نهاية مرجعية المبادرة العربية للتطبيع مع إسرائيل؟
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
نهاية مرجعية المبادرة العربية للتطبيع مع إسرائيل؟
ليس واضحاً إذا كانت إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية شرطا أساسيا ومسبقا لتطبيع السعودية مع إسرائيل؟
تكثفت مؤخراً خطوات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية خاصة السعودية، على خلفية اتفاقات أبراهام بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
رغم سعي حكومات عربية والسلطة الفلسطينية وتبني إدارة بايدن توسيع التطبيع العربي مع إسرائيل خاصة بين إسرائيل والسعودية، درة تاج التطبيع، إلا أن التطبيع لم ينجح بإنهاء السلام البارد شعبياً.
هل انتهت مرجعية المبادرة العربية للسلام التي كانت مبادرة سعودية، ويشترط العرب انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة وقيام دولة فلسطينية كشرط لتطبيع العرب وخاصة السعودية مع إسرائيل؟!
* * *
تكثفت مؤخراً خطوات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية وخاصة مع المملكة العربية السعودية ـ على خلفية الاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب بدعم وتأييد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وفريقه وعلى رأسه جاريد كوشنر.
كل اتفاق كان مقابل مردود ومكاسب لكل طرف، لكن لم يحقق تهافت التطبيع، ويقرب الفلسطينيين من حلم دولتهم ولم يحسن حياتهم، بل زاد تطرف واعتداءات وقمع إسرائيل ومستوطنيها، وتطرف وتوحش ناخبيها، لينتخبوا حكومات أكثر تطرفاً، والتنكيل بالفلسطينيين واستشراء سرطان الاستيطان وتهميش السلطة الفلسطينية والقضاء على فرص حل الدولتين، وإحراج الراعي والحليف الأمريكي والنظام العربي والمطبعين العرب.
لهذا تفرمل التطبيع، خاصة بعد فشل اتفاقات أبراهام والتطبيع مع إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء والزيارات الرسمية والشعبية والسياحة والاستثمار، في تحقيق أي من الأهداف المرجوة.
إلى أن وصل إلى الحكم مطلع العام ائتلاف أقصى اليمين، والفاشية الدينية المتطرفة بقيادة نتنياهو وسعار الاستيطان بقيادة بن غفير وسموتريتش وزيري الأمن الداخلي والمالية والمسؤول عن الأمن الذي وضع خريطة إسرائيل الكبرى وطالب بمحو حوارة عن الوجود!!
برغم زيارات رؤساء وزراء كيان الاحتلال ووزراء إسرائيليين أبوظبي والمنامة ومسقط، إلا أنه لم يزر أي رئيس دولة عربية وخليجية كيان الاحتلال. وبرغم سعي بعض الحكومات العربية وحتى السلطة الفلسطينية للترويج للتطبيع بزيارات القدس والمسجد الأقصى، وتبني إدارة بايدن توسيع التطبيع العربي مع إسرائيل للاستمرار بنهج الرئيس ترامب، وخاصة بين إسرائيل والسعودية، درة التاج في التطبيع العربي مع إسرائيل، إلا أن التطبيع لم ينجح بإنهاء السلام البارد شعبياً.
سطرت عدة مقالات عن الحكومات الإسرائيلية والتطبيع العربي المجاني مع إسرائيل دون مردود وعن عقبات وصعوبات تقف بوجه التطبيع العربي، والسعودية خاصة مع إسرائيل. كتبت مقالاً في 11/9/2023 عن أهمية مردود التطبيع بين السعودية وإسرائيل بعنوان: "عقبات أمام صفقة التطبيع الكبرى بين السعودية وإسرائيل":
«تعلم السعودية أهمية المردود من التطبيع مع إسرائيل. وذلك بعد تدشين الرئيس بايدن خط الملاحة الجوي بين تل أبيب وجدة في زيارته الأولى للسعودية في يوليو 2022. ولكن بعد انتزاع أكبر تنازلات ممكنة للمضي قدماً في التطبيع وأهمه أن يكون هناك انجاز مقبول ومقنع يمكن تسويقه بتقديم إسرائيل تنازلات مجزية ومقنعة للفلسطينيين. وتوفير الأمن والحماية للسعودية، بصفقة كبرى».
وسطرت الأسبوع الماضي مقالاً: «السعودية تعزز دورها القيادي في الشرق الأوسط» عن مساعي التطبيع مع إسرائيل: «تكثفت التسريبات والتعليقات والتصريحات (مؤخراً بتأكيد) الرئيس الأمريكي جو بايدن ومستشار الأمن الوطني الأمريكي جيك سوليفان وحتى نتنياهو في أول اجتماع له مع الرئيس بايدن على هامش الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، «اقتراب إسرائيل التوصل لاتفاق سلام مع السعودية بقيادة الرئيس بايدن».
وكذلك تأكيد ولي العهد رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع شبكة فوكس نيوز (حظيت رسائله باهتمام وتغطية واسعة): «كل يوم نقترب أكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل». «وإذا تحقق ذلك سيكون أكبر اختراق منذ نهاية الحرب الباردة. ويوفر حياة كريمة للفلسطينيين وبما يرضي الفلسطينيين».
وذلك بدعم ومباركة إدارة بايدن لتحقيق اختراق تاريخي بين السعودية صاحبة «المبادرة العربية للقمة العربية في بيروت 2002». لكن دون ذلك تحديات كبيرة ومعقدة.
لكن لم يكن واضحاً إذا كانت إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية شرطا أساسيا ومسبقا للتطبيع مع إسرائيل؟ كما أن الناطقة باسم البيت الأبيض رفضت الأسبوع الماضي التعليق على إذا ما كان التطبيع مع السعودية يشترط قيام دولة فلسطينية؟ وأكدت: «ستتضمن اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والسعودية عناصر أساسية ومهمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين»!
شّكل تطبيع أربع دول عربية بشكل فردي مع إسرائيل عام 2020 خرقاً واضحاً لمبادرة سلام القمة العربية عام 2002 في بيروت بمخالفة الإجماع العربي حول:
«الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية والانسحاب من الضفة الغربية والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا اللبنانية، مقابل التطبيع العربي الشامل».
وهو ما أكده وزير الخارجية السعودي الأسبوع الماضي في الأمم المتحدة، بأن أمن منطقة الشرق الأوسط يتطلب الإسراع بإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يُبنى على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وعينت السعودية في أغسطس الماضي نايف بن بندر السديري السفير في الأردن ـ سفيراً مفوضاً فوق العادة في فلسطين وقنصلاً عاماً في القدس. وقدم أوراق اعتماده لرئيس السلطة الفلسطينية في أول زيارة له إلى رام الله وبصفته أول سفير سعودي لفلسطين الأسبوع الماضي، وهو ما تعارضه إسرائيل.
لكن السؤال الجوهري اليوم مع تسارع خطى التطبيع هل انتهت مرجعية المبادرة العربية للسلام التي كانت بالأساس مبادرة سعودية قدمها ولي العهد السعودي حينها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في قمة بيروت العربية عام 2002 ـ عملياً ومرجعاً يشترط العرب انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة وقيام دولة فلسطينية كشرط للتطبيع العربي الجماعي وخاصة السعودية مع إسرائيل؟
كيف؟ بوجود حكومة من عتاة اليمين المتطرف والصهيونية الدينية والفاشيين، أم الاكتفاء بالحصول على ضمانات بوقف الأعمال الأحادية وتوسعة الاستيطان والتنازل عن المناطق التي تحت السيطرة الإسرائيلية، وتقديم ضمانات بالالتزام بحل الدولتين كخطوات عملية بموافقة السلطة الفلسطينية وتمهيد الطريق لحل الدولتين؟
وماذا عن موقف اليمين الإسرائيلي الرافض لتقديم أي تنازلات للفلسطينيين؟ أم سيسحبون الثقة ويُسقطون حكومة نتنياهو ويعودون للتصعيد والمزيد من التطرف والمربع الأول؟ الأيام حبلى!
*د. عبد الله خليفة الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السعودية أمريكا اسرائيل بن سلمان بايدن ترامب اتفاقات أبراهام التطبيع العربي مع إسرائيل السلطة الفلسطینیة التطبیع العربی الأسبوع الماضی القدس الشرقیة دولة فلسطینیة بین إسرائیل التطبیع بین التطبیع مع مع إسرائیل
إقرأ أيضاً:
في الحاجة إلى تكريس الشرعية الدستورية في المجال السياسي العربي
تَعني "الشرعية الدستورية" تلك الحالة التي تصبح الوثيقة الدستورية خلالها الفيصل بين المواطنين، أفرادا وجماعات، والمرجع الذي لا مرد لقضائه بين الأجهزة بمختلف أنواعها ومراتبها. فالشرعية الدستورية هي أولا وأخيرا إرادة الانتصار للدستور وسلامة تطبيق أحكامه ومقتضياته، بيد أن تحقق "الشرعية الدستورية" بهذا المعنى، يستلزم جملة شروط ومتطلبات، منها ما له صلة بطبيعة الدولة والسلطة والثقافة السياسية الناظمة لهما، وأخرى ذات علاقة بالمجتمع ودرجة وعي أفراده ومكوناته. لذلك، شكلت المسألة الدستورية في البلاد التي تحقق تكريسها في المجال السياسي رهانا مجتمعيا على قدر كبير من الأهمية الثقافية والاستراتيجية، بل إن تاريخ نضالها من أجل الديمقراطية، ظل تاريخ صراع واختلاف وحوار من أجل التوافق حول الوثيقة الدستورية وآليات صيانة حرمتها على صعيد التطبيق والممارسة.
تعتبر الفكرة الدستورية بالمعنى المتداول اليوم ظاهرة مستحدثة في عموم البلاد العربية، حيث يرجع تاريخها إلى ستينيات القرن التاسع عشر، حيث ظهرت بعض الدساتير (تونس مثلا) في سياق بناء دولة التنظيمات في الولايات العثمانية، وقد أعقبتها أجيال أخرى من الدساتير مستهل القرن العشرين (المغرب)، ما بعد الحربين الأولى والثانية، ليلتحق بها ما تبقى من الدول العربية بموجة الدسترة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وقد دخلت البلاد العربية الألفية الجديدة موحدة في تبني فكرة الدستور، غير أنها استمرت بعيدة عن نظيراتها من الدول الديمقراطية في العالم، من حيث تكريس الشرعية الدستورية، وضمان احترامها على صعيد الممارسة.
تتحول "الشرعية الدستورية" في النهاية إلى صمام أمان من تعسف السلطات وانحرافها، وطغيان الأفراد وشططهم
تشترط "الشرعية الدستورية"، بالتحديد المشار إليه أعلاه، توافر سلسلة من المقومات والمبادئ والآليات. فمن جهة، تتحقق الشرعية الدستورية حين تكون الوثيقة الدستورية ذاتها نابعة من توافق المواطنين وإرادة تعبيراتهم السياسية والاجتماعية، ما يعني أن صياغة دستور ديمقراطي شرط لازم لتأكيد شرعية أحكامه على مستوى التطبيق. فحين يتم تغييب المجتمع عن عملية وضع الدستور، أو إشراكه بشكل رمزي أو صوري ومحدود، تضعف حظوظ تحقق الشرعية الدستورية، وتتعذر شروط تكريسها. وقد أثبتت تجارب مجمل البلاد العربية صحة هذا المعطى في واقع ممارسة النظم السياسية وطرق معالجتها للشأن العام، وتبدو الحاجة ماسة إلى إيلاء أهمية خاصة لمفهوم التعاقد في إعادة تأسيس الفكرة الدستورية في المجال السياسي العربي.
ويقتضي تحقق الشرعية الدستورية، من جهة ثانية، علاوة على مطلب الدستور الديمقراطي، وجود مؤسسات لضمان عُلوية الدستور وسموه، وفرض احترام تطبيق أحكامه من قبل الأفراد والجماعات والهيئات الإدارية والقضائية، وهو ما يستلزم وجود فصل واضح وسليم ومتكافئ للسلطات، وقضاء مستقل ونزيه وعادل، وثقافة مدنية وسياسية حاضنة لمثل هذه المفاهيم والمقومات الناظمة لمؤسسات الدولة من جهة، ولعلاقة هذه الأخيرة بالمجتمع وتعبيراته من جهة ثانية.
فهكذا، تتحول "الشرعية الدستورية" في النهاية إلى صمام أمان من تعسف السلطات وانحرافها، وطغيان الأفراد وشططهم. ومن الجدير بالملاحظة أن الدول التي ترسخت الشرعية الدستورية في مجالها السياسي العام، قطعت مراحل مهمة في تحويل الديمقراطية من مجرد مفهوم أو شعار إلى قيمة مشتركة على صعيد الدولة والمجتمع، وتقدم التجارب الدستورية المعاصرة نماذج عن هذا التحول في إدراك الشأن العام ولاجتهاد في تدبيره ديمقراطيا.
هكذا، عاش الفرنسيون، على سبيل المثال، قرابة قرن من الصراع (1789-1879) ليجترحوا لأنفسهم منظومة من القيم الدستورية، ويتوافقوا حولها من أجل بناء إطار محدد وواضح لإذكاء روح ثورتهم وإعمال مبادئها على صعيد الممارسة، فكان الاهتداء إلى النظام الجمهوري، فلسفة وقيما وقواعد، بعدما جربوا أصنافا من النظم، تراوحت بين الملكيات والإمبراطوريات والجمهوريات ونظام القناصل، والأمر نفسه ينسحب على "أم البرلمانية الديمقراطية" بريطانيا. وقدمت إسبانيا خلال الربع الأخير من القرن العشرين، تكريس الشرعية الدستورية وانغراسها في المجال السياسي العربي رهينان بمدى قدرة البلاد العربية على تحويل "دولة الثقب الأسود"، كما نعتها تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004، إلى دولة العيش المشترك، المؤسس على قيم المواطنة الكاملة، والحوار والتوافق حول أساسيات سياسة وتدبير الشأن العام، وآليات احترامها على صعيد التطبيق والممارسةمثالا حديثا عن قدرة الدول والشعوب على البناء الديمقراطي حين تتوافر شروطه ومستلزماته، غير أن الخيط الناظم لهذه الأمثلة الثلاثة، على تباعدها في الزمن، يكمن في توافق الدولة والمجتمع على وثيقة الدستور، والالتزام الجماعي برعاية سلامة أحكامها ومقتضياتها.
تُقدم البلاد العربية، وإن بدرجات مختلفة، حالة مغايرة عن واقع "الشرعية الدستورية" في التجارب السياسية المشار إليها أعلاه، بل إن وضع المسألة الدستورية في مراتب الدستورانيات المعاصرة، أي حركات تقييد السلطة بالدستور، لا يبعث على الارتياح في مجمل النظم السياسية العربية، لاعتبارات تاريخية وثقافية خاصة بالموروث العربي المشترك في مجال تدبير الشأن العام، ولأسباب موضوعية ذات صلة بالأطر القانونية والحقوقية والمؤسسية الحاكمة لعلاقة الدولة بالمجتمع.
إن تكريس الشرعية الدستورية وانغراسها في المجال السياسي العربي رهينان بمدى قدرة البلاد العربية على تحويل "دولة الثقب الأسود"، كما نعتها تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004، إلى دولة العيش المشترك، المؤسس على قيم المواطنة الكاملة، والحوار والتوافق حول أساسيات سياسة وتدبير الشأن العام، وآليات احترامها على صعيد التطبيق والممارسة. فمن المفارقات اللافتة التحاق كل الدول العربية بركب حركات الدسترة (Constitutionnalisation) في العالم، حتى التي تأخرت، لسبب أو لآخر، في الأخذ بفكرة الدستور، غير أن قليلا منها من تمكن من خلق شروط التوافق حول الوثيقة الدستورية، والتزم بجعبها فيصلا بين الجميع، دولة ومجتمعا، أي تحويل الدستور وسموه إلى قيمة سياسية ومجتمعية مشتركة.