد- في تطوير تقنية جديدة تسهم في زيادة سرعة إنتاج اللقاحات المضادة للبكتيريا.

ونشرت تفاصيل هذه التقنية الجديدة في ورقة بحثية بدورية "ميكروبيال سل فاكتوريز" (Microbial Cell Factories) في الـ18 من أغسطس/آب الماضي.

وأطلق الباحثون على الابتكار الجديد الاسم المختصر "MAGIC"، وهو وسيلة تساعد على تصنيع لقاحات مضادة للأمراض البكتيرية الخطيرة، مثل الالتهاب السحائي والالتهاب الرئوي والإسهال، خلال مدة قصيرة وبتكلفة منخفضة.

وتسهم التقنية الجديدة أيضا في الحد من فرط استخدام المضادات الحيوية، وهو العامل الذي أدى إلى ظهور مشكلة "مقاومة المضادات الحيوية" حول العالم، وتعني عدم استجابة الجسم إلى العلاج بهذه الأدوية، مما يرفع احتمالية الوفاة نتيجة الإصابة بالأمراض البكتيرية.

تاريخ طويل من تطوير اللقاحات البكتيرية

حاول العلماء منذ القرن الـ15 تطوير لقاحات فعالة بهدف وقاية البشر من الإصابة بالأمراض المميتة، سواء تلك التي تسببها الفيروسات أو البكتيريا.

ويعود تاريخ إنتاج أول لقاح مضاد للبكتيريا إلى عام 1872، عندما صمم لويس باستور لقاحا مضادا لمرض كوليرا الطيور، وهو مرض مُعدٍ يُصيب الجهاز التنفسي لدى الطيور ويسبب وفاتها.


وخضعت اللقاحات المضادة للبكتيريا لتطورات عدة عبر السنوات المتعاقبة، وبدأت عملية تصنيعها عن طريق استغلال نسخ ضعيفة من البكتيريا نفسها، ورغم فاعلية هذا النوع من اللقاحات، فقد تتحول البكتيريا الضعيفة المستخدمة إلى عامل مُسبب للمرض.

ولاحقا لجأ الباحثون إلى تطوير هذه اللقاحات عبر استخدام أجزاء من البكتيريا تُعرَف باسم مولدات الأجسام المضادة، التي تستطيع الخلايا المناعية في أجسامنا التعرف عليها، ومن ثَم مهاجمتها وبناء نظام دفاعي ضد المرض.

ومن الأجزاء التي اعتمد عليها الباحثون في تصنيع اللقاحات مواد "عديد السكاريد" الموجود في الخلايا البكتيرية.

ويُعاب على اللقاحات التي تتكون من هذه المواد وحدها الحاجة إلى تكرار استخدامها لتعزيز المناعة، فهي لا تتيح مناعة طويلة الأمد تجاه الأمراض.

ولتعزيز استجابة الجسم المناعية تجاه البكتيريا المسببة للأمراض، وتأسيس نظام دفاعي قوي يستمر أعواما طويلة، اتجه الباحثون إلى ربط عديد السكاريد بالبروتين البكتيري المحفز للمناعة، الأمر الذي تحقق بالفعل عام 1983 عندما ربطوا عديد السكاريد الخاص ببكتيريا هيموفيلوس أنفلونزا ببروتين بكتيريا الدفتيريا.

 بين الكيمياء والبيولوجيا

اعتمدت عمليات ربط عديد السكاريد بالبروتين البكتيري الهادفة إلى إنتاج لقاحات مضادة للبكتيريا على التفاعلات الكيميائية، واحتاج تطوير هذه اللقاحات إلى تنفيذ عدد كبير من الخطوات تستدعي وقتا طويلا ومجهودا كبيرا، إلى جانب ارتفاع التكلفة الإنتاجية النهائية، نظرًا لما تحتاجه اللقاحات المُنْتَجَة من تنقية لإزالة المواد غير المرغوب فيها، بهدف الحصول على لقاح فعال.

من ناحية أخرى أدى الاعتماد على هذه التفاعلات الكيميائية إلى التأثير في قدرة اللقاح على تعزيز الاستجابة المناعية في جسم الإنسان، فبعض التفاعلات قد تؤدي إلى إضعاف هذه القدرة.

ونظرا لهذه العوامل لجأ الباحثون إلى تصميم وسيلة جديدة يمكنها التخلص من عيوب الربط الكيميائي، فابتكروا الربط البيولوجي.

والربط البيولوجي -كما هو الحال في الربط الكيميائي- يهدف إلى الربط بين عديد السكاريد والبروتين البكتيري عبر استخدام إنزيم، بدلًا من الاعتماد على المواد الكيميائية.

ومن أجل تصنيع اللقاح، يضيف الباحثون عديد السكاريد والبروتين والإنزيم إلى بكتيريا الإي كولاي التي تعمل كمصنع ينتج اللقاحات مباشرة.

ولسوء الحظ لم تخل هذه التقنية من العيوب أيضا، فهي تؤدي إلى إنهاك البكتيريا خلال إنتاج اللقاحات، كما تؤدي إلى إتلاف "البلازميد" الخاص بها، وهو الجزء المسؤول عن عمليات الاستنساخ داخل الخلية البكتيرية.

وقد سببت العوامل السابقة انخفاض كمية اللقاح الذي تنتجه البكتيريا، وارتفاع تكلفة إنتاجه.

ابتكار جديد بأيد مصرية

في حديث خاص إلى الجزيرة نت، يوضح الدكتور شريف أبو الحديد، رئيس قسم العلوم الحيوية والدوائية في مركز مقاومة مضادات الميكروبات بمدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة، والباحث الرئيس للدراسة، أن التقنية الجديدة تسهم في إنتاج اللقاحات المضادة للبكتيريا خلال وقت قصير، وبدقة أعلى، دون الحاجة إلى الإجراءات المتعددة التي يحتاجها الربط البيولوجي التقليدي.

ويقول أبو الحديد "تعتمد تقنية الربط البيولوجي التقليدية على تطبيق عدد من خطوات الهندسة الوراثية بهدف برمجة الحمض النووي للخلية البكتيرية لتعمل كمصنع صغير الحجم يربط مكونات اللقاح، لكن تقنية "MAGIC" التي طورناها لا تحتاج لهذه الخطوات المعقدة، نظرا لاعتماد إعادة برمجة الخلية على استغلال الجينات القافزة، التي تساعد على تطبيق التعديل الجيني بسهولة أكبر".

ويضيف "تساعد تقنيتنا الجديدة على تطوير اللقاحات من خلال استغلال أكثر من نوع واحد من البكتيريا، وليس بكتيريا "الإي كولاي" وحدها، وستنتج البكتيريا اللقاح المطلوب بمعدل أسرع، وبجودة ربط أفضل بين أجزاء اللقاح، دون إنهاك الخلية، الأمر الذي يعني زيادة كمية اللقاح المُنتَج".

ونجح أبو الحديد، إلى جانب الباحثين جون كوكيوي وبرِندان رين، في تسجيل براءة اختراع لتقنية "MAGIC" الجديدة.

ويشير أبو الحديد إلى أن التقنية جاهزة للتطبيق الفوري، ومن المتوقع إنتاج مجموعة من اللقاحات المضادة البكتيريا قريبا من أجل دخولها مرحلة التجارب ما قبل السريرية.

وبسؤاله عن إمكانية تصنيع وتطوير مختلف أنواع اللقاحات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقول أبو الحديد إن المنطقة بالفعل لديها الإمكانيات التي تؤهلها لإجراء الأبحاث المتعلقة بتطوير اللقاحات، إلا أن ما ينقصها هو وجود رؤية شاملة موحدة لكل دول المنطقة تؤمن بأن تطوير اللقاحات وسيلة للنجاة وليس رفاهية.

ويقدم أبو الحديد مجموعة من المقترحات التي يأمل أن يتبناها صناع القرار المرتبطون بالبحث العلمي في الدول العربية، تتضمن:

العمل على استقطاب العقول المهاجرة. إلغاء الحدود بين الجامعات العربية المختلفة، حيث يستطيع الباحثون العمل والتنقل بحرية من جامعة إلى أخرى. توفير التمويل اللازم لإجراء الأبحاث. إزالة العقبات الناتجة من البيروقراطية التي قد تعيق استيراد الأجهزة والكيميائيات المطلوبة لإجراء الدراسات البحثية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الربط البیولوجی

إقرأ أيضاً:

مشاريع وبرامج هيئة كهرباء ومياه دبي تسهم في تعزيز كفاءة الطاقة والمياه وخفض البصمة الكربونية

 

حققت هيئة كهرباء ومياه دبي إنجازاً كبيراً في تحسين كفاءة إنتاج الطاقة والمياه بنسبة 41.73% في عام 2023 مقارنة بعام 2006، ما يعادل انخفاضاً إجمالياً في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار تراكمي قدره 92.5 مليون طن بين عامي 2006 و2023، بما يعادل زراعة 484 مليون شجرة لامتصاص هذه الكمية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
تنتج الهيئة الكهرباء والمياه باستخدام تقنية الإنتاج المشترك للطاقة حيث تعمل مولدات البخار على الاستفادة من الحرارة المهدورة الناتجة من توربينات الغاز لتوليد كهرباء إضافية وتوفير الطاقة الحرارية لعمليات تحلية المياه، كما تعتمد الهيئة نظاماً هجيناً مبتكراً في محطات تحلية المياه يجمع بين تقنيات مختلفة تشمل التقطير الومضي متعدد المراحل والتناضح العكسي لتحلية مياه البحر، ما يضمن أعلى كفاءة وأقل تكاليف خلال دورة حياة المحطات.
وإضافة إلى رفع كفاءة الإنتاج في محطات إنتاج الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي، نجحت هيئة كهرباء ومياه دبي في رفع كفاءة الألواح الشمسية الكهروضوئية، حيث بدأت أولى مشاريعها مع الجيل الأول من الألواح الكهروضوئية المزودة بتقنية الأغشية الرقيقة بكفاءة تصل الى 11% فقط. واستخدمت الهيئة أحدث التقنيات المتقدمة من حيث روبوتات التنظيف الذاتي ونظام التتبع الشمسي والألواح الكهروضوئية ثنائية الأوجه التي تزيد كفاءتها عن 22%.
وتعتمد الهيئة أحدث الأدوات والتقنيات الذكية لرفع قدرة وكفاءة محطات الإنتاج وشبكات النقل والتوزيع والتحكم بشبكات الكهرباء والمياه، وتولي كذلك أهمية كبرى للابتكار وتعتبره ركيزة أساسية لتطوير خدماتها ومبادراتها واستراتيجياتها وخطط عملها، ما يسهم في تعزيز تنافسية الهيئة ويحقق سعادة المتعاملين. وقد تمكنت من رفع مستوى كفاءة إنتاج الطاقة باستخدام أحدث التقنيات الإحلالية، ففي عام 2023، بلغت نسبة الفاقد في شبكات نقل وتوزيع الكهرباء في الإمارة 2.0% مقارنة مع 6-7% في أوروبا والولايات المتحدة، ونسبة الفاقد في شبكات المياه 4.6% مقارنة مع 15% في أمريكا الشمالية، وحققت الهيئة رقماً عالمياً جديداً في متوسط انقطاع الكهرباء لكل مشترك، حيث سجلت دبي متوسط 1.06 دقيقة انقطاع لكل مشترك في العام، مقارنة مع 15 دقيقة لدى نخبة من شركات الكهرباء في دول الاتحاد الأوروبي.
خفض البصمة الكربونية
يتطلب خفض البصمة الكربونية العمل في القطاعات الرئيسة بما في ذلك الطاقة والمياه، من خلال التوسع في إنتاج الطاقة الشمسية إلى جانب تخزين الطاقة؛ وتقنيات احتجاز الكربون في محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، والنقل من خلال زيادة معايير كفاءة المركبات، والتحول إلى المركبات الكهربائية والمركبات التي تعمل بالهيدروجين؛ مع تعزيز استخدام وسائل النقل العام، والصناعة من خلال التحول من الوقود الأحفوري إلى الكهرباء والهيدروجين الأخضر.
شمس دبي
تسعى الهيئة إلى زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من خلال مشروع تركيب الألواح الشمسية الكهروضوئية على أسطح المباني. يهدف هذا المشروع إلى توليد الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يسهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحقيق وفورات اقتصادية للمستهلكين.
برنامج إدارة الطلب على الطاقة
أسست الهيئة شركة الاتحاد اسكو (إعادة تأهيل المباني)
في إطار سعيها لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة في استخدام الطاقة، أطلقت الهيئة برنامجاً شاملاً لإدارة الطلب على الطاقة. يشمل هذا البرنامج مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى توعية الجمهور بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة وتوفير حلول مبتكرة تساعد على تحقيق هذا الهدف. يتضمن البرنامج أيضاً تحسين أنظمة التبريد والإضاءة في المباني الحكومية والتجارية، ما يسهم في تقليل استهلاك الطاقة والحد من الانبعاثات الكربونية.
مبادرة “الشبكات الذكية”
تعمل هيئة كهرباء ومياه دبي على تطوير البنية التحتية للشبكات الذكية، التي توفر العديد من الفوائد البيئية والاقتصادية. تساعد هذه الشبكات على تحسين كفاءة نقل وتوزيع الطاقة، وتقليل الفاقد، وتحسين إدارة الأحمال الكهربائية. وتسهم الشبكات الذكية أيضاً في دعم دمج مصادر الطاقة المتجددة في الشبكة الكهربائية، ما يعزز استدامة نظام الطاقة في دبي.
مشاريع التحلية باستخدام الطاقة الشمسية
تحقيقاً لرؤية دبي في أن تصبح رائدة في استخدام التكنولوجيا النظيفة، تقوم الهيئة بتنفيذ مشاريع تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية. يهدف هذا المشروع إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في عمليات التحلية، مما يساهم في خفض البصمة الكربونية وتحقيق استدامة موارد المياه.
كفاءة استخدام الطاقة والمياه
في إطار جهودها لتعزيز الكفاءة والفعالية في إدارة استخدام الطاقة والمياه في مبانيها، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة بشكل مستمر، قامت الهيئة بتنفيذ العديد من مشروعات ومبادرات كفاءة الطاقة لإعادة تأهيل مبانيها الإدارية، ومحطات تحويل الطاقة، ومحطات الإنتاج، ومحطات ضخ وتخزين المياه، واشتملت إعادة التأهيل على استبدال نُظُم تبريد وتكييف الهواء القديمة بنُظُمٍ أخرى عالية الكفاءة، واستبدال وحدات الإضاءة منخفضة الكفاءة بوحدات ليد (LED) عالية الكفاءة (أكثر من 81,000 وحدة إضاءة)، وتركيب حساسات للتحكم في الإضاءة، وتركيب موفرات المياه، وتوصيل المياه المعالجة لري المساحات الخضراء، بالإضافة إلى الألواح الشمسية الكهروضوئية التي تم تركيبها فوق أسطح مباني الهيئة المختلفة ومواقف السيارات الخاصة بها.


مقالات مشابهة

  • العويس: العمل البرلماني يلبي تطلعات قيادتنا
  • الباحثون عن عمل.. مُعاناة بالنهار وهَمٌ بالليل
  • وزير الصحة الإيفواري: حريصون على تعزيز ترسانة المكافحة ضد الملاريا
  • تراجع أسعار الحديد اليوم السبت 29-6-2024 في مصر
  • الثوم بديلاً للمضادات الحيوية.. هل يمكن للنبات الشائع علاج 90% من الأمراض؟
  • أسعار طن الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 28 يونيو 2024 وعز يسجل رقمًا جديدًا
  • تقنية جديدة لشاشة قد تغير مستقبل شاشات أجهزتنا
  • طبيب: البيض ليس المصدر الوحيد للإصابة بداء السلمونيلا
  • روسيا.. ابتكار تقنية تسرع إنتاج الزيوت النباتية بمقدار 5 أضعاف
  • مشاريع وبرامج هيئة كهرباء ومياه دبي تسهم في تعزيز كفاءة الطاقة والمياه وخفض البصمة الكربونية