السوق الأمريكي.. كي يكون حرًا
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
السوق الأمريكي.. كي يكون حراً
استعادة السوق الحرة سيتطلب إزالة كافة المعوقات التي قد تبدو عملية التخلص منها من جنس ما يسمى العلاج بالصدمة!
نفس أفراد القلة الذين يسيطرون على كل شيء في الاقتصاد، يسيطرون أيضاً على وسائل الإعلام الكبرى السائدة؛ فتبحث عن ملكيتها وتجد نفس الملاك.
أمريكا اليوم غير تلك التي عرفها العالم قبل الأزمة المالية العالمية في 2008.
فلم تعد أسطورة ازدهارها بسبب السوق الحرة المفتوحة والحلم الأمريكي، كما في السابق.
كيف يمكن للسوق الأمريكي أن يكون حراً أو يستعيد حريته الرأسمالية، كما يصفها «البيان الرأسمالي الأول» (ثروة الأمم لآدم سميث)، والمادة 5 من الدستور الأمريكي.
حدث التراجع على مراحل: العودة للنقود الورقية بعد فك ارتباط الدولار بالذهب في 1971 ما أدى لركود الأجور الحقيقية للأمريكيين وهجرة الصناعة للخارج وبعثرة الشركات الصغرى بيد الشركات الكبرى.
* * *
إلى جانب تداخل ملكيات بضع من الشركات الكبرى ذات الرسملة التريليونية، وتبادل التمثيل في مجالس إداراتها، هناك «بقع» عديدة أخرى داكنة، عالقة في ثوب سردية «حرية وانفتاح السوق الأمريكية».
منها مثلا، تمتع حفنة من كبار المتداولين في بورصات الأسهم بامتياز حرية وسهولة الوصول الى المعلومات التي تساعدهم على بناء قراراتهم الاستثمارية (شراءً أو بيعاً)، أو كما سماها جوزيف ستغلتز في كتابه «السقوط الحر.. الأسواق الحرة وغرق الاقتصاد العالمي»، بالمعلومات غير المتناظرة أو غير المتماثلة.
وهناك «صنّاع السوق» المعروفون بوتيرة إقبالهم العالية على التداول من دون أن تكون موضع تساؤل من قبل الجهات المنظمة، الى جانب التداول الذي يتم بعد ساعات العمل المعتمدة. ثم إن بنك الاحتياطي الفيدرالي مملوك في العمق للقطاع الخاص متمثلاً في قلة تعمل من وراء حجاب.
ومن الواضح أن نفس أفراد المجموعة (القلة) الذين يسيطرون على كل شيء في الاقتصاد، يسيطرون أيضاً على وسائل الإعلام الكبرى السائدة؛ فتبحث عن ملكيتها وتجد نفس الملاك. تماما ًكما لا يتصور المتابع أن شركات غير متجانسة النشاط، مرتبطة ببعضها البعض.
لكن هذا يحدث، وذلك برسم مصفوفة حيازات الملكية في الشركات التالية: فايزر وكوكاكولا ووالت ديزني وجنرال موتورز و«إتش بي» ومجموعة سيتي ونورثروب وغرومّن وتارغت وآنثم! وهذا ينطبق على كبريات الشركات الدوائية والغذائية، وكبريات شركات الترفيه، وشركات إنتاج السيارات، وشركات إنتاج أجهزة الحاسوب، والبنوك، والشركات الكبرى التي تنتظم المجمع الصناعي العسكري، وشركات المخازن والتجزئة الكبرى، وشركات التأمين الكبرى. وهذا ليس سوى الجزء الصغير «الناتئ» والظاهر من التشبيك الحاصل في تبادل مراكز الملكية.
تبدو أمريكا اليوم غير تلك التي عرفها العالم قبل الأزمة المالية العالمية (2008). فلم تعد أسطورة ازدهارها بسبب سوقها الحرة والمفتوحة وحلمها الأمريكي، كما في السابق.
كثير من مناطق مدن أمريكا الداخلية باتت تنتمي الى «العالم الثالث» بسبب تنامي الفقر ومناظر المشردين والبؤس. كما أن الوضع في المدن الكبرى يبدو قاتماً بعض الشيء بسبب مشاكل ارتفاع تكاليف المعيشة والجريمة والتشرد.
حدث ذلك على مراحل متتابعة: العودة للنقود الورقية بعد فك ارتباط الدولار بالذهب في 1971 ما أدى إلى ركود الأجور الحقيقية لمعظم الأمريكيين وانتقال الصناعة إلى الخارج وتهميش وبعثرة الشركات الصغيرة على أيدي الشركات الكبرى مثل «وولمارت» و«أمازون»، واستبدال القطاعات الإنتاجية بقطاعات نهمة، وتحديداً المصارف وشركات وصناديق الاستثمار الضخمة، وقطاعات المضاربات الكبرى (العقارات وسوق الأوراق المالية).
السؤال الآن، كيف يمكن للسوق الأمريكي أن يكون حراً، أو بالأحرى كيف له أن يستعيد حريته الرأسمالية، كما هي موصوفة في «البيان الرأسمالي الأول» (ثروة الأمم لآدم سميث)، والمادة الخامسة من الدستور الأمريكي التي نصت على وجوب وجود اقتصاد موجه الى جانب الاقتصاد الحر (اقتصاد مختلط، كما ذهبت رغبة واضعي الدستور)؟
من الواضح أن الأمر سوف يتطلب إزالة كافة المعوقات سالفة الذكر، التي قد تبدو عملية التخلص منها من جنس ما يسمى العلاج بالصدمة Shock therapy؛ بما يشمل ذلك إنشاء بنك مركزي تابع للدولة بدلاً من الاحتياطي الفيدرالي الذي يتصرف على نحو خاص أكثر منه عام، واستعادة الآلية السليمة لطباعة النقود القائمة على الأساسيات الاقتصادية ومنها الالتزام بوظائف النقد الحقيقية وبمعايير العرض النقدي، وتمكين السوق من العثور على الأسعار الحقيقية، والتخلص من جميع مجالس إدارات الشركات المتشابكة، ووضع حد لآليات العمل التزويرية لسوق الأوراق المالية، وإيقاف الباب الدوار بين الحكومة والشركات.
بعد هذا سوف تتضح الصورة الحقيقية وليست الاحتيالية لأسطورة «الازدهار المبني على السوق الحرة»، وسيظهر الواقع الحقيقي لكثير من المدن الأمريكية الداخلية، الزاخرة بمشاهد الفقر والبؤس وتهالك بناها التحتية فضلاً عن تفاقم الأوضاع المعيشية في المدن الكبرى، ليس ارتفاع تكاليف المعيشة والجريمة والتشرد، سوى عينة منها.
لكن هذا لن يحدث على الأرجح، لأن السلطات الأمريكية الحاكمة (التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية) متضامنة في رفضها لأي دور مناسب للحكومة، ولأي إصلاحات بنيوية رئيسية كما فعل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بحزمة إصلاحاته المسماة «الصفقة الجديدة» (New Deal) التي نُفذت على مدار الفترة من 1933 الى 1939 لمعالجة صدمة الكساد الكبير.
*د. محمد الصياد كاتب في العلاقات الاقتصادية الدولية
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: امريكا المعوقات السوق الأمريكي بنك مركزي السوق الحرة الشركات الكبرى الشرکات الکبرى
إقرأ أيضاً:
إسبانيا: فرحة الميلاد في يانصيب "أل غوردو" الأكبر.. فمن صاحب الجائزة الكبرى؟
رقم الحظ 72,480 كان الفائز الأكبر في يانصيب عيد الميلاد الإسباني "أل غوردو"، الذي أُجري يوم الأحد في تياترو ريال بالعاصمة مدريد. الجائزة الكبرى، التي تبلغ قيمتها أربعة ملايين يورو لكل سلسلة، وزعت نصفها على نادٍ رياضي في مدريد يدعى "ديستريتو أوليمبيكو"، بينما تولت إدارة يانصيب لاريوخا النصف الآخر.
اعلانانطلق الحدث الرئيسي في دار الأوبرا بالعاصمة مدريد، وقام طلاب من مدرسة سان إلديفونسو بسحب الأرقام من جهازي أوبرا دوارين وغنّوا الأرقام بإيقاع مألوف طوال خمس ساعات متواصلة. الحدث، الذي بُث على المستوى الوطني، جذب جمهوراً يرتدي أزياء احتفالية مثل دون كيخوتي وأقزام عيد الميلاد وحكماء التوراة، مما أضفى على الأجواء طابعاً مرحاً ومميزاً.
أطفال من مدرسة سان إلديفونسو يغنون على مسرح تياترو ريال بمدريد خلال سحب يانصيب عيد الميلاد، إسبانيا، الأحد 22 ديسمبر 2024.AP Photo/Bernat Armangueيمكن تقسيم تذاكر يانصيب "أل غوردو" الإسباني إلى عشرة أجزاء تُعرف بالإسبانية باسم "décimos"، وهو تقليد شائع يتم خلاله شراء هذه الأجزاء. يُتيح هذا النظام لمجموعات مختلفة فرصة شراء تذاكر تحمل نفس الرقم، ما يزيد من شعبيته بين الإسبان.
تاريخياً، أُنشئ اليانصيب الوطني الإسباني لأول مرة عام 1763 على يد الملك كارلوس الثالث كجمعية خيرية لدعم الفقراء. ومع مرور الوقت، أصبح أداة لدعم خزينة الدولة، لكنه ما زال يحتفظ بجذوره الخيرية، اذ يساهم اليوم في تمويل العديد من الجمعيات الخيرية في البلاد.
اليانصيب السنوي لعيد الميلاد، في مسرح تياترو ريال بمدريد، إسبانيا، يوم الأحد 22 ديسمبر 2024.AP Photo/Bernat Armangueيُنظم يانصيب "أل غوردو" سنوياً في 22 كانون الأول/ديسمبر، ويُعد تقليداً وطنياً يمثل بداية الاحتفالات بفترة الأعياد في إسبانيا. يُعرف بأنه "الأغنى" في العالم من حيث إجمالي الجوائز المالية، ويجتذب ملايين المشاركين الذين يصطفون لساعات طويلة لشراء التذاكر، سواء لأنفسهم أو كهدايا للأقارب والأصدقاء.
ويشتهر اليانصيب أيضاً بتشجيع المشاركة الجماعية، اذ يجمع زملاء العمل أو العائلات الأموال لشراء التذاكر معاً على أمل اقتسام الجوائز.
اليانصيب السنوي لعيد الميلاد، في مسرح تياترو ريال بمدريد، إسبانيا، يوم الأحد 22 ديسمبر 2024.AP Photo/Bernat Armangueهذا الحدث السنوي ليس مجرد مسابقة، بل يُعد رمزاً للتقاليد الإسبانية وروح التعاون بين الناس. "أل غوردو" يمثل مزيجاً من الأمل والفرحة، وينتظره المواطنون بفارغ الصبر كل عام، ليبدأوا به احتفالاتهم بالأعياد في أجواء من الإثارة والمشاركة.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية نصائح للتوفير في عيد الميلاد.. كيف تحتفل بالأعياد من دون أن تفلس؟ الشرطة النيجيرية: ارتفاع عدد قتلى حادثي تدافع بمناسبتين خيريتين لعيد الميلاد إلى 32 شخصا طبيب ولاجئ وملحد.. من هو السعودي المشتبه به تنفيذ هجوم الدهس في سوق عيد الميلاد في ألمانيا؟ عيد الميلادإسبانيامسابقةيانصيبأعياد مسيحيةمدريداعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. بحضور الوزير التركي.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد فهل دقت ساعة المواجهة مع الأكراد؟ يعرض الآن Next الجيش الإسرائيلي يعرض أمام نتنياهو أسلحة استولى عليها من حزب الله وتأكيد على مواصلة ضرب الحوثيين يعرض الآن Next كيف اختزلت حادثة ماغديبورغ مدى الاحتقان الطائفي والعرقي والسياسي الذي ينخر في جسد الوطن العربي؟ يعرض الآن Next الحرب في يومها الـ 443: الجيش يطلب إخلاء مستشفى كمال عدوان ويواصل سياسة التهجير القسري شمال القطاع يعرض الآن Next كاتس من جنوب لبنان: باقون هنا للدفاع عن الجليل ولقد قلعنا أسنان حزب الله وسنقطع رأسه لو عاد لتهديدنا اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومبشار الأسدإسرائيلالغذاءالحرب في سورياحزب اللهبنيامين نتنياهوهيئة تحرير الشام عيد الميلادإيرانالبرازيلأبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024