عن حلم الثراء السريع وشركات النصب والاحتيال
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
عن حلم الثراء السريع وشركات النصب والاحتيال
هنا يأتي العرض المغري من مندوب الشركة الوهمية وهو "حول لنا وبسرعة ألف دولار، وسيصلك العائد خلال 24 ساعة"!
يزعم بعض المتصلين أن شركاتهم مملوكة للبنوك المركزية والجهات الرقابية وهيئات أسواق المال والبورصات العربية، خاصة الخليجية.
تكاثرت شركات التداول الوهمية التي تمارس سياسة وعمليات النصب والاحتيال والجرائم الإلكترونية على خلق الله، مستغلة سعي البعض إلى الثراء السريع.
أؤكد للشخص المتصل أنني لا أمتلك أي سيولة فائضة، أو أن استثماري الأول منصب على تعليم أولادي، لأنني أرى أنّ هذا هو أفضل أنواع الاستثمار.
* * *
لا يمر يوم إلّا وأتلقى اتصالاً تلفونياً أو أكثر من أشخاص يقولون إنهم يعملون لدى شركات سمسرة وإدارة أموال ومحافظ مالية وصناديق استثمار عربية وعالمية لها فروع في مناطق الخليج ولندن ونيويورك وغيرها من عواصم أسواق المال.
هؤلاء الأشخاص يدعونني للاستثمار في البورصات والأسهم والسندات والذهب والمعادن والعملات الرقمية والأصول الافتراضية وغيرها من أدوات الاستثمار الحديثة، ويؤكدون جميعاً أنّ أرباحهم مضمونة، وأنهم يعملون طبقاً لمعايير أسواق المال العالمية والقوانين المطبقة في المنطقة العربية.
بل يزعم بعض المتصلين أن شركاتهم مملوكة للبنوك المركزية والجهات الرقابية وهيئات أسواق المال والبورصات العربية، خاصة الخليجية، وأن كبار المساهمين بها هم شخصيات عربية من كبار الأثرياء والمسؤولين.
والملاحظ في الاتصالات المتلاحقة أنّ المتصلين لا يعرفون خلفيتي الصحفية، وأنني دارس للعلوم المالية والمصرفية لمدة تزيد عن 30 سنة، وأفهم جيداً في قواعد الاستثمار وإدارة الأموال وتحديد الفرص المتاحة، وأن المتصل جاء "ليبيع الماء في حارة السقايين".
في البداية كان ردي على تلك الاتصالات القادمة من عواصم شتى هي الاعتذار السريع عن الاستجابة لرغباتهم في الاستثمار لدى شركاتهم.
هنا يأتي السؤال السريع : "لماذا الاعتذار مع الأرباح الضخمة المتوقعة، هل أحد يكره المال والعوائد السريعة؟"
وهنا أجد نفسي أمام استجواب مطول وعشرات الأسئلة وربما الانتقادات المبطنة بسبب ما يظنونه بضعف الوعي الاستثماري والمالي لدي، وعدم الدراية بفنون إدارة الأموال وعالم الثراء وتوظيف الأموال، وأنّ عليّ فرض الإجابة عن جميع تلك الأسئلة المستفزة.
وحتى أرتاح من عناء الأسئلة، وحرصاً على جبر خاطر الشخص المتصل كنت أحاول أن أكون ظريفاً ولطيفا مع الجميع، لذا كانت معظم إجاباتي عن الأسئلة "منطقية" وبسيطة ومريحة من وجهة نظري.
مثلاً، أؤكد للشخص المتصل أنني لا أمتلك أي سيولة نقدية فائضة، أو أن استثماري الأول منصب على تعليم أولادي، لأنني من المؤمنين أنّ الاستثمار في الأولاد هو أفضل أنواع الاستثمار على الإطلاق.
أو أبلغ المتصل أنني مررت بتجربة سيئة في مجال الاستثمار في البورصة قبل نحو ربع قرن حيث كنت أستثمر في صناديق استثمار وأسهم شركات، وتعرضت لخسائر فادحة، وبالتالي لن أكرر التجربة.
أو القول إنني شخص غير مغامر، ولذا أميل إلى الاستثمارات التقليدية قليلة المخاطر مثل الودائع المصرفية والذهب والعقارات، وإنني أبتعد عن أدوات الاستثمار عالية المخاطر مثل البورصات والعملات المشفرة والمضاربة في العملات والمعادن وغيرها.
كنت أظن أنه بتلك الإجابات، المنطقية من ناحيتي، سيقتنع المتصلون بوجهة نظري ولا يعاودون الاتصال، أو على الأقل يحترم هؤلاء صراحتي ورأيي ويتم إغلاق باب الأسئلة.
لكن للأسف يبدأ مشوار النصب والاحتيال المصاحب بفهلوة واستعباط وربما ابتزاز وسخافة، والذي يبدأ بإلقاء محاضرة تلفونية طويلة على مسامعي من اتصال آتٍ من لندن أو باريس أو دبي والكويت عن أهمية الاستثمار في البورصات والعملات المشفرة، وضرورة تكوين محافظ مالية، وأهمية تكوين ثروة تفيدني عند التقاعد، وأنّ المغامرات هي ما يصنع الأموال.
ويزيد الاستفزاز عندما يصل هؤلاء إلى مرحلة تقديم الوعود البراقة، وهي أن الربح أو العائد على الأموال المستثمرة مضمون، وقد يصل إلى 40% في الأسبوع، وأن الأرباح المحققة ستكون في حسابك خلال 24 ساعة، وأن المخاطر صفر، وأن الخسائر غير موجودة في قاموس وتاريخ الشركة، وأنه يمكن أن تكون بداية الاستثمار بمبلغ صغير.
أو أن عليّ المسارعة إلى تحويل المبلغ المطلوب للاستثمار لدى الشركة حتى لا تضيع الفرصة التي ينتهي موعدها الليلة، أو خلال 24 ساعة، أو أن تلك الفرصة متاحة خلال ساعة فقط من زمن الاتصال، وأنّ عليّ تزويدهم بتفاصيل حسابي البنكي حتى يتم إضافة العوائد السريع له، أو بيانات بطاقات الائتمان التي بحوزتي.
وهنا أنفجر في المتصل قائلاً: " قلت لك، ليس لديّ سيولة، ألا تفهم، رجاء عدم الاتصال بي مرة أخرى، لا تضيعوا وقتي".
وهنا أيضاً، يأتي العرض المغري من مندوب الشركة الوهمية وهو "حول لنا وبسرعة ألف دولار، ونحن من جانبنا سنضيف ألف دولار لها، وهذا يعني أنّ استثماراتك ستبدأ بألفي دولار، والعائد كله لك وسيضاف لحسابك خلال 24 ساعة".
أو يمكنك في البداية شراء وحدة من عملة بيتكوين، حول لنا القيمة بسرعة قبل زيادة السعر، أو افتح محفظة خاصة بمبلغ 100 دولار فقط، على أن يقدم إلي المدير أفضل الفرص المتوافرة للتداول مع تقديم كل الضمانات، من تراخيص عمل الشركة والمحفظة.
هنا لا أملك سوى الصراخ في وجه المتصل: "أغلق الهاتف يا نصاب، يا محتال"... بعدها بتّ لا أردّ على أيّ رقم لا أعرفه، بل نشطت خاصية الـ"بلوك" على الفور لأرقام التليفونات التي لا أعرف مصدرها مع تكرار الاتصالات بشكل يومي.
ويبدو أن تلك الخاصية خلقت خصيصاً لشركات التداول الوهمية التي تمارس سياسة وعمليات النصب والاحتيال والجرائم الإلكترونية على خلق الله، مستغلة سعي البعض إلى الثراء السريع.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: بيتكوين النصب والاحتيال النصب عبر الإنترنت الاحتيال الإلكتروني الاحتيال الهاتفي الإثراء غير المشروع العملات الرقمية النصب والاحتیال الثراء السریع أسواق المال خلال 24 ساعة
إقرأ أيضاً:
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ (7/13)
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ (7/13)
قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024 (7-13)
بقلم سمية أمين صديق
إهداء المؤلف لكتابه:
"إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)". المؤلف
نلتقي اليوم في الحلقة السابعة، وهي تتمحور حول الفصل الرابع من كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام. جاء الفصل بعنوان: نسف السرديات الباطلة بالحق والعلم والفكر والأخلاق: هل رُفعت الصلاة عن محمود محمد طه، كما شيع البعض؟ وهل كان يُصلي؟ ولأن هذا الفصل مهم، وفي الواقع الكتاب كله مهم، إلا أن هذا الفصل يتناول الصلاة، وهي، كما يقول المؤلف مستدعياً أحاديث الأستاذ محمود، أجل أمور الدين وأخطرها على الاطلاق، كما أنها أهم أعمال الإنسان وأكملها، وأعودها بالخير، والنفع، عليه، وعلى الإنسانية، ولهذا فإن موضوع الفصل، في تقديري، يتطلب الاحتراز والورع، كون الفصل أجاب عن أسئلة قديمة ومتجددة وظلت متكررة، ولا يزال الكثير من الناس يعيدها، ولكل هذا أود التنويه بأن ما سأورده هنا، لا يغني عن قراءة الكتاب. لقد اشتمل الكتاب على توسع ورصد دقيق، وتتبع لهذه الأسئلة واجابة عليها، منذ إعلان الأستاذ محمود محمد طه عن الفكرة الجمهورية عام 1951 وحتى تاريخ صدور كتاب عبدالله الفكي البشير عام 2024.
تكوَّن الفصل من المحاور الآتية:
إضاءة على كتابات محمود محمد طه وأحاديثه عن الصلاة
الصلاة في الفهم الجديد للإسلام
الصلاة صلاتان: صلاة الصلة وصلاة المعراج
الشريعة الفردية وأخذ الصلاة الفردية من الله بلا واسطة
ما رأي محمود محمد طه فيما يوجه إليه من اتهام بأنه يرى أن الصلاة رُفعت عنه؟ وهل كان يصلي؟
الشريعة الفردية: شريعة العارف في مستوى معرفته وصلاته تزيد عن صلاة الإنسان العادي
كيف هي صلاة محمود محمد طه؟ وهل هي مثل صلاتنا ذات الحركات المعلومة؟
كأنما الصلاة الشرعية قاعدة وصلاة الصلة قمة
لماذا كان النبي يصلي الصلاة ذات الحركات حتى التحاقه بالرفيق الأعلى؟
المؤمن لن ينفك عن التقليد بينما يرتفع المسلم المجوّد من التقليد إلى الأصالة
لماذا لم يؤت أحد من أصحاب النبي صلاة الأصالة؟
أخذ الصلاة بالجد التام
منشأ سردية رفع الصلاة عن محمود محمد طه
تحدث عبدالله عن محتوى الفصل وهيكله، قائلاً: يقدم هذا الفصل إجابة عن بعض الأسئلة، التي واجهها المؤلف وبتكرار في العديد من المنابر العامة. وقد تمحورت الأسئلة حول سردية موروثة في الفضاء السوداني والإسلامي، نسجها البعض بالباطل، وبلا حق حول مفهوم الصلاة وماهيتها عند محمود محمد طه صاحب الفهم الجديد للإسلام. وأضاف عبدالله، قائلاً: يسعى الفصل إلى الإسهام في نسف سرديات الباطل، بالحق والعلم والفكر والأخلاق. وفي الواقع لم تكن الأسئلة التي واجهها المؤلف، جديدة، فهي قديمة، وقد ظلت مكررة ومستمرة ومتوسعة. كان من بين الأسئلة: هل صحيح أن محمود محمد طه يقول بسقوط الصلاة ورفعها عنه؟ وهل تسقط الصلاة؟ وهل يصلي محمود محمد طه مثلنا، كما هي الصلاة المعلومة؟ ولماذا كان يصلي النبي الكريم صلاته حتى التحق بالرفيق الأعلى؟ ولماذا لم يؤت أحد من الصحابة صلاته الفردية؟ وما هي صلاة الأصالة؟ وهل بلغ محمود محمد طه مرحلة من التصوف، لا يصلى الصلاة المعروفة؟ وأضاف السائل، قائلاً: أرجو الإجابة عن ذلك، خاصة وأن موضوع رفع الصلاة عن محمود محمد طه وسقوطها عنه، مما أخذه عليه أعداء الفكرة الجمهورية. كذلك توارثت الأجيال في الفضاء السوداني والإسلامي، ما لخصته باحثه تونسية، وهي طالبة ماجستير، التقيت بها في ديسمبر 2014 بتونس، على هامش ندوة دولية، نظمها مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، بجامعة الزيتونة، بعنوان: المسلمون بين السياسة الشرعية والبدائل المعاصرة، وقدمت فيها ورقة بعنوان: "تطوير الشريعة الإسلامية: السياسة عند محمود محمد طه" ، جاءتني الباحثة، وقالت لي: أنا بحب محمود محمد طه كثيراً، تعرف لماذا؟ قلت لها: لماذا؟ قالت لي: لأنه لا يصلي وأنا لا أصلي. يتصل حديث هذه الباحثة بتلك الأسئلة، وبما شاع بين الناس، بلا حق، وبلا ورع ولا علم ولا روية، بأن محمود محمد طه لا يصلي، لأنه يقول إن الصلاة رُفعت عنه، فمتى شاع هذا الحديث؟ ومن الذي بدأ إشاعته؟
الاتهام الباطل وسردية كسل العقول وتناسل الجهل
بث التشويه والشائعات والخزعبلات في الفضاء السوداني والإسلامي
"القول بأني أقول إن التكاليف والصلاة تُرفع فهذا محض سوء فهم"
محمود محمد طه، 1968
"ليس في عمل الإنسان ما هو أهم، ولا أكمل، ولا ما هو أعود بالخير، والنفع، عليه، ولا على الإنسانية، من الصلاة." . محمود محمد طه، 1966
أستهل عبدالله حديثه، قائلاً: بادئ ذي بدء أود التأكيد بإن الاتهام المنسوب إلى محمود محمد طه بأنه يقول برفع الصلاة وسقوطها عنه، هو اتهام باطل لا يتعلق بمحمود محمد طه، لا من قريب ولا من بعيد. إذ لم يرد قط أن قال محمود محمد طه بذلك، سواء في كتاباته أو أحاديثه. لقد درج المعارضون للفهم الجديد للإسلام، ومنهم بعض المثقفين، ومن يسمون برجال الدين، على بث التشويه والشائعات في الفضاء السوداني والإسلامي، عن عمد وعن غير عمد، على جوهر دعوة محمود محمد طه، وهو موضوع الصلاة . لقد ركن الناس لهذا التشويه واستجابوا لتلك الشائعات، ولم يكلفوا أنفسهم، كما هو حال المعارضين، القيام بالواجب الثقافي والأخلاقي، والوفاء بالاستحقاق العلمي، حيث الاطلاع على كتب محمود محمد طه، ومقالاته وبياناته، والحوارات الإعلامية التي أجريت معه، والاستماع لمحاضراته، وهي موثقة، ومنشورة، ومبثوثة في الفضاء . بيد أنهم، سواء المعارضين من ناسجي التهم والشائعات أو السائلين مؤخراً عن موضوع الصلاة، آثروا الاستجابة لكسل العقول وتناسل الجهل، ولو أنهم أنفقوا القليل من الجهد في الاطلاع على كتابات محمود محمد وأحاديثه عن الصلاة، لأدركوا بأن الصلاة عنده، هي أفضل، وأهم، وأعظم عمل الإنسان، وهي أعلي عبادة عملية، وهي قمة العمل الصالح كما ورد آنفاً، وقد فصل ذلك في كتاباته وأحاديثه. ويطرح عبدالله الأسئلة، قائلاً: ولكن السؤال: هل نشر محمود محمد طه كتباً عن الصلاة ضمنها رأيه فيها؟ وهل قدم محاضرات عنها؟ الإجابة نعم، غير أن المعارضين، والكثير من النقاد والسائلين، يظن بعضهم بأن إطلاق الإحكام بلا علم، أو تبني آراء الآخرين دون القيام بواجب التحقق والوقوف على المصادر، لا يدخل في المسؤولية الفردية، كما أن بعضهم الآخر يطمئن لما يقول به من يسمون برجال الدين. وما علم جميع هؤلاء أن الفردية، في الإسلام، هي جوهر الأمر كله، وهي التي عليها مدار التكليف، ومدار التشريف.. وقد وكدها الإسلام توكيداً، إذ لا تنصب موازين الحساب، يوم تنصب، إلا للأفراد، يتساوى في ذلك أي فرد ممن يسمون برجال الدين، والأفراد جميعهم من الرجال والنساء، فالله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾ ويقول: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾ ويقول: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا(80)﴾ ويقول: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)﴾ ، ويقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ . ولمَّا كانت الفردية هي جوهر الأمر كله في الإسلام، فإن محمود محمد طه قد أكد عليها في كتاباته، قائلاً: "وهذه النقطة نحب لها أن تكون مركزة في الأذهان" .
الشاهد أن محمود محمد طه قد نشر الكتب، وأصدر البيانات، ونظم العديد من المحاضرات والجلسات للحديث عن الصلاة. وتعميماً للفائدة، وتيسراً للقيام بواجب المسؤولية الفردية تجاه آراء محمود محمد طه عن الصلاة، يقدم المحور أدناه، إضاءة ورصداً مع بعض التفصيل الموجز، عن كتابات محمود محمد طه وأحاديثه عن الصلاة. وقد تم التركيز على الكتابات والأحاديث عن الصلاة، الموثقة والمتاحة للاطلاع عليها، أو الاستماع إليها بصوته.
إضاءة على كتابات محمود محمد طه وأحاديثه عن الصلاة
"الصلاة فريضة ليس في الدين ما هو أوكد منها.. فإذا كانت الشهادتان في الدين أول الكلام، فان الصلاة فيه أول العمل.. وهي علم، وعمل بمقتضى العلم" .
محمود محمد طه، 1966
يقول عبدالله: تكاد جل كتابات محمود محمد طه وأحاديثه، لا تخلو من الحديث أو الإشارة للصلاة، ومع ذلك فقد خصص بعض منشوراته عن الصلاة وماهيتها ومفهومها، فكتب عنها الكتب والمقالات، ونشر البيانات، كما قدم العديد من المحاضرات والجلسات التربوية/ العرفانية. ففي العام 1966 نشر كتابه: رسالة الصلاة. وتناول الكتاب العديد من الموضوعات، وكلها تتصل بالصلاة، تناول التوحيــد وفضله، والفردية باعتبارها مدار التكليف، والحرية الفردية المطلقة، والصـلاة وسـيلة، والوسيلة دائماً من جنس الغاية. كما تناول العبادة والعبودية، والرضا بالله عبودية، والعبـودية هي الحرية، وبيَّن، قائلاً: "العبودية هي التكليف الأصلي، والعبادة هي التكليف الفرعي، وبعبارة أدق.. العبادة هي الوسيلة، والعبودية هي غاية العبادة" . ثم وقف عند ما هي الصـلاة؟ ومعاني الصلاة، وصلاة التقليد، وصلاة الأصالة، والصـلاة بين المؤمن والمسلم، وكيف نعرج بصلاة التقليد إلى الأصالة؟ وغيرها من الموضوعات. كما أصدر في العام 1972 كتاب: تعلموا كيف تصلون. تناول فيه العديد من المحاور كلها تمحورت حول الصلاة، منها: الصلاة وسيلة، والفكر، ورياضة العقول، ومستويات التقوى والفرقان، والفكر هو السنة، والصلاة والصوم، والصلاة جلسة نفسية، وبين الاعتراف والاستغفار، وصل فإنك الآن لا تصلي، والوضوء، والصــلاة وأوقاتها، وهيئة الصلاة، وحضرتا الصلاة: حضرة الاحرام وحضرة السلام، وغيرها. وكتب في مدخل الباب الأول من كتابه، قائلاً: "وكيفية الصلاة غير معلومة لدى الناس بصورة كافية.. وقيمة الصلاة مجهولة عند الناس جهلاً تاماً.. وإنما أردنا بهذا الكتاب إلى تبيين الكيفية بصورة جلية، وإلى إظهار القيمة من الصلاة إظهاراً كافياً، يعيد إليها بعض ما تستحق من الكرامة، والتفضيل".
وفصل عبدالله، قائلاً: كذلك قدم محمود محمد طه العديد من المحاضرات عن الصلاة في العاصمة الخرطوم، وفي الكثير من مدن السودان، ونورد هنا نماذج من المحاضرات الموثقة بصوته، والمنشورة والمتاحة للاستماع عبر شبكة الإنترنت في موقع الفكرة الجمهورية على الإنترنت، وقد أشرنا مع كل محاضرة لرابط النشر. من هذه المحاضرات على سبيل المثال، لا الحصر: محاضرة بعنوان: "الصلاة" ، (3 ديسمبر 1968)، ومحاضرة بعنوان: "تعلموا كيف تصلون" ، (11 أبريل 1972)، وكانت هذه المحاضرة ضمن سلسلة من المحاضرات شهدها عقد السبعينات من القرن الماضي، وتم تقديمها في العاصمة الخرطوم، والعديد من مدن السودان. ففي 14 أبريل 1972، شهدت مدنية الأبيض المحاضرة بنفس العنوان: "تعلموا كيف تصلون" ، كما شهدت مدينة أم درمان خلال شهر سبتمبر 1972 عدة ندوات بنفس العنوان . يضاف إلى ذلك أن الكثير من محاضرات محمود محمد طه، تعرضت للصلاة، خاصة أثناء النقاش، حيث وردت الكثير من الأسئلة عن الصلاة، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، في محاضرة كانت بعنوان: "الدستور والحقوق الأساسية" (19 مارس 1969)، جاء أحد الحضور، وقال: أنا أريد أن أعرف هل محمود محمد طه والجمهوريين يصلون مثل صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وأضاف السائل، قائلاً: أريد من محمود محمد طه أن يوضح لي كيف هي صلاته؟ وكيف هي صلاة الرسول؟ وطُرحت نفس الأسئلة في محاضرة أخرى كانت بعنوان: "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" ، (9 أبريل 1972). ولم تغب مثل هذه الأسئلة في الحوارات الإعلامية ، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، أجرت مجلة الحياة السودانية، حواراً مع محمود محمد طه ونشرته في نوفمبر 1968، وكان من بين الأسئلة، سؤال يقول: ما رأيك فيما يوجه لك من اتهام بأنك ترى أن الصلاة قد رُفعت عنك؟ وقد أجاب محمود محمد طه عن كل تلك الأسئلة، ويمكن الاطلاع والاستماع للأسئلة والإجابة عنها في المصادر المشار إليها في الهامش أدناه. ومع ذلك سنقدم إجابات موجزة عن هذه الأسئلة في المحاور أدناه.
وأضاف عبدالله، قائلاً: أيضاً نشر الإخوان الجمهوريون الكثير من الكتيبات والبيانات عن الصلاة. ومن تلك المنشورات على سبيل المثال، لا الحصر، الصلاة وسيلة وليست غاية (أغسطس 1975)، والصوم توأم الصلاة (سبتمبر 1975)، وماذا قال الأستاذ محمود محمد طه عن الصلاة؟ (مايو 1976)، والصوم ضياء والصلاة نور (أغسطس 1976). ومن البيانات على سبيل المثال، لا الحصر: "بيان من الطلبة المفصولين من المعهد العلمي" (فبراير 1960)، و "رأي الحزب الجمهوري في: "محمود محمد طه معذور" (نوفمبر 1965)، و "عن اتهام السيد على أحمد سليمان، عضو مجلس الشعب، لنا [أي الإخوان الجمهوريون] بأننا نسيء إلى الإسلام" (أبريل 1977)، و"الصلاة لا تسقط اطلاقاً!!" (يونيو 1977).
الصلاة في الفهم الجديد للإسلام
يقول عبدالله: إن الصلاة في الإسلام، وفقاً للفهم الجديد للإسلام، صلاتان، كما هو الأمر في كل الشئون القرآنية، والإسلامية، فالنص في القرآن، نصان: نصٌ ناسخٌ، ونصٌ منسوخٌ، والشرع شرعان: شريعة النبوة، وشريعة الرسالة. وبناءً على التقرير بأن النص نصان، وأن الشرع شرعان، وهو تقرير مفصل ومبرهن على علميته في كتابات محمود محمد طه وأحاديثه، وسنورد هنا توضيحاً موجزاً، فإن أموراً كثيرة تنبني على هذا التقرير. ومن هذه الأمور أن في الإسلام أمتان: أمة المؤمنين وأمة المسلمين. وهنا يرى محمود محمد طه بأنه ومن أجل بعث الإسلام لا بد من التفريق بين "المؤمن" و"المسلم" وبين أمة المؤمنين وأمة المسلمين.. وإن هذا التفريق ضرورة لبعث الصلاة!، وتبرز أهمية التفريق بين المؤمن والمسلم في التفريق بين صلاة وصلاة.. فإن للمؤمن صلاته، وهو فيها مقلّد للنبي الكريم، وللمسلم صلاته، وهو فيها أصيل، متأس بالنبي الكريم في الأصالة ، وسيرد التفصيل عن أمة المؤمنين وأمة المسلمين. كذلك إن الإسلام إسلامان، والرسالة رسالتان: رسالة أولى من الإسلام، ورسالة ثانية من الإسلام، وكما وردت الإشارة آنفاً في هذا الكتاب، إن الرسالتين أتى بهما النبي الكريم محمد بن عبد الله عليه أفصل الصلاة وأتم التسليم، وقد فصل الأولى وأجمل الثانية إجمالاً، ولا يتطلب تفصيل الثانية سوى فهماً جديداً للإسلام. أما القول بأن في القرآن نصان، فإنه يجيء من طبيعة القرآن.. قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)﴾ .. ومعنى أنه ﴿مَّثَانِيَ﴾، أنه ذو معنيين، معنيين: معنى في الطرف البعيد، ومعنى في الطرف القريب. وإنما يجيء ذلك من كون القرآن حديثاً من الرب، في عليائه، تنزّل إلى العبد في الأرض.. ويجيء هذا المعنى في نص آخر.. ﴿حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(4)﴾ .. فهناك نص في أم الكتاب، وهذا ما يعتبر نصاً في الطرف البعيد.. وهناك نص في المصحف المخطوط، والمقروء باللغة العربية بين ظهرانينا اليوم، وهو نص يمكن أن يعتبر في الطرف القريب. وجملة الأمر فإن نصوص المعنى البعيد هي نصوص أصول، ونصوص المعنى القريب هي نصوص فروع. وقرآن الأصول قرآن مكي، وقرآن الفروع قرآن مدني . وقد ورد بعض التفصيل عن القرآن المكي والقرآن المدني في هذا الكتاب.
ثم فصل عبدالله في موضوع الشرع شرعان: شرع كان عليه النبي، في خاصة نفسه، وشرع كانت عليه الأمة.. وفصل كذلك في اشتمال الإسلام على أمتينن: أمة المؤمنين، وأمة المسلمين، وفضل أيضاً في أن كلمة الإسلام، لها معنيان: معنى قريب هو الذي عبر عنه القرآن بقوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ .. وهذا ما أسماه محمود محمد طه: الإسلام الأول. وللإسلام معنى بعيد، وهو مركوز عند الله، حيث لا حيث .. وهو بمعناه البعيد قد أشار اليه سبحانه وتعالى حين قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102)﴾ . وقد جاء القرآن مقسماً بين الإيمان والإسلام، كما جاء إنزاله مقسماً بين مدني ومكي، وكان المكي سابقاً على المدني، وبعبارة أخرى، بدأ بدعوة الناس إلى الإسلام فلما لم يطيقوه، وظهر ظهوراً عملياً قصورهم عن شأوه، نزل عنه إلى ما يطيقون. والظهور العملي حجة قاطعة على الناس. والآيات الدالة على النزول من أوج الإسلام، الى مرتبة الإيمان كثيـرة . نذكر منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102)﴾ فلما قالوا أينا يستطيع أن يتقي الله حق تقاته؟ نزل قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)﴾ . ويقع الإسلام الأول، كما يرى محمود محمد طه، وهو دين أمة المؤمنين، في ثلاث درجات، وهي درجات الإيمان: الإسلام، والإيمان، والإحسان.. وهذه مرحلة عقيدة.. وأما الإسلام النهائي فيعني الاستسلام، والانقياد الكلي ظاهراً وباطناً.. ويعني الإذعان الكلي، لأمر الله، عن رضا وطواعية.. وهو يقع أيضا في ثلاث درجات، تلي درجات الإسلام الأول.. وهذه الدرجات الثلاث هي درجات الإيقان: علم اليقين، وعلم عين اليقين، وعلم حق اليقين.. ثم تتوج هذه الدرجات الست بالإسلام النهائي. فكأن الصورة هكذا: الإسلام الأول، ثم الإيمان، ثم الإحسان، ثم علم اليقين، ثم علم عين اليقين، ثم علم حق اليقين، ثم الإسلام .. وهذا الإسلام الأخير، وهو النهائي، هو المعني بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ .. وهو المعني بقوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85)﴾..
أتوقف هنا وأحيل القراء إلى استكمال محاور الفصل بالرجوع إلى كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير، موضوع حديثنا، والمحاور المتبقية، هي: الصلاة صلاتان: صلاة الصلة وصلاة المعراج- الشريعة الفردية وأخذ الصلاة الفردية من الله بلا واسطة- ما رأي محمود محمد طه فيما يوجه إليه من اتهام بأنه يرى أن الصلاة رُفعت عنه؟ وهل كان يصلي؟- الشريعة الفردية: شريعة العارف في مستوى معرفته وصلاته تزيد عن صلاة الإنسان العادي- كيف هي صلاة محمود محمد طه؟ وهل هي مثل صلاتنا ذات الحركات المعلومة؟ - كأنما الصلاة الشرعية قاعدة وصلاة الصلة قمة- لماذا كان النبي يصلي الصلاة ذات الحركات حتى التحاقه بالرفيق الأعلى؟ - المؤمن لن ينفك عن التقليد بينما يرتفع المسلم المجوّد من التقليد إلى الأصالة- لماذا لم يؤت أحد من أصحاب النبي صلاة الأصالة؟- أخذ الصلاة بالجد التام- منشأ سردية رفع الصلاة عن محمود محمد طه.
نلتقي في الحلقة الثامنة، وهي تتمحور حول أحد فصول الكتاب، وقد جاء الفصل بعنوان: إنطلاقاً من دعوة محمود محمد طه للتغيير ووفقاً لرؤيته كيف ومتى ستهب رياح التغيير؟ ويتناول الفصل المحاور الآتية: متى وكيف تهب رياح التغيير؟- الوصية المشرفة: كثفوا العمل.. يا عمر [القراي] لا تتوقف عن العمل- تكثيف العمل هو السبيل لمقاومة سردية رجال الدين: سردية كسل العقول وتناسل الجهل- هل يعقل أن ينام الجمهوري والجمهورية ملء جفونه/ جفونها، والناس من حوله/ حولها تردد في سردية رجال الدين القائلة: إن محمود محمد طه كافر ومرتد عن الإسلام؟- القيام بالواجب المباشر خروج عن مأزق الموقف السلبي- ما الذي يحتاجه الواجب المباشر- العبادة في الخلوة مدرسة الإعداد النظري، فما هو ميدان التطبيق العملي؟- عن مفهوم رفع واقع الناس للفكرة وإنزال الفكرة لواقع الناس- الجمهوريون دعاة التغيير الجذري- مفهوم التغيير الجذري عند محمود محمد طه- ما بعد النقد الشكلي للإخوان المسلمين وجماعات الهوس الديني.