هيئة التراث تكشف عن دلالات معيشية وفنية بجبل عراف في حائل
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
كشفت هيئة التراث بالتعاون مع معهد ماكس بلانك الألماني في مشروع الجزيرة العربية الخضراء عن موقع يُعد من أهم مواقع فترة ما قبل التاريخ بجوار جبل عراف بمنطقة حائل، والذي نُشر في مقالٍ بمجلة بلوس ون (PLOS ONE)، إذ ضمّ الفريق العلمي المشارك بالمشروع عدداً من الباحثين والمتخصصين من المملكة، وأستراليا، وبريطانيا، وإيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، في تخصصات مختلفة لفترة عصور ما قبل التاريخ، والذين يعكفون على دراسة مواد أثرية مختلفة من عددٍ من المواقع الأثرية التي تعود لتلك الفترة.
ويقع جبل عراف في حوض بحيرة ضمن واحة جُبّة شمال مدينة حائل، وجنوبي صحراء النفود بالمملكة، وينتمي الموقع لفترة العصر الحجري الحديث، وذلك من خلال الدلائل والمعطيات الأثرية ونتائج التحاليل المخبرية والمقارنة التي حَدّدت الفترة الزمنية للموقع وأهم مكوناته، والدور الذي أدّاه إبان تلك الفترة وأبرز دلالاته الحضارية، كما يُعد الموقع مشهدًا طبيعيًا فريداً من العصر الحجري الحديث، ويحتوي على دلائل للتصنيع الحجري من تلك الحقبة، ويضم مأوىً صخرياً وموقعاً مكشوفاً يحتوي على آثار استيطانٍ ونشاط بشري موسمي منذ منتصف وأواخر عصر الهولوسين، وتشير نتائج التحاليل المخبرية للكربون المشع (C14) إلى أن ذروة الاستيطان البشري في الموقع كانت خلال الألف السادس وأوائل الألف الخامس قبل الميلاد.
وكشفت نتائج الأعمال التي تمت في الموقع عن عشرات المَساحِن والمدقات الحجرية التي كانت تُستخدم في الأنشطة اليومية حتى بعد تعرضها للكسر نتيجة كثرة الاستخدام، وقد وُجدت مجموعة منها داخل العديد من مواقد النار، مغطاة بأحجار صغيرة وشظايا المَساحِن المكسورة، والتي أُثبت استخدامُها في تحضير النباتات، وطحن العظام، وذلك استناداً إلى نتائج التحاليل باستخدام الفحص المجهري لمجموعة من هذه المَساحِن، لتحديد طرق الاستخدام والعادات الغذائية للإنسان في تلك الفترة.
وأظهرت نتائج دراسة المَساحِن الحجرية العادات الغذائية والحياة الاقتصادية للإنسان في تلك الفترة، واستخداماتها في تحضير الطعام النباتي والحيواني، والتي منحت مؤشرات مؤكدة على بدايات التحول الاقتصادي، وانتقال الإنسان من مرحلة الصيد والالتقاط إلى مرحلة إنتاج الغذاء -بحسب الموارد المتوفرة-، واستخدم الإنسان هذه المَساحِن البسيطة في تحضير النبات كغذاء، وإعداد العظام الحيوانية وربما تكسيرها بهدف الوصول للنخاع الذي يُعد مصدراً غذائياً مهماً في بيئة العصر الحجري الحديث، حيث كانت هناك أنواع مختلفة من الحيوانات البرية تعيش في الجزيرة العربية، واستهلكها الإنسان في غذائه، ومنها الأبقار والغزلان والأغنام والمها والماعز والنعام.
وتُشير النتائج إلى استخدام أدوات السحن في إنتاج الأصباغ المستخدمة في الأعمال الفنية بشكلٍ واسع، كونها سمة مميزة للفن الصخري الملون الذي يُعد شائعاً في شمال الجزيرة العربية في العصر الحجري الحديث، والذي خلّف من خلاله الإنسان لوحاتٍ من الرسوم الصخرية الملونة للحيوانات المنتشرة في بيئته، كما يحتمل أن تلك الأصباغ الملونة قد استُخدمت كذلك كمواد ومستحضرات للتجميل.
وشكّل استخدام المَساحِن الحجرية جزءاً مهماً من حياة المجتمعات البشرية بالجزيرة العربية، ولم يتوقف استخدامها حتى الوقت الحاضر، فقد أظهرت الدراسات الإثنوأركيولوجية وجود المَساحِن في العديد من القرى بالمناطق الريفية التي تعتمد على الزراعة كمصدرٍ رئيسيٍ للغذاء.
وتُلقي هذه الاكتشافات المميزة بضوئها على بعض الجوانب المجهولة عن أنشطة الإنسان في فترات ما قبل التاريخ، والتي سبقت اكتشاف الكتابة، وظهور التاريخ، والتدوين، كما تُعطي مؤشراً على تكيف الإنسان بهذه المنطقة، واستغلاله للموارد البيئية المتاحة واستخدامها بما يتوافق مع أهدافه، كما تعكس الجوانب الفنية من خلال استخدام تلك الأدوات في إنتاج مواد فنية عبّر بها هؤلاء الأفراد والمجتمعات القديمة عن نمط حياتهم، ومعيشتهم خلال فترات عصور ما قبل التاريخ المختلفة.
ويأتي هذا الاكتشاف في إطار جهود هيئة التراث في أعمال المسح والتنقيب الأثري التي تجريها دورياً، والسعي في مواصلة الاكتشافات والدراسات العلمية لمواقع الآثار الوطنية بكافة مناطق المملكة، وفي مختلف الفترات والعصور التاريخية والحضارية، والتعريف بها والاستفادة منها كموردٍ ثقافي واقتصادي مهم ضمن الاستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة من رؤية السعودية 2030.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية تلک الفترة
إقرأ أيضاً:
مصر تستعد للاحتفاء بكوكب الشرق في ذكرى رحيلها الـ50.. فعاليات ثقافية وفنية
في ذكرى مرور 50 عامًا على رحيل "كوكب الشرق" أم كلثوم، تحتفل مصر بتراثها الفني الغني من خلال سلسلة من الفعاليات التي تنظمها وزارة الثقافة ودار الأوبرا، مع تسليط الضوء على إرثها الغنائي الذي لا يزال حيًا في قلوب محبيها.
وزارة الثقافة بصدد إطلاق برنامج احتفالي شامل يستمر طوال العام، يتضمن مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية التي تهدف إلى إبراز تأثير أم كلثوم الكبير في العالم العربي. من بين أبرز هذه الأنشطة تنظيم حفلات موسيقية محلية وإقليمية ودولية، بمشاركة نخبة من الفنانين العرب الذين سيعيدون تقديم أغانيها بأساليب معاصرة تحافظ على أصالة وجماليات تراثها. كما ستنظم الوزارة مسابقات لاكتشاف المبدعين الجدد في مجال الغناء والموسيقى، سعياً لرعاية المواهب الشابة التي قد تحمل في صوتها عبق كوكب الشرق.
على صعيد آخر، أعلنت دار الأوبرا المصرية عن برنامج مكثف يتضمن العديد من الفعاليات داخل مصر وخارجها. وعلى المستوى الدولي، سيقدم "أوركسترا الموسيقى العربية" بقيادة المايسترو الدكتور علاء عبد السلام حفلاً ضخماً على مسرح "فيلهارمونى دى باريس" في العاصمة الفرنسية، بمشاركة المطربتين رحاب عمر وإيمان عبد الغني، لإبراز ريادة الفن المصري عالميًا.
وفي مصر، تبدأ الاحتفالات بمسرح معهد الموسيقى العربية بحفلين خاصين. الأول ضمن سلسلة "كلثوميات" يقام يوم الأحد 9 فبراير، ويشارك فيه كل من أسماء كمال ونهاد فتحي، بينما يقدم الحفل الثاني "فرقة التراث للموسيقى العربية" بقيادة المايسترو الدكتور محمد الموجي في 16 فبراير.
كما تنظم دار الأوبرا بالتعاون مع عدد من الجهات مسابقة لاكتشاف الأصوات الشابة في مختلف محافظات الجمهورية تحت عنوان "اكتشاف أم كلثوم 2025"، في محاولة للبحث عن موهوبين جدد يعيدون إحياء الروح الفنية لأم كلثوم.
أما "مهرجان أم كلثوم للموسيقى والغناء"، الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، فسيجوب مختلف المحافظات بدءًا من مسقط رأس كوكب الشرق، وذلك طوال شهر فبراير الجاري. ويستمر هذا المهرجان في تقديم عروض موسيقية متميزة احتفاءً بمكانتها الفريدة في تاريخ الموسيقى العربية، ليظل اسمها خالدًا في الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة.