في ظل صراعات المحاور: لا استقرار ولا نهضة دون فلسطين
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
يشهد العالم والمنطقة العربية والإسلامية صراعات دولية وإقليمية متعاظمة، وينقسم العالم اليوم تقريبا إلى محورين أساسيين بعد تراجع الأحادية القطبية الأمريكية، فالمحور الأول الذي ترعاه أمريكا ويضم دولا أوروبية وآسيوية يحاول الإبقاء على نفوذه في العالم وإبقاء السيطرة الاقتصادية والسياسية والأمنية، وفرض مشروعه الفكري والثقافي والاقتصادي، فيما المحور الثاني والذي يضم روسيا والصين ودولا أخرى في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا يسعى لبلورة مشروع سياسي جديد وتقديم مقاربة مختلفة لإدارة العالم وطرح رؤية اقتصادية وسياسية مغايرة، لكن هذا المحور لا يملك مشروعا فكريا بديلا عن المشروع الليبرالي، وهو يجمع بين الليبرالية والاشتراكية والديمقراطية ويضم دولا تحمل رؤى فكرية متنوعة.
وقد شهدنا مؤخرا تزايد الصراعات بين هذين المحورين، من خلال توسيع مجموعة البريكس التي تسعى لبلورة مشروع اقتصادي جديد في العالم وفرض التعددية السياسية في إدارة العالم، في حين سعت دول العشرين وعلى رأسها أمريكا وبعض الدول الأوروبية والآسيوية للرد على مشروع البريكس وما تطرحه دول هذه المجموعة عبر طرح مشروعات اقتصادية جديدة؛ وكان أبرزها مشروع إقامة طريق بحري من آسيا إلى الشرق الأوسط مرورا بعدد من الدول العربية ووصولا إلى الكيان الصهيوني.
بعض الدول العربية والتي يفترض أن تكون إلى جانب القضية الفلسطينية وتدعم الشعب الفلسطيني لاستعادة أرضه وحقوقه؛ تشارك اليوم في مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني وقد تكون جزءا من المحور الهادف لإبقاء السيطرة الأمريكية على المنطقة وإعادة بناء الشرق الأوسط انطلاقا من الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية
وهذا ما عبّر عنه رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو بـ"الشرق الأوسط الجديد"، وهو مشروع قديم طرحه سابقا رئيس الجكومة الصهيونية الأسبق شيمون بيريز، كما توقعت قيامه بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز/ يوليو 2006؛ وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس، لكن هذا المشروع فشل سابقا ولم يتحقق بفضل قوى المقاومة وهزيمة الجيش الإسرائيلي في لبنان وفلسطين.
وللأسف فإن بعض الدول العربية والتي يفترض أن تكون إلى جانب القضية الفلسطينية وتدعم الشعب الفلسطيني لاستعادة أرضه وحقوقه؛ تشارك اليوم في مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني وقد تكون جزءا من المحور الهادف لإبقاء السيطرة الأمريكية على المنطقة وإعادة بناء الشرق الأوسط انطلاقا من الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية.
ورغم أن المملكة العربية السعودية نجحت مؤخرا في الوصول إلى اتفاق لترتيب العلاقات مع إيران والعمل من أجل وقف الصراعات في المنطقة برعاية صينية، وشاركت لاحقا إلى جانب إيران ومصر والإمارات العربية المتحدة في الانضمام إلى مجموعة البريكس، ها هي تفتح أبوابها مجددا للتطبيع مع الكيان الصهيوني والمشاركة في مشروع دول العشرين حول الممر البحري.
ومع أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعى في مقابلته الأخيرة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية لتبرير مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني بحجة الحصول على الطاقة النووية، وعقد اتفاقية عسكرية مع أمريكا ومعالجة القضية الفلسطينية، فإنه من الواضح أن الخطوات التطبيعية قد بدأت عبر استقبال الوفود الإسرائيلية وعدد من الوزراء الإسرائيليين في المؤتمرات التي تعقد في السعودية، في حين أن الأوضاع في فلسطين تشهد المزيد من التصعيد من قبل الصهاينة والشعب الفلسطيني مستمر في مقاومته، ولا يوجد في الأفق الراهن أية إمكانية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية أو قيام دولة فلسطينية أو وقف الاستيطان أو وقف إجراءات تهويد القدس والعبث في المسجد الأقصى؛ وفقا لكل التقارير والدراسات التي تعدها مؤسسة القدس الدولية والجهات المعنية في داخل فلسطين.
لقد كانت فلسطين أساس الصراع في المنطقة والعالم منذ مئات السنين، ومنذ أن حاول الفرنجة (الصليبيون) السيطرة على فلسطين والعالم بحجة تأمين طريق الحجاج، ولاحقا من خلال نابليون بونابرت وصولا للاحتلال البريطاني وقيام الكيان الصهيوني المدعوم أوروبيا وأمريكيا، واليوم لا تزال فلسطين هي محور الصراع وأساسه ليس في المنطقة العربية والإسلامية بل في العالم أجمع.
وكانت القضية الفلسطينية وتحرير القدس محور أي مشروع عربي أو إسلامي تحرري، وبدون تحرير فلسطين واستعادة التواصل المباشر بين الدول العربية والإسلامية وخصوصا بين آسيا وافريقيا؛ لا يمكن حصول أية نهضة حقيقية في المنطقة ولن يحصل أي استقرار دائم.
في ظل الصراعات التي تجري في العالم والمنطقة وبدلا أن تكون الدول العربية والإسلامية جزءا من هذه الصراعات والمحاور، فإنها معنية ببلورة مشروع النهضة العربية والإسلامية القائم على الاستقلال والوسطية والاكتفاء الذاتي، وتبقى القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين المحتلة من الكيان الصهيوني محور أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي، وبدون تحرير فلسطين وإزالة هذا الكيان الصهيوني لن تحصل المنطقة العربية والإسلامية وحتى العالم أجمع على الأمان والاستقرار
ولقد جرّبت العديد من الدول العربية عقد الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه تحت عنوان السعي للاستقرار أو لمواجهة التحديات الاقتصادية أو لتطوير أوضاعها الداخلية، ولكن معظم الدول العربية التي أقامت العلاقات مع الكيان الصهيوني لم تحقق الاستقرار والأمان بل هي تواجه تحديات عديدة اليوم داخلية وخارجية، كما أن السلطة الفلسطينية التي أقيمت من خلال اتفاقية أوسلو في العام 1993 ها هي اليوم تعاني من المزيد من الاحتلال والقهر، وتحولت مؤسساتها إلى مجرد بلديات محدودة وقوة أمنية تتعاون مع الأجهزة الأمنية الصهيونية لمواجهة قوى المقاومة.
في السنوات العشر الأخيرة برّرت بعض الدول العربية السعي للتطبيع مع العدو الصهيوني بحجة مواجهة "الخطر الإيراني"، لكن اليوم بعد إعادة العلاقات بين إيران والسعودية وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإيران والبحث عن مشاريع عمل مشتركة؛ ما هو تبرير هذا التطبيع.
إذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يراهن على أن التطبيع مع العدو الصهيوني يؤمّن الاستقرار والأمان للمملكة السعودية ويفتخ الباب أمام التعاون الاقتصادي معها ويضمن الحماية الأمريكية، فهذا رهان فاشل بل سيؤدي إلى بروز معارضة حقيقية داخل المملكة وخارجها لهذا الرهان، ومن سعى أو يسعى للتطبيع مع العدو الصهيوني لا يمكن أن ينجو من غضب الشعوب العربية والإسلامية.
وفي ظل الصراعات التي تجري في العالم والمنطقة وبدلا أن تكون الدول العربية والإسلامية جزءا من هذه الصراعات والمحاور، فإنها معنية ببلورة مشروع النهضة العربية والإسلامية القائم على الاستقلال والوسطية والاكتفاء الذاتي، وتبقى القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين المحتلة من الكيان الصهيوني محور أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي، وبدون تحرير فلسطين وإزالة هذا الكيان الصهيوني لن تحصل المنطقة العربية والإسلامية وحتى العالم أجمع على الأمان والاستقرار. وهذا ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار في أي مشروع نهضوي أو اقتصادي لتطوير المنطقة أو دولها، ومهما طال الزمن تبقى فلسطين هي محور الصراع في المنطقة وتحررها.
twitter.com/kassirkassem
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صراعات الفلسطينية التطبيع فلسطين التطبيع صراعات محاور مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التطبیع مع العدو الصهیونی القضیة الفلسطینیة الکیان الصهیونی الدول العربیة الشرق الأوسط فی المنطقة فی العالم أی مشروع أن تکون جزءا من
إقرأ أيضاً:
خبراء: قرار محكمة العدل الدولية المرتقب بشأن فلسطين سيختبر النظام العالمي
في حين يترقب العالم قرار محكمة العدل الدولية بشأن الحرب على قطاع غزة، يقول خبراء إن إسرائيل لم تعد تبالي بالقانون الدولي ولا بالقرارات الصادرة عن هذه المؤسسات، في حين يقول آخرون إن هذه القرارات ستؤثر على السردية الإسرائيلية، مؤكدين أنها ستكون أكثر تأثيرا لو تحرك العالم لتطبيقها.
واستجابة لطلب قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر العام الماضي، بدأت محكمة العدل في لاهاي اليوم الاثنين جلسات علنية للنظر في التزامات تل أبيب القانونية تجاه الفلسطينيين بعد أكثر من 50 يوما على فرضها حصارا شاملا على دخول المساعدات إلى غزة.
ومن المقرر أن تستعرض المحكمة على مدى أسبوع مرافعات خطية وشفوية، تقدمت بها عدة دول ومنظمات دولية، بشأن مدى احترام إسرائيل للمعاهدات الدولية.
تطبيق القرارات
ورغم أهمية القرار المرتقب من أهم محكمة في العالم، فإن الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي يرى أن تطبيق الدول لقرار المحكمة هو المهم وليس مجرد صدوره.
وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، لفت البرغوثي إلى أن محكمة العدل أدلت برأي استشاري سابق قالت فيه إن الاحتلال القائم لفلسطين لا بد أن ينتهي، ودعت لإنهاء ما يتعرض له الفلسطينيون على يد إسرائيل، غير أن الدول لم تطبق هذا الرأي.
إعلانكما أن الموقف الدولي الحالي لا يعكس استعدادا من الدول الغربية تحديدا لتطبيق أي قرارات جديدة تصدر عن المؤسسات الدولية، برأي البرغوثي، الذي أكد أن كل القرارات "لن تحدث أثرا دون تطبيق الدول لها".
واتفق المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية جيفري نايس، مع رأي البرغوثي، بقوله إن قرار المحكمة سيكون مهما من الناحية الأخلاقية لكن الدول هي المخولة بتنفيذه وليست المحكمة.
ويعتقد نايس أن القانون الدولي "يخضع لاختبار حقيقي لأنه مطالب بإصدار قرار يدين إسرائيل بقوة لإجبار الدول على تطبيقه، وإلا فلن يكون هناك قانون وستفعل الدول ما تريده بطريقة إجرامية".
لذلك، يقول نايس إن العدالة البطيئة محبطة وإن العالم ينتظر قرارات ستنقسم الدول بشأنها لأن الولايات المتحدة والمجر مثلا تريدان عالما بلا قانون.
ومع ذلك، فإن سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه، "كان منفرا بشكل كبير بحيث أدرك العالم أن عليه التحرك بعيدا عنه"، كما يقول نايس.
ومن هذا المنطلق، فإن الأمل حاليا -برأي نايس- يكمن في قدرة الدول على مواجهة الولايات المتحدة بحقيقة أنها مخطئة في موقفها من قرارات المؤسسات الدولية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين، لكن السؤال المهم حاليا، كما يقول المتحدث، هو: "هل بلد مثل بريطانيا التي عرفت تاريخيا بتبعيتها السياسية لأميركا تمتلك شجاعة القيام بهذا الأمر؟".
وخلص المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية، إلى أن هناك بارقة أمل في أن القوة المنحدرة لأميركا "ستدفع الدول الأخرى لاتخاذ مواقف أفضل لعزل الموقف الأميركي المجري".
وربما يعطي إطلاق سراح بقية الأسرى الإسرائيليين -برأي نايس- مبررا لبعض الدول كي تحاسب إسرائيل على أي فعل تقوم به بعد استعادة أسراها، وقد يصل الأمر لطردها من الأمم المتحدة.
إعلان
قلق وغطرسة إسرائيلية
في المقابل، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن إسرائيل تقلق من تداعيات ما يجري في المؤسسات القانونية الدولية لأنه ينال من سمعتها وقد ينهي سردية الضحية التي استفادت منها على مدار عقود، لكنها في الوقت نفسه تعيش حالة غير مسبوقة من الغطرسة واحتقار القوانين الدولية.
والدليل على ذلك برأي مصطفى أنها حضرت أمام الجنائية الدولية قبل عام ولم تحضر اليوم أمام محكمة العدل، مما يعني أنها لا تتعامل مع أي قرار سيصدر عنها بجدية.
والأخطر من هذا برأي المتحدث، أن المحكمة العليا الإسرائيلية التي تعتبر حامية لليبرالية أصدت قرارا في مارس/آذار الماضي، يقر عدم إدخال المساعدات لقطاع غزة، مما يعني أننا إزاء دولة تعاند القانون الدولي بكل مؤسساتها العسكرية والسياسية والقضائية.
وإلى جانب ذلك، فإن إسرائيل بشكل عام تقف صفا واحدا عندما تكون في مواجهة مؤسسة دولية وهو ما حدث عندما أصدرت الجنائية الدولية قرارات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، كما يقول مصطفى.
وليس أدل على هذا من أن التحريض على إبادة سكان القطاع أصبح أكبر مما كان عليه قبل عام من الآن عندما طالبت الجنائية الدولية حكومة إسرائيل بمنع كل هذه الدعوات، حسب مصطفى.
فقد أكد المتحدث أن عضو الكنيست عن حزب الليكود موشي سعدة قال مؤخرا إن تجويع أهل غزة أمر أخلاقي، كما طالب كوبي بيرتس -وهو أحد أشهر المغنين في إسرائيل- بقتل كل سكان غزة من الطفل إلى العجوز، وتم وضع هذا التصريح في واجهة يديعوت أحرونوت كخبر عادي، كما يقول مصطفى.
ومع ذلك، يعتقد البرغوثي أن صدور قرار من العدل الدولية باعتبار ما يحدث في غزة إبادة جماعية سيؤثر بشكل ما على هذه الغطرسة الإسرائيلية، خصوصا وأن آخر الاستطلاعات "تظهر تأييد غالبية الأميركيين للفلسطينيين لأول مرة في التاريخ".
إعلانوخلص المتحدث إلى أن الأمم المتحدة هي التي طلبت رأي "العدل الدولية"، مما يعني أنه سيكون رأيا له قوة القانون، ويجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن تنفيذه، وإلا فسيتم تدمير المنظومة الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كامل.
وتأتي جلسات محكمة العدل الدولية في وقت يشرف فيه نظام المساعدات الإنسانية في غزة على الانهيار، بعد أن حظرت إسرائيل دخول الغذاء والوقود والدواء وسائر الإمدادات الإنسانية منذ مطلع مارس/آذار الماضي.