نفت وزارة الخارجية التونسية، ما تم تداوله بخصوص صرف الاتحاد الأوروبي مبلغ 60 مليون يورو لدعم الميزانية التونسية، مؤكدة أن السلطات لم تبد أي موافقة على صرف هذا المبلغ.

إقرأ المزيد تونس ترفض دعما ماليا أوروبيا

يأتي هذا النفي، بينما رفض الرئيس التونسي قيس سعيد عرضا ماليا من الاتحاد الأوروبي لدعم إجراءات مكافحة الهجرة غير النظامية، مؤكدا أن بلاده لن تقبل بما يشبه "الصدقة" أو "المنة"، وأن المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم التي وقعت في تونس في الصيف المنصرم.

 

وأكد سعيد لوزير خارجيته نبيل عمار، خلال بحثهما العرض الذي قدمه الاتحاد لدعم الميزانية ومقاومة الهجرة غير الشرعية، الاثنين الفائت، أن تونس التي تقبل بالتعاون، لا تقبل بما يشبه المنة أو الصدقة قائلا: ''بلادنا وشعبنا لا يريد التعاطف بل لا يقبل به إذا كان بدون احترام. وترتيبا على ذلك، فإن تونس ترفض ما تم الإعلان عنه في الأيام القليلة الماضية من قبل الاتحاد الأوروبي، لا لزهد المبلغ، فخزائن الدنيا كلها لا تساوي عند شعبنا ذرة واحدة من سيادتنا، بل لأن هذا المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في تونس ومع الروح التي سادت أثناء مؤتمر روما في يوليو الماضي الذي كان بمبادرة تونسية إيطالية''.

وتتعالى في تونس، أصوات رافضة للضغوط الأوروبية الرامية لكبح جماح الهجرة غير النظامية، عبر تعاون تونسي لحراسة حدود أوروبا البحرية.

ويقول مسؤولون تونسيون إنه يجب البحث عن حل جماعي لهذا الملف، بدلا من تحميل تونس نتائج السياسات الأوروبية في المنطقة.

وكان وزير الخارجية التونسي قال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في سبتمبر الفائت، إن "تونس لن تقبل بالتوطين المبطن للمهاجرين غير النظاميين" في البلاد.

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: كورونا الاتحاد الأوروبي الهجرة إلى أوروبا الهجرة غير الشرعية الاتحاد الأوروبی

إقرأ أيضاً:

وادي محرم.. البلاد التي نُغادرها ولا تُغـادرنا

في أحضان ولاية سمائل العريقة، حيث يمتزج عبق التاريخ بسحر الطبيعة، يحتضن وادي محرم أسراره بين ثنايا الجبال الشامخة والنخيل الوارفة. هذا الوادي، الذي كأنه قصيدة نسجتها الرياح بين الصخور، يروي حكايات من الماضي العريق، حيث تتدفق مياهه رقراقة بين البساتين، ناشرةً الحياة في كل زاوية من زواياه.

هنا، في وادي محرم، يعانق الضباب قمم الجبال في الصباح الباكر، وتُطرّز الشمس الأفق بخيوطها الذهبية عند المغيب، فتتحول السماء إلى لوحة من الألوان الزاهية، تعكس سحر هذا المكان الأخّاذ. أما في الليالي القمرية، فتهمس النخيل بأسرارها للنسيم العليل، وتتحول الأزقة الضيقة إلى مسارات للحكايات التي تتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل.

أما البيوت الطينية العتيقة، فتبقى شاهدة على أصالة الحياة وجمال التقاليد التي لا تزال تنبض في قلب وادي محرم، حيث الألفة تجمع القلوب، والكرم العماني الأصيل يفيض من كل بيت ودار. إنه المكان الذي تنحني له الكلمات احترامًا، وتستسلم له الأرواح عشقًا، ليبقى وادي محرم درةً تتلألأ في سماء سمائل، وملاذًا للروح الباحثة عن الصفاء والجمال.

في قلب وادي محرم، حيث تنساب الحياة بهدوء بين الجبال والسهول والمسطحات الخضراء، يتربع منزل الشاعر أبو مسلم البهلاني كقطعةٍ من الجنة تحتضنها الطبيعة. هذا المنزل، الذي يمتد كحكايةٍ قديمةٍ بين ضفتي الزمن، يقف شامخًا على حافة جبل يُطل مباشرةً على تدفق الوادي، وتحيط به، وبالمنازل التي تُجاوره في حجرة الحصن، نخيلٌ باسقة من ثلاث جهات، مُشكِّلةً بدورها سورًا، كأنها تظلله بأوراقها وتحرس إرثه الشعري من غبار السنين.

حين ينبض الماضي بالحاضر، تنبض الصورة بالحياة. فالتقاء حجرة الحصن ببيوتها العتيقة وأزقتها الضيقة بحلة العوامر التي تزهو بمنازلها الحديثة قد شكّل لوحة بانوراميةً مذهلةً، كأن الزمن قد جمع بين صفحتيه قصتين متناقضتين في الشكل، متكاملتين في الروح. هناك، تتعانق الجدران الطينية التي تحكي تاريخ الأجداد مع الواجهات الحديثة التي تعكس تطلعات الأبناء. تجاور الأزقة الضيقة، التي خطتها الأقدام منذ عقود، الشوارع المتسعة التي تفتح أبوابها للمستقبل، في مشهد يروي حكاية التطور دون أن يطمس ملامح الأصالة. في هذا التلاحم الفريد، تتراءى روح وادي محرم، حيث لا يغيب القديم عن ملامح المكان، ولا ينفصل الحديث عن جذوره، بل يمضي كلاهما في نسيجٍ متناغم، كأن الأرض قد اختارت أن تجمع بين عبق الماضي وحداثة الحاضر في مشهد لا تمله العين، ولا يمله القلب.

لطالما تساءلت منذ طفولتي عن سر جريان الماء في الوادي أسفل منزل أبي مسلم، رغم أن منبعه في وادي العيينة وحلي ولتام قد جف منذ زمن، أهي معجزةٌ ما؟ أم أن هناك سرًا دفينًا يحمله هذا المكان؟! ربما هي دعوات الشيخ الجليل، ناصر بن سالم البهلاني، التي رفعها ذات ليلة عندما كان يخط أبياته تحت ضوء القمر، فاستجابت لها الأقدار، وظل أثرها ممتدًا حتى يومنا هذا. كأن صوته، الذي تردد في جنبات هذا الوادي، قد أرسل صداه لأبواب السماء، ليعودَ لنا على هيئة ماءٍ يتجدد، يسقي الأرض ويحيي القلوب، كما كان شعره يروي الأرواح العطشى للأدب والجمال، وما زال.

في هذا الوادي، لا يمكن للزائر أن يعبر دون أن يشعر بعبق الماضي، حيث لا تزال البيوت الطينية القديمة تنبض بروح الأجداد، وتستظلّ تلك البيوت تحت سماءٍ من الأسقف الخشبية، تُسمى «المربع»، حيث تزينها نقوشٌ من آياتٍ قرآنية تفيض بالبركة، مثل قوله تعالى: (أدخلوها بسلامٍ آمنين)، ليبدأ أهلها رحلتهم إلى هذه المنازل بدعوةٍ من كتاب الله. وفي أرجائها، تظلّ الأسماء والتواريخ محفورة كذكرى، كأنها شاهدٌ على كل لحظةٍ مرت في تلك الأمكنة المباركة، وتقف النوافذ الخشبية المزخرفة بالنقوش العمانية كشهود على تاريخ من الأصالة والعراقة.

في الأزقة الضيقة، تسير النسائم محملة برائحة القهوة العمانية واللبان، تليها رائحة الرخال بالعسلِ والسمن.. الرخال الذي لا تجيده سوى أمُّ العُمانيّ، كأنها تدعو العابرين للجلوس في أحد المجالس المفتوحة، حيث الدفء والأحاديث التي لا تنتهي مع كبار السن.

ما زلتُ أستطيع أن أرى تلك المشاهد، حيّةً كأنها وميضُ حلمٍ لم يبهت بعد. ونحنُ صغارٌ، نركضُ حفاةً على ترابِ وحصوات الوادي، عائدين من حلقة القرآن التي كان يُقيمها جدي تحت ظلالِ الصبارة، هناك عند مدخلِ المحضر، حيث ترسو الحكمةُ في صوته، ويعانقنا دفءُ الكلماتِ السماوية. كانت الريحُ تداعبُ ثيابَنا، ونحن نتسابق، من يصل أولًا إلى بيتنا العتيق، ذلك البيت الذي تتجمعُ فيه نساء الحارة كل عصر، تُملأ جنباته برائحةِ القهوة المُرّة، وصوتِ الملاعقِ وهي تُشكّل اللقيمات والقروص بحبٍ لا مثيل له.

في ذلك المطبخ الضيق جدًا، الذي بالكاد يتسع لخطوات قليلة، كانت قلوبهنّ الواسعة تملأه رحابة. يتراصصن كتفًا بكتف، يضحكن ويتهامسن، كأن المساحة تضيق بجدرانها، لكنها تتسع بألفتهنّ، حيث الحب ينعجن مع الطحين، والدفء يتسرب مع نكهة الزعفران في القهوة.

وفي الزاويةِ، حيث الموقدُ الصغير، كنا ننتظرُ لحظةَ الظفر، نتبادل النظراتِ بترقب، من مِنّا سيحظى بأجملِ الغنائم؟ لعق ما تبقى من قدر الكاسترد، ذلك الذهبِ الحلو الذي يشعلُ صخبَ الفرح في قلوبنا الصغيرة، كأنّه جائزةٌ لمن يفوزُ بسباقِ الذكريات. يا لها من أيامٍ، بقيت عالقةً في زوايا الذاكرة، كأنّها نقشٌ على جدارِ الزمن، لا تمحوه السنين.

في طفولتي، كنتُ كلما غادرنا قريتنا متجهين إلى مسقط، نحو المتنزهات الفسيحة والأسواق الصاخبة والشواطئ الممتدة بلا نهاية، أعود ممتعضة، يملؤني التساؤل: لماذا لا ننتقل إلى المدينة؟ لمَ يُغادر الجميع بينما نبقى عالقين بين أزقة هذه القرية، البعيدة كل البعد عن الخدمات والأماكن الرائعة؟

كنتُ أراقب بيوت الطين العتيقة، التي ظل آباؤنا وأجدادنا متمسكين بها، كأنها كنزٌ ثمين، متجاهلين بريق الحداثة في المدينة، غير عابئين بصخب الحياة التي تملؤها. لكنني، وعندما غادرتُ البلاد لأول مرة، متجهة نحو سكن الجامعة، أدركتُ السر. أدركتُ أن ما كنتُ أظنه قيدًا كان جذورًا، وأن تلك البيوت العتيقة لم تكن مجرد حجارة، بل ذاكرةٌ وحنين. حينها فقط، فهمتُ لماذا بقي آباؤنا هناك، ولماذا يرفضون الانسلاخ عن أرضهم، عن طرقاتها الضيقة التي تحفظ خطواتهم، عن النخيل التي كانت شاهدةً على أعمارهم، عن جدران البيوت التي خبأت أصوات ضحكاتهم وأحاديثهم الطويلة. عرفت أنها وادي محرم، ببساطة، هي البلاد التي نغادرها ولا تغادرنا.

مقالات مشابهة

  • «العابد» يناقش قضايا الهجرة مع سفير ليبيا لدى الاتحاد الأوروبي
  • 120 مليون يورو من الهلال السعودي لضم نجم ليفربول
  • وزير الخارجية الأوكراني: نتوقع خطوات قوية من الاتحاد الأوروبي لدعمنا خلال قمة بروكسل
  • "الخارجية الأوكرانية": نتوقع خطوات قوية من الاتحاد الأوروبي لدعمنا خلال قمة بروكسل
  • دول الاتحاد الأوروبي تطلق رقابة «آلية» على حدودها الخارجية
  • تداول البضائع في ميناء شناص تتجاوز 11.5 مليون ريال العام الفائت
  • الزراعة تنفي انتشار الحمى القلاعية وتؤكد فاعلية اللقاحات المستخدمة
  • الخارجية: الاتحاد الأوروبي أكد استعداده للمساهمة في إعادة إعمار غزة
  • وادي محرم.. البلاد التي نُغادرها ولا تُغـادرنا
  • وزير الخارجية الإسباني: معظم دول الاتحاد الأوروبي تدعم مغربية الصحراء