«الإسلاموفوبيا» أحدث تجليات الاستشراق الغربي

لا نريد أن نناصب الغرب العداء، كما لم يكن إدوارد سعيد أبدًا معاديًا للغرب.

نقطة البدء هى الثقة بذاتنا الحضارية أي الاعتزاز بلغتنا العربية والإصرار على الإنتاج الفكرى بها، لا إهمالها واحتقارها.

«الإسلاموفوبيا» ليست إلا أحدث تجليات ظاهرة تضرب بجذورها فى عمق الثقافة الغربية، ولا يمكن فهمها بمعزل عن تاريخها.

جريمة حرق المصحف الشريف لم تكن جريمة فقط لأنها موجهة ضد المسلمين بل هي ضد المجتمع الإنسانى وخروج عن الفطرة السليمة.

نحتاج لثورة في العلوم الاجتماعية تراجع دراسة تاريخنا وحضارتنا وحاضرنا دراسة نقدية مبنية على أسس علمية سليمة بلا تمجيد ولا تطبيق للمناهج الغربية حرفيًا.

حين تسعى لإثبات عدم تعارض الإسلام والحداثة فإنك تقع فى الفخ، لأن النقاش يتم على أرضية تنطلق من فرضية غربية مقطوعة الصلة بالتاريخ والمجتمعات العربية.

* * *

لم أُفاجأ بتكرار تكرار حلقات تدنيس وحرق المصحف الشريف بالسويد والدنمارك وكان آخرها بهولندا الأسبوع الماضى، لكن أريد التركيز على كون «الإسلاموفوبيا» ليست إلا أحدث تجليات ظاهرة تضرب بجذورها فى عمق الثقافة الغربية، ولا يمكن فهمها بمعزل عن تاريخها.

لذلك اصطحبت القارئ فى رحلة قصيرة لكتاب إدوارد سعيد «الاستشراق»، إذ يمثل دراسة نقدية بالغة الأهمية للكيفية التى يدرس بها الغربيون عالمنا، والنفوذ الواسع للاستشراق وتأثيره المباشر على صناع القرار والمواطن العادى. ونفوذ الاستشراق امتد لخارج الغرب، فاتسع نطاق منهجه وتعميماته المخلة.

لكن كتاب إدوارد سعيد لم يقتصر على تقديم رؤية نقدية للاستشراق. فقد نالنا نحن أيضًا نقدًا بالغ الأهمية، وأعتبره جوهريًا لتحليل وقائع مثل حرق المصحف الشريف وردود أفعالنا.

فما كان يؤرق إدوارد سعيد أكثر من أى شىء آخر هو النفوذ الواسع الذى بات الاستشراق يتمتع به لدينا نحن! فالاستشراق بعد هيمنته على العلوم الاجتماعية فى الغرب، قمنا نحن للأسف بنقله حرفيًا! فدون تحليل نقدى للمناهج وللمفردات، نقلنا العلوم الاجتماعية الغربية نقلًا حرفيًا بمفرداتها ونظرياتها ومناهجها وكأنها «الحقيقة» المطلقة.

وبالتالى بات الكثير من باحثينا، حين يدرسون عالمنا العربى والإسلامى، يكتبون بمناهج الاستشراق ويستخدمون مفرداته نفسها ويطبقونها بكل خفة وبساطة على مجتمعاتنا. وهم بذلك يعيدون إنتاج المنظومة الفكرية ذاتها، المنحازة ضدنا أصلًا!

وهكذا نُضفى بأنفسنا الشرعية على منظومة بائسة ونعيد إنتاجها وتصديرها ليس فقط للغرب وإنما لمن هم خارجه بل ولأنفسنا أيضًا!

بعبارة أخرى، رغم أن الاستشراق لعب دورًا فى تشكيل الوعى العام الغربى المنحاز، وغذت الحركة الصهيونية طبعًا صوره النمطية السلبية، فإن الأكثر خطورة هو أننا نعيد بأنفسنا إنتاج المنظومة ذاتها.

ولأن تلك المنظومة منحازة ضدنا أصلًا، فإننا نجد أنفسنا فى موقف دفاعى كلما ارتكب عربى أو مسلم حماقة أو جريمة ما. وهو فخ فى ذاته، لأن الموقف الدفاعى ينطلق بالضرورة من أرضية الهجوم الغربى، لا من أرضيتنا ولا حضارتنا وثقافتنا.

فنقع، بالتالى، فى الثنائيات نفسها التى اخترعها الغرب وصدقناها نحن من نوع «الإسلام مقابل الحداثة». فأنت حين تسعى، مثلًا، لإثبات أن لا تعارض بين الإسلام والحداثة فإنك تقع فى الفخ، لأن النقاش يتم على أرضية تنطلق من فرضية منطقها غربى ومقطوعة الصلة تمامًا بالتاريخ والمجتمعات العربية.

باختصار، لعل نقطة البدء هى الثقة بذاتنا الحضارية. وهو ما يعنى ضمن ما يعنى الاعتزاز بلغتنا العربية والإصرار على الإنتاج الفكرى بها، لا إهمالها واحتقارها. كما نحتاج لثورة فى العلوم الاجتماعية تراجع دراسة تاريخنا وحضارتنا وحاضرنا دراسة نقدية مبنية على أسس علمية سليمة. فلا هى تُمجّد ولا هى تطبق المناهج الغربية حرفيًا. وليس خافيًا أن ذلك كله جهد هائل لابد أن تقوم عليه مؤسسات لا أفراد.

والحقيقة أن أيًا مما تقدم لا يعنى أن نناصب الغرب العداء، بالضبط مثلما لم يكن إدوارد سعيد أبدًا معاديًا للغرب. فجريمة حرق المصحف الشريف لم تكن جريمة فقط لأنها موجهة ضد المسلمين وإنما لأنها، فى تقديرى، جريمة ضد المجتمع الإنسانى على اتساعه، وخروج عن الفطرة البشرية السليمة.

فإهانة المقدسات، لكل الأديان، جريمة تضر بالجماعة البشرية لا بأصحاب المقدسات وحدهم، إذ تقوض فرص التواصل، القائم بالضرورة على الاحترام المتبادل، وتفتح الباب على مصراعيه لشرور لا تُبقى ولا تذر. ورد فعلنا ينبغى أن ينبنى على هذا الطرح، ويعكس اعتزازًا بحضارتنا وبإسهامها فى الحضارة الإنسانية.

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي

المصدر | المصري اليوم

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب إسلاموفوبيا الشرق الاستشراق الإسلام الحداثة الأديان إدوارد سعيد العلوم الاجتماعیة المصحف الشریف إدوارد سعید حرفی ا

إقرأ أيضاً:

إعلام إسرائيلي: انقطاع الكهرباء بالجليل الغربي بعد اعتراض طائرات أطلقت من لبنان

أفاد إعلام إسرائيلي، بانقطاع التيار الكهربائي في عدة مستوطنات بالجليل الغربي بعد اعتراض طائرات مسيرة أطلقت من لبنان، وذلك حسبما جاء في نبأ عاجل لـ«القاهرة الإخبارية».

مقالات مشابهة

  • إعلام لبناني: غارتان للاحتلال الإسرائيلي على بلدات في البقاع الغربي
  • موقف بريطانيا
  • إعلان هام لطلبة العلوم الطبية
  • إحذروا ..تنفيذ أجندة الغرب بأياد مصرية
  • إعلام إسرائيلي: انقطاع الكهرباء بالجليل الغربي بعد اعتراض طائرات أطلقت من لبنان
  • هل وُلد الإرهاب في الغرب الحضاري؟
  • «القاهرة الإخبارية»: صافرات الإنذار تدوي في مستوطنات الجليل الغربي
  • الإعلامية هبة جلال: مصر تواجه حملات تشويه من الغرب حول حقوق الإنسان
  • نفط العراق بين خيارين.. تنين صيني في الساحة وطموح حكومي نحو الغرب
  • سيرجي كاراجانوف: روسيا ستلحق الهزيمة بأوروبا